تـعـميـم وتـعـميـق منطـق الحـوار بيــن الــمسلـميــن عــلى الأسـس الإســلاميـة

تـعـميـم وتـعـميـق منطـق الحـوار بيــن الــمسلـميــن عــلى الأسـس الإســلاميـة

تـعـميـم وتـعـميـق منطـق الحـوار
بيــن الــمسلـميــن عــلى الأسـس الإســلاميـة

 

 بقلم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم
 أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي
 جامعة الجزائر 2 بوزريعة
 الجمهورية الجزائرية

 

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
كم يصاب المسلم الواعي، بالغثيان، وضيق الصدر، عندما نُخضِع واقع الأمة الإسلامية –اليوم- للتأمل، والتشخيص، فينكشف له واقع متأزم مؤلم، هو الذي يطبع حال أمتنا.
فهذا الشتات، وهذه الفرقة، وهذا التنابز بالألقاب، والأنساب، والمذهبية، والطائفية، التي تشوه صورة عقيدتنا وأمتنا، تمثل كلها هموما، تقص مضاجع العلماء، والحكماء، والعقلاء في أمتنا خصوصا وهي تملك في كتابها سبل العلاج. وكما يقول الشاعر القديم:
ومن العجائب والعجائبُ جَمّة  قرب "الدواء" وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما  والماء فوق ظهورها محمول
لذلك باتت الحاجة ماسة إلى معالجة قضية الحوار الذي هو موضوع مؤتمرنا هذا، في محاولة لتشخيص الداء، والكشف عن الناجع من الدواء.
على أن هذا النقاش المفتوح اليوم حول الحوار، لا ينبغي أن ينقص من الجهود، التي ما فتئ ببذلها الطيبون المخلصون في أمتنا، منذ زمن طويل للتوعية بجسامة العقبات التي تقف في وجه الحوار، وللكشف عن المكونات العميقة لأسباب التأزم، والعمل على تجاوزها بأيسر السبل، وأقل التضحيات.
في هذا المنحى المنهجي، تأتي ورقتنا هذه كمحاولة منهجية للتوعية ببواطن الداء، ورسم معالم النتائج المأمول تحقيقها من أجل تحديد نبل الهدف الذي هو وحدة الصف.
ولا نخال بلوغ مثل هذه الغاية بالمهمة السهلة، نظرا إلى تشابك العوامل التي تسهم كلها في صنع التأزم الذي هو الفرقة والشتات، ولكن متى توفرت النوايا الحسنة التي يفرضها علينا ديننا، وعوامل التضامن التي هي المقوم الأساسي لتلاحم أمتنا، أمكن استسهال الصعب لبلوغ المنى.
إن الآمال المنوطة بمثل هذا اللقاء الذي يضم كوكبة من أهل الحل والعقد، على اختلاف ثقافتهم وجنسياتهم، ليدعو إلى وجوب التحلي بالموضوعية في التحليل، والشجاعة في التشخيص، والحكمة في إيجاد الدواء، وهو ما نحتاج إليه للوصول إلى المقصد الأسمى، والهدف المنشود.

1-  منطق الحوار بين المسلمين:
إن منطق الحوار كأسلوب إنساني حضاري، هو ما يميز العقل الإنساني، الذي يبقى، كما يقول الفلاسفة، أعدل الأشياء قسمة بين الناس. إنه سمو بالإنسان عن الحيوانية، وأداة لإيجاد الأنس بين شخصين، أو طائفتين، أو مجموعتين، وبالتالي مفتاح للحوار بين المختلفين، بنية تجاوز أسباب الاختلاف. فالحوار الذي ينتجه العقل، هو عندنا على حد تعبير الفيلسوف المغربي عبد السلام ياسين: "دعوة، والدعوة نداء، والنداء صوت، إما أن يرتفع معلنا خبرا مهما، وإما أن يكون لغطا وهذرا.
ويضيف عبد السلام ياسين: "والحوار عندنا نحن المسلمين، جدال بالتي هي أحسن، ومقدمة الجدال، وموضوعه، ومضمونه، وغايته إسماع الدعوة. إن كانت التي هي أحسن، تدلنا على اللين في القول، وعلى الصدع بالحق، لا نخاف في الله لومة لائم. فإن حكمة "ادع إلى سبيل ربك" تعطينا الخط، والمسار، والهدف، لكيلا ندور حول المقصود، ونحور[1]". قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن[2]" 
إن الحوار قبل أن يكون أسلوبا إسلاميا شاملا وكاملا، هو أسلوب إنساني، يميز المتعاملين به عن الحيوانية الوحشية.
فإذا كانت هذه خصائص الحوار عموما، وعند المسلمين خصوصا، أمكن استنباط قاعدة عقلية هامة هي التي أكد عليها الإسلام، وهي قاعدة الاختلاف.
فقد جعل الإسلام الاختلاف قاعدة أساسية للوجود الإنساني. يقول الله تعالى: "ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم[3]".
وما يمكن التأكيد عليه في هذا المستوى من التحليل، هو التمييز بين الاختلاف والخلاف، فالاختلاف لغة لا يحمل معنى المنازعة والمشاقة، إنما واقع الناس، ونفوسهم هي التي لا تحتمل ذلك، وصدورهم التي تضيق عن مخالفة غيرهم لهم، تجعل هذا الاختلاف سببا إلى المنازعة[4].
وقد أفاض الباحثون من المسلمين في موضوع التفرقة بين الاختلاف والخلاف،  فقال أبو الكفري في كلياته:
أ إن الاختلاف هو أن يكون الطريق مختلفا والمقصود واحد، وأما الخلاف فهو أن يكون كلاهما –أي الطريق والمقصود- مختلفا.
ب الاختلاف ما يستند إلى دليل، والخلاف ما لا يستند إلى دليل.
ت الاختلاف من آثار الرحمة، والخلاف من آثار البدعة[5].
فإذا أخضعنا واقع الأمة المسلمة لهذا التمييز أمكننا القول بأن ما نعانيه لا يمكن بأيه حال من الأحوال أن يكون خلافا، وإنما هو اختلاف، وذلك انطلاقا من العوامل التالية:
·  إن الأساس الذي يجمع المسلمين، هو التوحيد الذي هو أس المعتقد، وبالتالي فوحدة المسلمين تبقى هي المنطلق والمصب.
·  كل ما في كتاب المسلمين الذي هو القرآن يدعو إلى التعاون، والتضامن والأخوة "إنما المؤمنون إخوة[6]"، "وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون[7]"، "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[8]"، " لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم[9]".
·  ينبهنا القرآن إلى إمكانية حدوث الاختلاف الذي هو أمر طبيعي، ولكنه يدلنا على طريقة تجاوز هذا الاختلاف، والآيات كثيرة في الدلالة على ذلك، ويمكن أن نسوق على سبيل المثال الآيات التالية: " وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله[10]"، "وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس، فيما اختلفوا فيه[11]"، " وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا[12]".
·  في سياق هذا الاختلاف، يدعو القرآن إلى أدب الحوار حتى مع المخالفين، فضلا عن المختلفين داخل الملة الواحدة. فعن المخالفين لنا، يدعونا القرآن إلى دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن: " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن[13]"، فإذا كان الأمر بالنسبة للاختلاف الداخلي، فإن الأمر يصبح أيسر، وهو الاحتكام إلى شريعة الله، وتحصين العقل ضد الهوى. وإلى ذلك يشير قوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير لكم، وأحسن تأويلا[14]". إن أدب الحوار كان أيضا هو الأسلوب الذي طلب من رسولنا الأعظم، أن يسلكه مع أمته، وخاصة مع المختلفين معه. فطالبه القرآن بقوله: "فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر[15]". وكذلك الحال عن علاقة المسلمين بعضهم ببعض، يخاطبنا الله بهذه الآية: " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان بنزع بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا[16]".
من هنا يتجلى لنا، أنه لكي يؤتي الحوار ثمرته، لا بد من التركيز علي معالجة موضوع الاختلاف على الأصول والكليات، وعدم الضياع في الجزئيات والفروع، وكما يقال فإن "الشيطان يسكن في الفروع".
فإذا سلمنا بهذا المعطى أمكن تتويج عملية الحوار، بوحدة الهدف، ووحدة الصف التي هي القاعدة الصحيحة، لبناء الإنسان المحصن، والسوي داخل المجتمع الإسلامي الأفضل، الذي يعتز بانتمائه، ويذود عن آلائه، لبسهم بحق في تحصين أسسه وبنائه.

2-  الأسس القرآنية للحوار بين المسلمين:
إن الدارس للقرآن الكريم، وهو يقوم - من خلال الآيات العديدة- بوصف أزمات الإنسان والمجتمع، تستوقفه لوحات بيانيةـ ومضامين إنسانية، بالغة الدقة والعمق.
فالقرآن إذ يستبطن نفوس أبناء المجتمع الإنساني عموما، والإسلامي منه على الخصوص، بوجه اهتمامنا إلى مجموعة من الحقائق يمكن إجمالها في المعاني التالية:
أ التنوع داخل الوحدة.
ب الكلمة الطيبة كجسر بين مكونات التنوع.
ت العلاج، الناجع لأسباب الفرقة والاختلاف.
فمن حيث التنوع داخل الوحدة، نستنبط عامل القوة في هذا التنوع. ذلك أن التنوع داخل الأمة الإسلامية لا يعكس خلافا في المبدإ والغاية، ولا اختلافا في المعتقد والمصير، وإنما هو تنوع يصنعه الاجتهاد العقلي، من أجل تأمين حسن الأداء للشعائر الإسلامية، والاقتداء –ما أمكن- بالقدوة المثلى، التي يمثلها رسولنا الأعظم والذين معه من سلفنا الصالح.
كما أن التنوع، وسيلة، تفتح أمام أهل الحل والعقد من علمائنا وأئمتنا في البحث عن أيسر السبل لتدين الأمة، وتحصين الذات الإسلامية بالأس الإيمانية العقدية، ضد كل أنواع الهزات والزعازع والزلازل الإيديولوجية التي تحملها قنوات الغزو الفكري، والثقافي، والإيديولوجي.
وهنا تلتقي بالكلمة الطيبة، التي تأتي لغسل القلوب، وطمأنة النفوس، وبث المحبة بين صانعي التنوع، فتكون هذه الكلمة كجسر بين الجميع، تشيع فيهم الألفة، والوئام، وتستأصل من صفوفهم كل بذور النزاع أو الخصام.
وفي هذا السياق ينبغي أن يندرج عامل التنوع المذهبي، أو الثقافي، أو اللغوي، فهذه الاختلافات، إن هي إلا جداول حاملة لمياه عذبة، وتصب في النهر الإسلامي.. ولن يسألنا الله يوم القيامة عن مذهبنا، وثقافتنا، ولكن عن معتقدنا، وعملنا، ومدى تطبيقنا لأوامر كتابنا وسنة نبينا.
من هنا جاءت دعوة القرآن، بمعالجة أسباب الفرقة، والاختلاف، على أساس التنوع داخل الوحدة الإسلامية التي هي العاصم لنا من الذوبان، والضعف.
وأولى أنواع الدواء في الوصفة القرآنية لنا، يتمثل في الألفة بين القلوب بالذات، فإذا ائتلفت القلوب وكانت ألفتها على قناعة، كانت صمام الأمان لكل بناء ينجز. وقد كان القرآن –واقعيا- كعادته في العلاج، إذ نبهنا إلى حقيقة هامة في قوله مخاطبا نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم[17]"
كما حذرنا القرآن، بخطورة التحديات والأشواك المزروعة في طريق الألفة، فأعداء الإسلام منذ بداية الفتح الإسلامي إلى عصر الإسلام وفوبيا، لا يزالون "يكيدون كيدا" ويتمادون في مكرهم، كما قال الله تعالى: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا[18]".
إن العلاج الحقيقي لمقاومة محاولات الإسلاموفوبيين، وإفشالها، هو هذه الألفة التي كتبها الله لنا، وعي "العاصم" لنا من كل زلل.
لهذا أهاب بنا رسول الله (ص) في حديثه الصحيح حين قال لنا "لا ترجعوا –بعدي- كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"
"فمن خصائص السلوك الإنساني، الإسلامي، إتباعه الروح الجماعية التي من مضامينها الأنس، والعطف، والود، والرحمة، والّإحسان، والتسامح[19]".
وفي هذا السياق جاءت جهود المخلصين من أمتنا، الذين وعوا واقع تأزم الأمة، فأهابوا بجميع أبنائها من خلال ملتقى الفكر الإسلامي الذي عقدوه بالجزائر حول وحدة الأمة الإسلامية[20]". ومن خلال "إعلان الجزائر" الذي انبثق عن الملتقى، أهابوا بالأمة الإسلامية أن تعي حقيقتها الثابتة في قولهم: "المسلمون في أرجاء العالم أمة واحدة، نؤمن بالله تباركت أسماؤه، وبالنبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهم في عقيدتهم، وتشريعاتهم يعتمدون على القرآن الكريم، والسنة المظهرة".
     ويضيف الإعلان: "ومهما اختلفت مذاهبهم الفقهية، وآراؤهم في الاجتهاد، فهم إخوة يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، ويتعاونون على البر والتقوى، ويرفضون رفضا تاما أن يكون الخلاف الاجتهادي مثار نزاع أو فرقة أو تكفير، ويدعوا المؤتمرون في ختام إعلانهم إلى ما يلي" ويشحبون كل محاولة لتقسيم الأمة أو شغلها عن أداء رسالتها الكبرى... كما يدعون إلى استئناف رسالة التقريب بين المذاهب الإسلامية، علميا وعمليا في مجال التزكية، والفقه، والأصول الاجتهادية، وعقد المؤتمرات العلمية المتخصصة، على أن يكون الأساس في ذلك تعميق الاتفاق على الثوابت[21]"

3-  تعميم وتعميق الحوار:
وما دمنا نعمل على وضع القواعد الصلبة للحوار بين المسلمين، وما دمنا نسلم بأن النص الديني المقدس هو أساس كل محاولاتنا في الحوار، فإنه لتعميم وتعميق هذا الحوار لابد من إعداد القائمين على هذا الحوار، باكتساب الفهم الجيد للنصوص، ولابد من التحلي بفقه الدين وفقه التدين، وبالتالي لابد من الاتفاق على أساس المرجعية الدينية الكفيلة بضمان تعميم وتعميق الحوار.
إن تحقيق هذه المعطيات، يمر حتما بإتباع خطوات معينة، ثابتة، وهادئة، مثل: الوقوف على وسطية تكون كحل من شأنه التقريب بين المختلفين، وتضييق هوة الخلاف، والاتفاق على ما يقتنع به ذوو الألباب.
ولن يتم هذا إلا بمعالجة النفوس والعقول، من داء التعصب، والهوى واللجاج، مما يؤدي إلى دحص الأباطيل وكشف دعاوى المبطلين، وإرساء العقل على قاعدة صلبه، هي قاعدة الحق الذي نلتقي حوله جميعا[22].
     لقد أدبنا الإسلام بأدبه العقلي، فجعل "الحكمة ضالة المؤمن، أنّى وجدها فهو أحق بها"، وجعل المؤمن طالب حق ، "وطالب الحق كما يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي لا بد أن يكون كناشد ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد من يعاونه [ أو يخالفه ]، ويرى معاونه معينا لا خصما، ويشكره إذا عرّفه الخطأ، وأظهر له الحق[23]".
وهكذا فإن الفهم الجيد للنصوص، والذي هو كما وصفناه أداة فعالة لإعداد العقل والنفس للحوار مع الجميع، لا بد أن ينعكس هذا الفهم الجيد للنصوص على سلوك صاحبه في شكل فقه دقيق للدين، وفقه عميق للتدين.
فلا تزال أزمة العقل المسلم، التي غالبا ما نصطدم بها في مجال ممارسة الشعائر الإسلامية تتجلى لنا في سلوك ديني متشدد يطبعه التعصب، ويحكمه الجمود على النص، ويشينه رفض كل من يخالفه، وما هذا بالفهم الصحيح للدين، ولا بالفقه السليم للتدين.
إن كل تدين صحيح لابد، وأن ينطلق من القاعدة القرآنية التي تدعو إلى التسامح في أكثر من آية مثل قوله تعالى: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أوفي ضلال مبين[24]" وقوله تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانا وإنما مبينا[25]".
كما أن التدين الصحيح، يسلم بحقيقة المرجعية الدينية التي يلتقي حولها كل المسلمين والتي من أسسها "الكتاب والسنة" فهذه الكليات التي تنبني عليها الوحدة الإسلامي، هي التي ستظل الملهم العقدي لكل مسلم في انتمائه الحضاري، وإيمانه العقدي. فما اجتمعت عليه الأمة أقوى عندنا من الإسناد. لكن بعض المتنطعين، ممن بضاعتهم في الفقه الديني مزجاة، سطوا على بعض المفاهيم فشوهوها،  فكانت هذه الفرقة التي يقول عنها عالم الجزائر، الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله: "إن من آثار الفرقة البدعية في الأمة الإسلامية اعتبار المخالف في المذهب، كالمخالف في الدين، يُختلف في إمامته، ومصاهرته، وذكاته، وشهادته[26]"، وما ذلك إلا للغلو في الاستقلال، والضعف في الاستدلال.
من هنا جاءت الحاجة إلى تعميم وتعميق الحوار الديني، بين المسلمين، وهي مهمة يجب أن يضطلع بحملها علماء الأمة، سعيا منهم لتخليص فقه الأمة من المتنطعين، والمتشددين، والغالين، فيكون هؤلاء العلماء المصفاة التي تسقط الساقط، وتبقي على الصالح، وفي ذلك إنقاذ للفكر الإسلامي، مما يعانيه من تأزم، سببه الفرقة في الصف، والضحالة في الفهم، والشذوذ في التدين.

الخـاتمة:
في أعقاب التشخيص لواقع الأمة الإسلامية اليوم، والخلوص إلى نتيجة حتمية في تعميم وتعميق الحوار بين أبنائها، ماذا يمكن أن نقدم كوصفة دواء، لرأب الصدع؟
إن ما بمكن أن يفضى إليه اجتماع في مستوى أهل الاختصاص في مستواكم، -أيها الإخوة- وقد جئتم يحدوكم العزم على استعادة الأمة الإسلامية لوحدتها، والجزم على مواجهة التحديات التي تقف عائقا دون تحقيق غاياتها، إن ما يمكن الخروج به هو التأكيد على المعطيات التالية:
1-  الوعي بواقع الأمة، وتوعية الأجيال بالحاجة إلى تغيير هذا الواقع نحو الأفضل. وإن من نافل القول أن هذا الوعي، وهذه التوعية، لن يتم تحقيقهما إلا بتعميم وتعميق الحوار الكامل والشامل لكل أجزاء أمتنا.
2-  السعي إلى تثبيت المقومات الإيمانية في قلوب وعقول أبناء الأمة الإسلامية بوصف هذه المقومات الإيمانية، هي العاصم من كل أنواع الهزات، والواقي من كل ألوان الزعازع.
3-  الإيمان بوجود العناصر الصالحة في أمتنا لبناء جامعة صحيحة، أحجارها المؤمنون، المتحلون يما سماه عبد السلام ياسين بمغناطيسية المحبة، التي تجذب، وتيسر، فتصحح المفاهيم، وتعمق الأقانيم.
4-  العمل على جمع الأمة على المحبة والصفاء، والانطلاق من قاعدة أن التنوع هو صانع الوحدة.
5-  اضطلاع العلماء، وهم أهل الحل والعقد في المجتمع، بمهمة التوعية، والقيادة، نحو المجتمع الأفضل.
هذه –إذن- يجب أن تكون رسالة المفكرين والعلماء، من عقد هذا الملتقى، فيعمدون إلى المصافحة، والمصارحة، والمصالحة، من خلال التشخيص، والعلاج، فإن لم نفعلوا، فإن جهودنا –لا قدر الله- ستذهب هباء، وستكون النتيجة كمن يكتب على الماء، وأعيدكم أن تصلوا إلى مثل هذه النهاية.

 

-----------------------------------------------

([1])  الأستاذ عبد السلام ياسين، الشورى والديمقراطية، دار لبنان للطباعة والنشر، 1424هـ 2003 مـ، ص103

([2])  سورة النحل، الآية 125.

([3])  سورة هود، الآية 118.

([4])  د/ عمر عبد الله كامل، الإنصاف فيما اثبر حوله الخلاف، شركة الوابل الصيب، القاهرة 2009، ص16.

([5])  المصدر السابق، ص 17.

([6])  سورة الحجرات (49)، الآية 10

([7])  سورة المؤمنون (23)، الآية52.

([8])  سورة التوبة (9)، الآية71.

([9])  سورة الأنفال (..) ، الآية 63.

([10])  سورة الشورى (42)، الآية 10.

([11])  سورة البقرة (2)، الآية 213.

([12])  سورة يونس (10)، الآية 19.

([13])  سورة النحل (....)، الآية 125.

([14])  سورة النساء (4) الآية 59.

([15])  سورة آل عمران (3) الآية 159.

([16])  سورة الإسراء (17) الآية 53.

([17])  سورة الأنفال (8) الآية 63.

([18])  سورة البقرة (2) الآية 217.

([19])  أبو سيد حامد محمد أحمد مكركب أبران، سياسة الإئتلاف لإقامة وحدة المسلمين واتحادهم، مطبعة الديوان، الجزائر 2010، ص 13.

([20])  بتاريخ 17- 23 محرم 1409 الموافق ل 30 أغسطس – 5 سبتمبر 1987 م.

([21])  المصدر السابق، ص 70.

([22])  الإنصاف فيما أثير حول الخلاف، ص20.

([23])  أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الأول، ص57.

([24])  سورة سبأ (34) الآية 24.

([25])  سورة الأحزاب (33) الآية58.

([26])  سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1354 هـ، ص 21.