الهرمنوطيقيا هل لها مجال في الفكر الإسلامي

الهرمنوطيقيا هل لها مجال في الفكر الإسلامي

 

 

الهرمنوطيقيا هل لها مجال في الفكر الإسلامي

 

خزعل غازي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

تعتري عالمنا الكبير أفكار وتيارات غريبة من شأنها ان تؤثر في الكثير من الشعوب والافراد من خلال الانتماء إلى تلك الأفكار والتأثر بها.

 

وقد اعترى عالمنا وبالأخص الإسلامي تيارات وأفكار غريبة أثرت وبدأت تؤثر في البعض فلذا من الواجب إيضاح وبيان الموقف الإسلامي منها حتى يكون المسلمون على بينة فكرية وعلمية تجاهها. وبطبيعة الحال الإسلام ليس ضد كل وافد غريب و يتعامل مع الوافد الغريب من زاويتين, زاوية الأخذ والرد وزاوية الأخذ هي التي تتعامل مع التيارات التي تتفق مع مبادئنا ولا تتضارب مع المبادئ التي أسس وتجذر عليها الإسلام أي نأخذ منها ما ينسجم مع التوجهات الإسلامية والأطروحات الفكرية التي بني عليها الإسلام.

 

وزاوية الرد هي إنكار لما هو مخالف لمتبنياتنا الفكرية الإسلامية وإبطال تلك الأفكار بالأدلة والبراهين التي تنسجم مع ضرورات المرحلة التي نمر فيها.

 

ومنذ القدم دخلت إلى عالمنا الإسلامي تيارات فكرية وثقافية وحتى عصرنا الحاضر أثرت في الاتجاهات الفلسفية والسياسية والاقتصادية التي تسود عالمنا.

 

وقد دخلت الكثير من تلك التيارات من أمثال الفلسفة اليونانية نتيجة الترجمة وفي وقتنا الحاضر دخلت تيارات من قبيل نظرية دارون ونظرية فرويد ونظرية ماركس والنظرية الاشتراكية وغيرها من الأفكار الغربية واستهوت شعاراتها البراقة بعض البسطاء والمغفلين منا.

وفي بحثنا هذا نريد ان نستعرض نظرية غربية دخلت إلى عالمنا الإسلامي وأثرت في البحث الإسلامي مستوحين من هذا البحث بيان تلك النظرية والموقف الإسلامي منها وهل لها اثر في بحوثنا الإسلامية وقرائاتنا وهذه النظرية هي نظرية الهرمنوطقيا.

نشأة الهرمنوطيقيا

مصطلح الهرمنوطيقيا مصطلح قديم ظهر في اللاهوت الكنسي بمعنى مجموعة القواعد التي يعتمد عليها المفسر في فهم الكتاب المقدس وقد استعمل الهرمنوطيقيا في الدراسات الاهوتية للدلالة على هذا المعنى منذ سنة 1654مـ ولم يزل مستخدما بنفس المعنى في اللاهوت البروتستانتي غير ان مفهومه اتسع بالتدريج فشمل دوائر أخرى تستوعب بجوار الدراسات اللاهوتية العلوم الإنشائية والنقد الأدبي وفلسفة الجمال والفلكور.

 

 وان لفظ الهرمنوطيقيا، لفظ يوناني بيري هرميناس وضعه أرسطو كجزء من أجزاء المنطق ويعني كما ترجمه قدماء المناطقة قضية العبارة أي كيف يمكن تفسير العبارة ثم تطور الأمر عند اللغويين وأصبح يسمى ذانترتسيونك أي قضية التفسير ثم تطورت الأمور في العصور الوسيط عند أوغسطين وعند تاسيان وعند اورجين وفي العصر المبكر عند آباء الكنيسة من اجل معرفة كيف يمكن فهم النص الديني.

 

والهرمنوطيقيا قد سمي في بعض الكتابات بعلم التأويل أو التأويلية الذي يبحث عن تفسير النص وفهمه وقد ذكر بأن هذا المصطلح اشتق من هرمس في اليونانية وهو الملك الذي ينقل رسائل الآلهة وتعاليمها إلى الأرض, ونظرية الهرمنوطيقيا مرت بعدة مراحل.

المرحلة الأولى:

الهرمنوطيقيا الكلاسيكية والتي بدأت في عصر النهضة حيث جرت حركة الإصلاح الديني وانتشار الفكر البرتستانتي وقد ادت إلى ضعف العلاقة بكنيسة روما وبذلك شعروا بحاجة ملحة لمنهج يتضمن قواعد معينة لتفسير الكتاب المقدس وأول كتاب ألف في هذا المجال اسمه (الهرمنوطيقيا) ومؤلفه (دان هاور) طبع عام 1654م ذكر فيه مناهج وقواعد لتفسير الكتاب المقدس.

المرحلة الثانية:

الهرمنوطيقيا الرومانسية والتي بدأت من شلاير ماخر (1768ـ 1834م) سماه ديلتاى (كانت الهرمنوطيقيا ) ويعتبر مؤسس الهرمنوطيقيا الحديثة وله اكبر الأثر في المفكرين الذين جاءوا بعده في هذا المجال وكذلك له الدور الكبير في نقل هذا العلم من تفسير النص الديني لعامة النصوص وتتلخص نظرية (شلاير ماخر) هذا بأن لكل نص جانبان, موضوعي يتمثل في لغة النص وهذا الجانب مشترك بين المؤلف والآخرين العارفين بلغته. وذاتي وهو فكر المؤلف وذهنيته.

 والعلاقة وثيقة بين هذين الجانبين لا يمكن استغناء المفسر عنهما في تفسير النص لذلك يحتاج إلى موهبتين الأولى لغوية بان يملك الفهم الشامل الدقيق لأنواع الألفاظ والصور اللغوية والثقافية التي عاشها مؤلف النص وساهمت في خلق تفكيره وآرائه والثانية ألوعلي الفني والنفسي بذهينة المؤلف الإبداعية والوصول لمقاصده من النص وهذا الجانب يعتمد على ضرب من التنبؤ يقوم به المفسر.

وقد اشترط شلاير ماخر وجود العنصر الثاني وهو الحدس والتنبؤ ويلم يكتفي في العنصر الأول وهو معرفة اللغة وقواعدها لذلك سميت نظريته بالرومانسية وذلك لان الرومانسية هي محاولة اكتشاف العالم الداخلي للفنان والشاعر وانفعالاته ومشاعره الداخلية.

المرحلة الثالثة:

الهرمنوطيقيا الفلسفية التي نشأت في القرن العشرين وبدأت من مارتن هيدجر (1889ـ 1976م) ولكنها طرحت كنظرية لفهم النص من قبل تلميذه (غادامر) وقد أقام هيدجر الهرمنوطيقيا على أساس فلسفي حيث غيّر الكثير من وظيفة هذا العلم وهدفه من البحث عن منهج الفهم إلى البحث عن معنى الفهم وحقيقة نفسه فمنح للمصطلح بعدا فلسفيا فهو يبحث عن حقيقة الفهم لا عن منهج الفهم أو المعيار لتقويم الفهم الصحيح من غيره.

وكل ذلك كان بسبب غموض النصوص الفلسفية والدينية الموروثة من القرون الوسطى حيث أصبح الملتقى لتلك النصوص القديمة والذي يخضع بدوره للأطر الحديثة من الصعب عليه فهم تلك النصوص إلا من خلال دراسة النصوص القديمة بشكل مستقل ومستوعب لعملية التفسير وفهم النص فأصبح النص موضوعا للمعرفة من خلال الهرمنوطيقيا.

 

الهرمنوطيقيا في البحث الإسلامي

على ضوء ما تقدم من تعريف الهرمنوطيقيا والمراحل التي مرت بها خلال اتساعها وتطورها لتشمل أكثر من صنف من أصناف العلوم تعرفنا على ان فكرة الهرمنوطيقيا هي قراءة النص لما كان هذا المعنى موجودا ومعمولا به في البحث الإسلامي قديما وحديثا وهو يعني ان فكرة قراءة النص هي من أهم القضايا التي تناولها المسلمون بحثا وتحقيقا وإنتاجا واسعا في مختلف العلوم وأهمها علم التفسير وعلم الحديث حيث تعدد فهم القرآن تفسيرا وتأويلا وقد يتعدد التفسير والتأويل بحسب طبيعة البحث عقائدياً كان أو لغوياً أو فقهياً أو تأريخياً.

كما يتعدد فهم الحديث بحسب دلالة النص وقد يختلف العلماء في فهم النص فتختلف فتاواهم أو أقوالهم كل حسب قراءته وفهمه للنص.

فان كان هذا يسمى هرمينوطيقا في مصطلح الغرب فهل يصح ان نسمي ما تقدم بهذا المصطلح هذا أمر يستدعي التوقف لأن مصطلح الهرمنوطيقيا نشأ بأجواء فكرية ولغوية غير الأجواء التي نشأت بها قرائة النص في الفكر الإسلامي.

اما دخول مصطلح الهرمنوطيقيا في البحث الإسلامي كمصطلح اعتقد انه من المصطلحات العلمية الوافدة حديثا ولم يدخل بعد في تفكير المفكرين وعبائر الباحثين فيجب ان نبحث الهرمنوطيقيا كفكرة ونبحثها كمصطلح ومحدد الموقف الإسلامي مبدئياً واللغوي فنياً.

نماذج على تعدد قراءة النص عن المسلمين

من الأمثلة على اختلاف تعدد القراءات في البحث الإسلامي التي أثرت في تعدد قراءة النص الأمر الذي أدى إلى اختلاف الاحكام والفهم للنص الشرعي نذكر منها:

التأويل

التأويل في الاصطلاح له معنيان: عند السلف تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه أو هو نفس المراد بالكلام فان كان الكلام طلبا كان تأويله نفس الشيء المخبر عنه.

اما عند المتأخرين فمعناه: صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.

وقال العلّامة الجرجاني في تعريفاته: التأويل في الأصل: الترجيع وفي الشرع: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراد موافقا للكتاب والسنة, مثل قوله تعالى: Pيخرج الحي من الميتO.

ان أراد به اخراج الطير من البيضة كان تفسيراً, وان أراد اخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا.

وقال بعض العلماء: التفسير ما يتعلق بالرواية والتأويل ما يتعلق بالدراية.

وذكر السيد الشهيد محمّد باقر الصدر ثلاثة نقاط ميز بين التأويل والتفسير فنود ذكرها هنا:

1ـ التمييز بين التفسير والتأويل في طبيعة المجال المفسر. ويقوم هذا المذهب على أساس القول بان التفسير يخالف التأويل بالعموم والخصوص فالتأويل يصدق بالنسبة إلى كل كلام له معنى ظاهر فيحمل على غير ذلك المعنى فيكون هذا الحمل تأويلا والتفسير أعم منه لأنه بيان مدلول اللفظ على المعنى مطلقا أعم من أن يكون هذا المدلول على خلاف المعنى الظاهر أولا.

2ـ التمييز بين التفسير والتأويل في نوع الحكم ويقوم هذا المذهب على أساس القول بان التفسير والتأويل متباينان لأن التفسير هو القطع بان مراد الله كذا والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون قطع وهذا يعني ان المفسر احكامه قطعية والمؤول احكامه ترجيحية.

3ـ التمييز بينهما في طبيعة الدليل: ويقوم هذا المذهب على أساس القول بان التفسير هو بيان مدلول اللفظ اعتمادا على دليل شرعي والتأويل بيان اللفظ اعتمادا على دليل عقلي.

وبهذا يكون للنص القرآني المقدس معنى ظاهري ومعنى تأويلي. ويمكن اعتبار ودرج هذا في إحدى مصاديق الهرمنوطيقيا في الفكر الإسلامي والبحث ان صح التعبير.

الآيات المحكمة والمتشابهة

من أهم القضايا التي تناولها العلماء تفسيرا وتأويلا لتسع وتشمل مساحة واسعة من الآيات القرآنية المفسرة هي الآيات المحكمة والمتشابهة والمحكم هو ما يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه الذي يحتمل وجهين فصاعدا.

وقد درسوا هذا الموضوع في كتب علوم القرآن ووضعوا له قواعد لفهم المحكم والمتشابه كما درس المفسرون الآيات القرآنية المتشابهة على ضوء تلك القواعد.

ويختلف الباحثون في فهم المحكم والمتشابه كل حسب فهمه ومن هنا نعرف ان ليس الناس سواء في المحكم والمتشابه إذ ان المحكم الذي يبدو واضحا عند فرد لأنه في مستوى فهمه يكون متشابها عند فرد آخر لأنه اعلى من مستواه.

الفهم اللغوي للنص

كثيراً ما يتعرض الباحث في الكتاب والسنة إلى نصوص تشتمل على الفاظ مشتركة يدل كل واحد منها على أكثر من معنى, الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف القراءات للنص وتعددها عند الباحثين والعلماء فيما أراده الله تعالى من تلك النصوص.

ومن نماذج الاختلاف في تعدد قراءة النص بسبب الاختلاف في الألفاظ المشتركة الآية الكريمة: Pإِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِO.

فهنا هل حرف (أو) للتنويع أو التفصيل أو للتغيير؟

وكذلك الآية الكريمة: Pوَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِO، هل الواو هنا هي للعطف أو للاستئناف؟

بسبب هذا الاشتراك اللفظي (اللغوي) تتعدد قراءة النص ويتعدد الاختلاف في ذلك.

ويتعرض أيضاً الباحث في الكتاب والسنة إلى نصوص تشتمل على ألفاظ يمكن ان تستعمل في معاني كثيرة من قبيل الحقيقة والمجاز والصريح والكناية. ومن الأمثلة على ذلك:

1ـ قال الله تعالى: Pقَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباًO.

شبه الرأس بالوقود ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو اشتعل على سبيل الاستعارة المكنية والقرينة إثبات الاشتعال للرأس.

2ـ قوله تعالى: Pأُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِO.

اشتروا بمعنى اختاروا فهي استعارة تصريحية والقرينة هي الضلالة.

3 ـ قوله تعالى: Pجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُO.

والذي يجري هو الماء وليس الأنهار التي هي مجاري المياه.

وعلى ضوء ما تقدم يتضح ان اختلاف الباحثين في قراءة النص ناتج من الاختلاف في الفهم اللغوي الذي يعتبر احد مصاديق الهرمنوطيقيا (تعدد قراءة النص).

العقل

لاخلاف بين العلماء الأصوليين والفقهاء المجتهدين في حجية العقل وان العقل له الدور في اثبات الاحكام الشرعية التفصيلية منها أو القواعد الكلية. وقد يختلف الأصوليون في دراسة القضايا العقلية كاجتماع الأمر والنهي أو الأجزاء في الأوامر الاضطرارية وقد اشتد الخلاف بين الاشاعرة والمعتزلة في قضية الحسن والقبح عقليان ام شرعيان وما يترتب على هذا الاختلاف في تعدد الآراء.

ومن القضايا التي حصل الاختلاف فيها بين أئمة أهل البيت b وغيرهم من الفقهاء مسألة القياس وحجيته فقد اعتبر اتباع مدرسة أهل البيت ان القياس يصح في منصوص العلة مثل قولهم : كل مسكر حرام والخمر مسكر اذن الخمر حرام. ويرفضون كل قياس غير منصوص العلة.

اما الفقهاء فقد اعتبروا صور القياس الفعلية هو التمثيل كقول أبي حنيفة بالخيار في عقد النكاح قياسا على الخيار في عقد البيع وهذا صورة من صور التمثيل.

اذن للعقل الدور الأساسي في الاختلاف في استنباط الاحكام الشرعية.

الاجتهاد

ظهر الاختلاف في الرأي عند الصحابة في فهم النص ونما في عصر التابعين واتسع في عصر أصحاب المذاهب حتى أصبح من سمات الواقع الفكري في العالم الإسلامي تعدد المذاهب والمجتهدين في المذهب الواحد واهم الاسباب في اختلافهم:

 

1- الاختلاف في ثبوت النص بسبب وصوله إلى المجتهد وعدم وصوله وذلك تبعا للاختلاف في التوثيق والتضعيف وكثرة الطرق أو تبعا للشذوذ في المتن والسند أو غير ذلك.

2- الاختلاف في فهم النص والذي نحن بصدد الإشارة إليه وان اختلاف المجتهدين هو احد أسباب تعدد فهم النص وذلك بطبيعة اللغة العربية واستخدام الشارع _ لحكمة أرادها _ الصيغ الكلية المرنة وغير القطعية في الكثير من النصوص وطريقة معالجة الأصوليين والفقهاء لتلك النصوص من اجل فهمها وإدراك ابعادها ثم استنباط الاحكام الشرعية منها مع اختلاف قدراتهم وإمكانياتهم الذاتية، وقد عقد الأصوليون باباً خاصاً في كتب الأُصول باسم التعارض بين النصوص وحل التعارض في الجمع العرفي بينهما أو الترجيح لأحدهما.

ومن الأمثلة على اختلاف المجتهدين في فهم النص مما أدى ذلك الفهم للنص إلى اختلاف اجتهاداتهم الآية الكريمة : Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِO.

حيث قال البعض يجب ان يمسح منه ما يقع عليه اسم المسح وبه قال ابن عمر وإبراهيم والشعبي وهو مذهب الشافعي, وقيل يجب مسح جميع الرأس وهو مذهب مالك, وقيل مسح ربع الرأس فان رسول الله o كان يمسح على ناصيته وهي قريب ربع الرأس (عن أبي حنيفة)، وقالت الإمامية فرضهما المسح دون غيره.

الانتماء المدرسي وأثره في فهم النص

ان تعدد المدارس الإسلامية في وضع أسس فكرية وقواعد علمية في الدراسات الإسلامية التفسيرية والحديثية والكلامية والفقهية والأصولية ولكل منها منهج في البحث والدراسة وتكاملت الجهود العلمية في كل مدرسة من المدارس لتنتج نهجاً علمياً متميزاً حيث نرى ان المدرسة التفسيرية التي ألتزمت بالتفسير بالمأثور والمروي عن النبي والصحابة وأهل البيت مثل الحشوية وأهل الحديث والمدرسة الإخبارية في الشيعة تنتهي إلى أراء قد تختلف عن غيرها في تفسير القرآن وكذلك الأسس التي اتبعها علماء الجرح والتعديل والمحدثون في مدرسة السنة التي قد تختلف عن ما هو متبع في مدرسة أهل البيت ويؤدي إلى الاختلاف في اثبات جملة النصوص أو نفيها أو تفسيرها حسب الانتماء الفكري والمدرسي. ومثلها في المجال الفقهي وأصول الفقه ولا يخفى على الباحثين ان أُصول الفقه عند أهل السنة يتسع إلى مجالات في البحث كالقياس والاستحسان والرأي والمصالح المرسلة. في حين ترفض مدرسة أهل البيت بعض القضايا علما ان تلك القضايا المختلفة فيها لها دور كبير في فهم النص وتعدد الارأء الاجتهادية والعلمية.

اذن من خلال ما تقدم يتضح ان الانتماء المدرسي والفكري له الأثر الكبير في فهم البحث العلمي وفهم النص وتعدد الاجتهاد وقد يؤدي الباحث ان يفكر من وحي الانتماء ويفهم النصوص بفهم مسبق عن أعمال النظر والفكر فيها فيحمل النص فهمه وانتمائه بدل ان يأخذ منه ما ينتهي إليه اجتهاده.

وأود ان أشير إلى فكرة في هذا المجال أرجو ان تأخذ طريقها في نظر الباحثين اننا بحاجة إلى صياغة منظومة منهجية علمية تستوعب الاتجاهات المدرسية في الفكر الإسلامي.

رؤية في فهم إسلامي للهرمنيوطيقيا

إذا كانت الهرمنوطيقيا تعني تعدد قراءة النص فلا خلاف بين المسلمين في تعدد الاجتهاد والآراء في أطار النص كما لا يخفى ان بعض النصوص صريحة ولا مجال فيها لتعدد الآراء.

ولما كانت الهرمنوطيقيا فكرة ومصطلح وافد على الفكر الإسلامي يجب ان نقف منه موقفا ملتزما ونحاول ان نجمل الأفكار التي تمثل رؤيتنا :

1- نرفض تجاوز النص والخروج عن اطاره تحت ذريعة تعدد قراءة النص الأمر الذي يؤدي إلى الاجتهاد في مقابل النص.

2- عند تشكيل رؤية متكاملة في موضوع ما يجب استقراء كل النصوص المتعلقة بها ثم اجراء عملية استنطاق مضامينها لتكتمل الرؤية على ضوء تلك النصوص ولا يصح انتقاء جملة منها وادعاء الفهم الكامل تحت ذريعة تعدد قراءة النص علما ان النصوص بعضها يفسر البعض كما عرف من ان القرآن بعضه يفسر البعض وان الحديث فيه ناسخ ومنسوخ.

3- ينبغي عدم تحميل النص أكثر من حقيقته ومحتواه أو تقييد النص في قضية صغيرة جزئية تخرجه عن شموله وآفاقه لان مثل هذا الأسلوب اما يؤدي إلى المبالغة أو الإجحاف في حق النص فالفهم الإسلامي الملتزم يرفض مثل هذه الممارسات ويهدف لإعطاء النص حقيقته ومضمونه.

4- نجد البعض في الأوساط العلمية من له موقف سلبي من النصوص الدينية ولديه موقف مسبق منها ويعلن ذلك نقدا وتجريحا تحت غطاء تعدد قراءة النص ونريد ان نؤكد ان القراءة الصحيحة للنص هي تلك القراءة المؤدية إلى قصد الشارع المقدس من النص.

5- ان فكرة الهرمنوطيقيا المعاصرة تحمل روية لها جذور في الفكر الإسلامي كما تقدم في نماذج من تعدد الآراء والاجتهادات ولكنها كمصطلح نشأ في أجواء علمية بعيدة عن الواقع الفكري الإسلامي لذا نرفض المصطلح ولا نجعله بديلا عن مصطلح تعدد الاجتهادات وتعدد الآراء في الفكر الإسلامي.

6- ان تعدد القراءات للنص يتطلب وجود معيار لتقييم وتمييز الصحيح عن الخاطئ من تلك القراءات المتعددة ويكون ذلك المعيار وفق منهج وأصول حتى يخرج التفسير الصحيح من السقيم ذلك ان منهجنا الإسلامي يلاحظ وجوب وجود المعنى الواقعي للنص.

7- تعدد القراءات هي استجابة لمتطلبات العصر واغناء الدراسات الإسلامية بآراء متعددة تفتح آفاق الفكر والبحث وتحقق الاستجابة لواقع الأُمة المتطور وفق رؤى فكرية لكن بشرط ان تكون ملتزمة بمناهج البحث عن المسلمين وبروح إسلامية هادفة مخلصة ترجو الإصلاح للأمة والثواب من الله تعالى.

خاتمة

ونختم بحثنا هذا بان خاتمية الرسالة المتمثلة ببعثة النبي الأكرم محمّد o وشريعته التي لا يمكن نسخها بشريعة أخرى بعدها كما صرح بذلك القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة. وقد جعل اتسمت الرسالة الخاتمة لنبينا الأكرم o بقوانين ومناهج تعالج جميع المتغيرات والمستجدات الطارئة في كل مكان وزمان وهذا مما يدل ان الشريعة تنسجم مع كل الأهداف المتمثلة في سعادة البشر في الدنيا والآخرة في كل زمان ومكان.

وربما مما تجدر الإشارة إليه في هذه الخاتمة ان مدرسة أهل البيت بآفاقها الرحبة وانطلاقاتها العلمية قد أسهمت في أثراء الفكر الإسلامي ورممت بعض التصدعات الحاصلة في ثغرات المسلمين نتيجة الخلافات الهامشية التي لم تكن محل جدل لكن استطاع علماء المذهب استيعاب هذه الخلافات برؤى استيعابية وعطاءات موضوعية وربما هذا المؤتمر المبارك هو ثمرة من تلك ثمرات التواصل والتفاعل ونبذ كل ما يعيق وحدتنا الإسلامية .