أسس الحكومة الإسلامية وأصولها

أسس الحكومة الإسلامية وأصولها

 

 

أسس الحكومة الإسلامية وأصولها

 

قاسم المالكي ـ قم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نحاول ان نسلط بعض الضوء على حكومة(ولاية الفقيه) على أساس أنها أطروحة سياسية ناضجة، ذات صفة شرعية قادرة على إدارة دفة الحكم ولها أدواتها وأساليبها في هذه الإدارة إضافة إلى قدرتها على معالجة القضايا السياسية العالمية والعلاقات الدولية ضمن الإطار الشرعي ووفق نهجها مقابل المناهج الإسلامية والرؤى الأخرى.

وتعتمد هذه النظرة على أساس وقوف الفقيه الجامع للشرائط الذي اعتمدته الأمة وليا لها على رأس الهرم السياسي ويستند في شرعيته على أساس نيابته العامة للمعصوم عليه السلام المنصب من قبل الله تعالى وفقا لأطروحة النص في الإمامة ولذلك يستمد صلاحياته من المعصوم عليه السلام ويأخذ دوره في عصر الغيبة. ليكون مشرفا على المؤسسات التشرعية والتنفيذية والقضائية ويراقب أعمالها حتى. لا تخرج من الإطار الشرعي وبعد ان يحدد صلاحياتها وفق نظام يختاره وبالاستعانة بالخبراء في هذا المجال.

ـ(496)ـ

كيف يختار الولي:

قبل النهضة الإسلامية الحديثة في إيران وقيام الإمام الخميني رحمه الله بالثورة الإسلامية المباركة وتشكيل أول حكومة إسلامية في عصر الغيبة تعتمد الإسلام وولاية الفقيه نظاما للحياة وتستنبط دستورها على ضوء التشريع الإسلامي الحنيف. فقبل انبثاق هذا الفجر الإسلامي الجديد الذي سطعت أنواره. وكشفت عن القوانين الإسلامية النيّرة التي كانت مطمورة في ظلام الزمن.

كانت المرجعية تظهر إلى السطح من خلال سعة المقلدين. والذين اعتمدوا في تقليدهم هذا المرجع وفق ضوابط التقليد المعروفة والتي تذكر عادة في الرسائل العملية ومن أبرزها الأعلمية وغالبا ما ينظر إليها في باب الفقه والأصول. وفي نفس الوقت لا تنكر المواقف السياسية الشجاعة لكثير من مراجع التقليد(قدس) وتحملهم لمسؤولياتهم تجاه الأحداث الخطيرة. لكن نقول لم تطرح المسألة السياسية بالشكل الذي طرحها الإمام الخميني(رحمه الله). على أساس إقامة دولة إلهية على رأسها الفقيه الجامع للشرائط وعلى أساس ولاية الفقيه. والذي راح صداها يتردد في الآفاق وتولدت منها هذه الحكومة المباركة. والتي قادها من خلال تصديه لقيادة الثورة وبعد ان مالك من مقومات القيادة من غير منافس.

لكن هذه الصفات والحالة التي يشرق بها الإمام قد لا تكون متوفرة في كل الحالات وفي كل الأزمنة والظروف. وفي كل الشخصيات القيادية لذلك لابد من ضوابط يمكن اعتمادها لتكون مرجعا على ضوئها يمكن اختيار القائد الذي يتحتم على الأمة طاعته. ولابد من معرفة حدود دائرة إطاعة. وهل يمكن ان توضع علامات لو تجاوزها القائد تعلن إشارة الخطر وكيف تقوم الأمة بواجبها عند ذلك.

ـ(497)ـ

الضوابط في المدارس الأخرى

وبعض اتباع المدارس المذهبية انتزع مقياسه من خلال نظام سياسي حكم فترة من الزمن فمثلا من يذهب إلى الشورى وضع نصب عينيه الطريقة التي انتخب على ضوءها(1). أبي بكر في مؤتمر السقيفة. ومن يذهب إلى الوصية والنص، لاحظ وصية أبي بكر ونصه ـ على الخليفة عمر ان يكون الخليفة من بعده.

ومن يذهب إلى نظرية أهل الحل والعقد فقدوته في ذلك خلافة عثمان ابن عفان(2). ومن يرى جواز ان يكون حاكمان في زمان واحد ناظر إلى صحة خلافة كل من الإمام علي عليه السلام في العراق وخلافة معاوية في الشام. ومن يقول بولاية العهد والميراث إلى شرعية خلافة الأمويين والعباسيين.

وهناك من يذهب إلى صحة الوصول إلى الخلافة بالقهر والاستيلاء والدعوة إلى نفسه. والبعض يذهب إلى حرمة الخروج على الحاكم وان كان فاسقا ولكن لو خرج الخارج ووصل إلى السلطة أصبحت سلطته شرعية. وبهذا توجد معركة كبيرة في هذا المضمار وخلط عظيم يحتاج إلى تصفية وغربلة تخرجنا من هذا المأزق.

خط الإمامية:

الإمامية خطهم قائم على أساس مرحلتين مرحلة وجود المعصوم سواء وقف فعلا على رأس هرم السلطة كالإمام علي عليه السلام أثناء خلافته أو دفعته الأحداث بعيدا عنها. فهو يؤدي دوره بالأسلوب الذي يتلائم مع ظروفه باعتباره قائدا مفترض الطاعة منصب من قبل الله بالنص لـه كل السلطات المتعارفة في عصر الحضور.

___________________________

1 ـ دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث. عبدالله النعيسي وتاريخ العراق السياسي ج 2 حسن شبر.

2 ـ الكامل لابن أثير 2: 292.

ـ(498)ـ

المرحلة الثانية في عصر الغيبة. الذي اعتمدنا فيه على ولاية الفقيه. وفي قبال ذلك آراء أخرى بعضها بعيدة عن الواقع كالتي تقول كل راية تقوم قبل الظهور فهي راية ضلال. وما شابه ذلك. إلا أنه هناك نظريات لا بأس بها ـ الشورى ـ المرجعية الرشيدة ـ ولاية الفقيه.

ولاية الفقيه:

نطرح السؤالين التاليين:

1 ـ هل للفقيه ولاية للحكم.

2 ـ حل تشترط الفقاهه في الحاكم أو في الولي.

أجابوا على السؤال الثاني بنعم واستدلوا ان الفقاهة القدر المتيقن من فات الحاكم وما دونه يشك فيه فالأصل عدم الأهلية لغير الفقيه(1).

أما الجواب على السؤال الأول فهناك بعض الاختلاف فيه ويتسع الخلاف في حدود ولاية الفقيه. ومنبع الاختلاف في حدود الولاية يظهر من الدليل الذي اعتمده الفقيه للدلالة على ولاية الفقيه كما سيتضح إنشاء الله.

كيف ينّصب الفقيه للولاية.

إذا تخطينا مسألة المعصوم وآمنا أنه ينّصب بالنص وقلنا ان الفقيه امتداد لولاية المعصوم عليه السلام يأتي السؤال كيف نفرز الفقيه الولي من بين الفقهاء الآخرين الجامعين للشرائط؟

للجواب نقول:

ـ معلومان الفقيه منصوب بالنصب العام كما دلت عليه مقولة عمر ابن حنظله(2).

___________________________

1 ـ ولاية الفقيه ج 1 الشيخ المنتظري ص 407.

2 ـ الوسائل ج 18 باب 1 حديث 9.

ـ(499)ـ

وغيرها. لكن هل هذا النصب فعلي بحيث ان كل فقيه لـه الحاكمية الفعلية بعرض واحد.

ـ أو أن النصب العام لا يفيدنا إلا لبيان الشرط الذي يؤهل الإنسان ان يكون حاكما والفعلية تحتاج إلى أمور أخرى. فكل فقيه مؤهل للولاية وليس ولياً فعلاً.

فتتولد مشكلة التزاحم بين الفقهاء خاصة إذا قلنا بعدم تعدد الولي. فهي ليست كالتقليد بإمكان كل مقلد ان يختار مجتهدا غير الذي يختاره الشخص الآخر.

ويكون التزاحم أشد وأخطر على القول ان الفقيه منّصب ليس على مستوى التأهيل فحسب بل على مستوى الفعلية وأنه حاكم فعلا. فكل فقيه عندما يعمل فعليته سوف تتعارض مع فعلية الفقيه الآخر.

إبعاد التزاحم:

البعد الأول: من خلال تشكيل حكومة إسلامية عالمية واحدة فكيف.

يفرز الفقيه الجامع للشرائط من بين الفقهاء الآخرين.

البعد الثاني: من خلال تشكيل عدة حكومات يشرف عليها فقيه غير الفقه الذي يشرف على الحكومة الأخرى.

تصورات لحل المشكلة:

1 ـ التحدي: يمكن معرفة الفقيه الجامع للشرائط المؤهل لقيادة الأمة من خلال تجربة ميدانية طويلة ومواقف نبيلة للفقيه تفرز القناعة بأهليته للقيادة. ومن خلال تصديه لأمور الأمة وتحمله المسؤولية الكبرى وتدخلاتها في حل مشاكلها والنهوض ضد الأنظمة الفاسدة ودرجة وعيه في الأمور السياسية من خلال تشخصيه لمجريات الأحداث ونظره الثاقب للمستقبل. وهذا ما حصل فعلا للإمام الخميني «رحمه الله

ـ(500)ـ

تعالى عليه» وتشخيص القائد في المرحلة الثورية من خلال التصدي أوضح منها في مرحلة تكوين الدولة.

البيعة:

الطريقة الثانية لتشخيص القائد هي البيعة(1). والمعنى الشرعي للبيعة هو التعهد بشكل كامل بالطاعة(2). ويمكن تصنيف البيعة إلى ثلاث أصناف.

ألف ـ بيعة الدعوة:

أول بيعة للدعوة في تاريخ الإسلام هي بيعة العقبة الأولى بعد ان بايع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر رجلا مع امرأة على ان يدعوا قومهم إلى الإسلام ولم يأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم منهم بيعة على قتال بل كما يروى بايعناه كبيعة النساء(3). أملا ان يجمعهم الله تحت راية الإسلام ويؤلف بين قلوبهم بعد ان حلت بينهم البغضاء وتفرقت كلمتهم فهم بحاجة إلى من يجمع شتاتهم.

 ب ـ بيعة الجهاد:

كما في بيعة العقبة الثانية عندما بايع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم(72) رجلا وامرأتين وقال لهم ـ أنا منكم أحارب من حاربكم وأسالم من سالمتم(4) ومثله بيعة الرضوان أو الشجرة(5). وذلك عندما خرج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه للعمرة لا للقتال. ولكن تغيرت الحال عندما تهيأت لقتال النبي ولم تسمح لـه بالعمرة. فعندما اجتمع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بأصحابه وأخذ منهم بيعة للحرب والقتال.

___________________________

1 ـ معالم الحكومة: ص 214.

2 ـ الدر المنثور ج 6 ص 74.

3 ـ الدر المنثور ج 6 ص 74.

4 ـ سيرة ابن هشام ج 2 ص 75.

5 ـ سيرة ابن هشام ج 2/76.

ـ(501)ـ

ح ـ بيعة الولاية:

وذلك حينما بايع المسلمون أمير المؤمنين في غدير خم(1) بالأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وهذا معناه تنجز الولاية على عهدة الناس والرعيّة. بالرغم ان الولاية على أمير المؤمنين منصوصة من قبل الله لكن أخذت البيعة بهذا الشكل لتكون صيغة تنظيمية وتوكيد لما أراده الله واوكد للذاكرة وتلزم الناس بما ألزموا به أنفسهم من الالتزام بعهودهم ومواثيقهم. حيث تم بإرادتهم واختيارهم. ولذلك يمكن ان يقال ان هذه البيعة من باب مقدمة الواجب وليس الوجوب كالوضوء للصلاة فأن الصلاة واجبه على الإنسان بذاتها بالوضوء. لكن لا داءها لابد من وضوء. كذلك بالنسبة لولاية الفقيه وعلى رأي القائلين أن الفقيه نصب للولاية الفعلية لا التأهيلية. فأن البيعة هنا مقدمة لأجراء الولاية من قبل الفقيه الذي بايعته الأمة. فيكون الأثر الشرعي هو تنجيز لولاية لهذا الفقيه ودفع التزاحم. وأما الصورة على الرأي القائل ان التنصيب تأهيل. فإن البيعة تحول التأهيل إلى الفعلية فيرتفع التزاحم. فتتحول من ولاية عرضية إلى طويلة بالنسبة لباقي الفقهاء.

الانتخابات:

لم يُحدد في الشريعة الإسلامية أسلوب خاص للبيعة. وإنّما تحدث التاريخ عن أساليب مختلفة للبيعة(2) وتبقى الباب مفتوحة لأساليب جديدة تناسب الظروف في العصور المختلفة... وإذا كانت البيعة لكثير عن تعهد الأمة لطاعتها وتشخيصها لقائده.

فإذا كان يوما ما بالمصافحة فلا مانع ان يكون اليوم يوضع ورقه في صندوق الاقتراع وقد تعبّر عن تأييدها من خلال المظاهرات والشعارات فهذه كأساليب لا تتعارض مع

___________________________

1 ـ سليم ابن قيس ص 228.

2 ـ معالم الحكومة الإسلامية سبحاني ص 260.

ـ(502)ـ

الشريعة الإسلامية وغير منهي عنها إلا أنه يبقى الكلام من هذه الأساليب، هو الأفضل... الذي بإمكانه ان يفرز القائد الأفضل. وذلك منوط بوعي الأمة قبل كل شيء.

فهناك من يحتمل ان المهديون بعد المهدي يرشحون بالانتخاب(1) بعد ان تسلمت بالوعي وهذا الوعي هو الضامن الأقوى لاختيار القيادة الصالحة.

بعد ان أعدت مدرسة أهل البيت البرنامج التربوي والفكري والعقائدي الذي ربت عليه أبناءها حتى صار حاله حياتيه وعرف سائد. ورؤية اجتماعية لها دور في تشخيص الأكثر تأهيلا للقيادة وترفض كل القيادات التي عبرت للسلطة عبر وسائل غير مشروعه والتاريخ شاهد على ذلك . غير ان أصحاب مدرسة أهل البيت عليه السلام ترفض مبايعة هذا النوع من الحكام رغم كل التعسف والحيف الذي لا حقهم من جراء موقفهم هذا.

مجلس الخبراء:

وكما ان الأمة بإمكانها ان تعيّن القائد بصورة مباشرة بالانتخابات أو بالوسائل التي تختارها. والتي تعبر عن أرادتها من خلالها. كذلك بإمكانها ان تحول أمر اختيار القائد إلى مجموعة من أهل الخبرة الثقات الذين تعتمدهم لهذه المهمة تحت عنوان مجلس الخبراء أو أهل الحل والعقد ويمكن اختيارهم بالانتخاب أو من خلال وضع مواصفات معينة من تكتمل به بحق لـه ان يشارك في ترشيد اختيار القائد كان يتصف مثلا بالاجتهاد أو الخبرة السياسية مع الاتصاف بالتقوى والصلاح. أو القائد نفسه يختار المجموعة التي تختار القائد من بده ـ شبيهاً بمجلس الخبراء في دستور الجمهورية الإسلامية الذي عمل على تدوين الدستور(2) تضاف إليه مهمة اختيار القائد.

___________________________

1 ـ الإمامة وقيادة المجتمع السيد الحائري ص 41.

2 ـ دستور الجمهورية الإسلامية (مترجم) ص 15.

ـ(503)ـ

شورى الفقهاء:

وهو اجتهاد جماعي مكون من مجلس يضم مجموعة من الفقهاء يرجع إليهم في الإفتاء في الأمور المختلفة السياسية والإدارية وغيرها من الأمور. ويكون بمثابة مجلس قيادة تناط به قيادة الأمة والاشراف على مؤسساتها وتسديدها ومعالجة مشاكلها واقرار الوظائف والمسؤوليات ويكون ذلك على شكل لجان.

صلاحيات الفقيه:

إذا اعتمدنا ولاية الفقيه كمبدأ سياسي للإدارة والحكم. نحاول ان نستعرض صلاحيات الفقيه بصورة مجملة. بناءا على مبدأ ولاية الفقيه فأن صلاحيات الفقيه كما ذكرنا امتداد لصلاحيات النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام كما يظهر من قول الإمام الخميني رحمه الله ـ وقد فرض الله الحكومة الإسلامية الفعلية المفروض تشكيلها في زمن الغيبة. نفس ما فوضه للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام من أمر الحكم والقضاء والفصل في المنازعات وتعيين الولاة والعمال وجباية الخراج وتعمير البلاد(1). وهذا معناه ان منطقة الفراغ التي تركتها الشريعة منوط بالفقيه صلاحية ملأها بما يناسب ومستحدثات العصر.

من إقامة المعاهدات وإعطاء الأمان وإقرار القوانين التي تسنها السلطة التشريعية.

ومصادقه على الحكومة وعزلها. وفق نظام يقره الفقيه نفسه وكذلك الأمر بالدفاع والصلح ورسم سياسة البلاد والعلاقات الخارجية وإمضاء الخطة الاقتصادية وإجازة الجمعيات والتنظيمات السياسية وحلفائهم ان هذه الأوامر لا تكون من رغبات ومصالح الفقيه الخاصة وإنّما على أساس مبادئ الإسلام وقيمه ومصلحة الإسلام العليا بناء

___________________________

1 ـ الحكومة الإسلامية. ولاية الفقيه. الإمام الخميني.

ـ(504)ـ

على المواصفات الخلقية والموضوعية التي يتصف بها الفقيه. وملكة التقوى والزهد والكمالات الأخرى التي جعلت تضع ثقتها به والتي تقف أمام الطبيعة البشرية وغريزة استغلال الصلاحيات الواسعة لمصالحه الخاصة.. وفي المقابل ان الأمة لها من التربية والوعي. والحساسية بحيث تحس أي مخالفة شرعية وتقف بوجه المخالف ان كان تصرفه يقفي إلى غير الصالح العام ومصلحة الإسلام والمسلمين كما بينا ان الرقابة عامة من هنا تنقل إلى مصطلح آخر.

 

النصيحة:

هناك حالة متبادلة بين الأمة والقائد. في الرقابة والنصيحة. والنصيحة من المصطلحات الإسلامية التي تنطوي على مفهوم اسلامي وقيمة من قيمة الخلقية ومبنى من المبناني السياسية فهو مفهوم عقائدي سياسي اجتماعي أخلاقي أو يمكن ملاحظة هذه الأبعاد من خلال هذا الحديث الشريف. الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله: قال لله.. ولرسوله ولائمة الدين ولجماعة المسلمين(1). وفي حديث آخر من يضمن لي خمساً اضمن لـه الجنة.

1 ـ النصيحة لله عز وجل.

2 ـ النصيحة لرسوله.

3 ـ النصيحة لكتابه.

4 ـ النصيحة لدين الله.

5 ـ النصيحة لجماعة المسلمين(2).

وبهذا تدخل النصيحة في ميم النسيج الإسلامي. فهي رقابة تشمل جميع قطاعات المجتمع بما فيها القيادة. وتقوم هذه الرقابة من قبل القادرين عليها من أهل الخبرة بما يتناسب خبرتهم ويقدمون النصح للدولة بما يناسب المصلحة العامة.. ويمكن ان تقنن هذه الرقابة والنصح عن طريق مجالس وهيئات مثل مجلس الشورى أو مجلس الخبراء وعبر وسائل الأعلام المسموعة والمتطورة والمكتوبة ويمكن ان تدخل في نطاق الأمر بالمعروف والنهي

___________________________

1 ـ تسمى الأخيار ج 20.

2 ـ وسائل الشيعة طبعة آل البيت ج 26 ص 382.

ـ(505)ـ

عن المنكر. ويمتد إلى فسخ البيعة والقيام ضد الحاكم وفق شروط ومواصفات معينة وللمزيد من التفصيل يمكن مراجعة ولاية الفقيه وفقه الدولة(1) وهذا يرجع إلى وعي الأمة وفهمها للإسلام ومعرفتها بحدود الشريعة. وهذا يعطي كمالا آخر لولاية الفقيه. فهي ليست دكتاتورية كما يحلو للبعض ان يغمزها أو يصفها بالنموذج الكنيسي ومن نوع الأنظمة التي تكم الأفواه. تقوم على أساس فلسفة الحق الإلهي وان الحاكم ظل الله في الأرض لا يجوز الاعتراض على أخطاءه فأنه اعتراض على الله ـ في حين أثبتت التجربة الإسلامية في إيران على ان ولاية الفقيه مشروعا سياسيا متكاملا قضى على الدكتاتورية والتبعية. وله القدرة على ردع الصدع ومنح الكلمة والقضاء على حالة التمزق في جدار الأمة وما الانتخابات الأخيرة التي عبر الشعب عن أرادته بكل حرية وشارك بكل فعالية ثبتت ان حكومة ولاية الفقيه تكسر القيود التي ظلت سنين تقيد إرادة الشعب. فهاهي التجربة الإسلامية تخرج من خندق الدفاع إلى مواقع الهجوم لتغزوا العالم بالفكر الصحيح النافع لكل الأمم والشعب.

وخاصة بعد التطور الذي وصلت إليه التجربة الإسلامية الرائدة من خلال إعطاء بعد شامل لهذه النظرية يمكن ان تنطوي خلالها إيجابيات النظريات الأخرى فهي تجمع بين الشورى وولاية الفقيه وشورى الفقهاء. فمن يريد الشورى. ينظر إلى مجلس الشورى ومجلس الخبراء. هو الشورى لاختيار الفقيه ومن يريد ان يكون الفقيه على رأس الهرم السياسي مع الصلاحيات الخاصة بولاية الفقيه العامة فها هو كذلك على رأس السلطات الثلاثة السيد الولي الفقيه السيد الخامنئي حفظه الله ورعاه. وهكذا.

___________________________

ولاية الفقيه المنتظري ج 1 ص 510.

ـ(506)ـ

وظائف الولي الفقيه:

وظائف الفقيه كما كان الإمام والحاكم الإسلامي القائد. والمرجع للأُمة في كافة أمورها هو الفقيه المتصدي، لذا يقع على عاتقه مجموعة من الوظائف عد بعضهم خمسة عشرة وظيفة(1) ونحن نقول أعداد المجتمع الصالح والمحافظة عليه من خلال تطبيق الأحكام الإسلامية وتعبيد الناس لله.

أما كيفية تنفيذ هذه الوظائف والواجبات؟ فليس هناك شكل تفصيلي خاص.

بحيث يكون هناك قالب خاص لكل صغيرة وكبيرة. نعم توجد هناك أصول كلية وضوابط عامة. تملي على الحاكم واجباته وتتحكم في تصرفاته. وهذا التقسيم إلى السلطات الثلاثة التشريعية، والتنفيذية والقضائية ليس منصوصاً عليه ولا هو الأسلوب المتعارف في الحكومات السابقة. ولا هو الأسلوب الوحيد الذي لا يجوز تخطيه وإنّما هي ابتكارات إنسانية ولما كانت لا تتعارض مع روح الشريعة ولها فوائد تنظيمية في تسهيل إدارة البلاد لا بأس عند ذلك ان تقر ويعمل بها وفق الضوابط الإسلامية.

ومن هنا نحاول ان نستعرض بشكل أجمالي أسلوب العمل من خلال هذه السلطات الثلاث ودور الولي الفقيه فيها وكيف يعمل سلطته من خلالها.

وكما كان الولي الفقيه هو المسؤول الأول عن صلاح المجتمع وفساده لذا منح من الصلاحيات بما يتناسب ومسؤولياته فيحتاج إلى وسائل يعمل بها سلطته.

فالسلطات المشار إليها عمل فني يستعين به الولي لإدارة شؤون الحكومة وسياسة الأمة. من هنا لابد من الوقوف على طبيعة هذه السلطات واحدة واحدة بشكل إجمالي لنعرف كيف يتصرف الولي فيها.

___________________________

1 ـ الأحكام السلطانية الماوردي ص 22.

ـ(507)ـ

السلطة التشريعية:

وهي فريق الشورى الذي تنتخب الأمة أعضاءه تحت شروط ووفق مواصفات خاصة وتقع عليهم مهمة التصديق على لوائح الحكومة ومقترحات الوزراء بعد تبادل الرأي ودراستها لتقديمها بعد ذلك إلى الحكومة للتنفيذ(1) وكذلك يدخل في السلطة التشريعية مجلس الخبراء الذي يقوم بتدوين دستور الجمهورية الإسلامية(2).

الفرق بين التشريع في النظام الإسلامي وبقية الأنظمة في الوقت الذي يحاول المرشح للسلطة التشريعية من القوانين بما يتلائم ومصالح ناخبيه من غير ضوابط محددة. ويكون ذلك على مقياس العقل وما وصلت إليه التجارب في الأنظمة والشرائع الأخرى وما تملي عليه الأهواء والرغبات. نجد ان أعضاء الشورى ليس لهم الخروج عن حدود الشريعة بل عملهم يعد اكتشاف واستنتاج وصياغة تنظيمية للقوانين من الشريعة الثابتة في أصولها الكلية وإنّما صياغتها بما تناسب العدالة وإعطائها الصورة النقية التي يسهل إدارة البلاد من خلالها.

ـ ثم لا ننسى ان أعضاء الشورى هم أمناء ومساعدون للولي الفقيه في عمله وبذلك فأن صلاحياتهم مستمدة من صلاحيات الفقيه الذي صادق على عضويتهم.

ـ ثم ان أعضاء الشورى يمكن ان يختارهم الفقيه بنفسه باعتبار صلاحياته إلا أنه يمكن ان تنوط ذلك إلى الأمة إذا استأنس منهم الرشاد والوعي الكافي لتشخيص الأصلح والأكفاء من بين المرشحين دون ان تؤثر فيهم الدعايات ووسائل الأعلام وتزيغهم عن الحق. وحتى يتفاعل أبناء الأمة مع قيادتهم ويتحملوا مسؤوليتهم بصورة أكثر جدّية. هذا بناء على الولاية المطلقة للفقيه والثابتة عن طرق الدليل اللفظي القطعي سواء الفعلية أو التأهيلية لأن الولاية التأهيلية بعد التشخيص تكون كالفعلية

___________________________

1 ـ معالم الحكومة الإسلامي ـ سبحاني ـ ص 30.

2 ـ دستور الجمهورية الإسلامية مترجم ص 17.

ـ(508)ـ

من ناحية الصلاحيات. فالتشريع في الواقع يمر بثلاث مراحل(1).

1 ـ مرحلة التشريع الذي هو حق لله﴿...إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لله...﴾﴿...أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ...﴾(2).

فهو الذي يملك ملكا حقيقيا لا اعتباريا كل البلاد والعباد ثم أنه الوحيد المطلع على المصالح الحقيقية والمفاسد والمضار والمنافع ولا يشركه في ذلك أحد.

2 ـ رحلة استنباط الأحكام الشرعية واستخراجها من منابعها الصحيحة والإفتاء بها ومرجعها الفقهاء العدول.

3 ـ مرحلة ترسيم الخطوط الكلية والبرامج الصحيحة وصياغة تلك الفتاوي بشكل قوانين: يسهل تطبيقها بشكل يصونها عن الاستغلال من قبل أصحاب الأهواء والمطالع والمغلطين، بل تصاغ على شكل قوانين ثابتة يلتزم بها الجميع ويعمل على ضوءها أعضاء الحكومة فالسلطة التشريعية المقصود بها في الشريعة هي المرحلة الثالثة حيث يصوغ فريق الشورى الدستور.

وبعد ان يصادق عليه يقدم إلى السلطة التنفيذية لتعمل على ضوءه وتسعى لتنفيذه.

السلطة التنفيذية:

بعد صياغة القوانين واللوائح الدستورية من قبل السلطة التشريعية يأتي دور السلطة التنفيذية حيث تقوم بترجمة هذه القوانين إلى وقاع عملي ففي دستور الجمهورية الإسلامية نص على أهمية السلطة التنفيذية فيما يتعلق بتطبيق الأحكام والتعاليم الإسلامية بهدف الوصول إلى حكومة العلاقات والروابط العادلة في المجتمع وأيضاً فأن لها دورها في تمهيد الأرضية للوصول للمقصد النهائي(3). ويتم ذلك من

___________________________

1 ـ معالم الحكومة الإسلامية ـ سبحاني ص 301.

2 ـ سورة الأنعام 57 و62.

3 ـ دستور الجمهورية الإسلامية ص 16.

ـ(509)ـ

خلال أدواتها التي تتشكل حسب دستور الجمهورية الإسلامية من ثلاثة مناصب رئاسة الجمهورية وهي أعلى سلطة رسمية في الدولة بعد منصب القيادة.. وهو المسؤول عن تطبيق الدستور وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاثة ويرأس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشر بالقيادة(1).

القسم الثاني: رئيس الوزراء والوزراء يعين الوزراء باحترام رئيس الوزراء وبمصادقة رئيس الجمهورية. ثم يعرضون على المجلس للتصويت على الثقة(2).

(جمعت في الفترة الأخيرة رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية في منصب واحد).

القسم الثالث: الجيش ـ يحتمل الجيش مسئولية الدفاع عن استقلال ووحدة أراضي الدولة الإسلامية(3).

ومن خلال هذه الأدوات يعمل لتنفيذ الدستور.﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾(4). هذا التركيب المعقد لا يختلف في روحه عن أسلوب السلطة التنفيذية على عهد الرسول. والإمام علي عليه السلام فالولاة هم الوزراء فكان يعين الأمراء العاملين على النواحي ويقيم الولاة على البلاد وعين رجالا للقضاء وآخرين لجباية الصداقات وجلب الزكوات وربما أمر الرجل الرحل على قومه لأنه أيقظ عينا وادري بفنون الحرب من غيره أو خلف أحدا مكانه عند غيابه كما كان يخلف ابن أم مكتوم في بعض الأحيان عند غيابه عن المدينة(5) وكما خلف عليا عليه السلام عند خروجه من غزوة تبوك وأمّر عنان ابن أسيد على مكة وأوكل إليه إقامة المواسم والحج للمسلمين عام الفتح(6).

___________________________

1 ـ دستور الجمهورية الإسلامية ص 50.

2 ـ دستور الجمهورية الإسلامية ص 54.

3 ـ دستور الجمهورية الإسلامية ص 57.

4 ـ سورة الحج: 41.

5 ـ الكنى والألقاب للقمي ج 1 ص 218.

6 ـ سيرة ابن هشام ج 2 ص 520.

ـ(510)ـ

وعين معاذ ابن جبل على اليمن(1).

ومنه يظهر كيف ان السلطات كلها متمركزة في يد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم فهكذا بالنبوة للمعصومين. وكذلك بالنسبة للفقيه إذا آمنا بالولاية المطلقة. فهو المسؤول عن تعين الأكفاء لهذه السلطة وحسب الطريقة والأسلوب الذي يراه مناسبا. فله ان يختارهم بنفسه أو يوكل ذلك إلى من يثق به. أو يوكل ذلك للأُمة بأن تنتخب أعضاء الحكومة مباشرة. عن طريق ممثلين لها أو عن طريق مجلس الشورى. وكما يظهر من دستور الجمهورية الإسلامية ان الوزراء يعينون من قبل رئيس الجمهورية المنتخب ثم يعرضهم على مجلس الشورى يصادق عليهم والوزراء هم يختارون مدرائهم.

والمدراء الموظفون الآخرون وهكذا كل حسب اختصاصه.

مواصفات أعضاء الحكومة

قبل اختيار الوزراء والعمل لابد من ملاحظة. مجموعة صفات يجب أن يتصفوا بها.. وقديما بحث هذا وجاءت المواصفات بأشكال ومواصفات واحتياطات مختلفة من حكومة المدينة الفاضلة للفارابي... وجمهورية أفلاطون. وحكومة ميكافيلي. والعقد الاجتماعي ومن ضمن من طرق الباب الماوردي فقسّم الوزراء إلى قسمين(2).

وزراء التفويض: الذين يفوّض لهم الإمام القائد. تدبير الأمر حسب رأيهم واجتهادهم الشخصي هذا النوع من الوزراء يجب ان يتصف بالاجتهاد والعدالة وغيرها من صفات الكفاءة المعتبرة في الإمام نفسه.

وزراء التنفيذ: هكذا وزير يأخذ على عاتقه تنفيذ الأمور وتدبيرها بناءا على تقليده لا لاجتهاده فلا حاجة ان يتصف هكذا وزير بكل الصفات التي يتصف بها وزير

___________________________

1 ـ تحف العقول ص 26.

2 ـ الأحكام السلطانية الماوردي 704.

ـ(511)ـ

التفويض. ولكن يجب ان يتّصف بصفات أخرى. مثل:

1 ـ الأمانة ـ حتى لا يخون بما اؤتمن عليه ولا يغش فيها استضح فيه.

2 ـ حسن اللهجة حتى يوثق بخيره فيما يؤديه ويعمل بقوله فيما نهي.

3 ـ قلة الطمع حتى لا يرتشي فيما يلى ولا ينخدع فيتساهل.

4 ـ ان يسلم فيما بينه وبين الناس.

5 ـ ان يكونوا ذكورا.

6 ـ الذكاء والفطنة.

7 ـ ان لا يكون من أهل الأهواء. فيخرجه الهوى من الحق إلى الباطل.

والأحكام يمكن يعد ذلك ان تقسم إلى قسمين.

1 ـ حكم ثابت في اصل الشرع، أو فيه للفقهاء وأهل الخبرة المعتمدين رأي اجتهادي معتمد وواضح حدد الحكم الشرعي. فعلى السلطة التنفيذية تنفيذ هذا الحكم الثابت كما هو.

2 ـ حكم استحدث للأمور الحادثة الطارئة. والتي لم يرد لها حكم في اصل الشرع، ولم يسبق فيها اجتهاد معتمد فهنا يكون من موارد الفراغ التشريعي التي لابد من التوصل إليها عن طريق اجتهاد يحدد الحكم الشرعي لها... ثم على المسؤول التنفيذي وان كان مجتهدا ان يتصرف في مستحبة وفق القواعد والأنظمة واللوائح الدستورية الخاصة حتى يحفظ النظام العام بمراعاته. وتحقق الانسجام مع الإدارات الأخرى. فلو أعمل كل مجتهد ولايته العامة لم يعمل وفق الدستور لأدى ذلك إلى التضارب واختلال النظام. فأن القواعد العامة في الشريعة الإسلامية تقتضي بأن السلطة في أي موقع من مواقع السياسة في الدولة الإسلامية، ليست امتيازا شخصيا لمن كان يتولاه بل هي مسؤولية تقع على عاتق من يتولاه يتحمل وزرها إذا قصر وينال احسن الجزاء ان أحسن أداءها مما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله

ـ(512)ـ

واحد حرص عليه(1).

ومن كتاب الأشعث بن نفيس من أمير المؤمنين عامله على أذربيجان «وان عملك ليس لك بطعمه، ولكنه في عنقك أمانة وأنت مستدعى لمن فوقك ليس لك ان تقتات في رعيه ولا تخاطر بوثيقة وفي يديك مال الله عز وجل وأنت من خزّانه حتى تسلمه لي»(2) ومما يذكر في هذا الشأن ان النبي استعمل على جباية صدقات بني سليم ابن الليثية فلما جاء حاصلة فقال الرجل هذا ما لكم وهذا هديه. فقال صلّى الله عليه وآله وسلم فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك ان كنت صادقا(3)، هذا حتى يمنع أي نوع من أنواع الاستفادة الشخصية من السلطة.

السلطة القضائية:

﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾.

اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماما عظيما بالقضاء باعتباره أساس العدالة وحفظ الحقوق والحرمات. لذا جاء فقه الإمامية على هذا المسألة بالبيان والتفصيل فكتب الفقه غنيه في هذا المسألة. لكن نريد ان ننظر لها من زاوية سياسية. هل ان السلطة القضائية مستقلة عن السلطات الأخر ـ ثم من الذي يستحق تولي القضاء، ومن يتولى القضاء يقضي وفق اجتهاده أو وفق القانون الشرعي المعد مسبقا أو وفق اجتهاد ولي الأمر.

___________________________

1 ـ شمس الأخبار على ابن حميد القرشي ج 2 ص 285.

2 ـ معادن الحكمة للكاشاني ج 1 ص 323.

3 ـ شمس الأخبار علي القرشي ج 2 ص 282.

ـ(513)ـ

بناء على الولاية المطلقة حيث تنسحب صلاحيات المعصوم إليه والذي تبين لنا بناءا على ذلك ان السلطات الثلاث متمركزة بيده، فهنا يكون تنظيم وتوزيع السلطات على عاتق ولي الأمر، وبعد تبني النظام المعمول به في توزيع السلطات إلى ثلاث منها السلطة القضائية فيمكن تصويرها في عدة وجوه والثابت ان في غير الحالات الضرورية لا يمكن ان يتولى القضاء غير الفقيه المجتهد.

من هنا فاما ان يتولى الولي القضاء بنفسه وهذا أمر عسير مع توسع الدولة وكثرة الأعمال والمسؤوليات أو يترك الأمر لكل الفقهاء، كلاً يقضي بناءا على ولايته العامة المنصب بها من قبل الإمام المعصوم عليه السلام وهذا قد يربك القضاء لكن الأفضل هو تنظيم سلطة قضائية مستقلة تأخذ على عاتقها إدارة القضاء في البلاد وفق منهج خاص يتفق عليه ويكون ساري المفعول على الجميع، وهذا النظام لابد أن يناسب الظروف والإمكانات.

عند ذلك فأما ان تختار أولى القضاة بنفسه أو يختار أحد المجتهدين رئيسا للقضاة وخوله إدارة القضاء وتعيين القضاة الآخرين من المجتهدين أو من أهل الخبرة والفضل من المقلدين عند الضرورة لكن بشرط ان يعرض المسائل القضائية قبل البت النهائي بها أما على الولي أو رئيس القضاء.

أما مسألة هل ان القاضي يعمل راية في مسألة القضاء أو القوانين المعدة لتنظيم أمر القضاء.

للحفاظ على النظام العام للدولة الأفضل هو الأخذ بالقانون العام حتى لا يظهر الخلاف والاضطراب في الإدارة أما إذا لم يوجد نظام عام أو خوّل القاضي من قبل الولي أو رئيس القضاء ان يعمل رأيه الاجتهاد فله ذلك وهو يناسب الحكم الأولى للقضاء باعتبار كل فقيه لـه الولاية العامة ومن أظهرها القضاء وبعد هذا الموجز نقول ان

ـ(514)ـ

المسألة مفصّلة في كتب الفقه تفصيلا تاما فلا حاجة إلى المزيد.

بعض القواعد الثابتة في الحكم

1 ـ أن الحاكمية المطلقة لله لا ما يشتهيه السلاطين والملوك وان الله هو المالك والحاكم الحقيقي.. وكل ما عداه اعتباري ﴿... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لله...﴾.

وان الأنبياء والرسل مبلغون وحط وأمناء في تطبيق الأحكام الصادرة لله تعالى وحتى تشريعهم في مناطق الفراغ أي في مساحة الأذن الإلهي لهم في التشريع في هذا المجال.

﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

2 ـ ان تبتني السياسة الإسلامية عملها على أساس أن الإسلام دين عالمي لا يحده زمان ولا مكان وان الوحدة الإسلامية هدف واقعي يجب ان يسعى إليه على جميع الأصعدة وكل، بحسب قدرته وإمكاناته وظروفه.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

3 ـ تقديم مصلحة الإسلام العليا أو ما يعبر عنها ببيضه الإسلام مقدمة على كل المصالح الشخصية والقومية والوطنية والمذهبية.

4 ـ تحقيق العدالة هدف اسلامي يشمل جميع مرافق الحياة المختلف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها فلا يصح ان تستغل قوانين الإسلام لصالح طبقة معينة ولا فئة ولا حزب ولا فرد ولا عائلة.

5 ـ العدالة الاقتصادية هي الهدف وليس التنمية الاقتصادية وإنّما التنمية الاقتصادية وسيلة للعدالة ورفاه المجتمع وليس هدفا بذاتها.

6 ـ أساس التفاضل الحقيقي هو التقوى وان المسلمين أمة واحدة مقابل باقي الأمم ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ فعلى الحاكم الإسلامي ان يوفق

ـ(515)ـ

بين مصالح القوميات بنظرة إيجابية للواقع.

﴿... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...﴾.

ولأجل ذلك لابدّ ان يسعى الحاكم الإسلامي. يحكّم وحدة الأمة الإسلامية وان يؤاخي بين المسلمين ويرفع الامتيازات المادية من الجنس واللغة واللون والعرق ولا يجعل لها أثرا سلبيا في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بل يحاول ان يوظف إيجابياتها لصالح الأمة الإسلامية. حتى تزدهر الحياة بالعدالة وتتفتح زهور المحبة ويستنشق رحيقها كل من يمر في دوحة الحكم الإسلامي ويتظلى ضلال شجرة الإسلام الباسقة.