صلاحيات ولي الأمر في منطقة الفراغ التشريعي

صلاحيات ولي الأمر في منطقة الفراغ التشريعي

 

 

صلاحيات ولي الأمر في منطقة الفراغ التشريعي

 

منى عبدالأمير

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الاطهار وصحبه الأبرار.

 

التشريع الإسلامي تشريع كامل أريد له البقاء والاستمرار إلى يوم القيامة، فهو لا نقص فيه ولا خلل، وان ما يسمى بمنطقة الفراغ التشريعي لا تعني وجود منطقة فارغة من التشريع لان هذا المعنى يخالف اساسيات التشريع الإسلامي، وانما تعني ان هنالك مساحة متغيرة ومتطورة تبعاً للمستجدات والمتغيرات ترك فيها الأمر إلى ولي الأمر ليقوم بملئها بالشكل الذي ينسجم مع ثوابت العقيدة والشريعة الإسلامية وضمن المصلحة الإسلامية العليا.

 

وفي هذا البحث تطرقنا إلى كمال الشريعة استناداً إلى الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة، ثم تطرقنا إلى معنى منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي وهي المنطقة التي لم يرد فيها تكليف مباشر من قبل الشريعة من وجوب أو حرمة، وانما ترك الحكم فيها إلى ولي الأمر.

 

و تطرقنا إلى المراد من أولي الأمر أو ولي الأمر، وهو الفقيه الجامع للشرائط وهي: الاجتهاد والعدالة والكفاءة كما هو المستفاد من آراء فقهاء وعلماء ومفكري المذاهب الإسلامية، حيث ان للفقيه الولاية على الناس.

 

ثم تطرقنا إلى مجالات منطقة الفراغ وهي:

الأول: مجال تشخيص الموضوعات الدخيلة في الأحكام الثابتة.

الثاني: تقديم الأهم على المهم عند التزاحم بين الأحكام.

الثالث: العمل بالعنوان الثانوي.

الرابع: تحويل الواجب الكفائي إلى واجب عيني.

الخامس: الحوادث الواقعة

السادس: التصرف في المباحات على ضوء المصالح المستجدة.

ثم تطرقنا إلى ضوابط ملئ منطقة الفراغ وقسمناها إلى قسمين:

أولاً: الضوابط الذاتية: وهي الضوابط الموضوعة لولي الأمر من حيث خصائصه وصفاته الذاتية:

ثانياً: الضوابط العملية: وأهمها مراعاة وملاحظة المصلحة الإسلامية والظروف الزمانية والمكانية.

وتطرقنا إلى الفرق بين النقص في النصوص ومنطقة الفراغ، حيث يرجع الفقيه في الأولى إلى العمومات والاطلاقات، بينما في الثانية يرجع ولي الأمر إلى صلاحياته بعد مراعاة الظروف والمصلحة الإسلامية فيحكم بما يراه مناسباً ويكون حكمه نافذاً على جميع الفقهاء.

ثم تطرقنا إلى ضوابط ملئ منطقة الفراغ في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وختمنا البحث بموضوع منطقة الفراغ في الصدر الأول للإسلام، وذكرنا النصوص التي تدل على ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ملأ منطقة الفراغ بصفته ولياً وحاكماً لا بصفته نبياً.

نسأل الله تعالى ان يوفقنا جميعاً للتقريب والوحدة ويجعل كلمة الإسلام هي العليا وكلمة المستكبرين هي السفلى.

كمال الشريعة الإسلامية

الإسلام في أدب القرآن الكريم ليس اسماً لدين خاص، وانما هو اسم للدين المشترك الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين، تجمعه وحدة المصدر، ووحدة المصير، ووحدة المفاهيم والقيم، ووحدة الاهداف والأساليب.

واكد القرآن الكريم على أن الدين نزل في امة واحدة، فاستعرض مسيرة وحركة الأنبياء (عليهم السلام) في الهداية والدعوة والصراع مع الكفار وأتباعهم، ثم ختم ذلك الاستعراض بخطابه للمسلمين: (ان هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ([1]).

و اكد القرآن الكريم على وحدة التشريع في حركة الأنبياء، فالله تعالى لم يشرع ديناً جديداً، وانما هو نفسه دين الأنبياء قبل نبينا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكما جاء في قوله تعالي: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا اليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه....)([2]).

 

والدين واحد في اصوله وأهدافه ووسائله، متنوع في ادوار المكلفين بحمله، فلكل مرحلة تاريخية نبي خاص وكتاب خاص منسجم مع أحوال الناس وظروفهم المادية والروحية وطاقاتهم الذاتية، ولا تناقض بين الكتب المنزلة على الأنبياء، فلكل مرحلة كتاب مصدق للكتاب الأسبق ومكملاً له، قال تعالي: (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة... وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه..) ([3]).

والدين في مرحلة بعثة النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المرحلة الاخيرة من المراحل التي مرت بها البشرية وبها ختمت الرسالة بعد كمالها، وهو الحلقة الاخيرة من حلقات الدعوة والهداية، والتشريع.

 

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين) ([4]).

وعلى ضوء ما تقدم يمكن القول ان الدين الإسلامي كامل وان الشريعة كاملة إلى يوم القيامة لا نقص فيها ولا خلل، فقد ختمت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة على هذا الكمال، وفيما يلي نستعرضها تباعاً:

 

دلالة الايات على كمال الشريعة الإسلامية

قال سبحانه وتعالى: (و نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) ([5]).

والدلالة على كمال الشريعة واضحة لاتحتاج إلى توضيح أو بيان، فقد صرحت الآية الكريمة بان القرآن الكريم تبيان لكل شيء بما في ذلك الأمور والقضايا التشريعية.

 

وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ([6]).

وقال تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) ([7]).

فقد دلت الآيات على عدم وجود تفريط في القرآن، وعلى اكمال الدين واتمام النعمة، والدلالة واضحة أيضاً.

والقرآن الكريم حي وخالد إلى قيام يوم الدين، ولا يكون خالداً إلا إذا كان كاملاً ومتكاملاً يستوعب الزمان كله والمكان كله، ويستوعب الفرد والمجتمع والدولة.

وهذه الحيوية اشار إليها ائمة أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الامام محمّد الباقر(عليه السلام) حيث يقول:

(ان القرآن حي لا يموت، والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الاقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين).

 

وقال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): (ان القرآن حي لم يمت وانه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا) ([8]).

وإذا تتبعنا القرآن الكريم لوجدنا فيه قواعد كلية أساسية تنطبق على كثير من المصاديق الآنية والمستقبلة، وفيه قوانين وأحكام تفصيلية ثابتة أيضاً في مجال العبادات وسائر التشريعات الاقتصادية والاجتماعية والخلقية والسياسية، وكل ذلك جاء ليبقى كما هو ويمتد بامتداد الزمان والمكان، والقواعد الكلية جاءت لتكون الاطار الذي تنمو في داخله حيوية الشريعة إلى آخر الزمان. وطبيعة الشريعة الإسلامية تحتوي على الامكانيات التى تسع الزمان والمكان وتسع كل تطور يطرأ على الأفكار والعواطف والممارسات الميدانية في مختلف جوانب الحياة وأبعادها.

 

والله تعالى وليس البشر هو واضع الشريعة الإسلامية، فهي من وضع رب الإنسان وخالقه، ومن له احاطة تامة بالعالم كله، وبالناس كلهم، يعلم سكنات النفس وما تخفي الصدور، وهو سبحانه وتعالى أودع الغرائز والحاجات في الإنسان، ولذلك فهو أعلم بكيفية اشباعها وبكيفية تنظيمها، وبكيفية وضع التشريعات الكاملة المتكاملة التي تواكب التطور والتبدل الحادث في كل زمان ومكان، فلا نقص ولا خلل في الشريعة لأنها من وضع مطلق الكمال والتمام.

 

دلالة الاحاديث الشريفة على كمال الشريعة

قال الامام الباقر (عليه السلام): (ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمة إلا انزله في كتابه وبينه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً) ([9]).

وقال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): (ان الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن إلا وقد انزله الله فيه) ([10]).

وقال أيضاً: (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل، ولكن لا تبلغه عقول الرجال)([11]).

وعن سماعة: عن الامام موسى الكاظم (عليه السلام) قال: قلت له: اكلّ شيء في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أو تقولون فيه؟

 

قال: (بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه) ([12]).

وقال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): (ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة) ([13]).

والدلالة على كمال الشريعة واضحة، ولكن ليس كل إنسان يفهم هذا الكمال في نظرته للواقع وللامور المستجدة والمستحدثة فيه، وقد عبر الامام (عليه السلام) بذلك قائلاً: (ولكن لا تبلغه عقول الرجال) وفهم الكمال مختص بأصحاب الاختصاص وهم ائمة المسلمين وفي مقدمتهم ائمة أهل البيت (عليهم السلام) ثم الفقهاء العدول الأكفاء.

 

وكمال الشريعة بكمال الأسس والاصول والقواعد والموازين الثابتة في التشريعات الفردية والاجتماعية: التشريعات التي تحلل وتحرم أنواعاً من المأكل والمشرب ومن علاقات الجنسين والعلاقات الاسرية، والتشريعات التي تنظم روابط المجتمع، وروابط المسلمين مع غيرهم داخل المجتمع الإسلامي وروابط الدولة الإسلامية بغيرها، وكل ما يحتاجه الإنسان فرداً كان أم مجتمعاً.

 

وكل جديد أو حادث يرجع إلى الثابت ويرجع إلى الأصل والقواعد الكلية التي تنطبق على جميع الفروع والمصاديق في كل زمان ومكان.

 

وعلى ضوء الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة يمكن القول: ان الشريعة كاملة لانقص فيها ولا خلل ولا قصور يستدعي الكمال أو الاضافة أو التحويل أو التغيير، ولا يوجد فراغ في التشريع ولا في الأحكام ولا في القوانين، وهي باقية على كمالها في كل زمان ومكان.

 

قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): (حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيء غيره) ([14]).

والحلال والحرام كأحكام تفصيلية باقية كما هي، ام الحلال والحرام كقواعد كلية فانها القادرة على استيعاب كل ما يستجد وكل ما يتطور في فكر الإنسان وفي سيرته العملية، وفي سيرة المجتمع والدولة، وفي العلاقات العامة بين الإنسان وأخيه، وبين الطبقات وبين المجتمعات، وهي أحكام عامة يمكن تطبيقها على عدة مصاديق وعلى وقائع حادثة فرعية.

 

ماذا تعني منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي

تقدم ان الشريعة الإسلامية كاملة لا نقص فيها ولا خلل ولا قصور، ولم تترك فراغاً من حياة الإنسان والمجتمع إلا وملأته بقواعد وأحكام كلية أو تفصيلية.

 

وما نلاحظه في كتابات الفقهاء والمفكرين من تعبير بمنطقة الفراغ في التشريع الإسلامي ليس إلا تعبيراً حديثاً لاثبات حركية الشريعة وانسجامها مع كل العصور ومع ما يطرأ من تطوير وتغيير في حياة الإنسان والمجتمع.

 

والمقصود من منطقة الفراغ هو (تلك المساحة من الأمور والقضايا التي تركت الشريعة الإسلامية حق التشريع فيها لولي الأمر أو للسلطة التشريعية العامة بالتخويل أو بالاشراف من قبل ولي الأمر، لكي يحدد فيها الحكم المناسب للظروف المتطورة بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للشريعة الإسلامية، وهذا المعنى من لزوم وجوب طاعة ولي الأمر الشرعي في كل عصر وزمان) ([15]).

ومنطقة الفراغ هي المساحة التي لم يرد فيها تكليف مباشر من قبل الشريعة، من وجوب أو حرمة، وانما ترك الحكم فيها إلى ولي الأمر، فحكمه فيها هو الحكم الشرعي تبعاً لمفهوم الطاعة التي أمر الله تعالى بها في قوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ([16]).

 

وأولو الأمر هم المرجع في الأمور والقضايا المستجدة والحادثة، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالرجوع اليهم كما في قوله: (واذا جاء هم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلاً) ([17]).

وتعبير منطقة الفراغ لا يعني الفراغ الحقيقي، والتعبير معنى مجازي، لانة لا يوجد فراغ بل هنا لك مساحة متغيرة ومتطورة ترك الأمر فيها لولي الأمر فرأيه هو الحكم المناسب لهذا التغير والتطور، وخصوصاً في تطبيق القواعد الكلية على مصاديقها، وفي الرجوع إلى الاحكام الثانوية.

 

وفي هذا الصدد قال الشهيد السيد محمّد باقر الصدر: (ولا تدل منطقة الفراغ على النقص في الصورة التشريعية، أو اهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة، لان الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصاً أو اهمالاً، وانما حددت للمنطقة أحكامها بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصيلة مع اعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية حسب الظروف) ([18]).

ويمكن القول: ان هنا لك احكاماً مباشرةً صادرة من الله تعالى وقد أمر بها مبا شرة، وهنالك احكام غير مباشرة بمعنى غير صادرة من الله تعالى، وانما صادرة من ولي الأمر الذي أمر الله بطاعته، وهي لهذا احكام شرعية غير مباشرة، ويمكن القول: ان منطقة الفراغ التشريعي هي منطقة الاحكام غير المباشرة، وهذه تتغير بتغير الزمان وتتغير من مكان لآخر تبعاً للظروف وللمستجدات الطارئة.

 

من هو ولي الأمر؟

المراد باولي الأمر العلماء الذين يفتون في الاحكام الشرعية، يعلمون الناس شؤون دينهم، وهذا التفسير هو الذي نقل عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك([19]).

وهم أهل العلم والفقه والاجتهاد على مارجحه جمهور المفسرين([20]).

وقال الراغب الأصفهاني: (ان اولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة: الأنبياء، والولاة والحكماء، والوعظة)([21]).

وقال ابن منظور: (أولو الأمر: الرؤساء وأهل العلم) ([22]).

وقال الزمخشري: (المراد بأولي الأمر منكم: أمراء الحق... وقيل: هم العلماء الدينيون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر) ([23]).

وقال محمّد عبده: (هم أهل الحل والعقد من المسلمين، وهم: الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع اليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة) ([24]).

وحدد محمّد رشيد رضا احدى ثلاث معانٍ مرادة من (أولي الأمر) مختلف فيها بين الباحثين وهي:

 

أولاً: الأمراء.

ثانياً: العلماء.

ثالثاً: الأئمة المعصومون (في رأي الشيعة) ([25]).

وأولي الأمر عند الشيعة هم الائمة من أهل البيت (عليهم السلام) وقد وسع المفهوم ليشمل الفقهاء العدول.

قال النراقي: (كل ما كان للنبي والإمام..... فيه الولاية، وكان لهم، فللفقيه أيضاً ذلك إلا ما أخرجه الدليل من اجماع أو نص أو غير هما) ([26]).

وقال الامام الخميني (رض): (ان مقتضى كون الفقهاء ورثة الأنبياء – ومنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المسلمين الذين لهم الولاية العامة على الخلق – إنتقال كل ما لهم اليهم إلا ما ثبت أنه غير ممكن الانتقال) ([27]).

وقال أيضاً: (فالفقهاء اليوم هم الحجة على الناس، كما كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة الله عليهم، وكل ما كان يناط بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أناطه الأئمة بالفقهاء من بعد هم، فهم المرجع في جميع الأمور والمشكلات والمعضلات، واليهم فوضت الحكومة، وولاية الناس وسياستهم) ([28]).

وقال أيضاً: (... ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومين في جميع ما ثبت لهم الولاية فيه من جهة كونهم سلطاناً على الأُمة) ([29]).

ومن خصائص ولي الأمر اضافة إلى الاجتهاد والفقاهه أن يكون عادلاً كفوءاً، وهذا هو الظاهر والمتفق عليه من قبل العلماء والفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية([30]).

وحددت المادة (109) من دستور الجمهورية الإسلامية في ايران الشروط اللازم توفرها في القائد – ولي الأمر – وصفاته وهي:

 

1 – الكفاءة العلمية واللازمة للافتاء في مختلف أبواب الفقه.

2 – العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأُمة الإسلامية.

3 – الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والادارية، والتدبير، والشجاعة، والقدرة الكافية للقيادة.

 

وولي الأمر مكلف باستشارة المتخصصين لوضع قوانين من شأنها أن تضمن التطور الاقتصادي والفني والتعليمي في المجتمع الإسلامي([31]).

وباجتهاد ولي الأمر وباستشارة اصحاب الاختصاص يتم ملئ منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي.

واجتهاد ولي الأمر – وهو المتصدي بالفعل لشؤون الولاية أو المبسوط اليد أو المنتخب من قبل الأُمة من مجموعة من الفقهاء والمجتهدين المتساوين في الخصائص – مقدم على اجتهاد غيره من العلماء والفقهاء، وان رأيه مقدم على آراء الآخرين، ويبقى حكمه هو الحكم النافذ وهو المرجع في حسم الخلاف في الاراء والتصورات.

 

قال القرافي: (ان حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء) ([32]).

 

وولي الأمر ينبغي ان يكون واحداً غير متعدد من اجل وحدة الآراء والمواقف والتطبيقات العملية، وقد اشارت الروايات إلى هذة الحقيقة، وكذلك كان رأي الفقهاء والعلماء منصباً على وحدة ولي الأمر([33]).

 

والعقل يحكم أيضاً بهذه الحقيقة لان تعدد الولاية يؤدي إلى التشتت والاضطراب في التخطيط والتنفيذ.

مجالات منطقة الفراغ

الاحكام غير الثابتة والتي تتغير تبعاً لتغير الزمان والمكان تعتبر بمثابة منطقة الفراغ في التشريع على ولي الأمر (ان يسدها تبعاً لمتطلبات الظروف الزمانية والمكانية، فتغير الزمان والمكان يفرض تغيراً في القوانين لجعلها مناسبة للظرف الخاص بها).

 

وهذا التغير يلبي احتياجات الإنسان المتطورة، دون أن يطرأ أي تغيير على الأحكام الثابتة من الإسلام) ([34]).

والقاعدة الاساسية في معرفة مجالات منطقة الفراغ هي شمولها لكل وضع جديد لم يرد فيه نص مباشر أو قاعدة عامة.

 

فمنطقة الفراغ التشريعي لاتشمل المفاهيم والتصورات الاعتقادية، فانها ثابتة أولاً وانها ليس تشريعاً ثانياً، والمسائل الاعتقادية ثابتة منذ ان خلق الله تعالى الإنسان وبعث أول نبي إلى قيام يوم الدين.

 

ومنطقة الفراغ التشريعي لا تشمل العبادات لأنها توقيفية من جميع جوانبها ومجالاتها كالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها، فهي ثابتة في جميع أحوالها وكيفياتها لا تتغير بتغير الزمان والمكان.

 

ومنطقة الفراغ التشريعي لا تشمل الأحكام الالزامية من قبيل الوجوب والحرمة التي وردت فيها نصوص في القرآن والحديث، إلا في حالات نادرة وظروف خاصة لفرد أو بعض الأفراد حيث تطرأ بعض العناوين عليها فتغيرها من حكم إلى آخر.

ومجالات منطقة الفراغ التشريعي يمكن تحديدها بالنقاط التالية:

-   المجال الأول: مجال تشخيص الموضوعات الدخلية في الأحكام الثابتة التي شرعها الإسلام بصورة

- مباشرة؛ فان كثيراً من الاحكام التي شرعها الإسلام بصورة مباشرة قد أناطها بموضوعات خارجية قابلة للتشكيك والابهام في بعض الحالات، فعلى ولي الأمر حينئذ أن يعلن التشخيص الميداني المناسب لتلك الموضوعات حتى يتضح حال تلك الأحكام سلباً وايجاباً.

فمثلاً: من جملة الأحكام الثابتة في الإسلام حرمة ممارسة الآلات المعدة للقمار فانها تحرم ممارستها حتى بغير رهن ما دامت معدة للقمار كما أفتى به المشهور.

 

فلو ان آلة معينة كانت صالحة للقمار وغير القمار فحينئذٍ:

1 – تارة تتغلب عليها سمة القمار بصورة واضحة معروفة فتشملها الحرمة المذكورة.

2 – تارة أخرى تتغلب عليها سمة غير القمار بصورة واضحة معروفة فلا تشملها الحرمة المذكورة، أي لا تحرم ممارستها بغير رهن.

3 – تارة ثالثة لا تكون القضية واضحة معروفة فيقع الشك في أنها من الآلات المعدة للقمار أو ليست كذلك، ففي هذه الحالة يكون من حق ولي الأمر ان يعلن تشخيصه لهذا الموضوع ويحكم بذلك([35]).

ومن الأمثلة على ذلك القاعدة الثابتة المستفادة من قول الله سبحانه وتعالي: (...ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) ([36]).

هنا لك علاقات وممارسات وفعاليات تقع بين المسلمين والكفار في مختلف شؤون الحياة، فبعضها واضح وبعضها ملتبس على المسلمين وعلى أصحاب الاختصاص منهم، فيأتي دور ولي الأمر ليحدد موضوع (السبيل) فإذا حدده أصبح الحكم واضحاً.

 

- المجال الثاني – تقديم الأهم على المهم عند التزاحم بين الأحكام، كالتزاحم بين واجب وواجب، أو بين واجب ومحرم.

 

وهذا التقديم من إختصاص ولي الأمر الذي يصل إليه باجتهاده أو بالتعاون مع بقية الفقهاء أو باستشارة أصحاب الاختصاص، وهو من الصلاحيات المعطاة له في ملئ منطقة الفراغ التشريعي.

فمثلاً يقع التزاحم بين الدفاع عن شعب إسلامي مستضعف، والدفاع عن أصل وجود الكيان الإسلامي.

ويقع التزاحم بين المحافظة على كرامة المسلمين أو المحافظة على بعض الأراضي.

ويقع التزاحم بين رد العدوان وبين قتل بعض الابرياء من أفراد العدو، أو افراد من المسلمين يتحصن بهم العدو ويجعلهم دروعاً بشرية، حيث ان رد العدوان يتوقف على ارتكاب هذا العمل المحرم.

هنا ياتي دور ولي الأمر ليحدد الاهم ويقدمه على المهم.

- المجال الثالث: العمل بالعنوان الثانوي، حيث يتم تجميد العمل بالعنوان الأولي في بعض الظروف والأحوال، ليأت دور العنوان الثانوي، حيث يحدد ولي الأمر هذا التجميد والانتقال وخصوصاً في الأمور العامة، واحيانا في الأمور الفردية.

 

ومن العناوين الثانوية التي تطرأ ليتجمد على ضوئها العنوان الأولي هي:

1 – عنوان شرط القدرة في اداء التكليف.

2 – عنوان الميسور والمعسور.

3 - عنوان العسر والحرج.

4 – عنوان نفي الضرر والضرار.

5 – عنوان حفظ النظام.

فقد يكون العنوان الاولي مباحاً فيطرأ عليه عنوان ثانوي فيكون أو يصبح واجباً أو محرماً وقد يكون واجباً فيصبح غير الزامي ومرخص فيه وقد يكون حراماً فيصبح بالعنوان الثانوي مباحاً.

فالعنوان الاولى يكون مباحاً، والعنوان الثانوي يصبح واجباً طاعة لولي الأمر الذي أمر الله بطاعته.

 

وقد يقال: ان الحكم الثانوي حكم موجود، وليس منطقة فراغ، فالجواب: ان منطقة الفراغ تشمل هذا النوع من الحكم لأنه بالاساس لا توجد منطقة فراغ بالمعني الدقي، بل توجد منطقة متطورة ومتغيرة ومتحولة يقوم ولي الأمر بملئها.

-   المجال الرابع: تحويل الواجب الكفائي إلى واجب عيني.

حينما يري ولي الأمر ان الظروف والأحوال تقتضي تحويل الواجب الكفائي إلى واجب عيني، فمن صلاحيته ذلك، ويدخل عمله ضمن صلاحياته في ملئ منطقة الفراغ التشريعي.

 

وعلى سبيل المثال فالعمل في مجال الطب أو الصناعة من الواجبات الكفائية، وكذلك الوظائف الادارية، فلو لم يتبنى ذلك الواجب الكفائي من قبل الناس، يأتي دور ولي الأمر ليحوله إلى واجب عيني على بعض الأفراد لكي يؤدوا المسؤولية التي تتوقف عليها مصالح البلاد والعباد.

 

ومن الأمثلة الاخري الجهاد والدفاع فانه من الواجبات الكفائية، ولكن يتحول إلى واجب عيني إذا تخلى الناس عنه ولم يؤدوه بشكله المطلوب المنسجم مع ظروف التحديات التي تواجهها الأُمة الإسلامية أو الوطن الإسلامي أو الجماعة الإسلامية، فلولي الأمر الصلاحية في ذلك ويحق له اصدار اوامر الوجوب على الجميع أو على بعض أفراد الأُمة أو على طبقة من طبقاتها.

 

- المجال الخامس: الحوادث الواقعة

ورد عن الامام الحجة (عليه السلام) في توقيعه انه قال: (و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) ([37]).

وفي تفسيره للحديث وللتوقيع قال الشيخ الأنصاري (رض): (فان المراد بالحوادث ظاهراً مطلق الأمور التي لابد من الرجوع فيها عرفاً أو عقلاً أو شرعاً إلى الرئيس).

 

واما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد... والحاصل ان الظاهر ان لفظ الحوادث ليس مختصاً بما اشتبه حكمه ولا بالمنازعات، ثم ان النسبة بين مثل هذا التوقيع وبين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل أحد... ان الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها وكونها بمنزلة المفسر الدال على الرجوع إلى الامام (عليه السلام) أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفاً دخولها تحت الحوادث الواقعة، وتحت عنوان الأمر في قوله (اولي الأمر) ([38]).

 

وقال الامام الخميني: (.... فالسائل إنّما كان يسأل عن المرجع في المشكلات الاجتماعية المعاصرة، وفيما يجد من تطورات في حياة الناس، فهو إذ تعذر عليه الرجوع في تلك الأمور إلى الامام بسبب غيبته يريد ان يعرف المرجع في تقلبات الحياة وتطورات المجتمع والحوادث الطارئة) ([39]).

والحوادث الواقعة والطارئة هي الحوادث التي لم تكن موجودة في وقت النص كنظام المرور، ونظام التجارة الخارجية بالشكل الذي نراه حالياً، ومسائل السفر بالطائرات، ومسائل التلقيح الصناعي، والاستنساخ، وبيع أعضاء الجسم كالكلى وغيرها، وزرع الأعضاء وتطور الأسلحة كالذرية والجرثومية، ومسائل النمو السكاني وما يترتب عليه من تنظيم النسل أو التعقيم المؤقت والدائمي.

 

فهذة الحوادث وغيرها يرجع فيها إلى ولي الأمر فهو الذي يحدد أحكامها والموقف منها.

المجال السادس: التصرف في المباحات على ضوء المصالح المستجدة، فهنا لك مباحات عديدة لم يرد فيها حكم الزامي كالوجوب أو الحرمة، وهذه المباحات قد تحدث فيها مصالح وملاكات طارئة وفق الظروف والاحوال التي يمر بها المسلمون، ففي مثل هذه الاوضاع يحق لولي الأمر ان يصدر تعليماته بشأن التصرف في المباحات لتصبح واجبة أو محرمة طبقاً للمصالح الانية والمستقبلية، تلك المصالح التي تضمن سلامة الافراد وسلامة المجتمع من جميع جوانب السلامة.

 

فمثلاً ان تحديد السعر من قبل البائع من الأمور المباحة، لكن قد يتحول تحديد السعر كيف شاء إلى اضطراب في الحياة الاقتصادية، فيتدخل ولي الأمر لتحديد سعر مناسب أو موحد لكل البائعين.

ومثلاً إحياء الأرض الميتة من الأمور المباحة وكذلك استخراج المعادن من باطن الأرض، ولكن تطور الاوضاع وتبدل الظروف قد تستلزم منع بعض الافراد من هذا العمل، أو اجبار بعضهم على العمل في هذا المجال.

 

وكذلك الحال في بيع السلاح أو استيراده أو تصديره فهو أمر مباح ولكنه يتحول إلى واجب أو محرم على ضوء المصالح المستجدة، فيأتي دور ولي الأمر ليقوم بمسؤوليته وضمن الصلاحيات المناطة به ليأمر بأمره وينهى بنهيه.

 

ومن ذلك صلاحيات ولي الأمر في سن ضرائب مالية جديدة غير الزكاة والخمس من أجل تحقيق التوازن والتكافل الاقتصادي بين الافراد والطبقات، فمن حقه ان يفرض ضرائب جديدة على جميع أو بعض الأعمال أو الأراضي أو العقارات على ضوء مصالح الناس ومصالح الدولة.

 

ضوابط ملئ منطقة الفراغ

منطقة الفراغ مساحة مهمة في الشريعة الإسلامية ولكي يكون الأمر منسجماً مع الثوابت العقائدية والشرعية، فقد وضعت ضوابط وموازين لملئ منطقة الفراغ ولم تترك للأهواء أو الرغبات التي تتغير وتتقلب بتقلب أهواء وامزجة الاشخاص مهما اوتوا من علم وادراك، ومن هذه الضوابط ما هو ذاتي، ومنها ما هو عملي:

 

أولاً: الضوابط الذاتية

ونقصد بالضوابط الذاتية هي الضوابط الموضوعة لولي الأمر من حيث خصائصه وصفاته الذاتية ومنها:

1 – الاجتهاد والمعرفة التامة

2 – الكفاءة الادارية السياسية

3 – الاطلاع على الظروف الزمانية والمكانية

4 – الشجاعة في استنباط الحكم واصداره

5 – العدالة والتقوى والاخلاص

6 – استشارة أصحاب الاختصاص

7 – التريث وعدم التسرع

8 – القدرة على تشخيص الأولويات

وفيما يلي نكتفي بذكر بعض الأحاديث الشريفة الواضحة الدلالة على خصائص وصفات ولي الأمر

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تصلح الامامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم) ([40]).

وقال الامام علي (عليه السلام): (وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل.... ولا الجاهل... ولا الجافي.... ولا الحائف للدول.... ولا المرتشي في الحكم..... ولا المعطل للسنة) ([41]).

وقال أيضاً: (لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع) ([42]).

ومن الضوابط الذاتية ان يكون ولي الأمر متوازن الشخصية في مواقفه وممارساته العملية وان يكون كفوء اً في ادارة شؤون المجتمع، كما جاء في قول الامام علي (عليه السلام): (من علامات المأمون على دين الله بعد الاقرار والعمل:

 

الحزم في أمره

والصدق في قوله

والعدل في حكمه

والشفقة على رعيته

لا تخرجه القدرة إلى خرق، ولا اللين إلى ضعف

ولا تمنعه العزة من كرم عفو

ولا يدعوه العفو إلى اضاعة حق

ولا يدخله الاعطاء إلى سرف

ولا يتخطى به القصد إلى بخل

ولا تأخذه نعم الله ببطر) ([43]).

ويشترط في ولي الأمر أن يكون الأفضل في هذه الخصائص، ولا يمنع العقل ولا الواقع من توفر هذه الشروط بتمامها في شخص واحد.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تقدم على قوم من المسلمين يرى أن فيهم من هو أفضل منه، فقد خان الله ورسوله والمسلمين) ([44]).

وهذه الضوابط تجعل الحكم الصادر من ولي الأمر منسجماً مع الثوابت العقائدية والشرعية بحسب الظاهر مادام قد بذل جهداً باخلاص للوصول إلى الحكم والموقف المناسب.

 

ثانياً: الضوابط العملية

بعد ضوابط العلم والعدالة والكفاءة والتوازن في الشخصية، تأتي الضوابط العملية لجعل الحكم الصادر منسجماً مع الثوابت العقائدية والشرعية، ومن هذه الضوابط:

 

1 – ملاحظة المصلحة الإسلامية للمنهج والشريعة الإسلامية، من حيث المحافظة على ثباته واصالته وسلامته والحيلولة دون تزييفه أو تبديله تبعاً لتبدل آراء من جعل قيماً على المسلمين، وبعبارة أخرى: تجنب تبرير الاخطاء بالاعتماد على بعض القواعد، أو تغيير بعض الأسس أو تأويل دلالتها لتبرير الخطأ المقصود أو غير المقصود.

 

2 – ملاحظة مصالح الأُمة الإسلامية، والمصلحة هي الوضع الأفضل للمسلمين، فإذا وجدت عدة خيارات في اتخاذ قرار أو موقف ينبغي اختيار ما هو أفضل للأمة من جميع النواحي: المعنوية والمادية.

 

3 – ملاحظة الظروف الزمانية والمكانية، فقد يكون اتخاذ القرار في زمان معين لا يحقق أي مصلحة اسلامية فينبغي عدم اتخاذه، وقد يكون اتخاذه في مكان معين كذلك.

والظروف تتحدد من قبل ولي الأمر بنفسه أو باستشارة أصحاب الاختصاص، والظروف هي التي تتحكم في نوعية الحكم الصادر في جميع شؤون الحياة، فقد يكون الحكم مباحاً في ظرف معين ويتحول إلى الوجوب في ظرف آخر، والى الحرمة في ظرف ثالث وهكذا.

 

نقص أو عوز النص

نقص أوعوز النص يختلف عن منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي، فالأول هو وجود نص على حكم تفصيلي أو حكم عام، وهو أمر راجع إلى الفقيه الجامع للشرائط يفتي في ظاهرة أو ممارسة معينة يتدارك في فتواه النقص والعوز في النص، وهو حجة على من يقلده، اما ملئ منطقة الفراغ فالمرجع فيها هو ولي الأمر الذي يكون حكمه فيها نافذاً على الجميع.

 

والنقص أو العوز له أسباب عديدة ومنها:

1 – عدم تدوين السنة وخصوصاً في العهود التي صدرت فيها الاوامر يمنع تدوين السنة.

2 – تزوير وتبديل السنة عن طريق الوضع.

3 – ضياع عدد كبير من النصوص.

4 – الاتلاف المتعمد للنصوص من قبل أعداء الإسلام، وخصوصاً بعد سيطرتهم على البلدان الإسلامية.

5 – اعتبار السنة منقطعة برحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم الايمان باستمراريتها في أهل البيت (عليهم السلام) من قبل قطاع واسع من المسلمين.

 

وعند نقص أو عوز النص يرجع الفقيه إلى العمومات والاطلاقات والى القواعد العامة أو الأُصول العملية ليفتي بما ينسجم معها أو يكون مصداقاً لها، وعمله اعمال لوظيفة الاجتهاد ووظيفة المجتهد وهي الافتاء.

اما في منطقة الفراغ فانّ الولي الفقيه أو ولي الأمر فانه يرجع إلى الصلاحية المعطاة له بعد مراعاة الظروف والمصلحة الإسلامية فيحكم بما يراه مناسباً ويكون حكمه نافذاً على جميع الفقهاء بعكس فتوى الفقيه فهي حجّة على الفقيه وعلى من يراه أهلاً للافتاء

 

والاول يكون عبارة عن الفتوى بحكم الله تعالى، والثاني عبارة عن الحكم الصادر بالولاية، والاول حكم شرعي مباشر، والثاني حكم شرعي غير مباشر.

 

ضوابط ملئ منطقة الفراغ في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية

المادة الرابعة: يجب ان تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والقررات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والادارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها.

 

وهذه المادة نافذة على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى اطلاقاً وعموماً، ويتولى الفقهاء في مجلس صيانة الدستور تشخيص ذلك.

 

المادة الحادية والتسعون: يتم تشكل مجلس باسم (مجلس صيانة الدستور) بهدف ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور، ويتكون من:

 

1 - سته أعضاء من الفقهاء العدول العارفين بمقتضيات العصر، وقضايا الساعة، ويختارهم القائد.

2 – سته أعضاء من الحقوقيين المسلمين من ذوي الاختصاص في مختلف الفروع، يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويصادق عليهم مجلس الشورى الإسلامي.

 

المادة السادسة والتسعون: تحديد عدم تعارض ما يصادق عليه مجلس شورى الإسلامي مع أحكام الإسلام يتم باغلبية الفقهاء في مجلس صيانة الدستور.

 

وهذه الضوابط تساعد على اختيار أفضل الصيغ القانونية المنسجمة مع الثوابت العقائدية والشرعية وضمن المصلحة الإسلامية العليا.

منطقة الفراغ في الصدر الأول للإسلام

في الصدر الأول للإسلام وفي عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عهد نزول الوحي وعهد التشريع كانت هنا لك منطقة فراغ في التشريع، وقد تركت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره ولياً للأمر، تركت له ليمارس ولايته ويملأ هذه المنطقة بالشكل المناسب للظروف والأحوال المختلفة، فهو يملأها بوصفه ولياً أو رئيساً للحكومة لا بوصفه مبلغاً للأحكام الإلهية.

 

وتصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره ولياً وحاكماً هو تصرف متغير بتغير الظروف والأحوال، ويمكن لغيره من اولياء الأمور ان لا يتصرفوا بنفس تصرفه في ظروف غير ظروفه، لأن تصرفه ليس تصرف مبلغ للرسالة وللأحكام الإلهية حتى يقتدى به أو يستن بسنته؛ نعم إذا كانت الظروف واحدة فالتصرف السليم هو الاقتداء به.

 

والنصوص التي ستأتي تمثل صورة واضحة عن استعمال ولي الأمر لصلاحيته في حدود منطقة الفراغ.

1 – عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع الشيء، وقضى (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال: لا ضرر ولا ضرار([45]).

ان الثابث في الشريعة الإسلامية وكما استنبطه الفقهاء عدم حرمة منع الإنسان لغيره من فضل ما يملكه من الماء والكلأ، في حين ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهي عن ذلك، ونهيه هذا صادر من باب ولايته فهو حكم ولائي في التصرف في منطقة الفراغ تبعاً للظروف والاحوال القائمة، فقد كان المجتمع بحاجة شديدة إلى انماء الثروة بجميع الوانها: الزراعية والحيوانية، وعلى ذلك فان من المصلحة أن ينهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك، وقد نهى بالفعل.

2 – قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن النطاف والأربعاء.

قال: والأربعاء: أن يسنى مسناة فيحمل الماء فيستسقي به الأرض ثم يستغني عنه، فقال: لاتبعه ولكن أعره جارك.

والنطاف: ان يكون له الشرب فيستغني عنه فيقول: لا تبعه ولكن أعره أخاك أو جارك([46]).

وهذا النهي يحمل على الأمر الولائي تبعاً للظروف والاحوال في ذلك الوقت، حيث انها تستلزم التعاون من أجل تحسين الاوضاع الاقتصادية.

3 – عن محمّد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) انهما سألاه عن اكل لحوم الحمر الأهلية؟

فقال: نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اكلها يوم خيبر، وانما نهى عن اكلها في ذلك الوقت، لأنها كانت حمولة الناس، وانما الحرام ما حرم الله في القرآن([47]).

وفي رواية عنه (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اكل لحوم الحمير، وانما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يغنوها، وليست الحمير بحرام، ثم قرأ هذه الاية: (قل لا أجد فيما اوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه) ([48]).

 

وكتب الامام علي الرضا (عليه السلام) إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله: وكره اكل لحوم البغال والحمر الاهلية، لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها، والخوف من فنائها وقلتها، لا لقذر خلقها، ولا لقذر غذائها) ([49]).

 

وقال عبدالله بن عباس: لا أدري، إنّما نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل انه كان حمولة الناس، فكره ان تذهب حمولتهم([50]).

 

نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اكل لحوم الحمير وكان الناس محتاجين إلى لحومها، وهذا النهي قد فسر بأنه من اجل الحيلولة دون فنائها وهم محتاجون إلى الحمولة عليها، فكان هذا النهي تدبير وقائي اعلنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعالج مشكلة وحاجة، فهو نهي من باب النهي الولائي، فقد تصرف كولي للأمر وكحاكم، اما الحرمة فهي غير ثابتة في أكل لحوم الحمير.

 

4 – عن رافع بن خديج قال: نهانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أمر كان لنا نافعاً، إذا كانت لاحدنا أرض أن يعطيها ببعض خراجها أو بدراهم.

 

وقال: (إذا كانت لأحدكم أرض فليمنحها أخاه أو ليزرعها) وفي تفسيره للحديث قال ابن عباس: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحرم المزارعة، ولكن أمر ان يرفق بعضهم ببعض([51]).

 

ومنه خلال متابعة نصوص أخرى نصل إلى نتيجة مؤداها: ان أصل جواز اجارة الأرض واضح، فيكون تصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معبراً عن تصرف الولاية والحكومة، فهو نهي ولائي صادر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره ولي الأمر.

 

5 – عن الحلبي سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين؟ فقال: لابأس، تقول: ان لم يخرج في هذه السنة اخرج في قابل، وان اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ، وان اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس.

وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها؟

فقال: قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانوا يذكرون ذلك، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه، ولكن فعل ذلك من اجل خصومتهم([52]).

وهذا واضح الدلالة بأن فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من الاجراءات التدبيرية لحل الخصومات والمنازعات، وهو تابع من كونه ولياً للأمر لانبيّاً مقتدياً بأفعاله، لان بيع الثمرة قبل بدو صلاحها أمر مباح بطبيعته، وقد أشار الامام الصادق (عليه السلام) لذلك، فالأمر من الأمور الولائية لدفع المفاسد وحل الخصومات والمنازعات.

 

6 – روي: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن اكل لحوم الحمر الإنسية([53]).

 

وروي: ان خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: ان ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعاً يجر رداءه، فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت([54]).

 

ويمكن الجمع بين رأي الشيعة باباحة المتعة، ورأي السنة القائلين بحرمتها: ان المتعة كانت حلالاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد حرمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خيبر باعتباره ولياً للأمر ولدفع بعض المفاسد الطارئة، وقد حرمها أو نهى عنها الخليفة الثاني باعتباره حاكماً على المسلمين، فلا منافاة في ذلك، فالأمر عائد إلى ولي أمر المسلمين.

 

وهنا لك مجالات عديدة استخدم فيها ما يتعلق بصلاحية ولي الأمر في الشؤون التدبيرية، ففي عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان البيع بلا تسعير ولكن في عهد الامام علي (عليه السلام) تغير الأمر فأوصى ولاته بتحديد الاسعار، وفي الوقت الراهن أصبحت هذه القضية قضية مهمة في تحقيق التوازن الاقتصادي، فيرجع فيها إلى ولي الأمر أو السلطة المخولة من قبله.

 

ومنطقة الفراغ بهذا النحو المذكور تجعل التشريع الإسلامي يعيش الحيوية والتطور ويواكب مستجدات ومستحدثات الحياة بكل مجالاتها وأبعادها.

ويبقى المرجع في ملئ هذه المنطقة هو ولي الأمر وهو الفقيه الجامع للشرائط كما هو محل اتفاق جميع المسلمين.

الهوامش:

([1]). الأنبياء: 92.

([2]). الشورى: 13.

([3]). المائده: 47 و48.

([4]). صحيح البخاري 5: 226، دار احياء العربي، بيروت، 1313هـ.

([5]). النحل: 89.

([6]). الأنعام: 38.

([7]). المائده: 3.

([8]). تفسير العياشي 2: 203.

([9]). الكافي 1: 59، الكليني، دار صعب، بيروت، 1401 هـ.

([10]). الكافي 1: 59.

([11]). الكافي 1: 60.

([12]). الكافي 1: 62.

([13]). الكافي 1: 95.

([14]). الكافي 1: 58.

([15]). منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي: 302، علي اكبر الحائري، مقالات المؤتمر الثامن للوحدة الإسلامية.

([16]). النساء: 59.

([17]). النساء: 83.

([18]). اقتصادنا: 725، الشهيد محمّد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1979.

([19]). التفسير الكبير 10: 144، الفخر رازي، دار الفكر، بيروت، 1414 هـ.

([20]). دراسات حول الإجماع والقياس: 4، الفقيه والمتفقه 1: 127.

([21]). المفردات في غريب القرآن: 25.

([22]). لسان العرب 4: 31، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، قم، 1405 هـ.

([23]). الكشاف 1: 524، الزمخشري، البلاغة، قم، 1415 هـ.

([24]). تفسير المنار 5: 180.

([25]). تفسير المنار 5: 180.

([26]). عوائد الايام: 536، احمد النراقي، مكتب الاعلام الإسلامي، قم، 1417هـ.

([27]). كتاب البيع 2: 483، الامام الخميني، اسماعيليان، قم 1410 هـ.

([28]). الحكومة الإسلامية: 80 الامام الخميني، المكتبة الإسلامية، طهران، 1389 هـ.

([29]). كتاب البيع 2: 488.

([30]). الاحكام السلطانية: 6، روضة الطالبين 7: 262، شرح المقاصد 5: 231، مآثر الاناقة في معالم الخلافة 1: 36، الحكومة الإسلامية: 46، مصدر التشريع ونظام الحكم في الإسلام: 54.

([31]). الإسلام ومتطلبات التغيير الاجتماعي: 46.

([32]). الفروق 2: 103، احمد بن ادريسي القرافي، دارالمعرفة، بيروت، 1948م.

([33]). عيون أخبار الرضا 2: 100، الأحكام السلطانية: 9، روضة الطالبين 7: 267. مغني المحتاج 4: 132، شرح المقاصد 5: 233، الحل الإسلامي: 227.

([34]). الإسلام ومتطلبات التغيير الاجتماعي: 45.

([35]). منطقة الفراغ في التشريع الإسلامي: 309، علي اكبر الحائري، من مقالات المؤتمر العالمي الثامن للوحدة الإسلامية، 1416 هـ..

([36]). النساء: 141.

([37]). كمال الدين وتمام النعمة 2: 484، الصدوق، جماعة المدرسين، قم، 1405 هـ.

([38]). المكاسب: 154، الشيخ الانصاري، تبريز 1375 هـ.

([39]). الحكومة الإسلامية: 77 و78.

([40]). الكافي 1: 407.

([41]). نهج البلاغة: 189، الخطبة: 131.

([42]). نهج البلاغة: 488، الحكمة: 110.

([43]). شرح نهج البلاغة 20: 256.

([44]). تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 474، ابوبكر الباقلاني، موسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1414 هـ.

([45]). الكافي 1: 294.

([46]). الكافي 5: 277.

([47]). وسائل الشيعة 6: 245.

([48]). علل الشرايع 2: 563، الآية: الانعام: 145.

([49]). عيون أخبار الرضا 2: 97 الصدوق، المطبعة الحيدرية، النجف 1390هـ.

([50]). صحيح مسلم 3: 1539، دارالفكر، بيروت، 1398 هـ.

([51]). سنن الترمذي 3: 668، دار احياء التراث العربي، بيروت.

([52]). وسائل الشيعة 18: 210.

([53]). الموطأ 2: 542.

([54]). الموطأ 2: 28.