الصحوة الإسلامية والتمهيد للوحدة

الصحوة الإسلامية والتمهيد للوحدة

 

الصحوة الإسلامية والتمهيد للوحدة

 

توفيق على وهبه

تمثل الوحدة الإسلامية مقصدا هاما من مقاصد الإسلام الحنيف، بل أنها لتعد على رأس المقاصد والكليات والمتمثلة في حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال,  وإن لم ينص عليها الفقهاء القدامى، وذلك لأمر بدهي يتمثل في كونها الفاعل في تحقيق هذه المقاصد، والضامن لقيامها ،(وكل ما يؤدى إلى الواجب فهو واجب )على ما قرره الفقهاء قاطبة .

 

      فضلا عن كون النصوص الشرعية متضافرة على وجوبها وجوبا قاطعا وصريحا كقوله تعالى : (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)([1])  وقوله جل شأنه : (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ([2])  وقوله  سبحانه وتعالى:(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )([3])

      إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )([4])

          وإذا كانت الوحدة الإسلامية بهذه المثابة من الأهمية فإنه من الضروري بمكان تحديد مفهوم الوحدة  وتحريرها لمعرفة ما يخدش هذه الوحدة المرجوة وما لا يخدشها فنتجنب المعوقات ونتخلص منها، وفى الوقت ذاته نغض الطرف عن بعض مظاهر الاختلاف والتعدد طالما لا تمس هذه الوحدة أو تعوقها .

       فلا تعنى الوحدة بحال من الأحوال التطابق والتماثل في كافة الرؤى والمواقف، وإنما هناك مساحات واسعة من التنوع طالما إنطلقت هذه الرؤى من القوائم المشتركة والثوابت القاطعة واستظلت بسقف الإسلام الحنيف .

ومن هنا فليس المقصود من الوحدة الإسلامية إلغاء المدارس الفقهية أو التيارات المذهبية طالما بقيت في الحيز المعرفي أو السلوك المنضبط، لذا يجب  النظر إلى الاختلافات لدى المدارس والمذاهب على إنها مصدر ثراء وتنوع . وأنها ظاهرة صحية، خاصة وأن هذا الاختلاف والتعدد وجد منذ الصدر الأول والمسلمون يومئذ هم أعلم الناس بالدين ومقاصده، كما أنهم ألين الأمة قلوبا وأعمقهم علما وأقربهم إلى الله ورسوله

       كما وردت هذه الاختلافات أيضا في عصر التابعين حيث تعددت أقوالهم واختلفت آراؤهم ،ولم يعب بعضهم على بعض . بل ان هذا التعدد والتنوع إنما هو مصدر ثراء وخلود للشريعة الإسلامية، وإتها بهذا التنوع صالحة لكل زمان ومكان كما أنها شاملة لجميع ما يحتاج إليه الإنسان في جيع أحواله وأوقاته مهما تنوعت المستجدات وتعددت الحوادث

       ولا شك أن شريعة بهذه السعة والثراء لا يمكن أن يحيط بها مجتهد واحد مهما إتسعت مداركه واذداد علمه، الأمر الذي حدا بالفقهاء على إعتبار هذا التنوع والاختلاف رحمة من الله تعالى بعباده على ما جاء في الأثر (اختلاف أمتي رحمة)

       وهو ماعناه قتادة بقوله (من لم يعلم الاختلاف لم يشم أنفه الفقه)([5]) كما ورد عن بعضهم (لا يفلح من لا يعرف اختلاف الناس)([6]) كما جاء قوله (اعلم ان اختلاف المذاهب في هذه الملة رحمة كبيرة، وفضلة عظيمة ،وله سر لطيف أدركه العالمون وعمى عنه الجاهلون )([7])

      وهو ما عاناه ايضا عمربن عبدالعزيز بقوله (ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا ،لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة   وهو ما يظهر أيضا في قول القاسم بن محمد : (كان اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما نفع الله به، فما عملت منه من عمل لم يدخل نفسك منه شيء)

        وعلى ضوء هذه  الآثار وغيرها كثير فإن طريق الوحدة الإسلامية ممهد ومعبد وأن الأمر في كثير من مسالكه قريب و متسع إذا صلحت النوايا ،واستقامت القلوب والتزم به أولو الأمر ,  خاصة وان العلماء على اختلاف عصورهم وتنوع اجتهاداتهم قد أكدوا هذه الحقيقة من خلال العديد من المعاني والركائز التي تعمل على تحقيق الوحدة، ومنها:-

1-أدب الاختلاف :

       من الركائز التي تعين على تحقيق الوحدة مراعاة أدب الاختلاف، وهو ما تجلى في العديد من أقوال الأئمة المجتهدين وعلى رأسهم الإمام أبى حنيفة رحمه الله القائل عن رأيه (هذا أحسن ما قدرنا عليه فمن أتانا بأحسن منه قبلناه)

        كما أشتهر عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطا يحتمل الصواب)

    وينحو الإمام مالك منحا عمليا فيرفض طلب الخليفة العباسي في حمل الناس على مذهبه معللا ذلك باختلاف فقهاء الأمصار تبعا لما جاءهم من العلم على أيدي الصحابة رضي الله عنهم

      فعندما صنف الإمام مالك كتاب الموطأ قال له أبو جعفر المنصور:(إجعل العلم يا أبا عبدالله علما واحدا، فقال له مالك: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في البلاد فأفتى كل في عصره بما رأى)

       ويعاود الخليفة هارون الرشيد ذات الطلب فيرد عليه مالك رحمه الله تعالي: ( ان فقهاء الصحابة تفرقوا في الأمصار , وكل عنده علمه وفقهه, وكل علي حق , ولاضرر, ولا ضير في اختلافهم ) .

       ومن هنا فقد اكثر العلماء من تصنيف الكتب في أسباب اختلاف الفقهاء وكذلك صنفوا في بيان أدب البحث والمناظرة، لبيان أن اختلاف الرأي قد يرجع لأسباب عديدة مثل إشتراك الألفاظ والمعاني بين الحقيقة والمجاز، والخصوص والعموم، وكذا الاختلاف في طرق الجمع والترجيح بين النصوص التي ظاهرها التعارض ومن أشهر المصنفات التي عالجت هذا الأمر الكتب التالية:-

1- الانصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين، لابن السيد البطليوسي

2-رفع الملام عن الائمة الإعلام   , لابن تيمية

(3)الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، ولى الله الدهلوي

(4) المنهاج في ترتيب الحجاج   -  للباجي

(5) الكافية في الجدل لإمام الحرمين ([8])

هذه الثروة الفقهية في أدب الاختلاف ترينا سعة الفقه الإسلامي وكيف أنه صالح لكل عصر مناسب لكل زمان

 

الانصاف :

   المتأمل للتراث الإسلامي في عصور الازدهار يلحظ إن تقدير العلماء بعضهم البعض وبيان فضلهم كان سمة عامة يتجلى في الرسائل المتبادلة فيما بينهم على نحو ما نراه في الرسائل المتبادلة بين الإمام مالك بن أنس والليث بن سعد، وهو ما نلاحظه كذلك في شهادة محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة للإمام مالك، ولم تمنع الاختلافات بينهم هذا الثناء وذاك التقدير الذي لم يأت  بدءا وإنما كان ممارسة عملية بين الصحابة رضي الله عنهم

      فعمر بن الخطاب يكيل الثناء للإمام على بن أبى طالب رضي الله عنهما  ويقول مقولته المشهورة (قضية ولا أبا الحسن لها ) وعلى كرم الله وجهه بدوره يشيد بمناقب عمر رضي الله عنهما

        بل إن الإمام على رضي الله عنه وكرم الله وجهه ليبلغ في ذلك  شاوا بعيدا عندما ينصف الخوارج – محاربيه – ولم يصفهم بالكفر ,  ويقول قولته الشهيرة (إخواننا بغوا علينا )  ,  وعندما بلغه أن أصحابه يسبون أهل الشام يمنعهم من ذلك ويقول لهم (إني أكره لكم ان تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم واصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي من الغي والعدوان من لهج به ([9])

        ويلاحظ أن هذا الانصاف لم ينقطع في يوم من الأيام وإن لم ينتبه له الكثير من العوام في عصور الانحطاط والتخلف

      فلأئمة أهل البيت في جوامع ومسانيد أهل السنة المرويات العديدة التي تعلى من شأنهم وتعلى من قدرهم بإعلاء الله ورسوله لهم على نحو ما نراه في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما  ,  بل أن الإمام البخاري يضع كتابا في فضائل الإمام على بن أبى طالب  رضي الله عنه، وفى الوقت ذاته نجد الأئمة من آل البيت يثنون على الشيخين الثناء العاطر بدءا من الإمام على وأبنائه وأحفاده من بعده ،

          وقد أكثر الإمام الصادق من الثناء عليهما خاصة جده الصديق الذي قال عنه :( ولدني أبو بكر مرتين ) .

        وقد ظل علماء الشيعة يثنون على علماء السنة . بحسب كفاءتهم ومكانتهم دون أن يكون اختلاف المذهب مانعا من ذلك فنجد أن الشهيد الثاني ( زين الدين بن علي الجبعي العاملي ت :965 ) . الذي إنفتح على معاصريه من أهل السنة من أجل الوحدة الإسلامية وتحدث عن بعضهم ممن خالطهم بتقدير واعجاب يدل على  موضوعيته وإنصافه لمن يختلف معهم في بعض الآراء والمسائل فهو يقول في محمد بن قطب الدين الرومي قائد العسكر في الدولة العثمانية (رجل فاضل، أديب عاقل لبيب، من أحسن الناس خلقا وتهذيبا وخلقا ) ثم يسترسل مبينا علاقته به (فوقعت منه موقعا حسنا، وحصل لي بسبب ذلك منه حظ عظيم )([10])

      ويواصل الشهيد الثاني رحلته في أرجاء العالم الإسلامي (فيقصد مصر وفلسطين وسوريا ملتقى علماء المذاهب آخذا عنهم دارسا عليهم مستفيدا من معارفهم، مشاركا في حلقات البحث التي كانوا يقيمونها، ناسجا شبكة كبيرة من العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والمعرفة الواضحة والقصد النير الخالص المنزه عن أية أغراض ضيقه أو أهداف آنية أو طموح ذاتي )([11])

          أما عن الهدف من هذه الزيارات واللقاءات فهو كما يقول  الشيخ خنجر حمية (ان يكون ركيزة لحوار شامل مع باقي المذاهب وتفاعل حي متدفق مع أصولها وقواعدها وركائزها المعرفية متنوعة ومتعددة، ويزيل الحواجز النفسية التي تفصل شرائح كبيرة ممن ينتمون إلى هذه المذاهب بعضهم عن البعض الآخر ) ([12])

      وعلي الجانب الآخر نجد علماء أهل السنة ينصقون المتبحرين من علماء الشيعة كعلم الهدى وأخيه المرتضى اللذين احتفى بهما في مصنفات أهل السنة احتفاءا  كبيرا فأفرد ا بالدراسة التي شملت مختلف علومهما سواء كان ذلك في الفقه أو التفسير أو الحديث بل واللغة والشعر كما طبعت أعمالهما في بلدان العالم  الإسلامي السني و الشيعي علي السواء  .

 

(3) شخصية الإمام على – عليه السلام- ومنهجه في جمع شمل المسلمين:

        المقوم الثالث للوحدة الإسلامية هو التحلق حول  شخصية أمير المؤمنين كرم الله وجهه و رضي الله عنه الذي يحظى بإعجاب منقطع النظير من كل من أهل السنة والشيعة على السواء، والذي تمثل أقواله وأفعاله الطريق المستقيم للوحدة الإسلامية بكل أبعادها

       ومن حسن الطالع أننا نجده الوحيد بين خلفاء المسلمين من سجلت أقواله وحفظت بصورة واسعة لم تتح لغيره علي نحو ما جاء في ( نهج البلاغة)  والذي شرحه وفسره  العديد من العلماء من مختلف المذاهب قديما وحديثا .

      وإذا كان شرح ابن أبى الحديد في القدماء يمثل لنا المناهج الفلسفية والعلمية التي استخرجها من ألفاظه، فإن الدراسات المعاصرة قد تولت بيان معالم السياسة الراشدة المتضمنة في هذه الخطب والمقولات التي توضح لنا رأى الإمام في أحداث عصره وموقفه منها وهى مواقف نحن أحوج ما نكون لاستلهام مغزاها في هذا العصر .

 

(4)   الصحوة الإسلامية :

          هي من أهم العوامل والركائز التي تمهد للوحدة الإسلامية في وقتنا الحاضر والتي بدأت ملامحها منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران  بقيادة آية الله العظمي الإمام الخميني رحمه الله وجعل الجنة مثواه لقاء ما قدم لبلاده وللمسلمين  .

          ثم توالت ثورات الصحوة الإسلامية في العديد من البلاد العربية والإسلامية فكانت ثورة تونس ثم ثورة مصر اللتان إنتصرتا وفرضتا الوجه الإسلامي الصحيح في الدولتين الشقيقتين ,  وتسير هاتين الثورتين سيرا حثيثا نحو تحقيق أهداف الأمة في الصحوة والوحدة

         ثم كانت الصحوة في بلاد الغرب الإسلامي  حيث نجحت الأحزاب والمؤسسات الإسلامية في كل من المغرب والجزائر وتمكنت من السيطرة على مقاليد البلاد وتعمل على تحكيم وإعلاء شرع الله .

           ولقد سبق ذلك نجاح الإسلاميين في تركيا ومحاولة إخراجها من الحكم اللاديني وإدخالها إلى حوزة الإسلام وهى تسير الآن  في طريق الصحوة الإسلامية .

          وكل ذلك بشائر ودلائل على أن الصحوة الإسلامية،سوف تعم العالم العربي والإسلامي كافة لتصبح ركيزه هامه وممهدة لسبيل الوحدة الإسلامية الشاملة

          لقد بدأت الثورة والصحوة الإسلامية من إيران وانتقلت كما رأينا إلى العديد من دول الإسلام ولن تتوقف حتى تأتى على النظم في الدول الإسلامية كلها لتعيد إليها وحدتها وهيبتها وقوتها، فيرهبها الاستعمار وتتوقف أطماعه التي إستعان في سبيل تحقيقها بعملائه حتى تم له نهب ثرواتها والاستحواز على خيراتها والسيطرة على مواردها وشل حركتها السياسية والاقتصادية  ,وأبعدها كل البعد عن شرع ربها ومزقها شر ممزق ليسهل له بقاء سيطرته عليها , فجاءت الصحوة تمهيدا لتوحيد الأمة ولتكون سدا منيعا في مواجهة الاستعمار والصهيونية .

 

ما هي  الصحوة  :

يقول آية الله الشيخ محمد علي التسخيري  :

         لقد مرّت أمتنا الإسلامية بفترات زمنية طويلة، عمَّتها غفوة، وشملها تخدير وضياع مقيتان يعتصر لهما القلب ألما.

      فالفهم الإسلامي الصحيح غير متوفر إلاّ على صعد فردية محدودة المجالات، وحينئذ فمن الطبيعي أن لا تجد تعاليم الإسلام المحيية للنفوس مجالها الطبيعي المؤثّر في القيام ببناء النفوس والمجتمع.

         والتجزيئية تعمل عملها الخبيث في تمزيق الفرد المسلم من كلّ الجهات، فهو ممزّق في رؤيته الكونية، وقد أراد له الإسلام أن يتّخذ رؤية واحدة تجاه الأشياء، وهو ممزّق في شخصيته، حائر بين الالتزام بقوانين السماء والاتجاه مع الواقع الفاسد، والولاءات المتعددة، لآلهة التاريخ والتمدُّن، والعنصرية، والقومية، والوطنية، واللون وحتى العلم، وكلها تشكل منطلقات يجردها الذهن الإنساني من نِسبيتها، ويمنحها صفة الإطلاق لتشكّل ـ بالتالي ـ قيودا على التحرُّك الحضاري إلى الأمام، ويصبح الانشغال بالهموم الضيقة والشخصية هو الديدن العام؛ وقليل أولئك الذين يفكرون لصلاح الأمّة كلّ الأمّة، ويعيشون قضاياها الرئيسة، وجراثيم الكفر والانحراف الفكري والخلقي تسود الساحة، فلا تجد أمامها من يقف في وجهها، والروح الحماسية ميتة، إلاّ تعصبا لمال أو تجمّع أو مذهب خاص أو حاكم طاغٍ.

      ومن الطبيعي ـ والحال هذه ـ أن تكون هذه القابلية محفزا للاحتلال على مختلف الصعد ومنها الصعيد العسكري.

         وهكذا كان الحال، وبدأت ـ الصحوة شيئا فشيئا ـ حتى بلغت ما نحن فيه من حال.([13])

والصحوة على ضربين هما : صحوة ويقظة الفرد ,  وصحوة الأمة  ويقظتها  :

 

صحوة الفرد:

       الصحوة تعني يقظة العقل والقلب والفؤاد أي صحوته من غفلته  ونهج الطريق  السوي الذي يأمر به الدين، والابتعاد عن كل ما نهى الله عنه ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم وأن يكون سنده ودليله ومرشده في ذلك كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه .

 

أما صحوة الأمة ويقظتها:

       فتعني عودة الوعي والانتباه إليها. فالأمة يصيبها ما يصيب الأفراد من غياب الوعي نتيجة ضغوط وعوامل داخلية أو تغييب وتنويم مسلط عليها من خارجها سواء من أعدائها أو من المتربصين بها ليتمكنوا من السيطرة عليها وتوجيهها إلى ما يخدم مصالحهم وأغراضهم وهي بالقطع مصالح تتعارض مع صالح الأمة وأهدافها.

والصحوة الإسلامية ترتكز على أساسين:

 

أولا: كتاب الله سبحانه وتعالى

ثانيا: سنة رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم

       فالصحوة الإسلامية المطلوبة الآن  هي  يقظة شاملة في شتى المجالات في الفكر، وفي العزم، وفي العمل، وفي العلم والتعليم، وفي الاقتصاد، وفي الصناعة والزراعة وفى القوة العسكرية وغير ذلك حتى تعود للأمة مجدها وفاعليتها وتصبح لها قوة فاعلة في السياسة الدولية وفى العلاقات الإنسانية، وفى التعامل مع بلاد العالم كبيرها وصغيرها.

      إن الإسلام لا يقبل أن تكون بلاده كما كانت من قبل مستوطنا ومقرا للمستعمرين والأعداء من تتار ومغول وصليبيين وصهاينة وغيرهم، فقد ابتلي المسلمون من قبل ابتلاء عظيما وزلزلوا زلزالا شديدا , ولما عادت لهم اليقظة والصحوة وقامت الأمة من غفوتها , استطاعت أن تهزم كل أعدائها.من صليبيين وتتار وغيرهم .

      ولم يكن لهذه الأمة أن تقوم من كبوتها وتتغلب على هزيمتها إلاّ بالقوة والتماسك ووحدة الصف والهدف، ولا يكون ذلك إلاّ بالإيمان والعودة إلى دين الله والاعتماد عليه سبحانه وتعالى .

        إن اليقظة والصحوة التي أدت إلى انتصار الأمة في كثير من معاركها قادها رجال أفذاذ عظماء أنجبتهم الأمة. وهم كثر. ولن تعجز الأمة أن تلد أمثالهم في كل عصر وحين .

      إننا في حاجة إلى بث الحماس في مواجهة القضايا المصيرية للأمة. ومواجهة التيارات الإلحادية سواء من الداخل أو الخارج والثقافات الوافدة التي تغزوها من كل صوب وتهددها في عقر دارها.

 

معالم الصحوة

      وقد تمثّلت معالم الصحوة اليوم في أمور كثيرة  منها :

ـ هذا الاتجاه العام نحو تفهُّم الإسلام ومعرفة جوانبه الحياتية.

ـ وهذا الإتجاه الصارم للقطاعات المختلفة ـ وخصوصا قطاع الجيل الشاب ـ نحو تطبيق الإسلام، في كلّ شؤون الحياة الاجتماعية والفردية، والنظر للإسلام كمنقذ من كلّ المهالك والمشاكل، التي تورّطت فيها مسيرة الأمّة .

ـ وهذا التفهُّم الواعي لدور قوى الاستكبار العالمي في التخطيط لمسخ الشخصية الإسلامية ثم العمل على امتصاص دمائها،

ـ وكذلك تفهّم الطاقات الضخمة التي تملكها الأمّة المسلمة، وطبيعة المرحلة التاريخية التي تعيشها.

ـ وكذلك هذا الترابط الإحساسي والشعوري بين أفرادها، حتى ليهتزَّ المسلم اليوم في أقصى المعمورة لألم المسلم في الجانب الآخر منها.

ـ وهذا الاتجاه الرائع نحو الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، وتناسي الصراعات الجانبية.

ـ ثم هذا التخطيط الحثيث هنا وهناك لاستعادة المجد الإسلامي، وإقامة الدولة الإسلامية الموحَّدة على كلّ الأرض الإسلامية.

      ورغم اختلاف مستويات التخطيط فأنها تكشف جميعا عن التطلع والعمل على صنع المستقبل.

ـ وهذه الحرارة الثورية المتصاعدة، والتي راحت تقضّ مضاجع اللصوص الكبار، وتهزّ عروش العملاء الصغار، وتمزّق أستار المتستّرين والمتبرقعين. أنها حرارة الخشوع والتضحية والفداء في سبيل العقيدة، وهي تستمد أوارها من انطلاقة المسلم في الصدر الأول نحو الجهاد في سبيل إعلاء راية الإسلام، ناسيا دنياه ومتعه، في سبيل متعة تحقيق الهدف السامي العظيم.

ـ وأخيرا وليس آخرا: هذا الاتجاه الجماهيري نحو تعميم الأخلاق الإسلامية على المجتمع، ونفي مظاهر الطاغوت والعصيان، إذ رأينا الحجاب الإسلامي يسري سريان العافية في أوصال المجتمعات الإسلامية، ورأينا النفور من مظاهر الخلاعة والخمر والميسر وباقي العادات السيئة؛ وذلك يمثل ظاهرة إسلامية حميدة.

         كل هذا أرعب دهاقنة الكفر وعملاءهم، حتى أيقنوا أنّ ما كانوا يخشونه قد تحقّق، واستعادوا ـ من جديد ـ إلى ذاكرتهم مقولة غلادستون عن القرآن، كأكبر عنصر دفاعي لدى المسلم، ومقولة ديغول حين حذّرهم ـ في الأربعينات ـ من هذا العملاق النائم، والذي تداعب خصلات شعره مياه الأطلسي، وتغسل رجليه مياه المحيط الهادئ... ومقولة الجنرال غلوب باشا (إنَّ تاريخ مشكلة الشرق الأوسط يعود إلى القرن السابع للميلاد) فراحوا يكررون التحذير.

      فوزير الخارجية الأمريكي يحذر العالم من اليقظة الإسلامية ووزير الخارجية الإسرائيلي يكرر التحذير، فهؤلاء ومن معهم من أعداء الأمة  في الشرق والغرب يضعون يدا بيد لمواجهة المدّ الإسلامي. لقد اشتدّ التخطيط لمواجهة هذا السيل الإسلامي العارم، الذي يهدد حضارتهم بالزوال، لأنّه يحمل العلاج الناجع، والذي يمزّق أحلامهم، ويقضي على منافعهم الرخيصة.

       وكأنَّ الاستعمار ـ بين عشيّة وضحاها ـ وجد أنَّ كلّ أحابيله وبؤره السرطانية التي زرعها في قلب هذه الأمّة تزول، وكل الآلهة التي نصبها أمامها ـ كما أشرنا إليها من قبل ـ تتهاوى وتتمزق تماما، كما وجد المبشر المسيحي نفسه في حيرة، عندما حدّث بعض المسلمين عن معاجز (الرب المسيح) فرحوا يصلّون على محمد وآل محمد.

      لقد وجد الاستعمار أنَّ القوى والأساطيل الجامدة تذوب عند كلّ صرخة تكبير يطلقها مجاهد مسلم، واستولى الرعب على الطغاة عندما وجدوا أنَّ القيود والسجون ترتجف، أمام تكبير الأسير المسلم وصرخته الربانية الهادرة.([14])

 

دور العلماء والمؤسسات والمجامع العلمية في مجال تصحيح المفاهيم ودعم الصحوة الإسلامية باعتبارها تمهيدا للوحدة الشاملة:

      ان علماء الدين الحقيقيين هم قادة الأمة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم ، هم أصحاب دعوة الحب والتسامح، ليس لديهم حقد على غيرهم من طوائف المسلمين أو غير المسلمين، إنهم يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، امتثالا لقول الله سبحانه وتعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) ( سورة النحل د آية 125)

        لذا لا نجد من بينهم متطرفا ولا منحرفا ولا إرهابيا فهم القلب النابض لهذه الأمة، أصحاب فكر الوسط والتسامح والرحمة.

     فعلماء الإسلام هم المؤهلون لقيادة سفينة النجاة في هذا الوقت العصيب الذي تداعت فيه الأمم على بلاد الإسلام يريدون نهبها، والقضاء على عقيدتها ودينها لأنهم يعلمون أن هذا الدين هو الذي يوحد هذه الأمة ويأخذ بيدها إلى سبيل النجاة.

         يقول المستشرق الأمريكي المعاصر برنارد لويس: إن الدول الإسلامية قد تسقط أو تزول كدولة بالغزو العسكري ولكن المجتمع يظل في حياته محكوما بقوانينه الإسلامية في معاملاته وعلاقاته ربما عشرات السنين حتى تقوم الدولة من جديد وهي تجربة مرت بها الدولة الإسلامية التي خضعت للاستعمار عشرات السنين .

        فالعلماء والمراكز والمجامع هم الذين يدفعون شبهات الإرهابيين والمتعصبين وشبهات أعداء الله ويدرءون باطلهم ,إنهم الفئة المعتدلة المهتدية التي يجب أن تتقدم وتقود العمل الدعوي المستنير   .

     إنهم أهل الله،وأهل رسول الله، أهل الحق  المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم

     إنهم حملة الحق المتمسكون بما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، الداعون إلى الله على بصيرة إنفاذا لأمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه .

 

عقبات في طريق الوحدة:

       قلنا : ان العالم يسيطر عليه الأقوياء ولا مجال فيه للضعفاء .والوضع العالمي المعاصر يحتم على الدول الإسلامية ضرورة الإسراع في ضم صفوفها ولم شملها ,والوقوف صفا واحدا في مواجهة القوى العالمية المتصارعة، والتي تعمل على نهب ثروات ومقدرات الدول الصغيرة والضعيفة .

       والأمة الإسلامية ولله الحمد لديها من القدرات والإمكانيات لو اتحدت لكانت قوة كبرى لا يستهان بها في هذا العالم

ولكن ماهي المعوقات التي تعرقل وحدة الأمة والتي يجب علي الصحوة الإسلامية تجاوزها والقضاء عليها  ؟

أولا:- النعرات الطائفية والعرقية:

        ويستغلها أعداء الإسلام فيعملون على زيادة الفرقة والتشتت بين المسلمين ببث الفتن والدسائس لتبقى المنازعات العرقية والطائفية قائمة ومستمرة تفرق وتشرذم أخوة العقيدة والدين .

ثانيا:- النعرات القومية والتعصب المذهبي والقومي والعنصري والقبلي:

     فقد استغل أعداء الإسلام ضعف المسلمين وتفرقهم وتشتتهم وطرحوا أفكارا لقيام دول صغيرة قومية لتستمر هذه الدول في الصراع مع بعضها البعض وتنشغل بخلافاتها الطائفية والعرقية والعنصرية ويسهل على المستعمر أستنزاف ثرواتها ونهب خيراتها.

       وواجب النبهاء من أبناء هذه الأمة وعلمائها الأفاضل القضاء على كل أشكال العنصرية والتعصب ونشر ثقافة الأخوة والمحبة والتسامح بين الجميع.باعتبارها أمة واحدة مصداقا لقول ربنا  سبحانه وتعالى:(وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) وقوله : (وكونوا عباد الله اخوانا ).

 

أثر التعصب المذهبي على الأمة:

1- التعصب سبب في تفريق الأمة وتمزيق وحدتها فكل مذهب ينظر إلى أنه على الحق وغيره على الباطل وتجرا كثير من أتباع المذاهب على تضليل وتفسيق وتبديع بل وتكفير المذاهب والفرق الإسلامية الأخرى لمجرد مخالفتهم لمذهبهم حتى ولو كان الخلاف في الفروع لا في الأصول.

2- التعصب يؤدي إلى الجهل لأن من يتعصب لمذهب معين ينغلق عليه ولا يستطيع بحث ودراسة وجهة النظر الأخرى .

         وكما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه لا يتعصب إلاّ جاهل.

3- إن من يتعصب لرأي معين يأخذ رأيه قضية مسلمة وإن خالفت الكتاب والسنة .

        فالأئمة بشر والبشر معرضون للصواب والخطاء .والأئمة رحمهم الله أمروا اتباعهم بإتباع الدليل وإن كان مخالفا لرأيهم لأن كل إنسان يؤخذ من رأيه ويرد إلاّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم

       فالمتعصب مخالف لإمامه ومخالف لكتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم.

4- إن المتعصبين يسيئون الأدب مع من يخالف مذهبهم  بل وصلت اساءتهم إلى  أئمة المذاهب الأخرى  رضوان الله عليهم.

      وهؤلاء الأئمة هم السلف الصالح يجب إحترامهم وتبجيلهم ولكن المتعصبين يوجهون أقبح الألفاظ وأحط الشتائم لهؤلاء العظماء وعلى ذلك فهم على خطر عظيم.

      ولقد ذم الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتعصبين فقال عز وجل: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).

ثالثا:- التدخل الأجنبي:

       سواء بالقوات المسلحة كما حدث في العراق وأفغانستان أو السيطرة على النواحي الثقافية والسياسية والاقتصادية  كما هو الحال في الكثير من دول الإسلامية .

       يقول الإمام الخميني رحمه الله : ابتليت الحركة الإسلامية من أول أمرها باليهود, حينما بدأوا نشاطهم المفساد بالتشويه لسمعة الإسلام , والوقيعة فيه , والافتراء عليه , واستمر ذلك إلى يومنا هذا . ثم كان دور كبير لفئات يمكن أن تعتبر أشد بأسا من ابليس وجنوده . وقد برز ذلك الدور في النشاط الاستعماري الذي يعود تاريخه إلى ما قبل ثلاثة قرون . وقد وجد المستعمرون في العالم الإسلامي ضالتهم المنشودة .

       وبغية الوصول إلى مطامعهم الاستعمارية سعوا في ايجاد ظروف ملائمة تنتهي بالإسلام إلى العدم . ولم يكونوا يقصدون تنصير المسلمين بعد إخراجهم من الإسلام ,فهم لايؤمنون بأي منهما ( الإسلام والنصرانية ) بل أرادوا السيطرة والنفوذ, لأنهم أدركوا دائما وفي أثناء الحروب الصليبية أن أكبر ما يمنعهم من نيل مآربهم, ويضع خططهم السياسية علي شفا جرف هار هو الإسلام: بأحكامه وعقائده , وبما يملك الناس من إيمان به . لأجل هذا تحاملوا عليه وأرادوا به كيدا .

       وتعاونت علي ذلك أيدي المبشرين والمستشرقين , ووسائل الإعلام , وكلها تعمل في خدمة الدول الاستعمارية , من أجل تحريف حقائق الإسلام بشكل جعل كثيرا من الناس , والمثقفين منهم بشكل خاص , بعيدين عن الإسلام , لايكادون يهتدون اليه سبيلا .

     ثم يقول: وكان هدف المستعمرين من وراء ذلك اخماد جذوته, وتضييع طابعه الثوري الحيوي, حتى لا يفكر المسلمون في السعي لتحرير أنفسهم , وتنفيذ أحكام دينهم كلها عن تأسيس حكومة تضمن لهم سعادتهم في ظل حياة كريمة ..أه-([15])

     لقد أرادوا ابعاد دول الإسلام عن دينهم , وابعادهم بعضهم عن بعض واثارة الأحقاد والضغائن فيما بينهم وبث الفتن والشقاق

     انهم يريدون ان تبقى الحرب مستعرة في بلاد الإسلام حتى تبقى ضعيفة مفككة، ويحارب بعضها بعضا، ويعادى بعضها البعض، ويقاطع الأخ أخاه فيتحقق للاعداء مايريدون من استغلال ثرواتها واستنزاف خيراتها .واحتلال أراضيها، اذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا

     وتستمر هيمنة دول الإستكبار والاستعمار العالمي عليها وتبقى لها اليد الطولي والسيطرة الكاملة على مقدرات دول الإسلام وشعوبه.

      وفي ذلك كتب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه( الفرصة السانحة) وتعني فرصة القضاء علي الإسلام  الصادر عام 1991

      ان هدف أمريكا من سيطرتها علي الدول الإسلامية  كما حددها نيكسون هو تأمين استمرار تدفق البترول لصالحها وصالح الدول الصديقة لها في الغرب التي لا تستطيع العيش أو استمرار صناعاتها إلاّ بالبترول وكذا ضمان بقاء إسرائيل . وقال : ورغم عدم وجود أحلاف أو اتفاقيات دفاع مشترك مع إسرائيل إلاّ أن ذلك التزام أخلاقي  تلتزم به الولايات المتحدة تجاه إسرائيل .

       ومما يؤكد أن تلك سياسة عامة للولايات المتحدة الأمريكية ما صرح به الرئيس الأمريكي الحالي أوباما أن من أهدافهم المحافظة علي أمن وبقاء إسرائيل .

      فالولايات المتحدة الأمريكية الآن هي وريثة الاستعمار العالمي , وهي صاحبة المصلحة في تشرذم وتفكك وتمزق وتأخر المسلمين لتتمكن من السيطرة علي دولهم ومقدراتهم, ويسهل لها استنزاف مواردهم لصالح صناعاتها , وبقائهم سوقا رائجة لتجارتها ومنتجاتها .

    ان دول الاستعمار والإستكبار العالمي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تود ان تستمر الخلافات والإنشقاقات والتعصب المذهبي والنعرات الطائفية والعرقية سائدة تقطع أوصال هذه الأمة . فبقاء الدول الإسلامية ضعيفة مفككة تسودها الخلافات والحروب الأهلية وتفرقها النعرات الطائفية والعرقية هدف أصيل لأعدائها فيعملون علي بث سمومهم وأحقادهم ضد الإسلام والمسلمين لتبقي دولهم في حالة الضعف والتخلف

           ومن أحدث مخططات الاعداء لتمزيق وتشرذم دول الإسلام ما أعلنت عنه إسرائيل يوم 10/9/ 2011 عن خطتها للانتقام من تركيا  وتشمل هذه الخطة دعم الأكراد والأرمن  ومساعدتهم ماديا وعسكريا للانفصال عن تركيا  وتكوين دول مستقلة .

      وقد كشفت جريدة ( يدعوت أحرنوت) الإسرائيلية عن هذه ا لخطة  التي وضعها ( ليبرمان) وزير خارجية إسرائيل ضد تركيا وتنص علي التعاون الوثيق مع الأقلية الكردية من أجل إقامة دولة مستقلة لهم شرق تركيا , وعقد لقاءات مع قادة الانفصاليين الأكراد لمدهم بمساعدات مادية وعسكرية من سلاح وتدريب .

        كما تشمل الخطة التعاون الإسرائيلي مع اللوبي الأرمني في الكونجرس الأمريكي للعمل سويا علي تقسيم تركيا واضعاف قوتها .

       و من خططها أيضا ما أعلنت عنه مرار بتهديدها  بتدمير السد العالي بمصر لاغراق الأرض الزراعية بما فيها من إنسان ونبات وحيوان واتلاف الأراضي والقضاء علي الحياة عليها .  ( أي خطة دمار شامل).

      و كذا اثارة النعرات الطائفية والعرقية بين أبناء النوبة في جنوب مصر  وتشجيعهم علي الانفصال عن الدولة  وتكوين دويلة مستقلة لهم في الجنوب , كما تشعل دول الاستكبار والاستعمار  العالمي بالتعاون مع إسرائيل والصهيونية العالمية وبعض الأعداء في الخارج نار الفتنة الطائفية بين المسلمين ولأقباط وتشجعهم علي المطالبة بدولة مستقلة لهم بالجنوب  .

      هذا بخلاف مايدور من مؤامرات ومخططات صهيونية وامبريالية في السودان ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها من بلاد العالم الإسلامي .

     وفي نفس السياق تعمل الدوائر المعادية علي تفتيت دول المنطقة جميعها وتقسيمها إلى دويلات صغيرة هشة لا يمكنها الدفاع عن نفسها لتبقي لقمة سائغة في فم الاستعمار الأمريكي والإسرائيلي .وهذا ما تروج له أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية

      فقد صرح اللواء/ أهارون زئيفي فركش الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بذلك في مؤتمر عقد بمركز هرتسيليا للمجالات المتعددة وذكر أن الشرق الأوسط سيشهد خريطة جديدة كليا تشيه الخريطة الأوروبية بأن يتحول إلى منطقة مفتتة تتكون من ثلاثين (30) دولة.

       وقال : ان التطورات المقبلة التي ستشهدها المنطقة ستكون عبر حرب داخلية ستؤدي إلى تقسيمها إلى دويلات . دون أن تتكلف إسرائيل أي جهد عسكري في هذا المجال .

     وفي تطور آخر تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تجميع الدول الأوروبية ضد إيران وحربها ومقاطعتها اقتصاديا والتهديد بتدمير مؤسساتها ومراكزها النووية , واستعداء الدول العربية المسلمة ضد إيران ومحاولة زجها إلى الوقوف إلى جانب أعداء أمتنا الإسلامية عن طريق تخويفها من تصاعد قوة إيران مما يمكنها من السيطرة علي دول المنطقة . وهذه الدعوة الخبيثة ليست في صالح الدول العربية ولكنها تصب في صالح أمريكا ودول الاستعمار الغربي وإسرائيل فأمريكا لا تريد الخير والصلاح للعرب والمسلمين . وانما هي تبحث عن مصالحها ومصالح حلفائها من الصهاينة والغربيين.

      وهذا أعاد إلى الذاكرة حديث الرئيس أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة للوفد الشعبي المصري الذي زار إيران للدعوة إلى إعادة العلاقات بين الدولتين وكان لي شرف عضوية هذا الوفد حيث أشار الرئيس في حديثه إلى أن تعاون مصر وإيران وتركيا يشكل  قوة إسلامية كبري تردع إسرائيل  وتؤدي إلى تفكيكها ونهايتها دون حروب .

      وكم كان سيادته محقا في قوله . فهذه هي إسرائيل تحاول تفكيك وحدة تركيا .  وهي تخطط هي والولايات المتحدة الأمريكية لمثل ذلك في كثير من  دول الإسلام .

ننتهي من ذلك إلى أن الأمة الإسلامية تواجه تحديات كبيرة متمثلة فيما يلي :

1-   التعصب المذهبي الذي يؤدي إلى تكفير أتباع بعض المذاهب غيرهم من اخوانهم المسلمين مما يؤدي إلى الفرقة وتمزيق وحدة الأمة

2-   النعرات الطائفية

3-   التمييز العنصري والقبلي

4-   قوي الاستعمار والاستكبار العالمي ومواجهة ما يبثه من دسائس وما يدبره من مؤامرات لتخويف الدول الإسلامية ومحاولة ابعاد بعضها  عن بعض  بنشره الشائعات والأخبار المغرضة

5-   التفرقة والتشرذم والتفكك والتمزق الذي أصاب الأمة، وأخر وحدتها بفعل المخططات والمؤامرات الاستعمارية , ولا مخرج لامتنا مما يواجهها من تحديات إلاّ بالوحدة ،

         فالوحدة الإسلامية هي التي تدفع غائلة الاعداء من مستعمرين ومنصرين ومبشرين ومتعصبين ومكفرين وهلم جرا .. وذلك امتثالا لقول الله تعالى (وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) .

وقوله عز وجل : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ).

             فقوة هذه الأمة وعزتها في وحدتها00

      اننا نعيش في مجتمع عالمي تسيطر عليه الدول الكبرى والتجمعات والاتحادات التي تجمع عددا من الدول تشكل قوة اقتصادية وعسكرية لها وضعها في المجتمع الدولي و لامكان فيه للدول الصغيرة ولا الضعيفة

      فوحدة الأمة الإسلامية تجعل من دولها قوة فاعلة في المجتمع الدولي، ويكون لها موقع متميز بين التكتلات الدولية والقوى العظمى . وهذا هو ما يخافه ويهابه الاستكبار والاستعمار العالمي وجميع أعداء الإسلام داخليا وخارجيا .

           فعلى أمتنا أن تثبت بحق  أنها خير أمة علي وجه الأرض كما وصفها  ربنا جل وعلا في كتابه الكريم

    واليوم قد توفرت على الساحة الإسلامية ظروف جديدة هي مزيج من الوعي والتحدي والتجارب تنشر بعدا إسلاميا مشرقا، فالشعوب الإسلامية الآن تشعر بضرورة التقارب والابتعاد عن التشرذم والتمزق الذي فرضه الاستعمار عليها. ونبذ الوهن والضعف والتخلف، الذي أبعدها  عن بعضها البعض.  لسنوات طويلة.

الصحوة والوحدة :

        نحن في حاجة إلى صحوة  ويقظة إسلامية راشدة، تستفيد من  الايجابيات وتنبذ السلبيات، تعيد المجد والعزة والكرامة إلى أمة الإسلام وتدفع عنها ما ألحقه بها أعداء الداخل وأعداء الخارج.

         الصحوة الإسلامية المطلوبة – والتي ظهرت بوادرها في الثورات الإسلامية المباركة – تمهد للوحدة الإسلامية الشاملة([16])   

         فوا جب  هذه الأمة جماعات وأفرادا  أن تعمل علي مناصرة وتعزيز هذه الصحوة  والعمل علي نبذ العنف والتعصب والطائفية، لتعود الأمة إلى وضعها الصحيح  وإلى دينها دون تطرف لتصبح بحق خير أمة أخرجت للناس كما وصفها ربنا سبحانه وتعالى حيث يقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).

ومن النهي عن المنكر مكافحة الفئات المنحرفة التي تتبنى أفكارا ومعتقدات هدامة وإرهابية تكفر المجتمع وتقتل المخالفين، وتستحل أموال المسلمين وغير المسلمين([17]).

ولا يكون ذلك – كما سبق أن قلنا -  إلاّ بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله دون تشدد ولا تعصب ولا شطط بل التمسك بالوسطية التي دعا إليها الإسلام الحنيف

ونختم بالذي هو خير :  

( ربنا لا تؤاخذا بما فعل السفهاء منا )      

( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهي لنا من أمرنا رشدا ).

 

المراجع

1-    القرآن الكريم

2- كتب الحديث

3- نهج البلاغة – للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه

4- الفقيه والمتفقه – للخطيب البغدادي

5- آية الله العظمي الإمام روح الله الخميني – الحكومة الإسلامية

6- آية الله الشيخ محمد علي التسخيري – أسبابها ومظاهرها ودوامها

7- آفاق التقريب في تجربة الشهيدين الأول والثاني- الدكتور الشيخ خنجر حمية

8- الدكتور احمد السايح –حول التقريب – بحوث ودراسات – المركز العربي للدراسات والبحوث 2008

9-  المستشار توفيق علي وهبة –موانع التقريب وكيفية مواجهتها – المركز العربي لدراسات والبحوث 2008

10- الإمام الشيخ محمد الغزالي – فريضة التقريب بين المذاهب – بحوث ودراسات – اصدار المركز العربي

      للدراسات والبحوث – القاهرة - 2008

11- المستشار توفيق علي وهبة – الوحدة الإسلامية والصحوة – المؤتمر الدولي الأول للصحوة الإسلامية –

     طهران2011

12- حول التقريب بين المذاهب الإسلامية – المركز العربي لدراسات والبحوث بالقاهرة .

13- المستشار توفيق علي وهبة – الإسلام شريعة الحياة – دار اللواء بالرياض .

14- آية الله الشيخ محمد علي التسخيري- الدستور الإسلامي .

15 الدكتور احمد السايح -  التعايش السلمي .

16- آية الله الشيخ محمد علي التسخيري – الصحوة الإسلامية – نشر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران



[1] - سورة الأنبياء – آية 95

[2] - سورة الأنعام – آية  103

[3] - سورة آل عمران – آية 103

[4] - رواه البخاري –كتاب الأدب

[5] - الفقيه والمتفقه – للخطيب البغدادي ج 2 ص 21

[6]- المرجع السابق ص 38

[7]  - نفس المرجع ص 38

[8] - قمنا بتحقيق هذا الكتاب بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور أحمد السايح رحمه الله تعالي –نشر مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة -

[9] - نهج البلاغة للامام علي رضي الله عنه

[10] - مجلة المنهاج – العدد  62 السنة   16 ص 74

[11] - نفس المرجع ص75

[12] - المرجع السابق   ص 75

[13] - آية الله الشيخ محمد علي التسخيري – الصحوة , أسبابها ومظاهرها ودوامها – بحث  ألقي في الملتقي الثامن عشر للفكر الإسلامي بالجزائر 1984

 

[14] - الشيخ محمد علي التسخيري – مرجع سابق

 

[15] - المرجع الديني الأعلى  الإمام الخميني رحمه الله – الحكومة الإسلامية ص 7

[16]- عن بحث لنا عن الوحدة والصحوة الإسلامية – مقدم إلى المؤتمر الدولي الأول للصحوة الإسلامية بطهران – 2011.

[17]- المصدر نفسه.