التطرّف الفتوائي وأثره على الفرد والمجتمع "الفتاوى التكفيرية انموذجاً

التطرّف الفتوائي وأثره على الفرد والمجتمع "الفتاوى التكفيرية انموذجاً

 (الوحدة وضرورة مواجهة التيارات التكفيرية)


بحثٌ بعنوان: (التطرّف الفتوائي وأثره على الفرد والمجتمع "الفتاوى التكفيرية انموذجاً")

 

 

أ. م.د. أمل سهيل عبد الحسيني / جامعة الكوفة/ كلية التربية/قسم علوم القران والتربية الاسلامية

 

 

{المقدمة}

      لعلنا لا نغالي إذا قلنا أن البداوة قد أنتجت ثقافة التنازع والتقاتل نتيجة البيئة والمحيط الذي كان يعيشه الصحراوي والظروف المعيشية القاسية السائدة آنذاك. أضف إلى ذلك طبيعة الصحراء وما يكتنفها من عوامل أثّرت سيكولوجيا على نفسية البدوي.

   لهذه الأسباب وغيرها ونتيجة لتطور تلك الحياة والتقوقع فيها والعيش في أحضانها نشأت تلك الثقافات الهزيلة والأفكار الشائنة التي كان من ضمنها إصدار الفتاوى العاكسة لذلك الفكر المتردي، بينما نجد أن ما نشأ على ضفاف الأنهار وعاش في المدن وخرج من رحمها من أحكام فقهيه لهي الأحكام الحقة التي أوصلت العالم الإسلامي إلى بر الأمان، أما الفقه الذي ولد من رحم الصحراء وذاق مرارة شجر الصحراء وشرب من ماء غدرانها التي تكاد تكون خالية من الماء العذب إلا بعد أن تمطر السماء، فهذا فقه سطحي فاقد لأبسط المقومات، وقد وصفهم تعالى بقوله:( الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )(التوبة /97)، فهذا الفكر الذي جاء به الفقيه الصحراوي ضلّل الشباب المسلم وحولهم إلى أدوات تدميرية لنشر الإرهاب في العالم، وقام بتأسيس عشرات المدارس والمعاهد الدينية والمساجد في العالم بذريعة نشر التعاليم الإسلامية، لكنه سعى- في الحقيقة-الى نشر تعاليمه  وما آمن  به من انحرا ف( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ  صُنْعاً) الكهف/104، وآراء تكفيرية متشددة هدفها الأول والأخير نشر البغضاء والكراهية بين البشر، حتى صار فكراً يكفر المسلمين وغير المسلمين  الذين لا يتبعون ما يؤمن به، فقام بعملية غسل الأدمغة لمئات الألوف من الشباب المسلمين وحولهم الى وحوش وقنابل بشرية موقوتة لنشر الإرهاب والخراب والدمار في العالم، وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي، فمن أين جاءنا هذا الفكر المنحرف؟

    وللإجابة نقول: لقد خرج هذا الفكر المنحرف من رحم تاريخنا الإسلامي الذي ابتليت به الأمة، فدمّر تاريخنا وضيع تراثنا وعاث في الأرض فسادا، فالقوم أبناء القوم، وان الذي تجرأ وضرب إمرأة مثل سمية أم عمار بالأمس يتجرأ اليوم ويضرب النساء، وهذا ما شاهده العالم اجمع على شاشات التلفاز من تعذيب لحرائر امة الإسلام. والذي سحب سوطه محاولا ضرب العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين في مجلسه في الكوفة بالأمس، يضرب المرأة اليوم التي فقدت حماتها. والذي طاف بعقائل النبوة بالأمس في بلاد المسلمين ويقول للناس: هؤلاء خوارج خرجوا على إمام زمانهم فكانت عاقبتهم الخزي والخذلان والسبي في البلدان حتى لا يفكر بعد ذلك احد بالثورة والخروج على السلطان، هو نفسه اليوم يجر النساء الأيزيديات مسبيات ليبيعهن في سوق النخاسة، فما ظنك بهؤلاء؟ هل يرحمون عباد الله الذين لا يؤمنون بأفكارهم المنحرفة ؟، لذا بات من الواجب أن تكون حربنا على الارهاب ليست أمنية فقط بل حرب فكرية في المقام الأول، فآيديولوجية الإرهاب ليست خطبا وبيانات قيادات أصحاب الفقه الصحراوي عند حوادث القتل العدمي هنا أوهناك بل خطاب يقف وراء كل ذلك، أذكته نار الكراهية للآخرين المخالفين وولع شديد بتكفير المسلمين وتقسيم العالم إلى فسطاطين، وان ظهور هذه الحركات التكفيرية التطرفية  يعود في وجود أزمات وتحديات تعيشها المجتمعات الإسلامية الراهنة، فهو قد خرج من رحم حركات الإسلام السياسي التي وضعت في قلب أولوياتها تغيير أنظمة الحكم القائمة واستبدالها بأنظمة إسلامية شمولية – حسبما يظنون- ، وهذا بدوره يعود الى جذور تاريخية. فالمتتبع للتاريخ الإسلامي يرى ان العنف والتطرف والأفكار التكفيرية كنزعة فكرية او فلسفة روحية لا وجود لها بين صفحات الأمة الإسلامية، ما خلا من حُسبوا على الإسلام، فهؤلاء لهم تاريخ حافل بالإرهاب والقتل والدمار، في حين أن نبي الإسلام (ص) نهى أتباعه عن القتل على الشبهة او الظنة.وسنحاول الوقوف على جذور التكفير وآثره الوخيمة على الفرد والمجتمع.

{المطلب الأول: الجذور التاريخية للفكر التكفيري}

تمهيد:
إن ظواهر التكفير والعنف والتطرف كلها مصطلحات شاعت وإشتهرت وملأت الآفاق, وإتُّهم بها المسلمون, بل إتّهم بها الإسلام ذاته, بأنه دين يفرز العنف والتطرف، وبالتالي يكفّر الناس، وهذه سجايا نابعة من طبيعة هذا الدين – كما يقول أعداء الإسلام – وتعاليمه العقدية والعلمية، ناسين بذلك أن إسم الإسلام أصلاً مشتق من السلم والسلام، وأن هذه المصطلحات دخيلة علينا ولا تمت للإسلام بصلة أبداً، وأن أصلها يعود إلى النظرة البدوية بل إلى طبيعة الإنسان العربي الصحراوي الذي أثّرت الصحراء على أفكاره فصحّرتها، حتى أن القرآن الكريم ذم هؤلاء الناس فقال عنهم:{الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة:97)، فكان للجو الصحراوي الذي عاشوا فيه أثر وسبب من أسباب ظهور هذا النوع من الفقه الصحراوي المنحرف, والمسلمون ليسوا بدعاً من الأمم السابقة، فالانسان هو الإنسان والكل من آدم, وكما كان في ولد آدم(ع) قابيل الظالم وهابيل الذي تقبل الله تعالى قربانه، كذلك الحال مع الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة.

    لقد عرف التاريخ الإسلامي ظواهر متطرفة أدت إلى استخدام العنف والإرهاب, فقد ظهرت الحركات الإرهابية في التاريخ الإسلامي لكنها كانت وكما يقولون اليوم: خلايا نائمة، لكنها أذكيت وبرز نشاطها في عهد خلافة أمير المؤمنين علي"ع", وكان من ضمن هذه الحركات(الخوارج) التي برزت بعد واقعة صفين، حينما حاولت هذه الجماعة أن تشاغب على الإمام علي"ع" بعد قبوله التحكيم الذي أجبروه عليه, فرفعوا شعار{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ}(الأنعام :57)، فرد عليهم الإمام"ع" بمقولته الشهيرة:(كلمة حق أريد بها باطل)(1)، عندها شهروا سلاح التكفير ضد كل من ناوأهم, فمن أين أتى هؤلاء الخوارج؟ هذا ما سنعرفه من ثنايا البحث.

التعريف بالمصطلحات:

    العلم بحقائق الأشياء والوعي بمعانيها يعد مدخلاً أساسياً لتصورها، من هنا عني العلماء المسلمون بالألفاظ والمصطلحات وحرصوا على تحديدها؛ لذا سنقوم بتحديد بعض المصطلحات التي وردت في العنوان ليتسنى لنا فهمها :

1-    التطرف: يثير اصطلاح التطرف إشكالاً في معناه اللغوي والاصطلاحي على حد سواء, فكيف إذا أضفنا له مصطلحاً آخر تضاربت معانيه في الفقه والدين لنصبح امام مفهوم شائك هو (التطرف الفتوائي)؟ .

أ‌-     التطرف لغة: عرّفه إبن فارس بقوله: الطاء والراء والفاء أصلان، فالأول: يدل على حد الشئ وحرفه، والثاني: يدل على حركة في بعض الأعضاء(2)، ويراد به أيضاً الطائفة من الشئ(3), إذن هو مشتق من الطرف او الناحية او منتهى كل شئ, وتطرّف: أتى الطرف وجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط (4) .

ب‌-   التطرف اصطلاحاً: أوردت دائرة المعارف العالمية والعلوم الاجتماعية كلمة (التطرف) مرادفة للكلمة الإنكليزية (DOGMA ISME) التي تعني الجمود العقائدي والإنغلاق العقلي، وهذا في الواقع جوهر الفكر الذي تتمحور حوله كل الجماعات المسماة (المتطرفة)(5) .

ويمكن تعريفه تعريفاً يجمع بين اللغة والاصطلاح وما تفرضه وقائع اليوم من أحداث يغيب فيها تحديد المصطلحات بدقة, فهو ذهاب في الرأي والموقف - او بالفعل- إلى حدوده القصوى, وقد يبلغ التطرف حدَه في الذهاب إليها جميعاً . وهو اليوم أكثر وحشية وفجاجة, فقد إتخذ أشكالاً عدة وعلى مر التاريخ, لكنها اليوم على أوج وحشيتها بعد أن إزداد عدد المتطرفين.

 

2-      الفتوى:

أ‌-   لغةً: قال إبن منظور:(أفتاه في الأمر: أبانه له, وأفتى الرجل في المسألة, وأستفتيته فيها فأفتاني إفتاءً... يقال: أفتيت فلاناً رؤيا رآها إذا عبرتها له, وأفتيته في المسألة إذا أجبته عنها, والفتيا تبيّن المشكل من الأحكام والفتيا والفُتوى والفَتوى: ما أفتى به الفقيه , قال إبن سيدة: وإنما قضينا على الألف أفتى بالياء لكثرة ف ت ي، وقلة ف ت و ...)(6). ومما تقدم نعلم أن الاستفتاء في اللغة يعني السؤال عن أمر أو عن حكم مسألة, وهذا السائل يسمى المستفتي, والمسؤول الذي يجيب هو المفتي , وقيامه بالجواب هو الإفتاء, وما يجيب به هو الفتوى, والإفتاء يتضمن وجود المستفتي والمفتي والإفتاء نفسه والفتوى (7) .

ومن هذا المعنى إشتق عبد الكريم زيدان تعريفه الإصطلاحي إذ قال: والمعنى الاصطلاحي للإفتاء هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة وما تتضمنه من وجود مستفتٍ ومفتٍ وإفتاء وفتوى ولكن بقيد واحد هو المسألة التي وقع السؤال عن حكمها تعتبر من المسائل الشرعية, وإن حكمها المراد معرفته هو حكم شرعي)(8) .

إذن التطرف الفتوائي: هو تجاوز الحد وعدم الاعتدال في  الفتوى والعمل وفق الأهواء لا وفق ما أراد الله تعالى.

    وقد أنتشر التطرف الفتوائي في مجتمعاتنا الإسلامية بعد ظروف قاسية مر بها العالم الإسلامي فعانى منها الإسلام وأبناؤه ما عانوا قديماً, ولا زالوا يعانون الى يومنا هذا, لكن التطرف الفتوائي في عصرنا الحاضر أشدها وتيرا, بعد أن أصبحت هذه الجماعات ذات تنظيم وارتباط خارجي إذ أن أغلبها أصبحت مرتبطة بدول أجنبية غرضها الأول والأخير تشويه سمعة هذا الدين الخاتم للديانات السماوية والذي سوف يسود الأرض ولو كره المجرمون{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} ‏(القصص:5).

3-     التكفير:

    أ- لغةً: كَفَر: (بالفتح: التغطية, وكفّرت الشئ أكَفِّرُه بالكسر أي سترته, والكافر: الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شئ, وكَفَر الليل الشئ وكفر عليه غطاه , ويسمى الكافر كافراً لأنه ستر نعم الله عز وجل)(9), ويقال للفلاح: (كافر لأنه يكفر البذر أي يستره).

ب‌-   والتكفير اصطلاحاً : نسبة أحد من أهل القبلة الى الكفر(10) , ونظراً لتعلق التكفير بالمسلم, فإن حكمه على نوعين:

1-   التحريم : وهذا يكون في المسلم الباقي على إسلامه؛ لأن الأصل بقاء المسلم على إسلامه حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، وقد دلت على هذا التحريم نصوص شرعية :

أ‌-     من القرآن الكريم: قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً}(النساء :94).

ب‌-   من السنة: كقول الرسول (ص): ( من صلى صلاتنا وإستقبل قبلتنا, وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله, فلا تخفروا الله في ذمته)(11)؛ لذا يجب اجتناب تكفير المسلم والفرار من خطره العظيم .

2-  الوجوب : وذلك في حق المسلم المكلف المختار عند صدور ما هو مكفر منه من له صلاحية إصدار الحكم، كالقضاء والإفتاء لمصلحة شرعية معتبرة تترتب على الحكم بتكفيره(12). وعندنا - أي الإمامية - القول الفصل في ذلك هو للمجتهد الجامع للشرائط، وقد ظهرت فتاوى كثيرة وبجميع الإتجاهات, ولكن فتنة التكفير كانت أشدها عبئاً على أبناء هذا الدين الحنيف، فعانى ما عانى منها أبناء الإسلام, فكان لفتاوى التكفير صداها الواسع الذي أحرق الأخضر واليابس.

    ولو عدنا الى عصر ظهور الإسلام لوجدنا أن جذورها تعود للعهد النبوي, وأن أول من أحرق بنار تلك الفتنة كما يروي لنا القرآن الكريم هو مرداس اليهودي , قال تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء:94) فقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول هذه الآية يعود الى ( أن الرسول(ص) حين عاد من واقعة خيبر بعث أسامة بن زيد مع جمع من المسلمين الى يهود كانوا يسكنون في قرية (فدك) من أجل دعوتهم الى الإسلام أو الإذعان لشروط الذمة, وقد هب مرداس اليهودي وهو أحد الذين عرفوا بقدوم جيش الإسلام, وكان قد أخذ أمواله وأولاده , ولجأ بهم إلى أحد الجبال، هب هذا اليهودي لإستقبال المسلمين وهو يشهد بوحدانية الله ورسالة النبي (ص), وقد ظن أسامة بن زيد أن هذا اليهودي يتظاهر بالإسلام خوفاً على نفسه وحفظاً لماله وإنه لا يبطن الإسلام في الحقيقة، فعمد إلى قتله وإستولى على أغنامه, وما ان وصل نبأ هذه الواقعة إلى النبي(ص) تأثر تأثراً شديداً منها وقال(ص): إن أسامة لم يكن ليعرف ما في نفس هذا الإنسان فلعله كان قد أسلم حقيقة, فنزلت الآية محذرة المسلمين من أن تكون الغنائم الحربية أو أمثالها سبباً في رفض إسلام من يظهر الإسلام  مؤكداً ضرورة قبول الإسلام من مثل هذا الإنسان)(13), يقول أسامة بن زيد: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح , فقال(ص):( أفلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها أم لا, فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ )(14).

   يقول القرطبي في معرض حديثه عن توجيه هذه الآية: ( إن في هذا التوجيه الإلهي  من الفقه باب عظيم, وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظاهر, لا على القطع واطلاع السرائر, فالله لم يجعل لعباده غير الحكم بالظاهر(15), وقد علّق النووي على هذا الحديث قائلاً:( إنما كُلِّفتَ بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان,وأما القلب فليس لك طريق الى معرفة ما فيه)(16) .

ولأهل السنة والجماعة الذين يمثلون حوالي 90% من المسلمين مواقف واضحة وحازمة وثابتة من ظاهرة التكفير لمن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ما دام قائماً بحقوق هذه الشهادة والتي هي شعار الإسلام العاصمة للدماء والأموال والحقوق، فهذا أبو حامد الغزالي يقول: ( إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلاً , فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ , والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم )(17) ، أما الشيعة الإمامية الذين كُفِّروا في أقطار الأرض من قبل بعض المحسوبين على الدين , فإن الغزالي يرفض تكفيرهم ايضا، فعن ذلك يقول:( وإعلم أن لا تكفير في الفروع أصلاً إلا في مسألة واحدة وهي أن ينكر أصلاً دينياً عُلم من الرسول (ص) بالتواتر , ولكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات،  وفي بعضها تبديع , كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة.

وإعلم أن الخطأ في أصل الامامة وتعيينها وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيء منه التكفير ... ولا يُلتفت إلى قوم يعظمون أمر الامامة ويجعلون الإيمان بالإمام مقروناً بالإيمان بالله وبرسوله ولا إلى خصومهم المكفرين لهم بمجرد مذهبهم في الامامة , فكل ذلك إسراف، إذ ليس في واحد من القولين تكذيب للرسول (ص) أصلاً، ومتى وُجد التكذيب وَجب التكفير وإن كان في الفروع، وقال في مكان آخر عن نفس الموضوع: ( ولسنا نكفره لأنه أنكر معلوما بالتواتر، وانه لو انكر معلوما بالتواتر، وانه لو انكر غزوة من غزوات النبي (ص) المتواترة , أو أنكر وجود أبي بكر وخلافته لم يلزم تكفيره ؛ لأنه ليس تكذيباً في أصل من أصول الدين مما يجب التصديق به, بخلاف الحج والصلاة وأركان الإسلام, ولسنا نكفره بمخالفة الإجماع؛ لأن الشُّبه كثيرة في كون الإجماع حجة قاطعة, وإنما الإجماع عبارة عن التطابق على رأي نظري...)(18).  وهذا الشيخ محمد عبده هو الآخر يمقت فكرة التكفير فيقول: (إن الله لم يجعل للخليفة ولا للقاضي ولا للمفتي ولا لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام ولا يسوغ لواحد منهم  أن يدعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه, أو ينازعه طريق نظره فليس في الإسلام سلطة دينية سواء سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير عن الشر وهي سلطة خوّلها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم , كما خولها  لأعلاهم يتناول بها أدناهم، وليس لمسلم مهما علا كعبه في الإسلام على آخر مهما إنحطت منزلته فيه إلا حق النصيحة والإرشاد , ولقد أشتُهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم أنه إذا صدر  قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر)(19).

   هذا بالنسبة للبذور الأولى لظاهرة التكفير, وآراء العلماء الأكابر في الموضوع، فمن أين إذاً دخلت هذه الفكرة للمجتمع المسلم؟, وهذا السؤال يضعنا على حوادث تاريخية قد تكون السبب المباشر لظهور هؤلاء التكفيريين , فالحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها أن هناك تجاوزات حصلت في العهد الأول للرسالة الإسلامية, وهذه التجاوزات كانت القواعد الاساسية التي إتكأ عليها دعاة التكفير، وقد إستهدفت- وللاسف الشديد- شخص الرسول (ص) بالذات, وبما أنه (ص) كان يكتم غيضه من باب{فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران:159), ولأنه كذلك كان{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4) فسكت وفي العين قذى وفي الحلق شجى، ولكي لا يكون هناك شرخاً يزعزع هذا الدين. ومن تلك التجاوزات:  

عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي (رض) وهو باليمن بذهبة في تربتها الى رسول الله (ص) فقسمها رسول الله (ص) بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علائة العامري, ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي, ثم أحد بني نبهان، قال: فغضبت قريش, فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا؟ فقال رسول الله (ص): إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم, فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين, محلوق الرأس، فقال: إتق الله يا محمد !! قال: فقال رسول الله (ص): ( فَمَن يطع الله إن عصيته؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ قال: ثم أدبر الرجل، فإستأذن رجل من القوم في قتله – يروون أنه خالد بن الوليد – فقال رسول الله(ص):  (إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن, لا يجاوز حناجرهم, يقتلون أهل الإسلام, ويَدَعون أهل الأوثان, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية, لئن أدركتم لأقتلنهم قتل عاد)(20) , وقد رواه مسلم بطرق أخرى لا ندخل في تفاصيلها. ومن نسل هذا ظهرت فرقة الخوارج التي نبأ رسول الله(ص) مبكراً بظهورها, والتي حث (ص) على قتالهم, ففي الحديث المروي عن سويد بن غفلة, قال: قال علي: إذا حدثتكم عن رسول الله (ص) فلئن أَخِرّ من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل, وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة, سمعت رسول الله (ص) يقول:( سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان, سفهاء الأحلام, يقولون من خير قول البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فإذا لقيتموهم  فأقتلوهم, فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة )(21).

  وروى المتقي الهندي في كنز العمال(11/316): أن رجلاً أتى النبي(ص) يوم حنين وهويقسم تبراً فقال: يا محمد إعدل، فقال: ويحك! من يعدل إذا لم أعدل؟- أو عند من يُلتمس العدل بعدي؟!- ثم قال(ص): يوشك أن يأتي قوم مثل هذا يسألون كتاب الله وهم اعداؤه، يقرأون كتاب الله ولا يحل حناجرهم، معلقة رؤوسهم، فإذا خرجوا فإضربوا رقابهم.

   وفعلاً ظهرت الخوارج بعد حرب صفين بعد واقعة التحكيم الذين أجبروا الإمام عليا "ع" على قبوله ثم أنقلبوا عليه وهذه الفرقة (أشد الفرق الإسلامية دفاعاً عن مذهبها وحماسة لآرائها وأشد الفِرق تدينا في جملتها وأشدها تهوراً وإندفاعاً وهم في إندفاعهم وتهورهم مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها وظنوا أن هذه الظواهر ديناً مقدساً لا يحيد عنه مؤمن, وقد أسترعت البابهم كلمة (لا حكم إلا لله) فاتخذوها ديناً ينادون به، فكانوا كلما رأو علياً "ع" يتكلم قذفوه بهذه الكلمة)(22), وقد تبنت هذه الجماعة دعوة الذبح والنحر وقطع الرؤوس والاعناق  معللين ذلك بحديث مروي عن رسول الله يذكر فيه أنه بعث بالذبح، والحديث كما رواه إبن حبان،(14/525) واحمد في مسنده،(2/218) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله (ص) فيما كانت تظهر من عداوته, وقد حضرتهم، وقد أجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط, سفّه احلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا, لقد صبرنا منه على أمر عظيم, فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله (ص) فأقبل يمشي حتى إستلم الركن فمر به طائفة بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض القول, قال: وعرفت ذلك في وجهه ثم مضى(ص) فلما مر بهم ثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه, ثم مضى ومر بهم ثالثة فغمزوه بمثلها, ثم قال(ص): أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح, قال: فأخذ القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا لكأنما على رأسه طائر واقع, حتى إن أشدهم فيه وطاة قبل ذلك يتوقاه بأحسن ما يجيب من القول حتى إنه يقول: إنصرف يا أبا القاسم راشداً فو الله ما كنت جهولاً)(23)، وهذا الحديث قد اتخذه بعض التكفيرين وخوارج هذه الأمة اليوم شعاراً لهم, فلنتأمل هذا الحديث من جوانب عدة :

1-   أنه في مسند أحمد بن حنبل, وهو من أرباب المذهب الحشوي: وهم الذين يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله (ص), وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه, وتوصيفه تعالى بالنفس واليد والسمع والبصر, وقالوا : إن كل حديث يأتي به الثقة  من العلماء فهو حجة أياً كانت الواسطة)(24) , والغالب في الحنابلة حشوية, ونحن لا نشك في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين ألا وهو الحديث النبوي، إلا أننا ما نريد أن نقوله إن هذه الأهمية تجعل الحديث أمانة في أعناقنا جميعاً, فلا يجب علينا أن نقبل فيه كل ما روي قبل أن نضع الراوي تحت المجهر حتى نميز الصحيح من الزائف لا أن يكون ممن يقبل صالح الحديث وطالحه .

هؤلاء الحشوية قد(رووا مناكير الروايات وأغتروا بها , وبالتالي تورطوا في جهالات متراكمة وظلمات متكاثفة)(25). ومن هنا كان رفضنا لهذا الحديث .

2-   إن في طريق الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي هو عندنا – وإن كان صحابياً- إلا أنه مجروح؛ لأنه (ممن شهد صفين مع معاوية, وولاّه معاوية الكوفة مدة قصيرة )(26) .

3-   إن هذا الحديث بالإضافة إلى ما قلناه سابقاً (يجعل الهدف من بعثة النبي(ص) أو عنوان رسالته ذبح الناس, وهذا مخالف للقرآن في قوله تعالى:{وماأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107), ولما روي عنه(ص): ( إنما بعثت رحمة مهداة)(مجمع الزوائد 8/257). فشعار جئتكم بالذبح هو شعار تنفري إقصائي، فكيف يرفعه النبي(ص) ويجعل منه عنواناً لدعوته؟)(27) .

4-   على ما يبدو أن هذا الكلام قد قاله الرسول(ص) في مكة قبل الهجرة – كما يدل سياقه على ذلك – وعندما خاطبهم(ص) بعبارة( لقد جئتكم بالذبح – كما يفترض الحديث- خافوا وأصيبوا بالذعر, وهذا عكس الاستراتيجية التي أعتمدها الرسول(ص) القائمة على المداراة والصبر والأناة والتحمل، وقد تحمل منهم (ص) ما تحمل, حتى وصل الحال بأم لهب أن رمت على رأسه الشريف روث الحيوانات ولم يهدد ولم يتوعد, فكيف حصل ذلك ويومها كان(ص) لا يمتلك موازين القوى؟ .

       هذه إذاً مبادؤهم وأخلاقهم، فهم في كل زمان يمتطون جواد ذلك الزمان ويتلونون بلونه، يقتلون ويذبحون المسلمين بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، والحق نقول: إن أمتنا الإسلامية قد إبتليت بهم، فصاروا محنة في كل زمان وسيبقون هكذا حتى ظهور الإمام صاحب العصر والزمان الذي سيخلص الأمة من شرورهم .

     يقال أنه لما قتل الخوارج قيل لأمير المؤمنين(ع): يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم, فقال(ع): كلاّ والله, أنهم نطف في أصلاب الرجال, وقرارات النساء كلما نجم منهم قرن قُطع حتى يكون آخرهم لصوصاً سلابين)(28) , وهذا هو حالهم اليوم, فقد باعوا دينهم بدنيا غيرهم فصاروا عبيداً لبني إسرائيل – الموساد اليهودي والأمريكان والمخابرات البريطانية - , فأيهم يدفع أكثر كانوا في خدمته وتحت إمرته, وما فعلوه ويفعلوه اليوم في سوريا والعراق إلا جزء من هذا المخطط  الإسرائيلي الأمريكي البريطاني، وفي كل هذا وذاك فانهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً, ناسين ما نصح به أمير المؤمنين(ع) أجدادهم الأوائل حينما خاطبهم قائلاً: (فأنا نذيركم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر  وبأهضام هذا الغائط على غير بينة من ربكم ولا سلطان مبين معكم, قد طوحت بكم الدار وإحتبلكم المقدار .... )(29) .

   وقد وجدنا أن أول من أستعمل كلمة التكفير وكفّر بعد رسول الله(ص) هي عائشة بنت أبي بكر زوج رسول الله(ص) إذ قالت: أقتلوا نعثلاً فقد كفر, وأشهد أن عثمان جيفة على الصراط غداً(30)، وبعد أن قتل عثمان بفتوى عائشة خرجت وطالبت بدمه، فهي قد بدأت في تجهيز نفسها لقتل الذين أطاعوها في فتواها بقتل عثمان – باعتبارها من أمهات المؤمنين – فكشرت الفتنة عن أنيابها وتحققت نبوءة رسول الله (ص) في إشارته إلى بيت عائشة قائلاً:من هنا تخرج الفتنة - ثلاثاً- حيث يطلع قرن الشيطان)(31)،  بينما رواه أحمد بن حنبل في مسنده، قال: خرج رسول الله من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)(32)، وقد (أفتت مرتين دون حق وبلا صلاحية للفتوى، مرة بقتل عثمان ومرة بقتل قاتليه, في المرة الأولى نجحت في تحريك الناس لقتله فقتلوه(33)، ومرة بقتل قاتليه فقتلت خمساً وعشرين ألف مسلم في معركة الجمل)(34). وبما أن هذا الموضوع قد أثار فتنة بين المسلمين وتكفيراً؛ لذا نستطيع أن نقول أن هذا كان أيضاً بذرة من البذرات التي زرعت الفتنة والعداوة بين صفوف المسلمين, وكان أيضاً جذراً من الجذور التاريخية التي إتكأ عليها التكفيريون بحلّيّة التكفير، ألم يكن علي(ع) قائد الجيش في الطرف الآخر في معركة الجمل؟ ألم يكن من الموحدين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟, ألم يكن الخليفة الشرعي على موازين مدرسة الصحابة؟ فَلِمَ كفّروه وخرجوا عليه؟, وقد حذّرهم(ع) من مغبة الخروج قبل المعركة، إذ بعث لهم برسالة نصها: ( وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمراً كان عنك  موضوعاً ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين, فخبريني ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرمة)(35) .

   فأمير المؤمنين في هذا يعتبرها المسبب الأول والأخير في قتل المسلمين وإراقة الدماء, التي هي محرمة بنص القرآن والسنة .

  وعليه فإن من مجموع هذه الوقائع يمكن الإستدلال بها على أن هؤلاء الخوارج الذين مرقوا من الدين قد وضعوا الحجر الأساس لمذهب التكفير الذي تطور فيما بعد في أيام إبن تيمية النجدي؛ ليتحول في أيام محمد بن عبد الوهاب وبالاً على الامة، حتى وصل الحد بالجرأة على رسول الله(ص) ان يقول محمد بن عبد الوهاب: (عصاي هذه خير من محمد لأنه يُنتفع بها في قتل الحية والعقرب ونحوها ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع وإنما هو طارش)(36) .

   وقد كانت من أعلام نبوته(ص) أخباراً عن خروج مثل محمد بن عبد الوهاب , وهذه دلائل على علمه(ص) بالغيب، فمن ذلك قوله(ص):( يخرج في آخر الزمان في بلد مسيلمة رجل بغير دين الإسلام ) وقوله(ص): (سيظهر من نجد شيطان تتزلزل جزيرة العرب من فتنته)(37) وما يدرينا لعل محمد بن عبد الوهاب يعود نسبه إلى مسيلمة الكذاب, ( فقد كانت نجد وما زالت بلاداً للعصاة والعتاة الخارجين على الأديان والحكومات، ففيها خرج مسيلمة الكذاب ممثلاً لطبيعة الثقافة والدين في أرضه، فبينما كان رسول الله(ص) ينادي بالدين والأخلاق والحضارة كان مسيلمة ينادي بالإنحراف والإنسلاخ عن المدينة، وكان النبي محمد(ص) يجمع الناس ويوحد المجتمع ويحقن الدماء وكان مسيلمة يشتت الناس ويفكك الأمة ويهدد الدماء, وفي (نجد) ظهر محمد بن عبد الوهاب حفيد مسيلمة الكذاب سائراً على درب جده منتهجاً نهجه، ووجد في دعوات إبن تيمية الشاذة بغيتة المطلوبة مناديا بها, فكان الثلاثة مسيلمة وإبن تيمية وإبن عبد الوهاب بنيات مادية وأهواء جاهلية جعلوا أنفسهم فوق الأنبياء والمرسلين، لكن الفرق بينهم أن مسيلمة إدّعاها ظاهرة علنية وأخفاها الإثنان الآخران خوفاً من المسلمين)(38)، وعلى هذا يكون وجودهم وجود دنيوي لصوصي بغطاء ديني مبلغ منزلته الحالية عبر الإستفادة من حركة الأمويين والعباسيين, فهؤلاء - ورغم فسقهم وتنكرهم للأحكام الشرعية, ورغم أنهم ممن قتل أولياء الله - لكنهم سمّوا أنفسهم خلفاء رسول الله(ص) وهم أبعد الناس عنه .

   وما زالت (نجد) المعقل المفضل لتلاميذ مسيلمة الكذاب، ففيها ينشأ الأعراب المتعطشون للدماء اللاهثون خلف المال المتحللون من قيد الدين فيجرون لاهثين خلف سيدهم بلا ورع ولا تقوى بعدما يكفرونهم.

   لقد وجد إبن تيمية وإبن عبد الوهاب ومن تبعهم الدينَ الإسلامي حاجزاً كبيراً أمام شهواتهم وأهوائهم الدنيوية واحتاروا في كيفية الخلاص من هذا الدين الحنيف ... وأخيراً أوصلهما فجورهم إلى طريق شيطاني يسمح لهم بالزنا بالمسلمات وقتل المسلمين وسلب أموالهم, ويتمثل هذا الطريق في تكفيرهم المسلمين أولاً والهجوم عليهم لاحقاً, فتكون أعمالهم اللصوصية والبريرية أفعالاً جهادية في حق المشركين، فكانت أعمالُهم المخزية في كربلاء بطولات جهادية ضد من يسمونهم كفارا، فالوهابي السلفي يجوّز لنفسه العبث بشرف ومال ودم السني والشيعي والمسيحي واليهودي تحت عنوان الكفار)(39) .

{المطلب الثاني: آثار التطرف الفتوائي على الفرد}

تمهيد:
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن ما يتصدر عناوين الأخبار اليومية هي أحاديث القتل والإرهاب والدمار والتخريب الذي يسببه التطرف في المجتمعات الإسلامية وغيرها, ويزيد في شياعة هذه الأخبار ما تعرضه وسائل الإعلام المرئية من صور أشلاء ودماء، وهذا كله بفضل فتاوى بعض من حسب نفسه وكيلاً لله تعالى على أرضه، فهو يكفر من يشاء ويقتل من يشاء بحجة إقامة أحكام الله, في كل هذا وذاك يبتغون زرع الفتنة والفوضى في أراضي المسلمين، (وتستغل الظروف أجهزة تعشق الظلام ولا تعيش إلا فيه، ولا يعلم إرتباطها إلا الله عز وجل وإن أظهرت الإخلاص لسادتها, وتطرفت في إظهار ولائها لدرجة تقلب الأمور إلى ضدها, وبهذا فهي تزيد الفتنة إشتعالاً والمآسي أهوالاً)(40) وهذا كله له آثاراً سيئة على المجتمع، سواء كانوا أفراداً أم مجتمعات, من أجل ذلك نحاول تسليط الضوء على آثاره على الأفراد، وهؤلاء الأفراد يمكن تقسيمهم إلى:

أولاً: آثار التطرف الفتوائي على المفتي نفسه.
ثانياً : آثار التطرف الفتوائي على المتلقي للفتوى.

أولاً: آثار التطرف الفتوائي على المفتي نفسه:

المفتي: مِن: أفتى العالِم إذا بيَّن الحكم(41), وعرفه الشاطبي بقوله: (هو القائم في الأمة مقام النبي(ص)(42)، وقيل أيضا: هو المخبّر عن حكم الله غير منفذ(43) .

  وقد تكلم العلماء عن وقوع تشابه بين المجتهد والمفتي؛ لأن معنى الاجتهاد: هو إستفراغ المجهود في إستنباط الحكم الشرعي الفرعي من دليله(44)، وقد ذهب كثير من الأصوليين إلى أنه لا فرق بين المجتهد والمفتي، وأن المجتهد هو المفتي، عن ذلك يقول الشوكاني:(إن المفتي هو المجتهد)(45)، ومهمة المفتي مهمة خطيرة جداً، ولا يحق لأحد من المسلمين أو من هب ودب أن يجلس مجلس الفتيا إلا أن يكون متأكداً من فتواه، وإلا فسيكون في موقف صعب غداً مع الله, عن إبن مسعود(رض) قال:( من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون)(46) , وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت محمد بن عجلان يقول:( إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله)(47) وما هذا إلا لعظم الفتوى والفتيا بين الناس, حتى أن العلماء يضعون للمتصدي للفتوى بين الناس شروطاً لقبوله, أما اليوم وفي زماننا فقد تصدى للفتوى عديمو الدين والإنسانية، فكم من مجرم قتل الأبرياء وإرتكب الفواحش ثم سمي أميراً، فهؤلاء القتلة الذين يفجرون أنفسهم بالأحزمة الناسفة, وعندما تسألهم يقولون لك: نريد أن نلحق بركب النبي(ص) وأن نجتمع معه في الجنة على مائدة واحدة!، فمن يا ترى أفتى لهم بهذا وأخبرهم أن قتل النفس البريئة فيه أجر وثواب غير أصحاب هذه الفتاوى القذرة؟, حتى صار للعنف أشكالاً متعددة، وهذا بدوره يعود إلى أسباب عدة:

1-       وجود أناس جلسوا للفتيا وليسوا أهلاً لها .

2-      أساليب التنشئة الاجتماعية الأسرية الخاطئة .

3-      عوامل ثقافية: المدرسة ووسائل الإعلام كالتلفزيون وأفلام السينما .

4-      عوامل بنائية, اضطراب القاعدة المعاشية (الفقر والبطالة) .

5-   الإنتماءات المتعددة, بل الولاءات المتعددة، ولنقل: وجود الفرق الإسلامية المتعددة التي أسهم بعضها بنشر ظاهرتي العنف والإرهاب لدى المسلمين لا سيما خوارج الأمة المتمثلون اليوم بالسلفية والوهابية المقيتة التي تحاول تثبيت ونشر أفكارها بشكل وآخر بتمويل أجنبي تارة، وعربي متطرف تارة أخرى, فأمريكا وإسرائيل تذكيان الفتنة بتمويل سعودي قطري؛ لأجل جر العالم الإسلامي إلى ما لا تحمد عقباه, وقد ملئت الساحة  الإسلامية بالمئات من الجماعات التي تحسب نفسها على الإسلام والمسلمين، ومن هذه الجماعات :

 

1-   جماعة الإخوان المسلمين, تأسست على يد حسن البنا, ولم تكن دوافعها إرهابية في أول تأسيسها, لكنها بعد الثورة المصرية وبعد مهزلة الربيع العربي وتولي محمد مرسي دفة الحكم في مصر كشرت عن أنيابها, لا سيما بعد سقوط مرسي, إذ قام أنصاره بإنتهاكات لحقوق الإنسان, فكانت حادثة مقتل الزعيم الشيعي حسن شحاتة وثلة من رفاقه قد دقت ناقوس الخطر في المجتمع، وكانت الفاجعة التي زلزلت كرسي الحكم من تحت محمد مرسي بل أزاحته عن دفة الحكم, وهي اليوم تعيث فسادً في العراق الجريح يتزعمها طارق الهاشمي الإرهابي الهارب خارج الوطن بعد تأكيد ضلوعه بعمليات إرهابية   طالت شيعة العراق.

2-   الجماعات الإسلامية: وهذه أيضاً ظهرت بعد أحداث سوريا بعد نكسة ما يعرف بالربيع العربي وقامت بالقتل والسلب والنهب، ومن أهم تنظيماتها :

أ‌-           الجيش الحر

ب‌-       الجهاد والتوحيد

ت‌-       السلفية الجهادية

ث‌-       جماعة أنصار الإسلام

ج‌-        تنظيم القاعدة

ح‌-        حركة طالبان في أفغانستان

خ‌-    التكفير والهجرة: وهذه ظهرت في مصر وبداياتها ظهرت في كتب سيد قطب لا سيما كتاب(معالم في الطريق) في منتصف الستينات, قادها شكري مصطفى، وحقيقتها تقول: إن المجتمع كله بحاكمه ومحكوميه هو مجتمع جاهلي لا يجدي فيه الإصلاح أو الترميم, ولا بد أن يجتث كله من أساسه (48) .

د‌-    جماعة داعش: التي تعني الدولة الإسلامية في العراق والشام: وهذه الجماعة مشروع أمريكي – إسرائيلي- تركي- قطري- سعودي مهمته زعزعة المنطقة ونشر بذور الفتنة فيها، وقد رفعت هذه الجماعات شعارات في سوريا تقول: من درعا إلى الكوفة, وهذا ما حصل فعلاً، فقد نقل التكفيريون المعركة من أرض سوريا إلى العراق بعد الخيانة التي مني بها الجيش العراقي من قياداته الخائنة, وهذا الشعار لم يُرفع اعتباطا، فالروايات التاريخية تقول: إن المعركة النهائية قبل ظهور المهدي –عليه السلام- ستبدأ من درعا وتنتهي في العراق وعلى وجه التحديد في الكوفة (49).

وكل هذه الحركات تعود جذورها إلى الفكر السلفي الوهابي، ذلك الفكر الذي هو عبارة عن غدة سرطانية خبيثة في قلب المجتمع الشيعي السني وكل الأمة الإسلامية، يجب إستئصالها, يقول الإمام الخميني(قده) واصفاً الوهابية:(أنها مناهضة للقرآن ومعتقد لا أساس له)(50)، فقد وصف المجتمع الوهابي السعودي بأنه مجتمع الفتوى بمعنى الكلمة, ليس من قبيل الصدفة, بل حصل هذا عبر رحلة مأساوية في قلب الفاتيكان الوهابي والمجتمع،إذ يظهرأن كل شئ هناك لا يتم دخوله إلى البلد ولا يتم قبوله من قبل الطرف الرسمي والديني إلا عبر فتوى دينية تزكي وتطهره ليعبر بعدها البوابة الوهابية بأمان وليأخذ طريقه داخل المجتمع, وبالمقابل فإن كل شئ غريب أو جديد وغير مألوف لدى الوهابيين لا بد من أن ينتظر دوره بفتوى وهابية لتحرره، حتى يأخذ طريقه إلى أرض المملكة، والمواطن في هذه الحالة يسمع عشرات الفتاوى أسبوعياً يصدرها مجموعة من الفقهاء الوهابيين يحددون رأيهم في جميع نواحي الحياة.

    إذاً الكل يسير على إيقاع الفتوى الدينية, فالفتاوى في المجتمع السعودي هي الغلاف الديني السميك، ليس لتبرير سلوك الأمراء فحسب بل لتبرير كل المحرمات الدينية القائمة أو المستندة إلى اللاءات الوهابية القاتلة لسير التطور والتمدن بإسم الدين, فصارت الفتوى في هذا المجتمع ليست كما هو معروف في المجتمعات الإسلامية الأخرى, فهي لا تقف عند حدود استنباط الأحكام الشرعية, بل هي ميزان الحرارة الذي يقيس به رجال الدين الوهابيين درجة حرارة الشارع والمسجد، وعليه فإن كل هذه الحركات الوهابية باطلة من أساسها؛ والسبب في ذلك يعود إلى (تصدي غير المختص للفتوى والحكم )(51). يقول نعمان عبد الرزاق السامرائي مخاطباً هذه الجماعات: (إن فقد الثقة بالعلماء سيحملكم على أحد أمرين أو على الأمرين معاً وهو الاجتهاد من غير استعداد كافٍ ومعرفة تؤهل ذلك أو العودة للكتب  والأخذ عنها دون الاستعانة بأحد، وفي الأمرين مخاطر كثيرة, ثم نَقل عن أحد أفراد هذه الجماعات قوله: لقد وقعنا في الأمرين معاً، ففي السجن الإجتهاد، والذي خرج في السجن يقرأ في الكتب ويفتي, وهو لم يدرس اللغة العربية إلا في المدارس الرسمية، والذين درسوا لا يذكرون من العربية وقواعدها وآدابها شيئاً, وهم داخل السجن يفتون , وكل أعتمادهم على القرآن والسنة, ويضرب مثالاً للتطبيق الخاطئ لهؤلاء الشباب في مسألة الخروج على الحاكم الظالم، فبعض الأحاديث تصف الخارج على الحاكم الظالم بالشهيد, وبعضها تمنع مطلقاً, فيقول كيف تجمع بينها )(52).

فلهفي على هؤلاء الشباب، فلا هم تمتعوا بالدنيا وزخرفها، ولا هم ذهبوا في الآخرة في المكان الذي وعدهم أشياخهم إياه ألا وهو الإجتماع مع النبي(ص)، ظنوا أنهم يستطيعون أن يلاقوا رسول الله(ص) وهم من أنحرف عن نهجه وعن آله الطيبين الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، ونسوا إنهم إنما ماتوا عندما حاربوا أو فجروا انفسهم لقتل اتباع اهل بيت رسول الله(ص) وإتخذوا مفتيهم أولياء من دون الناس كما إتخذ بنو أسرائيل أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، قال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }(التوبة/31).

ثانياً : آثار التطرف الفتوائي على المتلقي للفتوى:

من اللازم هنا أن نميز بوضوح بين الجهاد الذي فرضه الإسلام دفاعاً عن الدين أو الدار(الوطن) والحرمات والمقدسات, وبين العنف الذي ندينة ونجرّمه. والحق أن العامل المشترك بينهما هو أن كليهما يستخدم القوة المادية في تحقيق أهدافه، ولكن الذي يميزهما: أن الجهاد واضح الأهداف والوسائل لا يخرج المجاهدون به عن أحكام الشرع ومكارم الأخلاق التي جاء بها إسلامنا الحنيف , سواء كان ذلك قبل أو أثناء أو بعد القتال.

   أما العنف: فإن من يقوم به مجموعة من الشباب المتحمس الذي لم يتسلح بفقه الشرع, ولا بفقه الواقع, وقد غلبت عاصفة عقله وحماسة علمه من خلال نظرته إلى الناس والحياة بمنظار أسود، فيغلب عليه سوء الظن , ويسارع بالإتهام بالفسوق، بل يكفر الناس إلى حد إخراجهم من الملة, إذاً هو فكر مشوب بالضبابية في رضوخ أهدافه أو وسائله أو ضوابطه الشرعية, وإذا ألقينا نظرة على الجماعات الإرهابية الموجودة اليوم في عالمنا الإسلامي, نجد أنها كثيراً ما تعتمد على المتشابهات وتدع المحكمات, وتستند إلى الجزئيات وتهمل الكليات, وتتمسك بالظواهر وتغفل المقاصد كما تغفل ما يعارض هذه الظواهر من نصوص وقواعد, وكثيراً ما تضع الأدلة في غير موضعها, وتخرج من سياقها وإطارها, ولكن – على أي حال – لها فقه مزعوم يسوّغ العنف, ويستند إلى التراث ويروّج لدى البعض لإغراء الشباب والسطحيين من الناس, الذين يقفون عند السطوح, ولا يغوصون في الأعماق, أساسه فقه الخوارج قديماً, الذين كانوا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم )(53), وبهذا الفكر السطحي الذي يمتلكونه دمروا الشباب المسلم المتحمس للشهادة، فهؤلاء في الغالب آفتهم في عقولهم( وليست في ضمائرهم، فأكثرهم مخلصون ونياتهم صالحة, وهم متعبدون لربهم شأنهم شأن أسلافهم من الخوارج الذين كفّروا عامة المسلمين, وكفّروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"ع" وأستحلّوا دمه, ودماء المسلمين معه)(54) حتى نقل عن رسول الله (ص) قوله:( يحقّر أحدكم صلاته إلى صلاتهم, وقيامه إلى قيامهم , وقراءته إلى قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)(55)، وبهذا خسِر هؤلاء الشباب, فغالباً ما يُقتلون، أما الناجون فيساقون إلى السجون, معرّضين أجسادهم إلى أنواع الأذى البدني والنفسي, وكثيراً منهم يخسرون أسرهم وجامعاتهم, أو وظائفهم – إذا كانوا موظفين – أو أعمالهم الحرة, فهذه سجون غواتيمالا تعج بهم، وهذه سجون سوريا والعراق قد سكنوها مهانين داخرين, وكم من مرة قد أطّلع العالم على أعترافاتهم بهذا الشأن يشرحون كيف أغواهم شيوخهم لأجل القيام بعمليات إرهابية لتفجير وقتل النفس, فقد صرح أحدهم في لقاء معه على شاشة قناة العراقية – برنامج في قبضة العدالة – وهو تونسي الجنسية: إن أحد مشايخه في تونس قد أجتمع بهم، وهم عبارة عن مجموعة شباب, فقال لهم : ما الذي يفصلكم عن هذا الشارع, فأجابه الشباب: الذي يفصلنا هذا الجدار فقال لهم الشيخ: كذلك الذي يفصلكم عن الجنة والجلوس مع حضرة النبي(ص) هو هذا الجدار, فسأله الشباب بالله عليك أحق هذا؟ فقال: والله بين دخولكم الجنة والجلوس مع النبي هذه الحدود التي تستطيعون أن تصلوها بطائرة أعدت لمن يريد السفر إلى العراق والاستشهاد هناك, فنحن نحتاج إلى مائتي مقاتل لإرسالهم إلى العراق، يقول هذا الشاب: بعد هذا الكلام وجدنا عدد المتطوعين للذهاب إلى العراق قد قارب الخمس مائة شاب, كان هو واحداً منهم, كذلك ما نقلته تلك الفناة التونسية ذات الاربعة عشر عام والتي تقول: إن إحدى المبلغات الدينيات قد قالت لهن: إن المجاهدين في أمس الحاجة في العراق وسوريا إلى من تجاهد في نفسها لأجل المجاهدين الذين يقاتلون بلا زوجات في سوح القتال على شرط أن تتم الفتاة الرابعة عشر من العم, أو مطلقة ترتدي النقاب أو الزي الشرعي, وأضافت: يعتبر هذا الجهاد هو جهاد في سبيل الله ووفق الصيغ الشرعية, وبالفعل فقد اختفت تلك الصغيرة وتكلم عنها الإعلام التونسي بعد أن بحث عنها أهلها دون فائدة, لكنها عادت بعد عدة أيام لتخبر أهلها أنها كانت في سوريا تجاهد مع المجاهدين بما يعرف بـ (زواج المناكحة)، هذا النوع من الزواج الذي أفتى به شيخ الدجل والإرهاب محمد العريفي, والذي يتلخص بأن على الفتيات أن يقدمن أنفسهنّ للمجاهدين ليمارسوا معهن الجنس بدون زواج وبدون عقد, على سبيل الترفيه عن المجاهدين, وقد نشرت هذه الفتوى على موقعه الإلكتروني ضمن مواقع التواصل الاجتماعي – تويتر-, وقد رد على هذه الفتوى أحد المشايخ السعوديين المختصين بالدراسات الإسلامية يدعى الناصر خشيني, فقال بعد حديث طويل: ( وبالتالي فإنها فتوى لترويج وإجازة وتسويق الدعارة بإسم الدين، والدين منها براء, وهذه الفتاوي التي صدرت لا بد وأن تكون صادرة عن أناس يعانون من إضطرابات  شخصية تجعلهم غير قادرين على التعبير عن عدوانيتهم وحقدهم وحسدهم للآخرين بسبب الفشل والضعف الذي يلاحقهم, فيلجئون لأساليب وطرق ملتوية لإثارة الأحقاد والضغائن والفتن إضافة إلى أنهم أناس يبحثون عن طريق للشهرة, وحسب وجهة نظرهم فإن أقصر الطرق للشهرة هو الترويج لفتاوى لا تمت الى الدين بالصلة للتغرير بالشباب وإيقاعهم فريسة سهلة للشهوة، مستغلين جهل البعض بأحكام الدين الحنيف وغياب الوعي السياسي والثقافي لدى البعض الآخر.قال تعالى:{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}(النحل:116-117), وصدق رسولنا الكريم محمد(ص) بقوله:( إن الله لا يقبض العلم إنتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالم إتخذ الناس رؤوساً جُهالاً, فسُئلوا فأفتوا بغير علم , فضلّوا وأضلوا)(56) .

وبهذا يكون كلامنا عودة على بدء: أن علة هؤلاء في عقولهم، أضف إلى ضمائر المفتين لهم كيف أنها ماتت إلى الدرجة التي أخذوا لا يميزون بين الحق والباطل, فهؤلاء عندهم خلل في فقه الجهاد, وكذلك عندهم خلل في فقه تغيير المنكر بالقوة وماله من شروط يجب أن تراعى, فعلى علمائهم أن يصححوا هذه الأخلال كلها وذلك بتصحيح ما صح عندهم من أحاديث وفيرة تقيد وتضبط ذلك كله، الأمر الذي لا يسمح بترك الباب مفتوحاً على مصراعية لكل من هب ودب, والله أعلم .

{المطلب الثالث: أثر التطرف الفتوائي على المجتمع}

    بعد أن تحدثنا عن آثار هذا التطرف المنحرف في الفتوى على الفرد, وهذا الفرد سواء كان المفتي أو المتلقي وعرفنا أن أثاره وخيمة على الإثنين معاً, نحاول الوقوف على آثاره على المجتمع, وأيضاً نستطيع تقسيم المجتمع إلى:

أولاً: المجتمع الذي أسهم في صياغة فكر المفتي .                          
ثانياً: المجتمع الذي وقع عليه الأثر.

أولاً : المجتمع الذي ساهم في صياغة فكر المفتي:

   مما لا شك فيه أن البيئة التي عاش فيها المفتي لها الأثر الأهم في صياغة فكره,(فمنطقة نجد لم تتميز فقط بأنها المعقل الأساس للبداوة, بل هي المنبت الأول والأساسي لحياة البداوة هي خزان بشري لا ينفك يقذف بين الحين والآخر بموجات بدوية جائعة تارة وغازية تارة أخرى  منذ فجر التاريخ وحتى الهجومات الأخيرة على الكويت 1921م  والعراق ما بين عام 1923-1925 م هذه العلاقة الجدلية بين الإنسان ووعائه الصحراوي, جعلت من منطقة نجد النموذج المثالي لمجتمع البداوة المهددة للحضارات القديمة من جهة والنموذج الذي يغري أصحاب الدعوات السياسية والدينية الهادفة للغزو أو السيطرة والتحكم في منطقة الجزيرة العربية من جهة ثانية)(57), فهؤلاء المفتون النجديون القادمون من الصحراء هم من تصدى للفتوى في هذا المجتمع. فهذه الفئة( من رجال الدين, إتصفوا بصفات وأخلاق أبناء الصحراء: خشونة, تعصب, انطواء , كره الآخر, ... الخ، فهذه هي التي لازمت رجل الدين الوهابي منذ عام 1744م إلى وقتنا الحاضر)(58) وهذا العداء للآخرين هو الذي أفرز روح الانتقام عندهم خصوصاً من العراقيين- وذلك لأن أرض العراق أضحت المكان المناسب الذي يستطيع الوهابي الإرهابي أن يخرج أحقاده فيه - ؛(وذلك لأن العراق على مهبط حضارة تعد من أقدم الحضارات في العالم )(59), وإن كان العراق من شعوب الجزيرة العربية واقعاً على حافة منبع فياض من منابع البداوة, لكنه لم يؤثر عليه البداوة كما أثرت على المجتمع النجدي, ولم تؤثر الصحراء في ظهور فتاوى كما ظهرت في نجد, فصار الشعب العراقي واقعاً بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية: قيم البداوة الآتية إليه من الصحراء المجاورة وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم )(60).

   هذا التفاوت بين المجتمعين, المجتمع البدوي النجدي, وبين المجتمع المتحضر العراقي, ولداً حقداً من قبل أهل البادية – النجديون- فصار التفكير في الإنتقام دوماً منهم خصوصاً المجتمع الشيعي؛ وذلك (لأن العراق هو الموطن الذي نشأ فيه التشيع في بداية أمره ومنه إنتشر إلى الأقطار الأخرى)(61)، أما هم فقد حَسبوا أن أنفسهم  على أهل السنة وهم منهم براء, فهؤلاء الوهابية اصحاب عقول منغلقة متطرفة معادية للإسلام والمسلمين, وهؤلاء الوهابيون ( وبعد أن أدلجوا الغزو بأنه جهاد في سبيل الله ضد الكفار )(62), فأخذوا يغيرون على الدول المجاورة رافعين شعار: هيت هبوب الجنة وينك –أي أين أنت- يا باغيها, فبهذا الشعار دشنوا (العصر الذهبي للقبائل النجدية بعد سلسلة طويلة من الغزوات العنيفة للأراضي السورية والعراقية واليمنية والعمانية ...الخ، ناشرين الذعر بين صفوف سكان تلك المناطق)(63) , أما عدائهم للعراق الشيعي فإستمر طويلاً وإلى يومنا هذا، وخَف عن بقية الشعوب العربية الأخرى, ألم يفتي  بهم عبد العزيز بن باز(المفتي العام في السعودية)بعد أن سئل عن موقفه من التقريب بين السنة والشيعة, فأجاب:( التقريب بين الرافضة (الشيعة) وبين أهل السنة غير ممكن لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى وأنه لا يدعي معه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل, وأما ما يراه الرافضة فخلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما, كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين)(64)، وهذا واضح كل الوضوح في تكفيره للشيعة وحلية دمائهم؟, من هنا كان المجتمع العراقي والسوري – على اعتبار أن أكثر أبنائه من العلويين – بل المجتمع المسلم قاطبة ضحية لإرهابهم، فكفروا كيفما يحلو لهم أو لنقل: كيفما يحلو لأسيادهم الأمريكان واليهود, فما حصل اليوم في سوريا من استنزاف للقوى وقتل وتشريد, بل دمار مدن سوريا بأكملها إلا صدى لتلك السياسات الخاطئة والإرهابية التي إتبعها حكام آل سعود وأذنابهم حكام قطر في المنطقة, ولكي يتم السيناريو على أحسن صورة أوعزوا لكلابهم السائبة التي قاتلت في سوريا بالأمس ان تتحول إلى العراق واختلاق ما يعرف بداعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام ) والمدعومة من قبل أمريكا وإسرائيل، فأحرقوا الأخضر واليابس, ذلك أن (الدوائر الغريبة الصهيونية التي تدير اللعبة تريد أن تضرب ضربة مزدوجة, فهي حريصة على إعادة تشكيل جغرافية  المنطقة بما يخدم المشروع الصهيوني, كما أنها تريد صياغة أخلاق تكفيرية نفسية جديدة تنسجم مع تلك التوجهات)(65)، فشيوخ الوهابية تدعو الشباب العربي والإسلامي إلى ضرورة الجهاد ولكن إلى أين؟ إلى الأرض العربية والتورط بدماء أبنائها الأبرياء من أجل الحصول على حوريات شيوخ الوهابية – تصور إن فلسطيناً قتل في الموصل ترك غزة وجاء إلى العراق  ليجاهد- والذي يدمي القلب ويحز في النفس أن هؤلاء الشيوخ يذرفون الدموع عند مخاطبتهم هؤلاء الرعاع: ( والله لو أني أتمكن من الذهاب لذهبت)هذا في الوقت الذي لم يقوموا بأية عملية ضد اليهود في فلسطين المحتلة , لماذ؟ لأنهم ( يوالون الغرب, ويمهدون لتثبيت أقدام المعسكر الغربي في قلب البلاد العربية والإسلامية, فكانوا الأيدي الخبيثة التي يحركها أعداء الإسلام كيفما يشتهون) (66) ,حصل هذا طبعاً في الوقت الذي أوهموا الشباب العربي وسحروا أعينهم أن عدوهم المشترك ليس إسرائيل بل إيران الشيعية ذلك العدو المختلق,والتي صارت مع مفاعلها النووي – كما يزعم هؤلاء- مصدر خوف لدى الشباب العربي ناسين بذلك مواقف إيران المشرفة لصالح العرب والعروبة, فقد رفع الإمام الخميني ومنذ أن وطئت قدماه أرض إيران عام 1979م وإلى يومنا هذا شعار(الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل), فصار ذنب إيران في ذلك أنها رفعت ذلك الشعار  وجسدته على ارض الواقع.

ثانياً: المجتمع الذي وقع عليه الأثر:

   يحكى أن الفيلسوف اليوناني (ديوجين) كان يمشي في وضح النهار وفي يده مصباح منار , فلما سئل عن سبب ذلك أجاب : أفتش عن إنسان عاقل(67).

   اليوم يا ترى كم مصباح من مصابيح ديوجين يحتاج إليه المجتمع الوهابي – السعودي لمعرفة عمق روح الظلامية فيه, وقد يحتاجون إلى ألف مصباح أو أكثر, هذا إن تجرّأ أحد السعوديين على ذلك, إلا أن يجد نفسه ميتاً تنهشه الكلاب . فماذا عسى الشباب السعودي أن يفعل وهو يطالع كل يوم وفي أجهزة الإعلام المختلفة الفتاوى التكفيرية ضد أخوانه الشيعة , إلا أن يهب مدافعاً عن عقيدته ضد هؤلاء الكفرة – كما يسميهم الوهابية -  فهذا الشاب السعودي الذي وجه لإبن باز سؤالاً عن حكم صلاته التي صلاها في مسجد شيعي في الإحساء وتبين له بعد ذلك أن المصلين شيعة ؟ فأجابه : يجب عليك أن تعيدها ولا ترجع إلى الصلاة معهم لأن في عقيدتهم خلل كبير , فالشيعة الغالب عليهم الغلو في أهل البيت(68) , فما عساه أن يفعل وقد تلقى الفتوى من أعلى سلطة دينية في بلده, إلا أن يوغل بدماء هؤلاء الشيعة .

   وللحقيقة يجب أن نقول: إن المجتمع الشيعي في كل أحوال وظروف الوهابية كان هو الضحية, وهو الذي وقع عليه الحيف, فلم يتعرض مجتمع لمثل ما تعرض له المجتمع الشيعي, فقد نزل المجتمع الوهابي بكل ثقله في الساحة، فهذه حرب قد أشترك فيها الجميع, إشترك فيها الطبيب مع الجندي المقاتل مع المرأة والطفل, والكل جاء رافعاً شعار( حرب الشيعة والتقرب بقتلهم إلى الله ورسوله ) بل إشترك بها فئات كل المجتمع الضال, فقد نقل لنا أحد العسكريين العراقيين المتواجدين في جهاد القتال: إن داعشياً قناصاً في مدينة الموصل كان يقوم بقنص المقاتلين العراقيين ولمدة خمسة أيام دون أن يعرف أحد مصدر تواجده, وبعد البحث والتفتيش تبين أنه كان يصوب من على شجرة, ولكن كيف حصل هذا ؟ وجد أن هذا الشخص كان جالساً على الشجرة وفي يده (كانيولة) المغذي, وتبين له أنه قد وضع له المغذي من قبل أحد الأطباء الإرهابيين الموجودين معهم في الجبهة حتى لا يحتاج إلى الطعام ولا إلى الشراب , وبهذا حافظ على حياته أطول مدة دون الحاجة الى عصب الحياة , فبربك هل نحن اليوم أمام فكر منحرف واحد أم أمام أفكار منحرفة عدة ساهمت في صنع هؤلاء العتاد المردة .

كذلك ما نقله لنا أحد الضباط في أحد المخافر: أن امرأة مفخخة قد أمسك بها رجال الأمن, وحبست في مخفر الشرطة , فتحدث إليها ضابط المخفر بعد أن تعاطف معها لسببين , أحدهما أنها إمرأة والأخر قد تكون مجبرة على هذا العمل لأي سبب كالفاقة مثلاً , فأخبرها أنه سوف يقوم بإطلاق صراحها , وسألها عن الجهة التي سوف تذهب إليها أن أطلق سراحها , فأجابت : إني سوف أعود لأفخخ نفسي وأفجرها ضد الشيعة الكفرة , فما تعني لنا هذه الحادثتان , إلا أن تكون عن آهية الأستعداد لتلاقي هؤلاء التكفيريين , فهؤلاء جاءوا ليموتوا وليتقربوا بنا إلى الله ورسوله , كما يتهم هؤلاء – وقد تنوعت أشكال عنفهم وتطرفهم ضدنا فكان:

 

 

1-      القتل والخطف ثم القتل على الهوية

2-   التهجير القصري للعوائل من دون سكانهم ومناطقهم تحت سلطة الأكراه بسبب التهديد من قبل المسلحين أو العصابات الإجرامية .

3-      التفجيرات كتفجير السيارات والعبوات الناسفة وزرعها في الطرق والمدارس والأسواق والاغتيالات بواسطة المسدسات الكاتمة .

4-   نسف الدور السكنية على أصحابها ونسف الجسور والخطوط الحديدية والطاقة الكهربائية واستهداف المعالم الثقافية والأثرية والمساجد والأضرحة بسبب التطرف الطائفية.

5-      التسليب والسرقة ونهب ممتلكات الدولة ومن ثم إحراقها .

6-   القصف العشوائي بالأسلحة الثقيلة للأحياء السكنية(69) على أن هذه الأعمال لم يسلم منها حتى السنة العراقيون , المعتدلون – غير المتطرفين الذين سممت أفكارهم الوهابية -  كذلك المسيح فقد أصابهم ما أصابنا في الموصل – بعد احتلالها في فيلهم – بعد أن رفضوا أحد الأمرين , أما الإسلام أو الرحيل ففضلوا الرحيل , كذلك الايزديين الذين شردوا إلى جبال سنجار , وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على الجميع مستهدف – وإن كان الشيعة مستهدفون بالدرجة الأولى – وعلينا جميعاً وقفة مشرفة من الجميع في صف واحد من أجل القضاء على هؤلاء الخوارج الذين عاشوا في أرض الله فساداً , وسيعلم الذين ظلموا عباد الله أي منقلب سينقلبون.

{نتائج البحث}

1-      إن التكفيرين والإرهابيين ,لم يأتوا بين عشية وضحاها بل جاءوا من مخاض عسير مرت به الأمة الإسلامية .

2-   إن الرسول(ص) قد نبأ الأمة بشر سوف يدمرها عن بكرة أبيها بظهور فرقة ضالة في الأمة الإسلامية سوف تبقى تعيش فساداً في الأمة إلى ظهور صاحب الأمر (عج) وتكون نهايتها على يديه .

3-   إن التطرف السائد اليوم في المجتمع الوهابي السعودي ليس ظاهرة عابرة ولا هو قادم من الخارج – كما يتوهم البعض – بل هو نتاج طبيعي لمواقف وممارسات تجربة دينية سياسية مشهود لها بالمواقف المتطرفة والغلو في تكفير الآخرين منذ أكثر من قرائن ونصف القرن من الزمن , أي منذ بداية انطلاقة دعوة محمد بن عبد الوهاب وإلى يومنا هذا .

4-      إن على الأمة الإسلامية أن تتعض من التجربة الوهابية السعودية ولا تسمح بصعود قوة دينية سلفية متطرفة للسلطة .

5-   إن الشيعة الإمامية وعلى مر التأريخ وقع عليهم جور الحكام والحركات التكفيرية وصاروا هدف كل أعداء الدين كما كان أتهم "ع" وأنهم تعرضوا ويتعرضون الى حرب إبادة إنسانية .

6-      إن المفتي الوهابي يتحمل أما الله المسؤولية كاملة عن دماء الأبرياء , كذلك يتحمل وزر ومسؤولية من يضع من أغويهم فتواه .

7-   أبناء الأمة جميعا مكلفون وبدون أستثناء أن يبادروا إلى طرح الفكر المحمدي الأصيل , مقابل المد الوهابي الديني المتطرف الذي يصف البشر على أساس العقدة لا على أساس الثقافة أي على أساس الجزء لا الكل , وبما أن العقيدة جزء من الثقافة فلا بد من تجيش الحراك الثقافي والفتي والتشكيلي ضدهم, ومحاربة ذاك الفكر المتغلف الأقصاني بفكر تنويري مضاد له.

{الهوامش}

القرآن الكريم خير ما نبتدأ به.

1-      السنن الكبرى : البيهقي ,8/171

2-      معجم مقاييس اللغة : إبن فارس , 3/447.

3-      مختار الصحاح : الرازي , 390.

4-      المعجم الوسيط : مجموعة مؤلفين ,1/555

5-      الدين في المجتمع العربي : مجموعة مؤلفين, 217.

6-      لسان العرب:، إبن منظور, 10 / 183.

7-      أصول الدعوة : عبد الكريم زيدان, 130.

8-      المصدر نفسه، 130

9-      المصباح المنير : الفيومي، 535.

10- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : محمود عبد الرحمن عبد المنعم،1/487.

11- صحيح البخاري : البخاري، 1/102

12- فتنة التكفير : أحمد محمود كريمة ,9-11.

13- الأمثل : ناصر مكارم الشيرازي ,3/347-348

14- صحيح مسلم : مسلم،  1/67

15- الجامع لأحكام القرآن : القرطبي، 5/339.

16- شرح صحيح مسلم : النووي ، 2/104

17- الاقتصاد في الاعتقاد:الغزالي،59

18- المصدر نفسه،60

19- الأعمال الكاملة للإمام محمد عبدة : تح: محمد عبدة، 3/283-289.

20- صحيح مسلم : مسلم،  426 – 427,باب ذكر الخوارج وصفاتهم ح 1064.

21- المصدر نفسه، 429 الباب نفسه ح 1066 .

22- تاريخ المذاهب الإسلامية : محمد أبو زهرة، 58.

23- مسند أحمد : أحمد بن حنبل، 2/218.

24- بحوث في الملل والنحل : جعفر السبحاني، 1/124عن التعريفات للجرجاني .

25- المصدر نفسه، 1/130.

26- الأعلام : الزركلي، 4/250.

27- الإسلام والعنف : حسن الخشن، 73.

28- أنظر: المصدر نفسه، 73.

29- شرح نهج البلاغة : محمد عبده ، 1/107 .

30- المصدر نفسه ، 1/86.

31- الكامل في التاريخ : ابن الاثير ، 3/206

32- صحيح البخاري : البخاري، 2/46.

33- مسند أحمد : أحمد بن حنبل، 2/23

34- أنظر: سيرة عائشة : نجاح الطائي، 2/68-69.

35- جواهر المطالب : الدمشقي، 2/22.

36- المصدر نفسه، 2/22

37- الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص) / جعفر العاملي 1/8 .

38- الدر السنية في الرد على الوهابية / احمد بن زيني دخلان 91.

39- الوهابيون خوارج أم سنة ؟ / نجاح الطائي 186-187.

40- المصدر نفسه 187-188.

41- التطرف والمتطرفون / أسعد الحمراني 8

42- المصباح المنير / القيومي 462

43- الموافقات / الشاطبي 2/244.

44- أعلام الموقعين / ابن قيم الجوزي 4/224.

45- مرقاة الأصول / ملا خسرو 2/46.

46- إرشاد الفحول / الشوكاني 547

47- جامع بيان العلم:ابن عبد البر 1/177,2/165.

48- المصدر نفسه 2/54.

49- أنظر سوسيولوجيا التطرف الديني / عدلي علي أبو طاحون 415-420.

50- أنظر مقالة منشورة في مجلة الرسالة ص 14-15 بعنوان (عذب الشابندر يتوقع الأحداث في سوريا والعراق .

51- إعصار الدين الوهابي الى اين؟ : خليل الشويلي، 3

52- الأسس الدينية للإتجاهات السلفية / كريم شاتي شبوط / 282 .

53- ظ: التكفير، جذوره وأسبابه ومبرراته: نعمان عبد الرزاق السامرائي .

54- الإسلام والعنف / يوسف القرضاوي /43

55- المصدر نفسه 49.

56- صحيح مسلم / مسلم / كتاب الزكاة / باب 47, حديث 1064 ص 428 .

57- أنظر : جهاد المناكحة والتجازوز على الأخلاق والدين / حسين علي الشمري 9- 23.

58- خصائص وصفات المجتمع الوهابي –السعودي:أنور عبد الله /8.

59- المصدر نفسه /9

60- دراسة في طبيعة المجتمع العراقي :علي الوردي /11.

61- المصدر نفسه،11.

62- المصدر نفسه /191.

63و64- خصائص وصفات المجتمع الوهابي –السعودي /د: أنور عبد الله /10 .

65- مجموعة فتاوي الشيخ عبد العزيز بن باقر /اعداد د:عبد الله محمد الطيار 5/164.

66- إعصار الدين الوهابي إلى أين؟ / خليل الشويلي /6.

67- أنظر المصدر نفسه /18.

68- ديوجين الكلبي (322-404ق.م), مؤسس المدرسة الكلبية في الفلسفة , هاجم الفوارق الطبقية وظلم الحكام  ودعا إلى نبذ الحروب وإلى الزهد  في الحياة وكان جريئاً في مواجهة الحكام، كان جالساً ذات مرة يتمتع بدفء الشمس وفجأة وقف على رأسه الإسكندر المقدوني – قبل أن يقوم الأخير بغزو العالم, فسأله أن يطلب منه ما يشاء, فأجابه ديوجين ببرود: لا أريد إلا أن تبتعد عن شمسي, فذهل الإسكندر من هذا الجواب القاطع وإلتفت إلى قواده قائلاً: لو لم أكن الإسكندر لوددّت إني كنت ديوجين( الموسوعة الفلسفية ص 214).

69- مجموع فتاوي إبن باز، 4/481.

70- أنظر : ثقافة العنف في المجتمع العراقي : د:هيثم أحمد الزيدي /215.

{المصادر والمراجع}

1-   إرشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الاصول:الشوكاني، محمد علي،(ت:1125هـ)، مطبعة محمد علي صبيح، 1349هـ ومطبعة دار الفكر(ب.ت).

2-      الأسس الدينية للإتجاهات السلفية / كريم شاتي شبوط رسالة دكتوراه،كلية الفقه/جامعة الكوفة،1430هـ-2009م.

3-      الإسلام والعنف قراءة في ظاهرة التكفير : حسين الخشن , المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء –المغرب , ط1,2006م.

4-       الإسلام والعنف، نظرات تأصيلية:يوسف القرضاوي،دار الشروق،القاهرة،ط1،1426هـ - 2005م.

5-      الإصطلاحات الفقهية في الرسائل العملية : ياسين عيسى العاملي, دار البلاغة , بيروت – لبنان , ط1, 1413هـ - 1993م.

6-      أصول الدعوة : عبد الكريم زيدان , مكتبة المنار الإسلامية ,ط3, 1396هـ- 1976م.

7-      إعصار الدين الوهابي إلى أين؟: خليل الشويلي،المركز الثقافي للدراسات،العراق،ط1،1434هـ - 2013م.

8-      الأعلام : الزركلي،خير الدين, بيروت- لبنان,ط3, 1969م.

9-   أعلام الموقعين عن رب العالمين / ابن قيم الجوزية،شمس الدين،أبو عبد الله،محمد بن أبي بكر،(ت:751هـ)،تح:محمد محي الدين عبد الحميد،دار إبن باز،مكة المكرمة،(ب.ت).

10-                        الأعمال الكاملة: للإمام محمد عبدة, دراسة وتحقيق:د : محمد عمارة , طبعة بيروت , 1972م.

11-          الاقتصاد في الاعتقاد:الغزالي،محمد ابو حامد(ت:505هـ)،تح:إنصاف رمضان،دار قتيبة،دمشق،سوريا،ط1، 1423هـ - 2003م.

12-                        الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ناصر مكارم الشيرازي,مؤسسة البعثة, بيروت– لبنان, ط1, 1413هـ – 1992م.

13-                        بحوث في الملل والنحل,جعفر السبحاني,لجنة إدارة الحوزة العلمية بقم المقدسة , ط2, 1317هـ.

14-                        تاريخ المذاهب الإسلامية:محمد أبو زهرة,دار الفكر العربي,القاهرة,ط1, 1996م.

15-                        التطرف والمتطرفون:أسعد الحمراني,دار النفائس,بيروت،ط1, 1419هـ

16-                        التكفير، جذوره وأسبابه ومبرراته: نعمان عبد الرزاق السامرائي،المنارة للطباعة والنشر،ط3 ،1412هـ - 1992م.

17-                        ثقافة العنف في المجتمع العراقي : هيثم أحمد الزيدي،تموز للطباعة والنشر،دمشق،سوريا،ط1 ، 2011م.

18-          جامع بيان العلم وفضله:ابن عبد البر،ابو عمر،يوسف بن عبد الله بن محمد،(ت:463هـ)،المطبعة المنيرية، 1398هـ - 1978م.

19-          الجامع لأحكام القرآن:القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري،(ت:671هـ)، دار إحياء التراث العربي , بيروت –لبنان , (ب.ت).

20-          جهاد المناكحة  والتجاوز على الأخلاق والدين: حسين علي الشمري،المركز الثقافي للدراسات،ط1 ،1434هـ - 2013م.

21-          جواهر المطالب في مناقب أعلامات علي بن أبي طالب"ع": شمس الدين، أبو البركات محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي،(ت:871هـ)،تح:محمد باقر المحمودي, مجمع أحياء الثقافة الإسلامية,ايران،قم, ط1, 1415هـ.

22-                        خصائص وصفات المجتمع الوهابي السعودي:أنور عبد الله،مكتبة الشرق ،باريس،(ب.ت).

23-                        دراسة في طبيعة المجتمع العراقي :علي الوردي،منشورات:سعيد بن جبير،قم المقدسة،ط1، 1426هـ - 2005م.

24-          الدرر السنية في الرد على الوهابية:احمد بن زيني دحلان،(ت:1304هـ), شركة دار المشاريع, بيروت,ط1, 1431هـ-2010م.

25-                        الدين في المجتمع العربي:مجموعة مؤلفين,مركز دراسات الوحدة العربية , بيروت, ط2 , 2000م.

26-          سوسيولوجيا التطرف الديني،جذور ومظاهر التطرف الديني بين اتباع الديانات السماوية:عدلي علي أبو طاحون، المكتب الجامعي         الحديث،الاسكندرية،مصر،ط1، 1999م.

27-                        سيرة عائشة:نجاح الطائي,دار الهدى لإحياء التراث,بيروت,ط1, 1432هـ - 2011م.

28-          شرح صحيح مسلم:النووي،محي الدين،ابو زكريا،يحي بن شرف(ت:676هـ)،دار الكتاب العربي،بيروت،1407هـ - 1987م.

29-                        شرح نهج البلاغة: محمد عبده،دار المعرفة،بيروت،(ب.ت).

30-          صحيح البخاري : أبي عبد الله محمد بن أسماعيل البخاري (194-256هـ) مركز الدرسات والإعلام , دار أشبيليا –الرياض السعودية (ب.ت) .

31-          صحيح مسلم : أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت:204-260) , دار إبن حزم , بيروت – لبنان , ط1, 1423هـ-2002م.

32-                         فتنة التكفير: احمد محمود كريمة, مكتبة الإيمان , القاهرة – مصر العربية, ط1, 1434هـ - 2013م

33-                        القاموس الجامع للمصطلحات الفقهية:عبد الله عيسى ابراهيم الغديري،دار المحجة،بيروت،ط1، 1413هـ - 1993م.

34-                        الكامل في التاريخ:ابن الاثير،عز الدين،ابو الحسن بن ابي الكرم،دار صادر،بيروت،1385هـ - 1965م.

35-          كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال:المتقي الهندي،علاء الدين،علي المتقي بن حسام الدين الهندي،(ت:975هـ)،مؤسسة الرسالة،بيروت،1409هـ.

36-          لسان العرب:إبن منظور، أبو الفضل ،جمال الدين ، محمد بن مكرم الأفريقي،(ت: 711هـ)،تح:علي شيري,دار إحياء التراث العربي,بيروت،ط1, 1408هـ-1988م.

37-                        مجلة الرسالة،مؤسسة الغري للمعارف الاسلامية، النجف الاشرف.

38-          مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز،إعداد:عبد الله بن محمد الطيار واحمد بن عبد العزيز بن باز،دار الوطن،الرياض،السعودية.

39-                        مختار الصحاح :محمد بن أبي بكر ابن عبد القادر الرازي،تح: محمود ظاهر , الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1976م.

40-                        مرآة الاصول في شرح مرقاة الاصول:العلامة خسرو،دار الطباعة العامرة،تركيا،(ب.ت).

41-                        مسند أحمد: احمد بن حنبل,دار صادر, بيروت, وكذلك المكتب الإسلامي, ط1, 1389هـ-1969م.

42-          المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: احمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (ت 770هـ), دار الهجرة , إيران -قم, ط3, 1325هـ.

43-          معجم مقاييس اللغة : أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395هـ) تح : عبد السلام محمد هارون,الدار الإسلامية,بيروت,ط1،1410هـ -1990م.

44-          المعجم الوسيط : مجموعة مؤلفين , المكتبة الإسلامية , إستنابول، تركيا , مجمع اللغة العربية , الإدارة العامة للمجمعات وإحياء التراث .

45-          الموافقات: الشاطبي،ابو إسحاق، إبراهيم بن موسى المالكي الشاطبي (ت 790هـ) , المطبعة الرحمانية , مصر , (ب.ت).

46-          الموسوعة الفلسفية:مجموعة علماء سوفيت،إشراف: م.روزنتال.ي.يودين،ترجمة:سمير كرم،دار الطليعة،بيروت،ط3 ، 1981م.

47-                        الوهابيون خوارج أم سنة؟ : نجاح الطائي, دار الهدى لأحياء التراث , قم – ايران , ط1, 2012م. 1433هـ.