الوحدة الاسلامية المقاومة :الواقع- والتحديات

الوحدة الاسلامية المقاومة :الواقع- والتحديات

 

الوحدة الاسلامية

المقاومة :الواقع- والتحديات

 

د. راغدة محمد المصري

 

 يعاني العالم الإسلامي من انقسامات فكرية حادة، اشدها خطراـ تيارات عقدية مغالية تكفر من يتعارض معها، تسعى إلى بناء كيان خاص بها تمارس الإرهاب والتطهير الديني والمذهبي، تنشر الفساد تهتك الاعراض تدمر المقدسات، تزرع الفتنة بين الشعوب بصراعات داخلية إثنية دينية ومذهبية مرتكزة على التمييز العنصري ، متنقلة من بلد إلى آخر لتصبح من أهم عوائق الوحدة الإسلامية وحضور الامة الحضاري ، والذي لا يتحقق إلا من خلال "التكامل الذاتي" بإيجاد حالة روحية وواقعية.

 تأتي أهمية البحث في تأسيس وعي اسلامي لمفهوم الوحدة ، والانطلاق بالمشروع الوحدوي، لتكون فعالياتنا الثقافية، من علماء ومثقفين، متابعين لتحديات الواقع: الطائفية والتكفير والاستكبار العالمي، لتتقاطع مع المشروع الصهيوني، وتدفع انظمة الرجعية العربية وجامعتها للمشاركة في التمهيد للمشروع الصهيو-امريكي والسعي لإقامة شرق اوسط جديد وضرب محور المقاومة والممانعة. بل الهدف الاكبر للاستكبار العالمي هو ضرب الاسلام في العالم كمثال مشكلة مسلمي بورما (ميانمار)، ونيجيريا  فالإسلام هو العدو الاول لأميركا[1].

ستعتمد هذه الدراسة منهج البحث التاريخي الوصفي والتحليلي، لمعالجة المحاور المتعلقة بالموضوع، من حيث قراءة ومراجعة المصادر والمراجع ذات العلاقة المباشرة بالبحث، وتتسترجع الاحداث التاريخية، للإلقاء الضوء على المخططات والمؤامرات التي احيكت ضد الامة ، وذلك لفهم الواقع وصناعة تاريخ ومستقبل لأجيالنا نرسمه نحن وفق آمالنا وتطلعاتنا ، لا ما يريده الآخر لنا.

مفهوم الوحدة:

 بيّن الامام الخامنئي مفهوم الوحدة الإسلامية بقوله "الوحدة تعني التأكيد على المشتركات؛ لدينا الكثير من المشتركات؛ فالمشتركات بين المسلمين أكثر من موارد الاختلاف، يجب التأكيد على المشتركات.[2]" والوحدة أصل في الدين الحنيف أمر بها القرآن، وبيّن أهميتها وأهدافها.

Pوَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِO (المؤمنون 52)

Pوَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَO (آل عمران 103)

ونهى القرآن عن التفرقة والاختلاف وبيّن نتائجه السلبية.

Pوَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَـاتُO (آل عمران 105)

Pوَ أَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْO (الأنفال 46)

Pمنيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين‏ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحونO (الروم 30-32)

إن الوحدة الاسلامية ضرورة فهي تعمل لمزيد من التمدن وتأصيل قيمّ الحرية، وتقوم منظومة الوحدة الاسلامية على عدة أركان اهمها:

1-    المشترك الإنساني بين الامم والشعوب والجماعات، من خلال التعارف والتعايش بين المذاهب، واللقاء والحوار Pوجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌOالحجرات: 13

2-    الاختلاف والتعدد والتنوع الثقافي سنّة كونية، وضرورة اجتماعية وتاريخية، وضمان للنهوض الإنساني والارتقاء ،وكذلك احترام أصحاب العقائد الأخرى لتحقيق التعايش، نهى الإسلام بشدة الإكراه والفرض في الدين حيث يقول تعالى: Pولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنينO يونس: آية99.

3-      تعزيز التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، يدفع إلى الوئام في سياق الاختلاف، وهو واجب أخلاقي وسياسي وقانوني وهو ويسهم في إحلال ثقافة السلام عن ثقافة الحرب[3]. Pوإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيمO. التغابن: 14P فاصفح الصفح الجميلO. الحجر:85.

4-     والعفو هو التجاوز عن الذنب وتركه، أما الصفح فهو ترك التأنيب وهو أبلغ من العفو.

5-    التسابق في فعل الخير كلّ وفق منهجه، فالتسامح الإنساني يلغي الفوارق والاختلاف، ولكنه يؤكد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية : Pلكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم، فاستبقوا الخيراتO المائدة: 48

6-      التعاون العالمي لتحقيق السلام، وهذا ما بيّنه القرآن في نوع العلاقة التي يجب أن تسود بين المسلمين وغيرهم: Pوتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانO  المائدة : 2.

إنّها علاقة تّعاون وإحسان وبرّ وعدل : Pلَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونO البقرة : 177

يحتاج تفاعل التنوع في الوحدة الاسلامية للتأصيل الاسلامي، بتحديد مواطن الاتفاق الرئيسية على جميع الصعد المعرفية لتستعيد تألقها بين الأمم، وتسترد دورها الحضاري وهي بحاجة لكل أبنائها وأطيافها وعقولها، لا بد من دعوة لإدارة الأزمة.

التكفير وازمة الهوي

تعمل بعض وسائل الإعلام على نشر التعصب التكفير واللاتسامح بين أطياف الأمة الإسلامية، مستخدمة أرقى تقنيات منظومات الحداثة وما بعد الحداثة وأبهى انتاجات التراث الديمقراطي الليبيرالي، هل لدينا أزمة هوية ؟؟

ظهرت أزمة الهوية مع رموز وقيادات سياسية ودينية ، انبثقت من خلل منهجي من أزمة التراث وسلطة التطرف بدلا عن الحوار والشورى، فنشأة أزمة فكرية معرفية في مفهوم التركيب بين الخصوصية والوحدة في الحراك الوجودي للفرد أو الجماعة، تطعن كل الإمكانات الواقعية العملية لبناء أشكال من التكامل والتشاور والتسامح والتعايش. وقد أفرزت عن هذه الازمة ازمات عدة ابرزها:

ثقافة التقديس وتوظيفها الطائفي والتي كان من بين مسبباتها الرجعية والتخلف، والجمود عن الوحدة الاسلامية بجل أبعادها، فالتراكم التاريخي التقليدي ،و الانغلاق وانتشار ثقافة التعصب ،أنتج مفهوم التدنيس، بعد ظهور صور تقديس غير المقدس، مما شوش الوعي الإسلامي، فأصبح الأخ في الدين مدنس، وتتطور الظاهرة لتنزل لدى أتباع التيارات السياسية، وتتشابك خيوط الأزمة السياسية من خلال وهم قداسة الرؤية لدى السياسيين,

×     التشدّد المذهبي والتعصبية الطائفية والتهميش واضطهاد الآخر، خلق حواجز نفسية تثير العصبيات والنعرات ، وهو نتاج صراع الارادة بين العقل الديني مع الهوى المذهبي مما جعل مشروع الوحدة في مخاض عسير داخل الحالة الاسلامية.

×     الطائفية والحصاد:انتشر موضوع الطائفية، وتداولته وسائل الاعلام ، وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل واسع ، وغابت من أوساطنا عناوين الأخوة القومية والإسلامية الجامعة لكل المتنوع الشعبي والقبلي، ووصل بنا الامر الى التباغض المذهبي بدلا عن التعارف المذهبي، فما نراه في البحرين وليبيا وسوريا واليمن ومصر وتونس وبالسودان وفي لبنان....، ما هو إلا حصاد مواسم من الطائفية بكل أشكالها المذهبية والدينية والاثنية.

ولكي نُرجع البوصلة الى اتجهاها الصحيح، لا بد من دعوة لإدارة الأزمة عبر تناول المكونات والمرتكزات بالبحث والتوظيف الحضاري، إن إحياء الوحدة الاسلامية في مجتمعاتنا، متوقف على تحمل النخب الدينية والإعلامية والثقافية والسياسية، غرس قيمّ الإسلام الأصيلة ،ومواجهة الخطط الفتنويّة الطائفيّة، لنقي شعوبنا الفتن والتخلف والشتات، وتَعبر بها نحو الوعي والنباهة والتعارف والتسامح والتعايش والتعاون مع بعض من أجل بناء مستقبل اسلامي مشرق.

الوحدة الاسلامية وأزمة المثقف المسلم

إنّ أمتنا لا ينقصها شيء سوى انطلاق الروحية الوحدوية من جديد، من الموروث الاسلامي النابع من الكتاب والسنة الذي يؤكد على أن الوحدة قلب نهضة هذه الأمة، خصوصا في هذا الزمن الراهن الذي بدأت فيه صحوة الشعوب الإسلامية وثورتها على الظلم والظلام لتشعل شموع الوحدة والنهضة والكرامة والعزة.

حدد د. أبو المجد مداخل وملامح الأزمة الفكريّة التي تعاني منها الأمّة الإسلاميّة، والتي تحول دون تحقيق الوحدة في خمسة مداخل[4]:

- التفسير الحرفي للإطار المرجعي للمسلمين والذي يتمثل في كتاب الله وسنّة رسوله.  - التشدد الذي يلجأ إليه كثير من الدعاة في خطبهم ودروسهم

- التهوين من قيمة العقل ودوره في حياة المسلمين، والتصور التعيس للتناقض الموهوم بين العقل والنقل أي بين العقل والنصوص.

- التصور الفاسد للعلاقة بين المسلم والآخر، فالعلاقة بين الفكر والواقع علاقة جدلية ،فالفكر يغير الواقع، والواقع يؤثر في الفكر ،فنرى أن الهزيمة تخرج فقها، والنصر يخرج فقها آخر ، والفرق بينهما أنّ فقه الهزيمة ضيّق الرؤيّة، وضيّق الصدر ،وقليل الصبر ،يرى الدنيا كلها أعداءً، ويرى العالم كله متآمراً عليه. ولما كان الإسلام عظيماً في قيمه ورسالته ودعوتهـ فقد أفرز حضارة عظيمة شملت كافة جوانب الحياة ،فالحضارة ليست التشريع فحسب، ولكن الحضارة تشريع وبناء ومعايش وعمارة وعلوم وفنون وآداب وقد قدمت الحضارة الإسلامية نماذج من هذه الأمور.

- غياب قيمة العلم والمنهج العلمي الذي يقوم على الثقة بالعقل وقدرته على اكتشاف نواميس الكون.

وطرح د. أبو المجد سبل الخروج من هذه الأزمة تتمثل في ستة عناصر أساسية.

-        نشر فقه المقاصد الحقيقية لكتاب الله وسنّة رسوله، ورفض التأويل السلبي والمنحرف لبعض الآيات القرآنية والنصوص النبوية.

-        العودة إلى التيسير ورفض التشدد والمغالاة.

-        الأخذ بالمنهج العلمي ،ومعرفة أن العلم لا يقتصر على العلم الديني، بل يشمل كل علوم وفنون الحياة أيضاً.

-        إعادة الثقة في علاقة المسلم بغيره، تلك العلاقة التي يشوبها الآن الشك والعداء والاختلاف، ولهذا فإننا بحاجة إلى أن نعيد بناء هذه العلاقة على أسس راسخة وثابتة من الاحترام المتبادل والتعاون المشترك وقبول الرأي والرأي الآخر.

-        ترسيخ قيمة العمل في نفوس النشء والشباب من خلال دعوة الإسلام إلى اتقان العمل والإخلاص فيه.

-        ضرورة أن يشعر المسلمون أنهم ليسوا في حالة حرب مع الدنيا وأن يدركوا أن الحرب في الإسلام إ نما هي استثناء وليست قاعدة.

وهنا تطرح الاشكالية هل أزمة الوحدة الاسلامية هي ابتعاد المسلمين عن الواجب الديني فقط ؟ أم هي في العمق ذات أبعاد أخرى؟

نحو فهم استراتيجي للوحدة:

 الوحدة حاجة ملحّة ترتقي الى أولويات العالم الإسلامي، يقول الامام الخامنئي: "الأهم وما هو بالدرجة الأولى من الأولوية للعالم الإسلامي يتمثل في الوحدة"[5]. وهي قضية استراتيجية ليست مرحلية آنية، أقلقت الاستعمار منذ أكثر من قرن ، الذي رأى أنه في حال تحققها ستشكل خطرا عليه.

فقد جاء في تقرير بنرمان عام 1907:"إن الخطر الذي من الممكن أن يهدد الاستعمار وزوال إمبراطورتيه يكمن في البحر المتوسط وفي حوضه مهد الديانات والحضارات فعلى طول ساحله الجنوبي من الرباط إلى غزة وعلى الساحل الشرقي من غزة حتى مرسين وأضنة , وعلى الجسر البري الضيق الذي يصل آسيا بإفريقيا وتمر فيه قناة السويس شريان حياة أوروبا , وعلى جانبي البحر الأحمر وعلى طول ساحلي المحيط الهندي وبحر العرب حتى خليج البصرة , حيث الطريق إلى الهند والإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق , فعلى هذه البقعة الشاسعة يعيش شعب واحد له تاريخ ودين واحد , ولغة واحدة وتربطه كل مقومات التجمع : يتميز بثروات طبيعية , وكثرة سكانه.

كما وضع بنرمان في تقريره توصيات: "إن الخطر الأساسي على الكيان الاستعماري كامن بالدرجة الأولى في هذه المنطقة إذا تطورت ، وتوحدت اتجاهات سكانها حول عقيدة واحدة وهدف واحد ، لذلك فعلى الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار وضع هذه المنطقة المجزأ المتأخر ، وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكيك وجهل وتأخر وتناحر. وأوصى التقرير بشكل خاص بمحاربة اتحاد هذه الجماهير أو ارتباطها بأي نوع فكري أو تاريخي وإشعال الفتن والحروب بين المسلمين [6].

وكان قد سبقه الجاسوس البريطاني همفر الذي أوفدته وزارة المستعمرات الى مصر والعراق والحجاز وطهران والآستانة، لجمع المعلومات التي تعزز سُبل تمزيق المسلمين، مع تسعة آخرين في نفس الوقت ،عام 1710م[7] وكتب مذكراته حول ذلك ، ومما ورد فيها من خطط  :"إشعال الحروب الداخلية والحدودية بين المسلمين وغيرهم وفيما بينهم لاستنزاف طاقتهم كلهم وتحطيم كل أنواع اقتصادياتهم من مزارع ومعاش وتهديم السدود وطمس الأنهار وتكثير مستعملي الأفيون وسائر المواد المخدرة الأخرى... الاهتمام بزرع الحكام الفاسدين في البلاد بحيث يكونون آلة بيد الوزارة يأتمرون بأوامرها ، وتسريب مآربنا عبرهم الى بلاد المسلمين وإن امكن تنصيب حكام بعيد عن جوهر الإسلام ، منّا فهو المفضل ، لذلك يجب ادخال أفراد في الإسلام بشكل صوري لإيصالهم الى الحكم...وزرع العملاء حول الحكام لإيصالهم.[8]

 

ما زال العالم الاسلامي اليوم يعاني من المخططات التي رسمت منذ أكثر من 200 سنة، وما زالت توصيات همفر وبنرمان تنفذ، والاستعمار يتطور ويتلون تبعاً لتطور الإنسانية ووعيها ومفاهيمه وأساليبه، فالأساليب التي كانت تصلح لتحقيق أغراضه في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لم تعد تصلح في القرن العشرين، والشكل واللون اللذان كان يرتديهما ضد الشعوب، لم يعودا ناجحين بعد معرفة هويتهما الأصلية ، وبعد أن استخدم في السابق أسلوب القوة والاحتلال للسيطرة، في مرحلته التالية كانت وسائله المكر والخداع لتنفيذ مختطاته الاستعمارية، ساهم المسلمون والعرب في تنفيذها عن قصد أو غير قصد، الا أن النتيجة واحدة نجاحه في تحقيق أهدافه. صفحة جديدة من المخططات والمؤامرات ما زالت مسبباتها وآثارها قائمة الى الآن.

وتتالت معوقات الوحدة ،وجاءت لتحقيق الاهداف الاستعمارية عبر غزو المنطقة بمشاريع استعمارية اعتمدت وسائل متنوعة لتنفيذها أبرزها :

·              -اتفاقية سايكس بيكو وتجزأة المنطقة، رسم حدود غير مكتملة المعالم حيث بقي لكل دولة مع جارتها خيط لتتنازع عليه ، زرع الصهيونية ككيان غريب في قلب الأمة الاسلامية لتفتيتها وعدم وحدتها.

·              هيمنة الدول الكبرى على بعض الأنظمة، وإيجاد أخرى مخلصة، وتبنيها سياسات معادية لقيام أنظمة إسلامية في المنطقة. فجاء دعمها للأنظمة للوقوف بوجه الشعوب وإرادتهم.

·              أدت الخيبات العربية إلى ظهور حركات دينية لقيامها بملء بعض الفراغ التنظيمي والعقائدي في عدد من الأقطار ونشطت النزعة الإسلامية، منذ مطلع السبعينات، وتوزعت في أربعة مواطن: الإخوان المسلمين في مصر، الوهابية في السعودية، تيار المودودي في باكستان، والتيار الصدري الشيعي في العراق. وعمل رجال الدين على إيجاد صياغات عقائدية مكّرسة لتقديم إجابة في تحديات العالم الحديث.

·               حلّت أمريكا كقوى استعمارية جديدة بدلا من التقليدية(بريطانيا وفرنسا) في منطقة الشرق الأوسط والتقت المصالح الإسرائيلية مع المصالح الأمريكية.

محور المقاومة والممانعة:

 كسبت القضية الفلسطينية بانتصار الثورة الإسلامية في إيران11- 2- 1979، حليفاً كان له الدور البارز في رسم ملامح الفترة القادمة من الصراع. وخرج الاهتمام بالقضية الفلسطينية من الإطار العربي إلى دائرة الإسلام الواسعة.

أحدث انتصار الثورة الإسلامية انقلابا سياسيا غيّر المعادلات الدولية، والتوازنات الإستراتيجية في العالم الذي تحكمه كتلتين شرقية وغربية، وجاء بمنافس جديد شكل خطراً على مصالحهما ونفوذهما هدد بانكسار المشروع الصهيوني- الامريكي في المنطقة.

مع انتصار الثورة كانت بشارة ولادة عهد جديد مقاوم بدأت ملامحه بوضوح من خلال المفاهيم والمضامين العالمية التي حملتها الثورة الاسلامية والتي تجلت في القيم الانسانية التي رددت شعارتها من :محاربة الظلم والاستبداد، ونصرة المستضعفين في العالم، غير منتمية لأي معسكر من المعسكرين تحت شعار "لا شرقية ولا غربية، جمهورية الاسلامية ".

فلم تكن ثورة ضد شاه ايران وحسب، بل كانت صرخة للمطالبة بالحق والعدالة، لكل شعوب العالم المستضعفة. إذ كان الامام الخميني الراحل يخاطبهم دائما في بياناته، لتصبح نصرتهم الوجه الآخر لثورته، وبذلك تكون قد مهدت الطريق لقيادة الصراع مع القوى الاستكبارية والتي يقف الكيان الصهيوني وامريكا على رأس لائحتها معتبرا " امريكا الشيطان الاكبر"  ويجد في الكيان الصهيوني الخطر الاساسي، والذي وصفه بالغدة السرطانية، فهو كيان غاصب احتل ارض المسلمين ومقدساتهم، وشرد شعباً بأكمله، ليقيم كيان يكون رأس حربة للاستعمار الغربي، يعمل على مسخ الهوية الحقيقة ليس للشعب الفلسطيني فقط، وإنما لكل المنطقة، يقوم على التوسع والعدوان ويعمل لإنشاء " اسرائيل الكبرى " من الفرات الى النيل وطرد المسلمين او اخضاعهم لسلطة اليهود. وفق مقولتهم "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".

افتتح السفارة الفلسطينية، بعد أن أغلق السفارة الاسرائيلية في طهران. ثم جاء يوم الاثنين26/3/1979 ليسجل يوماً تاريخياً في إيران, إذ خرجت تظاهرات عارمة، بعد أن أصدر قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني بياناً استنكر فيه عقد مصر الاتفاقية كامب ديفيد. وكان رجال الثورة يلبسون الكوفية الفلسطينية تضامناً مع الشعب الفلسطيني، كما احتل المتظاهرون السفارة المصرية لعدة ساعات استنكاراً للمواقف الخيانية للزعامة المصرية.

 وجعل القضية الفلسطينية محوراً أساسياً لإنجاز المشروع الإسلامي لأنها تستهدف تنحية كل المشاريع والطروحات الاستسلامية مهما تغيرت وتبدلت أسماؤها. وإن محاربة الإمام الخميني للكيان الصهيوني ووقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية يعود إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية وله أقوال في هذا الشأن تعود إلى عام 1963. وبقي هذا الاهتمام بعد انتصار الثورة إذ أعلن يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان، والذي لقي استجابة لدى الشعوب الإسلامية قاطبة.

- وبرزت نظرية جديدة في الصراع العربي الاسرائيلي، تمثلت في الطرح الاسلامي الاصيل، الذي قاد المواجهة الفعلية مع جيش الاحتلال في لبنان، وهزيمة مشروعه الصهيوني المعد له بالتوافق مع الادارة الامريكية لجعل هذا البلد الدولة الثانية التي توقع معاهدة صلح مع الكيان الصهيوني في 13 أيار 1982 والذي سرعان ما أسقط من خلال انتفاضة شعبية انطلقت شرارتها من المسجد بعد ايجاد ترابط عضوي بين انتصار الثورة الاسلامية الايرانية وتجربة المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان وبين انتعاش الحالة الثورية داخل فلسطين , والتي توجت حركتها بالانتفاضة للتتشكل حركات تحررية جماهيرية.

 ظهرت نهضة اسلامية في الداخل اللبناني المثقل بالماضي المظلم، تقوم على اساس الايمان بالله والاعتماد على النفس وفق معطيات اثبتتها تجربة الثورة التي لم تكن تطرح شعاراً محصوراً في النطاق الايراني، بل تردد صداه من حناجر المقاومين الزاحفين نحو موقع العدو " حرباً حرباً حتى النصر ، زحفاً زحفاً نحو القدس " وهو شعار ترددت اصداؤه في اجواء بيت المقدس.

ولدت المقاومة الاسلامية في لبنان لتضيء شعلتها الروح الجهادية من جديد داخل فلسطين المحتلة، وفي نفوس شبابه المسلم الذي خبُر معاناة تجارب القوة السياسية العربية والفلسطينية التي قادته من هزيمة الى اخرى ومن تنازل الى اخر , دون تقديم أي انتصار للقضية الفلسطينية. لتنطلق انتفاضة فلسطين الحجارة. وتنبثق الروح الجديدة داخل فلسطين حتى باتت كابوساً يؤرق ليل الاحتلال. ونقل القرار السياسي من يد الحكام التي فشلت بتحقيق طموحات الأمة من وحدة وتحرر, بعد سلسلة من الهزائم والنكبات إلى الشعوب لتكون صاحبة قرار المواجهة مع الكيان الصهيوني.

وجاء حصاد الثورة الاسلامية الايرانية، وبلغ أوجه عندما دحرت المقاومة الاسلامية الجيش الصهيوني في 25 أيار 2000، وأثبتت بطلان مقولة "أن العين لا تقاوم المخرز"، وأن "قوة لبنان في ضعفه"، حيث أنها استطاعت إعادة البناء النفسي ،بولادة ثقافة مقاومة شعبية تجلت معالمها في انتصار تموز 2006 الذي شكل تاريخ فاصل بين ثقافتين، ثقافة الهزيمة وثقافة الانتصار مبشرا ببزوغ فجر جديد للحرية. وعبّر عنه الأمين العام لحزب الله بقوله الشهير:" ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصار". بعد أن أجهض ولادة الشرق الأوسط الجديد الذي كانت ترعاه كونداليزا رايس".

أعطى انتصار تموز 2006 نموذجاً آخرا ومختلفا، للهيمنة الصهيوني-أمريكية التي تحطم قوامها في المنطقة في لبنان وفلسطين والعراق. ولقت ثقافة الانتصار صداها على المستوى العالمي لدى الأحرار والشرفاء ،وحركات القوى التحررية المناوئة للنظام العولمة المتوحش وهذا ظهر من خلال اللقاء العالمي لدعم المقاومة الذي أقيم في الأونسكو 2006 ، وكان إعلان للعالم أجمع عن ولادة مرحلة جديدة، لثقافة انتصار ومقاومة.

استطاعت المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق إعادة البناء النفسي والمعنوي للشباب المسلم، بولادة ثقافة مقاومة شعبية، كان لوسائل الإعلام الحرة الدور الأساسي في نقل الوعي من خلال فضح الوحشية الاجرامية، ونقل ثبات وصمود قوة الممانعة والمقاومة في وجه المحتل. فنقلت لحظة بلحظة المشاهد فكانت الشعوب المسلمة تعيش الحدث وتعنز بالانتصارات فتتغذى في شريانيها حركة الوعي

كان صمود غزة 2008 حصادا آخر أعطى نموذجا ومختلفا للتصدي والصمود في وجه الغطرسة والهيمنة الصهيوني-أمريكية التي تحطم قوامها في المنطقة في لبنان وفلسطين والعراق.

 وهكذا استطاعت ثقافة الانتصار والممانعة، غيرت تاريخ المنطقة بعد مسيرة نضالية أثبت مصداقيتها ولقت صداها على المستوى العالمي لدى حركات القوى التحررية. تطورت لتصل إلى ثقافة شعبية شاملة، ثم إلى حالة عالمية لما تحمله من مضامين وقيم إنسانية. هذه الثقافة التي أثبتت أن مواجهة العدو الصهيوني والانتصار ممكنة بالايمان والارادة، وأفشلت كل سياسات الاستوعاب والاحتواء والتطبيع. وإن الشعوب هي التي تمتلك عنصر المبادرة وهي صاحبة القرار. وأظهر زيف مقولة الربط بين أوضاع المنطقة والاتجاه العام للحكومات السياسية. إنها ثورة مباركة ساهمت بولادة ثقافة انتصار ومقاومة لمحو كل غبار الهزائم السياسية والتاريخية والتمهيد لقيام دولة العدل.

  أعطى صمود غزة 2008 حصادا آخر نموذجا ومختلفا للتصدي والصمود في وجه الغطرسة والهيمنة الصهيوني-أمريكية التي تحطم قوامها في المنطقة في لبنان وفلسطين والعراق.

عقد مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران في 30 آب 2012 بمشاركة 125. وختم اعماله بتبني وثيقة طهران بالإجماع. شكل صفعة بالغة الاثر للمشروع الامريكي الصهيوني. واكد الجميع علة ضرورة قيام نظام عالمي يقوم على اساس القيم والعدالة والمحبة.

جاء افشال المشروع التكفيري في سوريا والعراق ولبنان ليظهر وحدة جبهات المقاومة وقدرتها على التصدي وصناعة النصر

 

-          وهكذا تبين لنا ان ثقافة المقاومة كان لها صداها إذ تلقفتها الشعوب الطامحة لتحقيق وحدتها بعد تحرير الأرض وابعاد شبح الهيمنة والتبعية السياسية والاقتصادية لتعود شعوب المنطقة وتحتل مكانها الطبيعي بما تمتلكه من مخزون حضاري وثقافي وغنى في ثرواتها وطاقاتها وتميزها في موقعها مما يؤهلها لأن نكون أحد أكبر الأقطاب السياسية في العالم. كما استطاعت ثقافة الانتصار والممانعة، تغيير تاريخ المنطقة بعد مسيرة نضالية أثبت مصداقيتها

 

صحوة الشعوب

ربيع عربي، ام انتفاضة شعوب، او صحوة تعددت التسميات الا إن النتيجة واحدة سقوط الانظمة التابعة للاستكبار الاميركي الصهيوني وتغيير جذري في مشروع رسم شرق اوسط جديد.

دفع بأميركا أن تحاول قدر المستطاع الاستفادة من الاحداث المستجدة بمحاولة منها استلام زمام الامور بمساعدة ادواتها في المنطقة لضرب قوى المقاومة والممانعة تحت مظلة القوانين الدولية بطرق ووسائل متعددة منها:

·       لجوء الدول امريكا إلى استخدام القسوة لإخضاع الشعوب وفق ما تحدده التغيرات الداخلية أو الخارجية لأي بلد. وحيت تتهم أي بلد حكات التحرر أو مطالب الشعب بالإرهاب فإنها تنطلق من معيارها الذي يحدد نوع هذا السلوك أو الدافع باتجاه سياستها.

·                    تدخلها في الشؤون الداخلية للدول  تحت ستار المساعدة الاقتصادية، أو العسكرية، أو بحجة المحافظة على الأمن والاستقرار الدوليين، أو حماية الأقليات الاثنية، أو الدينية.

·                    اختلال الموازين الامريكية ووقوفها بوجه عمليات الكفاح المسلح التي تخوضها حركات وطنية على الرغم من شرعيتها فأن الولايات المتحدة الامريكية استخدمت مصطلح الارهاب على المقاومة المشروعة للاحتلال خصوصاً بعد تفجيرات برجي التجارة العالمية معتمدة على الوصف الاسرائيلي للكفاح الوطني الفلسطيني.

·                   ممارسة العنف لفرض رأي أو نظرية كالاحتلال لغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. أو عدوان تموز 2006 على لبنان بدعوى فرض الديمقراطية والحرية، أو نظام حكم معين، أو الانقلاب على حكم أخر، أو السطو على ممتلكات وثروات كاحتلال العراق، أو قيام دولة على أنقاض أخرى كحالة فلسطين، أو استعادة السيادة من وجهة نظر أصحابها-

·                   الحرب الناعمة والغزو الثقافي الذي يشنه الغرب بشكل عام من خلال تكريس ثقافة عالمية موحدة ، وما يمثلانه من ارهاب فكري على المستويات العالمية كافة.

اتخذ المشروع الصهيو- أمريكي منحى جديدا منذ احتلال أفغانستان والعراق إلى تقسيم السودان وصولا إلى ما سمي تمويها بالربيع العربي، وتزامن مع توقيت تفشي أسرار الدبلوماسية العالمية عبر الشبكة العنكبوتية من خلال موقع ويكيليكس، التي أسقطت الكثير من سياسي الشرق، وأصعدت آخرين إلى سدة التقرير السياسي للشعوب، واختلاق الأزمات السياسية بدلا عن التوافق السياسي من أجل تفعيل الإصلاح بأساليب حضارية. أما السياسية العربية الاسلامية وموقفها مع قضية فلسطين، تُظهر العقل العربي -الإسلامي في صراعه مع الكيان الصهيوني والاستكبار العالمي، والتحاق غالبية الدول في المشروع الصهيو- اميركي في وجه محور الممانعة والمقاومة تحت عنوان الاعتدال العربي في الشرق الأوسط.

جاء تقاطع الجماعات التكفيرية مع المشروع الصهيوني في دفع انظمة الرجعية العربية وجامعتها في اجهاض المشروع القومي العربي وتمهيد الطريق للمشروع الصهيو امريكي المعادي للأمة ومستقبلها.

شكل حراك المقاومة التي احتضنتها شعوبها، وسلسلة : المقاومة والجيش والشعب في ابهى صورها وتجلياتها من لبنان وغزة، وخرج المارد الشعبي في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين.... لتعلن إن الشعوب هي التي تمتلك اليوم عنصر المبادرة والقرار ، ولم تعد ترضى بالذل. كما أظهر زيف مقولة الربط بين أوضاع المنطقة والاتجاه العام للحكومات السياسية. ولحقتها الدول الاخرى تباعا.

من شعارات الثورة الاسلامية في ايران كلمات خالدة لقائد الثورة الامام الخميني (قدس ) ان هذا العصر هو عصر الشعوب. نعم فقد حمل حراك الشعوب في المنطقة معه متغيرات جديدة، وكان ككرة الثلج المتدحرجة، زُرعت بذورها في مؤثرات ميدانية ساهمت في تأجيج الثورة سواء على المستوى المادي الصرف ام على المستويات النفسية والثقافية والاجتماعية.

المرأة المقاومة

استهدف الاستعمار في مخططاته المرأة والاسرة، وكذلك مشروع الشرق الاوسط الجديد واستهدفت الاسرة والمرأة، وعانت المرأة المسلمة الكثير من العدو الصهيوني والتكفير ، من تشريد النساء والأطفال العزل في فلسطين، سوريا، اليمن، العراق، لبنان، البحرين، ميانمار، نيجيرية وغيرها من الدول الإسلامية على يد الاستكبار العالمي والكيان الصهيوني الغاصب.

 شكّل بروز الصحوة الاسلامية داخل المرأة المسلمة تحولا نوعيا في مسار وعيّها ، ومع تراكم مخزونها الثقافي ،تبلورت قواعد فكرها السياسي من مجموعة اعتقادات مركزية، فكونت بذلك عالما مرجعيّا ، رسمت بها هويتها فاهتمت بالقضايا السياسية المعاصرة : أزمة الحرية ، المقاومة، الاستعمار القديم والجديد ، والقضية الفلسطينية، والحرب الناعمة. وعرفت كذلك الكتابة المنفتحة بكل اشكالياتها، وانخرطت في مجال الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، مما أتاح لها حرية التعبير والحركة ، والحضور والاحتكاك بالمشاهد الإبداعية المفعمة بالعطاء.

أحدثت المرأة في حضورها المقاوم المميز وارتباطها بالفكرة العقيدية، فهما جديدا لدور الامومة والزوجية والاخوة، وقدمت أنموذجاً تربويّاً للمرأة المسلمة، حينما كانت تحفّز وتبعث الهمم وتشدّ الأزر، وقد وصل الأمر ببعض النّساء إلى الاستشهاد. فمنذ أن دخل الصهيوني ارضها تصدت له، والتحقت بركب المقاومة مؤمنة بواجب لتصدي للظلم والعدوان، فكانت المرأة بأبعاد شخصيتها النوعية تتجسد كشريك وُظف حضورها الفاعل في النشاط الميداني للتعبئة، والتحريض على الجهاد.

جاء الحراك النسوي في المقاومة منطلقاً من دافعين :

 الاوّل: الإيمان بأهداف المقاومة وتثبيت منطلقاتها للحفاظ على كلُّ ما يتعلّق بها من اهداف آنيّة وبعيدة المدى، أي التكتيكيّة والاستراتيجيّة. حيث لا يتحقق أي نصر الا بوجود المرأة التي تعدّ ركيزة اساسية في البناء المعرفي لعملية التغيير، بدورها التربوي المفعم بالعطف والمحبة والحنان، وزرع قيم الخير والعدالة والجمال, فكان للمرأة الدور البارز والكبير المشاركة الساسية وصنع القرار وكانت ملتزمة بوسائل الحراك جميعه.

 الثاني: الصبغة الدينية هي الاعتقاد الفكريّ والروحيّ والاتّباع العمليّ الّذي يُعطي الرفعة والمكانة السامية في الدنيا والآخرة. وهي تشخيص الهويّة لفرد أو جماعة متميّزة بالفكر والعقيدة والقيم والسلوك. وهي باعث لامتلاك الدافع الايماني المنظم للحركة في شخصية الفرد العامل، صاحب الهمّة العالية التي تعطي الإنسان العامل إرادةً قويةً لإنجاز الأعمال، متحدّياً كافّة العقبات.

 انطلق نساء المقاومة بهمّة عالية جوهرها الدافع الايماني، الذي هو ركيزة الأعمال، فالوعي الديني الذي امتلكته نساء المقاومة أمدّهن بقدرات هائلة على العمل والتحمل والصبر الشجاعة والامل والاخلاص والتوكل والثقة بالله وبالنفس غيرها. فكنّ نساء واعيات مؤمنات بالأهداف الاصلاحية ، مبلغات ،يُعَرِّفْنَ الناس بالمقاومة وأهدافها وأسبابها، مما أدى الى تجسيدها في الوجدان الشعبي.

تجلت أدوار الأمومة والزوجية بأبهى صورها ضمن دائرة الأهداف العامة في سبيل نصرة الحق فتحولت بذلك إلى أدوار رسالية ومحطات انطلاق لرسم هوية ثائرة للمرأة المسلمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واقتدت المرأة المقاومة بالسيدة زينبB بعد استشهاد الإمام الحسين، حيث تقدّمت بكلّ ثبات وجلال من الجسد الطاهر وتزفّه إلى السماء قائلةً: "اللهم تقبّل منّا هذا القربان". وقد كانت السيدة زينبB الوجه الآخر للنهضة الحسينية، ارتبطت بالحدث وارتبط بها، مما جعلها بطلة عظيمة، ليس فقط بسبب ما فعلته ولكن بفضل سجاياها وماهيتها وقدرتها في أن تحمل الناس على التأثر والاقتداء بها. وتجلى البعد التنموي ( المعرفي- الحقوقي) للثورة معها بشكل خاص، من خلال :

-تعبئة طاقات المجتمع وإرشادها الى الطريق الصحيح وزرع القيمّ الاسلاميّة الاصيلة التي استشهد من أجلها الامام الحسين A.

_ إزالة حواجز العجز والتبعية والذلّ ، بخطبها الثوريّة المباشرة، التي واجهت بها الحكّام الأمويين في مجالسهم، ففضحت الوجه المزيّف للحكم الأمويّ، وبثّت روح الحريّة والعدالة والعزّة والنصر والأمل في الأمة. من خلال الوعي بمفهوم الحرية والظلم والعدوان والمقاومة، كيفية مواجهة الاستبداد والإرهاب.

أعطت بطلة كربلاء النهضة الحسنية بعدها المكاني والزماني ، امدّتها بعناصر الاستمرار والتجدد لما حوته من قيم اسلامية عالية، منذ لحظة وقوعها إلى اليوم وحتى المستقبل، اعطاها الصبغة العالمية لحركات ثورية متعددة. فإذ ببطلة كربلاء B تعاصرنا بأبعاد شخصيتها النوعية وتتجسد بيننا، ونسمع الصوت الزينبي يتردد صداه في الاثير، في لبنان مع المقاومة في العراق، مع الحشد الشعبي، و، وايران، وسوريا، والبحرين، واليمن.... من خلال رسالتها الاعلامية الخالدة في التاريخ، التي أوصلت صرخة الحسين A  الى كل مكان وزمان ، يرزح تحت نير الظلم ليكون "كل يوم عاشوراء، وارض كربلاء"، وها نحن نخط اليوم تاريخنا بالدماء الحسيني ، تكتب حروفه زينبيات العصر.

كان للمرأة المسلمة الدور الكبير في المقاومة ومكافحة الإرهاب ومواجهة العنف التكفيري، ما حُقِقته المرأة اليوم من انجازات يعتدّ بها للتأسيس نحو صنع مستقبل تتغير فيه كل المعايير. الا أن اشتداد الهجمة عليها تقتضي وضع خطط منظمة لتفعيل دور المرأة أكثر مما يجب في هذه الأزمة، وأهمية إدراك دورها في مواجهة الحدث وبطرق وأساليب مختلفة تلائم مكانها في مجتمعنا.

وأخيرا لا بد من الاشارة الى أن الدول التي شهدت الحراك الشعبي افتقرت إلى التظيتم المؤسسي، والبعض الآخر افتقرت إلى التظيتم المؤسسي والهدف التغييري أو التحرري  مما ترك اثرا سلبيا على القضية الفلسطينية لاهتمامهم بمشاكلهم الداخلية.

 اما الدول التي لم تشهد التغيير انشغلت بتعزيز امنها وسلطتها ومراقبة ما يجري داخليا من حراك، والتي من الممكن يؤدي الى زعزعة الامن، بعد ان ارعب الحراك الشعبي الانظمة المستبدة مما سبب بابتعادها هي ومن وراءها جماهيرها عن القضية الفلسطينية، ولذلك تدعم الدول العربية السلطة بالمال من اجل بقاء هذه السلطة وتحملها مسؤولية القضية الفلسطينية لوحدها وبدون اي تدخل عربي.

ان الوضع العربي الراهن مشرذم ولا وجود لأي حد ادنى من الوحدة ـ ويفقد رؤية موحدة داعمة من حيث اتخاذ القرارات السياسية في المحافل الدولية ويبدو ان دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية يسبب الحرج لبعض الانظمة العربية مع الدول الغربية. اصبحت الدبلوماسية العربية معطلة وغير مجدية في المحافل الدولية بما يخص القضية الفلسطينية.

من هنا فالحاجة ضرورية إلى صياغة استراتيجية الوحدة الاسلامية ، تجمعنا من عبر رؤية جديدة لواقعنا والتعاطي مع المعطيات على الساحة الإقليمية والدولية، بإيجاد مشروع جامع وموحد في ظل التهديدات التي تنذر بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية، وتقسيم المقسّم على ضوء التجاذبات الدولية والإقليمية التي تعيشها المنطقة، وبالتالي ما لم نعمل على إعادة الاعتبار لمشروع نهضوي فإن مجتمعات المنطقة سوف تهوي إلى الانحدار باتجاه الهويات الجزئية : المذهبية والطائفية والعشائرية. وخاصة بعد مشروع صفقة القرن، والذي سيؤدي الى ضياع القدس ولا بد من الانطلاق بالعمل من خلال :

·       العمل على كشف الفروقات بين اسلامنا واسلام التكفيريين، وان لم نفعل فلن يبقى للمسلمين وللعرب قوة يقاتلون بها عدوهم لآنهم سيقتلون بعضهم بعضا بسبب التكفيريين وبسبب انخداع بعضنا بهم.

·       -تحديد الأطر المرجعية والرؤية الفكرية واضحة انطلاقا من عقيدة هذه الأمة.

-       صياغة خطاب إسلامي وسياسي ليتناسب مع واقع جديد وانطلاقة حضارية تتميز بالشمولية والعالمية وتجميع الجهود ورص الصفوف.

-       تكريس ثقافة التفاهم والانسجام والالتقاء على الأهداف التي تحقق عزة وكرامة واستقلالية الأمة.

·       -نشر ثقافة الانتصار بما تتضمنه من استعداد للتضحية والمبادرة إلى العمل والفاعلية والإبداع.

·       ربط حركة الجماهير بالأحداث باستمرار لرص الصفوف وشحذ الهمم واستثمار الطاقات والإمكانات.

·        ايجاد آلية لتتلاقي مع المقاومة الباسلة المرابطة وحدها بعناد المؤمن الواثق في مواجهة الرياح التكفيرية.   

·        بذل جهود أكبر لإنقاذ شعوبنا من براثن أنظمة الحكم التي حولت بلادنا إلى مصانع للاستبداد وانتهاك الحقوق ومصادرة الحريات، بنشر ثقافة الانتفاضة بما تتضمنه من استعداد للتضحية والمبادرة إلى العمل والفاعلية والإبداع.

·       إنشاء كيانات ثقافية سياسية إعلامية متخصصة تتميز بالمرونة والتكييف للتصدي لتأخذ مكانها في الحرب الأمريكي -صهيونية وحلفاؤها على أمتنا. كلنا يعلم أن هناك مساع كبيرة من أعداء أمتنا لعزل الشعوب العربية والإسلامية عن دائرة الأحداث العالمية وإلغاء رسالتها العالمية وحضارتها، بلا إن الأعداء يبذلون جهودا مضنية وحثيثة لإظهارنا بما هو ليس من حقيقتنا وثقافتنا وديننا.

·       تطوير عملية التفاعل مع الأحداث التي تتميز بالسرعة والشمولية وتحمل أخطارا رهيبة على وجودنا، استخدام أساليب جديدة والعمل بطرق غير تقليدية

-        

[1] انظر، محمد عابد الجابري ، الاسلام هو العدو الاول للامبراطورية الاميركية، كيف؟ ولماذا؟ 9-9-2003.WWW.aljabriabed.com

[2] - خطبتي صلاة الجمعة بتاريخ ٣/٢/٢٠١٢ http://arabic.khamenei.ir/news/1737

[3] - مايور، فيدركو مدير عام اليونسكو، صحيفة الاتحاد الإماراتية 4/11/1997

[4] http://www.alwatan.com

[5] - خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه القائمين على مؤتمر الوحدة الثامن والعشرين بتاريخ ١٥/٤/١٩٩٠

[6] شفيق الرشيدات ،فلسطين ، تاريخاً.. وعبرة.. ومصيراً، ص 48

[7] - مذكرات همفر، ص12.

[8] - مذكرات همفر ص 77-78.