النبي عليه الصلاة والسلام السبيل الوحيد للوحدة والألفة

النبي عليه الصلاة والسلام السبيل الوحيد للوحدة والألفة

 

النبي عليه الصلاة والسلام

السبيل الوحيد للوحدة والألفة
 
 
                                                                    الدكتورة حكيمة شامي
                                                         أستاذة زائرة بكلية الآداب المغرب
 
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
لقد كثر الحديث عن الوحدة بين المذاهب الإسلامية الإسلامية، لأن فكرة الوحدة والتقريب بين هذه المذاهب ، وبالأحرى التعايش المذهبي بين المسلمين، والاحترام المتبادل بين جميع الاتجاهات المذهبية والاجتهادية، ضرورة حتمية ، وكيف وفي ذلك عزة الإسلام وقوته ، وفيه جمع كلمة المسلمين ، وتوحيد صفوفهم، وفيه الامتثال لقوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾.
قال تبارك وتعالى:"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" الفتح 29.
إن من العناصر الهامة في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية بل من أهمها وهو عنصر محبة الرسول الكريم، وإذا كانت أسباب الافتراق كثيرة،فإن أول أسباب الألفة والاجتماع وإزالة الفرقة، فهي محبته صلى الله عليه وسلم وآله .
وإن كان الحب من أعمال القلوب فإن له تجليات في الواقع، وتتلاقى على مائدته الصوفي والمتكلم والفيلسوف والعارف، من غير تفرقة طائفية، ولا انحياز مذهبي.
ولذا نرى أول الخطوات الوحدة تحقيق هذه الغاية التي تعد أهم هذه الغايات وأمثلها وأقواه تأثيرا، ولهذه المحبة ظواهر وشواهد في حياة المرء والمجتمع.
فلا عجب في ذلك، فقد أرسله الله للناس كافة، قدوة ورحمة للعالمين وهو القائل:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وسيرته سجل حافل بالفضائل والمواعظ والعبر، يوقظ الهمم وتشحذ العزائم، وتضع المعالم للوصول إلى مرضاة الله.
وإن لنا في سيرته وأخلاقه الكريمة، رحمة شاملة للوجود بأجمعه، كما أن رحمته شملت أسرته وأمته وأصحابه، فقد كان صلى الله عليه وسلم "بالمؤمنين رؤوف رحيم". 
 وشاءت العناية الربانية أن تكون نبوته خاتمة، بل ومسك الختام للأديان وشريعته جامعة ناسخة للشرائع السالفة.     
 فما سر هذا التلاؤم والتناسق وهذا الخلود؟.. ذلك أنه دين فاق المدنية وألم بمكارم الأخلاق وجمع العلوم والمعارف كلها. فجاءت رسالته صلى الله عليه وسلم متفقة مع كل عصر وباقية ببقاء العصور والأزمنة، فكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى .
فكان عليه الصلاة والسلام أعظم نعمة امتن الله عز وجل بها على المسلمين، فمشيئة الله اقتضت أن المسلمين وان اختلفوا وتباينوا في أوطانهم، أن يكونوا إخوة متحابون متضامنين مؤازرين بعضهم البعض، ويشهد لهذا قوله تعالى:"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم".
وقد صور النبي المؤمن بالجسد الواحد، بقوله :"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال صلى الله عليه وسلم : "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً".
 إننا في حاجة ملحة إلى نهضة أخلاقية، مستمدة من المثل الأعلى، سيد الأولين والآخرين الذي قال عنه عز وجل:" وإنك لعلى خلق عظيم". سورة القلم، الآية 4، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
 
الرسول الإنسان
كان صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل الذي جمع بين البعد الجلالي والبعد الجمالي، قال أحد العارفين:"أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوارهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر وأقدم سوى نور صاحب الكرم... همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم، واسمه سبق القلم، لأنه كان قبل الأمم... العلوم كلها قطرة من بحره..  والأزمان ساعة من دهره".
فهذه اللمحة النورانية التي وهبها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ردت الكرامة الإنسانية على قوم أفقدهم الظلم إياها، وسلبهم نعمتها، وأعادت إليهم الإحساس بقيمتهم وحقهم في الحياة الحرة الكريمة التي لا تعرف تمييزًا بين البشر بسبب جنس أو لون أو لغة، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب.
لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلى بالتقوى والعمل الصالح، إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، والتقوى والأعمال النافعة للأمم والأفراد.
والله وحده هو الذي تخضع له الرقاب، وتعنو له الجباه، والناس جميعا أمام الحق سواء.
كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذا في التاريخ الإنساني كله، لم تعرف الدنيا مثلا فريدا في سمو الخلق واستقامة السلوك وحسن المعاملة كما عرفت من سيرته، التي فاضت بها الأخبار، ورواها من خالطه وتعامل معه وسجلتها كتب السير على ألسنتهم إعجابا بما رأوا، وما لمسوه من نبل الأخلاق، وكرم المعاملة، ولا غرو في ذلك، فالله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "وإنك لعلى خلق عظيم".
وإن الدارس لحياته صلى الله الله عليه وسلم لا يجد إلا يقف إجلالا أمام هذه العظمة التي لم تعرف البشرية لها مثيلا، والتي كانت سمة واضحة في كل تصرفاته وأقواله وأفعاله، ومنها استمد السلف والخلف المنهاج القويم، وشرع علماء هذه الأمة في بيان وظائف الإنسانية ودعوا إلى الوحدة (التشيع والتسنن)، وتحذيرها من الفرقة ولزوم الجماعة قال تعالى:"ولا تنازعوا فتفشلوا" الأنفال 46.
 واستمدادا من شخصه الكريم، فقد جاء في الأخبار:"وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ ـ دقة الرواية أي معه ستة ـ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ زُرْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ بِنَا أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا". رواه أحمد وأبو داود عَن الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِي.
لأن الاستقامة المطلقة فوق بني البشر، ولكن سددوا وقاربوا، وهذا هو معنى كلام النبي عليه الصلاة والسلام:"لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا".
كما لنا في سيرة آل بيته الطاهرين وصحابته الأبرار، من الأخلاق وسعة العلم ونفاذ البصيرة، والدفاع عن الدين ووحدة الأمة بتضحيات عظام.
فل نسمع كلام الإمام علي كرم الله وجهه:" يا بني، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل مالا تعلم، وإن قلًَ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك". نهج البلاغة ص.51.
هذا هو المؤمن السالك الناصح لأخيه المحب الذي سار على الصراط السوي الذي اختطه النبي الكريم وآل بيته الطاهرين مبني على الحب واللين واللطف، لا الشدة والقسوة.
وعليه ومن حلال كل هذا يتبين أن دعوة التوحيد أو التقريب ليست بشيء جديد، ولا دعوة حادثة ، وإنما هي تجديد العهد وربط طال عليه الزمن بين المنهج النبوي القويم المتين، ومن تمسكنا به لن تضل هذه الأمة أبدا، و هي أن نتوحد حول أصول هذا الدين، ولا نتفرق كما تفرق الذين من قبلنا. اختلاف لا فرقة، واجتهاد لا قطيعة ولا ضغينة.
 فالكل مطالب بالعمل من أجل هذه الوحدة علماء ومؤسسات ومعاهد ومدارس من أجل نشر ثقافة التعارف والأخوة التي جاء بها النبي الكريم، قال تعالى:"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون".