حول إشكالية الإرهاب والمقاومة المسلحة من أجل تقرير المصير

حول إشكالية الإرهاب والمقاومة المسلحة من أجل تقرير المصير

 

حول إشكالية الإرهاب والمقاومة المسلحة من أجل تقرير المصير

 

بقلم الدكتور: حوري يوسف

مقدمة:

لم تكن شعوب العالم لتقف مكتوفة الأيدي أمام الحركة الاستعمارية التي شهدها العالم، والتي كان من مبرراتها تصدير الحضارة لتلك الشعوب المتخلفة، ومساعدتها على تخطي الجهل والفقر في سبيل رفاهيتها، لكن سرعان ما انكشفت هذه الخدع والأكاذيب من طرف هذه الشعوب، التي اكتشفت أن الوجه الحقيقي للاستعمار هو النهب المنظم للثروات واستعباد الشعوب المستعمرة.

وكان لحركات التحرر في العالم الدور الرئيس في استفاقة الشعوب ومطالبتها بالاستقلال عن طريق المقاومة التي أخذت عدة أشكال أهمها الكفاح المسلح، ولعل الثورة التحريرية الجزائرية المباركة أصدق مثال في هذا الصدد.

ولم تكن هذه الحركات المسلحة لتسلم من بطش المستعمر الذي رأى فيها تهديدا خطيرا على مصالحه الإستراتيجية، فعمل على قمعها بكل الوسائل الوحشية، كما عمل على تشويهها ونعتها بأبشع الصفات، منها صفة الإرهاب، وهكذا استخدم هذا المصطلح لتشويه الضحية وتلميع الجاني المعتدي.

ولقد أعاد التاريخ نفسه في هذا المجال، من خلال استخدام بعض الدول مصطلح الإرهاب - بما يترتب عليه من آثار قانونية -، من أجل تشويه المقاومة المسلحة المشروعة، التي قامت لتحرير الأوطان والدفاع عن النفس ضد الاحتلال بشتى أنواعه، وفي الوقت نفسه تبييض صفحة المحتل وإبرازه في ثوب الضحية، مستندة في ذلك إلى بعض العمليات التي تقوم بها المقاومة المشروعة كرد فعل ضئيل ومحدود بالنظر إلى الظلم الممنهج الذي يسلطه المحتل على الشعب المستعمر.

وهكذا أصبح العقاب الجماعي، والقصف العشوائي أو المقصود على الأحياء السكنية، أفعالا مبررة، باعتبارها دفاعا عن النفس، ورد فعل طبيعي على إطلاق المقاومة بضع رصاصات في الهواء.

ومن هنا نتساءل عن الحدود الفاصلة بين مفهوم الإرهاب كعمل إجرامي منبوذ من طرف المجتمع الدولي، والعمليات التي تقوم بها المقاومة المسلحة التي ترمي إلى تقرير مصير الشعوب المستعمرة في إطار الشرعية الدولية، وسوف نعالج هذه الإشكالية من خلال محورين:

المحور الأول: تحديد مفهوم كل من الإرهاب والمقامة المسلحة لتقرير المصير.

المحور الثاني: الحدود الفاصلة بين الإرهاب والمقاومة المسلحة الهادفة إلى تقرير المصير.

المحور الأول: مفهوم كل من الإرهاب والمقامة المسلحة لتقرير المصير.

يعتبر تحديد مفهوم الإرهاب كمن يسبح ضد تيار جارف، أو يمشي على رمال متحركة، وهذا راجع إلى التشويش المتعمد والخلط المقصود الذي تبديه بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لجعل مفهوم الإرهاب مفهوما زئبقيا، يتمدد إذا رغبت واشنطن في تمديده ويتقلص إذا أرادت تقليصه، على النحو الذي يخدم مصالحها، وبطبيعة الحال مصالح وأمن إسرائيل، وهو ما ولد خلطا للإرهاب فكرا وتنفيذا وأشكالا، بنضال الشعوب ضد الاستعمار(1).

ولعل هذا ما جعل الدول وكذا فقهاء القانون الدولي، يختلفون اختلافا كبيرا في تعريف الإرهاب، استنادا إلى موقع تلك الدولة أو ذاك الفقيه في خريطة التكتلات الدولية، فقد أحصى كل من الأستاذين شيميد وجونكمان 109 تعريفا للإرهاب(2).

وإذا كان مفهوم الإرهاب قد عرف هذا الكم من التعاريف المتباينة، فإن مفهوم المقاومة المسلحة هو الآخر عرف تباينا وتعارضا بين الدول وصل حد الرفض الذي تبنته بعض الدول الغربية(3).

ومن هذا المنطلق سنحاول تحديد مفهوم الإرهاب، ثم تحديد مفهوم المقاومة المسلحة.

 

 

1- صدوق عمر، قانون المجتمع الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1996، ص 173.

2- Alex Shmid and Jongman, political terrorism, North-Holland Publishing, New work, 1998,

Edition 03, p 05.

3- في هذا المعنى، صلاح الدين عامر، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1977، ص 48.

أولا- مفهوم الإرهاب:

كلمة إرهاب مصدر أرهب، يرهب، إرهابا، وفعله المجرد رهب، والإرهاب الخوف والخشية،

والوجل، وهي كلمات متقاربة تدل كلها على الخوف(1).

وباستقراء أغلب التعاريف التي أعطيت للإرهاب نجدها تعتمد في تعريف الإرهاب على معيارين:

أ- المعيار المادي: يستند هذا المعيار في تعريف الإرهاب على الوسائل المستخدمة في العملية الإرهابية، وبالرعب والفزع كمحصلة ونتيجة له، دون النظر إلى الهدف الكامن وراءه(2).

ومن هؤلاء، الفقيه "ليمكين" الذي عرف الإرهاب بأنه: "تخويف الناس بمساهمة أعمال العنف"(3).

أما الفقيه "سوتيل" فقد عرف الإرهاب بأنه: "عمل إجرامي مصحوب بالرعب أو العنف قصد تحقيق هدف معين"(4).

في حين عرف الأستاذ نبيل حلمي الإرهاب بأنه: "الاستخدام غير المشروع للعنف أو التهديد به بواسطة فرد أو مجموعة أو دولة ضد فرد أو جماعة أو دولة ينتج عنها رعبا يعرض للخطر أرواحا بشرية أو يهدد حريات أساسية، ويكون الغرض منه الضغط على الجماعة أو الدولة لكي تغير سلوكها تجاه موضوع ما"(5).

وهكذا يتضح أن هذه التعاريف - وإن اختلفت في صياغتها -، إلا أنها اعتمدت لتعريف الإرهاب على عنصر الفزع والرعب الذي يحدثه العمل الإرهابي، وكأنها وقفت عند المعنى اللغوي المباشر للإرهاب

1- هداج رضا، المقاومة والإرهاب في القانون الدولي، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر 1، كلية الحقوق بن عكنون، 2009/2010، ص 55، بتصرف بسيط.

2- منتصر سعيد حمودة، الإرهاب الدولي، جوانبه القانونية ووسائل مكافحته في القانون الدولي العام والفقه الإسلامي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2006، ص 41.

3- د. نبيل حلمي، الإرهاب الدولي وفقا لقواعد القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 24.

4- منتصر سعيد حمودة، نفس المرجع ص 41.

5- نبيل حلمي، نفس المرجع، ص ص 27 - 28. 

 وهو ما جعل البعض يعتبر هذه التعاريف تحصيل حاصل، وهي مجرد استنتاج لفظي لا يضيف جديدا(1)، وصفت العمل الإرهابي ولم تعرف الجريمة الإرهابية(2).

ب- المعيار الموضوعي: يقوم على التركيز على الغاية والهدف الذي يسعى إليه مرتكبو الأعمال الإرهابية(3)، ومن هؤلاء الأستاذ أحمد جلال عز الدين الذي عرف الإرهاب بأنه: "عنف منظم ومتصل بقصد حالة من التهديد العام الموجه لدولة أو لجماعة سياسية، والذي ترتكبه جماعة منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية(4).

أما الفقيه الإيطالي "فيجينه" فعرفه بأنه: "استخدام العنف كأداة لتحقيق أهداف سياسية"(5).

ويعاب على هذه التعاريف عدم تحديدها لمشروعية تلك الأهداف السياسية من عدمه، مما قد يجر إلى تأويلات خاطئة، تجعل صاحب الحق والإرهابي في صف واحد، وهو بالضبط ما تريده أمريكا         الصادرة في أكتوبر 1984الإرهاب بأنه: Military Reviewفقد عرفت المجلة العسكرية الأمريكية

"الاستخدام غير القانوني للقوة أو العنف أو التهديد بهما من منظمة ثورية ضد الأفراد أو الممتلكات مع نية الإكراه للحكومات أو المجتمعات لتحقيق أغراض هي غالبا أيديولوجية"، أما وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فعرفت الإرهاب بأنه: "العمل العنيف الذي يرتكبه أجنبي في دولة ما، أو العمل العنيف الموجه ضد شخص أجنبي في بلد المجرم"(6).

 

1- د.عصام عبد الفتاح عبد السميع مطر، الجريمة الإرهابية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2005، ص43 2- لونيسي علي، آليات مكافحة الإرهاب الدولي بين فاعلية القانون الدولي وواقع الممارسات الدولية الانفرادية، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون، جامعة تيزي وزو، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2012، ص 22.

3- لونيسي علي، نفس المرجع، ص 22.

4- د. أحمد جلال عز الدين، الإرهاب والعنف السياسي، دار الحرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1986، ص 70.

5- د. عصام عبد الفتاح عبد السميع مطر، نفس المرجع، ص 39.

6- د.محمد ناصر، مفهوم التحرر والإرهاب, وإشكالية تحديد مفهوم الإرهاب، مقال منشور بالصحيفة إلكترونية الفلسطينية دنيا الوطن، 07/10/2009.

وفي اعتقادي فإن أمريكا هي آخر من يحق له تعريف الإرهاب، بالنظر إلى سياستها الخارجية، ودعمها غير المشروط لإسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها باعتراف المجتمع الدولي، ما عدا أمريكا طبعا.

وكخلاصة يمكن تعريف الإرهاب بأنه: "الاستخدام غير المشروع للقوة المسلحة بغرض تحقيق أهداف سياسية أو إيديولوجية غير مشروعة". هذا ما يفرق بين الإرهاب والمقاومة المسلحة الرامية إلى تقرير المصير كما سنرى.

ثانيا- مفهوم المقاومة المسلحة:

يرى الأستاذ صلاح الدين عامر بأن المقاومة المسلحة هي: "عمليات القتال التي تقوم بها عناصر وطنية من غير أفراد القوات المسلحة النظامية، دفاعا عن المصالح الوطنية أو القومية ضد قوى أجنبية، سواء كانت هذه العناصر تعمل في إطار تنظيم يخضع لإشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية، أو كانت تعمل بناء على مبادراتها الخاصة، وسواء باشرت هذا النشاط فوق إقليمها الوطني

أو من قواعد خارج هذا الإقليم"(1)، كما عرفت بأنها: "النشاط المتسم بالقوة المسلحة الذي تقوم به عناصر شعبية في مواجهة سلطة تقوم بغزو أراضي الوطن أو احتلاله"(2).

وعادة ما تمثل هذه المقاومة المسلحة بهيئة سياسية تسعى على المستوى الدولي لحشد الدعم وتسجيل الاعتراف بها ضمن حقها الدبلوماسي(3).

 أما الاتجاه الذي تتزعمه أمريكا، فيرى بأن حق الشعوب في الكفاح المسلح من أجل تقرير المصير  

لا يجوز أن يتضمن أعمالا إرهابية ضد المدنين الأبرياء، لأن ذلك يعد خرقا لحقوق الإنسان(4).

1- صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص 40.

2- لونيسي علي، مرجع سابق، ص 45.

3- للتفصيل، تونسي بن عامر، قانون المجتمع الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الثانية، 2000، ص 258.

4- لونيسي علي، نفس المرجع، ص 42.

المحور الثاني: الحدود الفاصلة بين الإرهاب والمقاومة المسلحة الهادفة إلى تقرير المصير.

إن الخلط المقصود الذي تبنته بعض الدول وعلى رأسها أمريكا، بين الإرهاب والمقاومة المسلحة الهادفة إلى التحرر من الاستعمار، يحتم علينا محاولة تحديد الفوارق الجوهرية بينهما حتى لا يتم تبرير جرائم المحتل وتجريم أعمال المقاومة المشروعة، وهو المسعى الذي تعمل أمريكا على فرضه في العالم، في إطار سياسة انتقائية ازدواجية، تعطي الأفضلية للمحتل المعتدي على حساب الضحية المعتدى عليه(1)، ولعل أهم الفوارق تتجسد من حيث الطبيعة، ومن حيث الهدف، ومن حيث الشرعية.

أولا- من حيث الطبيعة:

تتسم المقاومة المسلحة الرامية إلى تقرير المصير بالشعبية، فهي تحظى بالدعم الشعبي لها(2)، ويظهر ذلك من خلال التجاوب الجماهيري مع قراراتها ومواقفها، ولا أدل على ذلك من الثورة الجزائرية المباركة التي أظهر فيها الشعب الجزائري التفافا منقطع النظير مع جبهة التحرير الوطني، من خلال تبني مواقفها الرامية إلى التحرر، كالاستجابة الواسعة لدعوات الإضراب ومقاطعة المستعمر اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا وغير ذلك(3)، بينما الإرهاب لا يحظى بهذا الدعم الشعبي، بل على العكس يواجه بالرفض والتنديد، لذا عادة ما يلجأ إلى التهديد والتخويف لفرض منطقه على الشعب.

كما أن المقاومة المسلحة المشروعة من أجل تقرير المصير تتصف عادة بالوطنية، فهي تباشر كفاحها المسلح على إقليمها المحتل، فتكون أعمال المقاومة داخل حدود الأراضي المحتلة وليس خارجها(4)،

 

1- انظر القرار 1701 الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 12/08/2006، والمتعلق بالحرب الإسرائيلية اللبنانية بقيادة حزب الله، والذي يكتف بأن سوى بين إسرائيل الطرف المعتدي في هذه الحرب وحزب الله الطرف المقاوم للاحتلال، بل أقر عقوبات على حزب الله تمثلت في منع تزويده بالسلاح.

2- للتفصيل، هداج رضا، مرجع سابق، ص 21 وما يليها.

3-على سبيل المثال، إضراب الثمانية أيام الذي أبرز تزكية الشعب وتبنيه للثورة كحل وحيد لتحقيق الاستقلال، للتفصيل، بوابة خاصة بالاحتفاء بالذكرى الخمسين للاستقلال، من إعداد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، منشورة في موقعها الرسمي، تاريخ الزيارة، 30/11/2014.

4- د.محي الدين عشماوي، الإرهاب وحق المقاومة في القانون الدولي، جريدة الأهرام، 04/11/2001.

 في حين أن معظم العمليات الإرهابية تتصف بالدولية(1).

وتجدر الإشارة إلى أن هذا يقتصر على العمل المسلح، أما النضال بالوسائل السلمية من أجل توعية الرأي العام العالمي ونشر الدعاية للأهداف التحررية، فيمكن أن تكون خارج الإقليم المحتل، باعتبارها أمورا مباحة ومشروعة في الفانون الدولي(2).

ثانيا- من حيث الهدف:

تختلف المقاومة المسلحة عن الإرهاب من حيث الهدف، سواء الهدف العسكري، أو الهدف السياسي.

فهدف الإرهاب العسكري، هو هدف غير واضح وغير محدد، إذ يستوي أن ينال الإرهابي هدفا مدنيا أو عسكري، فهو في نهاية المطاف عمل انتقامي غير مشروع موجه لوجهة غير معلومة وغير محددة، أما الهدف العسكري للمقاومة المشروعة أو الكفاح المسلح، فهو عموما الأمكنة والتقنيات العسكرية وأفراد وجيش الاحتلال(3).

أما على المستوى السياسي، فهدف المقاومة المسلحة هو الاستقلال وطرد المستعمر، بينما هدف السياسي للإرهاب فهو مجرد من هذه الصفة(4)، إذ عادة ما يشوبه الغموض، فقد يسعى أحيانا لقلب نظام الحكم، والاستيلاء على السلطة بالقوة، كما قد يسعى إلى الضغط على الحكومة أو الحكومات لاتخاذ موقف معين.

                                                                                                          

 

1- إمام حسانين عطا الله، الإرهاب البنيان القانوني للجريمة، دار المطبوعات الجامعية، مصر، 2004، ص 5.

2- في هذا المعنى، لونيسي علي، مرجع سابق، ص 48.

3- في هذا المعنى، عبد المنعم متولي رجب، حرب الإرهاب الدولي والشرعة الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004, ص 419.

4- هيثم موسى حسن، التفرقة بين الإرهاب الدولي ومقاومة الاحتلال في العلاقات الدولية، رسالة دكتوراه في القانون، جامعة عين شمس، القاهرة، 1999، ص 109.

 

ثالثا- من حيث الشرعية:

لقد كان لصمود الشعوب ممثلة في حركات المقاومة المسلحة على وجه الخصوص، الأثر البارز في انتزاع اعتراف العالم بحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، فمع تزايد الحركة الاستعمارية في العالم، تزايدت حركات التحرر، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية أين اعتبرت الدول المنتصرة في هذه الحرب وهي الدول المستعمرة، الحركات التحررية كحركات إرهابية، في محاولة لنزع المصداقية والشرعية عنها، ومن هذه الحركات، حركة التحرير الجزائرية(1).

وقد أعطى ميثاق الأمم المتحدة صفة المشروعية لفكرة العنف، في مواقف اضطرارية كوضعية

الاحتلال، والاعتداء الاستعماري، بما يمكن للطرف المتضرر استعمال كافة الطرق، بما فيها

الكفاح المسلح والمقاومة والدفاع عن النفس، عن طريق حركات التحرر الوطنية، ولم يعتبرها

إرهابا، بمفاهيم التجريم المنصوص عليها وطنيا ودوليا(2).

ولعل أهم قواعد القانون الدولي التي أضفت الشرعية على حق الشعوب في مقاومتها من أجل تقرير مصيرها نجد المادة 01 فقرة 02 من ميثاق الأمم المتحدة(1): "مقاصد الأمم المتحدة:...إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها.."، كما نصت المادة 55 من نفس الميثاق على: "رغبة في تهيئة دواعي

الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي

يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها،....".

 

1- السيد محمد السيد أحمد، حول العولمة والأمن والغداء، الملتقى الدولي حول العولمة والأمن، مجلس الأمة، قصر الأمم، 4 - 7 ماي، الجزائر 2002.

2- هداج رضا، مرجع سابق، ص 26.

3- الموقع الرسمي للأمم المتحدة، تاريخ الزيارة، 30/11/2014.

وجاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 الصادر في 14/12/1960، المتضمن

إعلان منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة(1):" لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها،....".

كما نصت المادة 01 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في عام 1966(2)، والذي انضمت إليه الجزائر(3)، على إعطاء الحق لكل الشعوب في تقرير مصيرها وأن لها بمقتضى هذا الحق أن تقرر وضعها السياسي وتتابع بحرية إنماءها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كذلك نص إعلان مبادئ القانون الدولي ذات الصلة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة الصادر بقرار جمعيتها العامة رقم 2625 لعام 1970 تحت عنوان مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها: " لجميع الشعوب بمقتضى مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، الحق في أن تحدد بحرية دون تدخل خارجي مركزها السياسي وفي أن تسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفقاً لأحكام هذا الميثاق"، كما نص الإعلان العالمي لحقوق الشعوب "إعلان الجزائر" الصادر في جويليا 1976  على حق كل شعب في أن يقرر مصيره، وأن يحدد وضعه السياسي بحرية تامة من دون أي تدخل خارجي أجنبي. وهكذا يتبين أن المقاومة المسلحة لتقرير المصير تستمد شرعيتها من القانون الدولي، تماما كما تستمده من الدعم الشعبي، حيث تعتبر عمليات المقاومة التي تقوم بها حركات التحرر الوطني ضد المحتل أو المستعمر عمليات مشروعة لأنها تمارس بحق قانوني دولي مشروع(4)، بينما يفتقد الإرهاب إلى الشرعية، بل على النقيض من هذا 

1- الموقع الرسمي للأمم المتحدة، تاريخ الزيارة، 30/11/2014.

2- الموقع الرسمي للجمعية العامة للأمم المتحدة، تاريخ الزيارة 30/11/2014.

3- المرسوم الرئاسي رقم 89/67، المؤرخ في 16/05/1989، المتعلق بالانضمام للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبرتوكول الاختياري المتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الموافق عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجريدة الرسمية عدد 20 لسنة 1989.

4- عبد المنعم متولي رجب، مرجع سابق، ص 217.

لا تعترف به المواثيق الدولية، كما تدينه كل الدول والمنظمات الدولية، فقد صدر أول قرار عن الأمم المتحدة بشأن معالجة الإرهاب في 18/12/1972 تحت رقم 1034 وفي 01/01/1973 اتخذت الجمعية العامة القرار رقم 2127 الذي نص على وجوب اتخاذ إجراءات لمنع الإرهاب الدولي، ودراسة الأسباب التي تقف وراءه(1)، بعد ذلك توالت الاتفاقات والقرارات الدولية التي دعت الدول إلى إدراج الأعمال الإرهابية في تشريعاتها الداخلية بوصفها جرائم خطيرة، فقامت العديد من الدول بسن تشريعات خاصة بمكافحة الإرهاب، ودول أخرى بتعديل تشريعاتها الداخلية لتتلاءم مع السياسة الجنائية الدولية المتعلقة بمكافحة ظاهرة الإرهاب(2).

خاتمة:

إن الباحث في موضوع الإرهاب والمقاومة المسلحة المشروعة، يقف على الكثير من التناقضات، ضمن سياسة الكيل بمكيالين، أو سياسة الازدواجية والانتقائية في التعامل مع هذا الموضوع، ذلك أن مصطلح الإرهاب تجاوز مفهومه القانوني إلى مفهوم سياسي غير ثابت وغير واضح، من خلال استخدامه بشكل مطاطي من طرف بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف الإساءة للمقاومة في محاولة لتجريدها من صفة الشرعية الدولية، وبالتالي تجفيف منابعها والتضييق عليها، فإما أن ترضخ للإملاءات الاستعمارية وفق الرغبة الأمريكوإسرائييلية، وإما أن تلصق بها صفة الإرهاب ما يعني القضاء عليها، إن ما نشاهده اليوم من إدراج حركات مقاومة - على غرار حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني - على قائمة الإرهاب، والتغاضي عن جرائم إسرائيل بل وتبريرها، لهو دليل قاطع على فشل الولايات المتحدة الأمريكية عن قيادة العالم بالعدل والسلام والأمن الذي بشرت به في أعقاب سقوط الإتحاد السوفييتي، وتفردها بالهيمنة الدولية، وهو ما يدفع اليوم بقوى دولية كروسيا والصين لتقاسم هذا الدور الريادي مع أمريكا كأقطاب دولية صاعدة، وهذا ينذر في اعتقادي بزوال أمريكا.     

 

1- هداج رضا، مرجع سابق، ص 104.

2- عبد القادر زهير النقوزي، المفهوم القانوني لجرائم الإرهاب الداخلي والدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، الطبعة الأولى، 208، ص 187.