عالمية الإسلام

عالمية الإسلام

 

 

عالمية الإسلام

 

عبيد الحق

خطيب المسجد الوطني بيت المكرم ـ دكا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وعترته هداة للمؤمنين.

 

جاء محمد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) برسالة عالمية متممة لرسالة الأنبياء السابقين من الدعوة الى وحدانية الله تعالى وتوحيد الأمة كما بيّن الله تعالى في قوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) وإنما يختلف الإسلام عما سبقه بعالميته وشموله وواقعيته وتنظيمه لمختلف شؤون الحياة وهو بذلك قد اشتمل على الاقسام الرئيسية الأربعة:

 

1ـ وحدة العقائد … في عالم الإسلام كله.

2ـ وحدة العبادات … في عالم الإسلام كله.

3ـ وحدة الآداب … في عالم الإسلام كله.

4ـ وحدة القوانين العامة … في عالم الإسلام كله.

1ـ فوحدة العقائد تقوم على الأسس المحكمة التالية:

الاول: الايمان بإله واحد كامل هو رب الكائنات جميعها (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) خلقها وأودع فيها من الاسرار ما يجب على الناس ان يحيطوا بها (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وهي وحدها الدليل على وجوده ووحدانيته (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ).

 

الثاني: وهذا الإله الذي خلق الكائنات وجعل الانسان اكرم ما فيها ووهبه نعمة العقل ليهتدي به الى وجوده فيعرف مكانه من الحياة ومن الله هو الذي أرسل الرسل للناس ليدلوهم على ما لا يهتدون اليه بعقولهم أو ما تشتبه فيه السبل او تختلف فيه الآراء وتتباين المصالح (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) وانزل عليهم كتباً يصدق بعضها بعضاً ويتمم المتأخر منها المتقدم، وهذه الكتب تدعو الى مبدأ واحد في الرسالات كلها (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً).

 

الثالث: ليس بين الانسان وبين الله واسطة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ولا يملك أحد إجبار أحد على عقيدة (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ولا يملك أحد أن يغفر الذنب إلا الله وحده (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) حتى الرسل والأنبياء ليسوا إلا مبلغين رسالات الله (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ) وهم لا يملكون حق السيطرة على ضمائر الناس وعقولهم (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) ولا يملك أحد منهم حق مغفرة الذنب لمن لن يغفر الله ذنبه (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ).

وبذلك انكر الإسلام كل وظائف الكهانة والعرافة والرهبنة، كما تفرد بأنه الدين الوحيد الذي ليس فيه رجال دين وانما فيه علماء وفقهاء يبينون للناس حكم الله كما بين الله في كتابه (لا يملكون تحريم ما أحل الله ولا تحليل ما حرم الله).

2ـ وحدة العبادات

ومظاهر عالمية الإسلام فيها ما بيّن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله: بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلاً .. يجب على كافة المؤمنين حفظ هذا البناء بلا امتياز بين طبقة عن طبقة وصنف عن صنف وهذه العبادات تهدف الى تحقيق الأمور التالية:

 

الأول: ربط الإنسان بربه دائماً حتى لا ينسى عبوديته له ورجوعه اليه واحتياجه الى عونه (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وفي ذلك ما فيه من تحرير الانسان من عبوديته لقيم الحياة الباطلة او شهواتها القاتلة، وما يصاب الناس في أموالهم وسعادتهم وكرامتهم إلا من هاتين الآفتين.

 

الثاني: تهذيب خلقه وتذكيره بواجبه نحو نفسه ونحو الناس وتقوية روابط الود والتعاون بينه وبين الناس في العالم كله، حتى لا ينسى أنه فرد من أمة وعضو في مجتمع له عليه حق النصح والعون ـ لذلك نرى القرآن حين يتحدث عن فوائد العبادات يذكر آثارها في النفس وفي المجتمع فيقول عن فوائد العبادات يذكر آثارها في النفس وفي المجتمع فيقول عن الصلاة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) ويقول عن الزكاة (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) ويقول عن الصوم (لعلكم تتقون) ويقول عن الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).

 

ويلاحظ في الألفاظ الواردة في الصلوات انها كلها في صيغة الجمع وان تلاها المصلى وحده في بيت أو على رأس جبل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) (والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) فالإسلام لا يرى العبادة مقبولة إلا إذا أدت الى اهدافها الاجتماعية لأنه دين عالمي يراقب في جميع مظاهره الوحدة الاجتماعية (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ).

 

الثالث: تدريبه على احتمال الشدة وشظف العيش وذلك واضح في الوضوء والقيام والركوع والسجود في الصلاة وفي السعي والطواف والوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة والإقامة بمنى في الحج وفي الجوع والعطش والسحور في الصيام.

3 ـ وحدة الآداب: فهي تدور حول المقاصد التالية

الاول: تقوية الشخصية الفردية حتى تنهض بعبأ الواجبات وتتحمل مشاق الحياة وتستلذ طعم التضحية والجهاد في سبيل الحق والخير.

 

وملاك هذه التربية ثلاثة أخلاق: الصبر والقوة والعزة.

 

واما القوة: فلا صبر مع ضعف الجسم وانحلال القوى ولذا قال (عليه السلام): (المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف)، وقد كره الإسلام الغلو في العبادة حتى تؤدي الى انهاك الجسم واضعافه.

 

اما العزة: فإن الإسلام لا يرى صبر الاذلاء فضيلة يحمدون عليها ولكن يرى الفضيلة في صبر الاقوياء الاعزاء الذين يثبتون عند المحنة ويرفعون رؤوسهم آنفة من المهانة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

 

الثاني: تنمية الاجتماع والتعاون بين المواطنين والقضاء على روح الاثرة والانعزالية في الافراد (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) وقال (صلى الله عليه واله وسلم): (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، (يد الله على الجماعة) ومن شذ شذ في النار (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) وإننا لنرى في صلاة الجماعة والجمعة والعيدين وفي الوقوف بعرفة والإقامة بمنى تربية للمسلم على روح الاجتماع والتعاون ولقد قاوم الإسلام كل ما يؤدي الى التفرقة والخصام فحرم الغيبة والنميمة والكذب وبذاءة اللسان وفحش القول وشتم الناس في أعراضهم فقال (عليه السلام): لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخواناً ورغب ما يؤدي الى المحبة والألفة من افشاء السلام وأداء حقوق الأخوة الإسلامية.

 

الثالث: تسامح الفرد في حق نفسه وتشدده في حق الجماعة (محمد رسـول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)، (ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الأمور).

4ـ وحدة القوانين العامة

وهي شاملة لمختلف نواحي الحياة في البيت والسوق والمحكمة والمدرسة والادارة والثكنة، وفي داخل الدولة وخارجها وتهدف هذه القوانين الى توفير الكرامة والسعادة والسلام العالمي للناس جميعاً، على اساس من الحب والتراحم ومراقبة الله في السر والعلن (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، وبذلك كانت القوانين في الإسلام تدور حول الحقوق الإسلامية الضرورية لكل انسان وهي التي لا تكمل سعادته إلا بها: حق الحياة وحق العقيدة وحق العلم وحق العمل وحق الكرامة وهذا ما اجمع عليه الفقهاء الإسلام حين قالوا: (ان مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال والعرض).

والأسس التي تقوم عليها هذه القوانين كلها اربعة:

1ـ العدالة:

وهي اعطاء كل ذي حق حقه، حتى يشعر بكرامته ويطمئن على حياته ومعيشته وسلامته وهذه العدالة تقررها القوانين الإسلامية لكل طبقات المجتمع بلا استثناء، وفي كل ناحية من نواحيه تقررها في جو الأسرة حين تأمر الزوج بالقيام بحق زوجته وتأمر الزوجة لطاعة زوجها في حدود المعروف ومبادئ الشريعة، وتقررها في الأسرة حين تأمر الابن ان يرعى حق أبويه ويصاحبهما بالمعروف، وتأمر الأب أن يقوم بحق ولده عليه من التأديب والصيانة عن الفساد والانحراف وحين تأمر الأب بالعدل بين أولاده في العطايا والهبات قال (عليه السلام): (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) كما تقررها بين الزوجات (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).

 

وتقرر القوانين الإسلامية العالمية هذه العدالة في بيوع الناس ومعاملاتهم فلا تبيح أن يأخذ الرجل مال أخيه إلا برضى منه وطيب نفس من غير غرر وغش (لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)، وقال (عليه السلام): من غش فليس منا.

 

وتقررها في منصة القضاء فلا يميل القاضي لخصم على خصم اتباعاً لهوى او انحيازاً الى عصبية (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).

 

وتقررها ما بين الحاكم والشعب، أما الحاكم فعليه أن يبذل النصح ويسهر على الحقوق ويؤمن الخائف ويردع الظالم، قال (عليه السلام): الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، وأما الشعب فعليه أن يطيع حكامه ما استقاموا على نهج الحق وأمروا بالخير واستمسكوا به قال (عليه السلام): على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحد وكره الا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

 

وهكذا تسير القوانين الإسلامية في تحقيق العدالة في اصغر شؤون الناس وأعظمها، وما كره الإسلام شيئاً كما كره الظلم والظالمين: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ)، وقال (عليه السلام): اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة. وقال: اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، بل يعلن الإسلام أن الظلم إذا فشا في أمة كان سبب هلاكها ودمارها: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ).

2ـ المساواة:

ومن خصائص عالمية الإسلام المساواة في القوانين العامة، فالإسلام لم يغفل عن مراعاة المساواة بين الناس جميعاً امام القانون وامام الحق ـ فانظروا الى هذه الحقيقة ان الناس قد يتفاضل في العلم والذكاء، والمال والنشاط، وقد يكون بعض الناس أكرم عند الله وأنفع للمجتمع من بعض آخر، مثلاً العالم المخلص أنفع للمجتمع من الجاهل الخائن ولكن ذلك ليس له أثر في تساوي الناس أمام الحق والقانون فمن قتل انساناً قتل ولو كان القاتل أعلم أبناء الأمة وأكثرهم دأباً على خدمة العلم ونفع الناس، والمقتول من شر الناس وأكثرهم افساداً في الأرض، لكنهما في نظر القانون قاتل ومقتول فلابد من انصاف المقتول وعقوبة القاتل، وهكذا يساوي الإسلام بين الغني والفقير، وبين النابة والخامل، وبين العالم والجاهل، وبين الأمير والعامل في سيادة القانون على السواء قال (عليه السلام): (الناس سواسية كأسنان المشط).

 

وهذا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو مؤسس الشريعة ورئيس الدولة وزعيمها أمره ربه (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ)، ويقول لابنته فاطمة (رض): (يا فاطمة بنت محمد إعملي فلن أغني عنك من الله شيئاً)، ويقول: (والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

 

وكذلك لا يمتاز المسلمون على غيرهم في الحقوق والواجبات فالقوانين الإسلامية وخاصة الجزائية والمالية تطبق على المسلم وغير المسلم على السواء تطبق على المسلمين وغيرهم أنظمة البيع والشراء والزواجر والعقوبات من غير أن يعفى منها مسلم وتفرض على غير مسلم، والقاعدة العامة في ذلك (لهم ما لنا وعليهم ما علينا).

3ـ التيسير:

فالقوانين الإسلامية العالمية لم تكلف الناس بما لا يستطيعون أو بما يقطعهم عن ضروراتهم في الحياة، والقاعدة في ذلك: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، حتى هذه القوانين التي روعي فيها التيسير ورفع المشقة لا تكون واجبة التنفيذ إذا أوقعت في الحرج والضيق، فأكل الميتة والدم ولحم الخنزير حرام إلا إذا اضطر احد الى اكلها جاز له ذلك غير باغ ولا معتد، قال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، والصيام واجب فإذا شق على النفس لمرض او سفر او ولادة سقط الوجوب (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر)، وهكذا تتوخى الشريعة دائماً رفع الحرج عن الناس: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقال (عليه السلام): (يسروا ولا تعسّروا بشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا).

4 ـ المصلحة:

رعاية مصالح الناس هي الأساس في كل التشريع الإسلامي، حتى في العبادات التي يبدو انه لا علاقة لها بالمصالح، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتثبت عن الشدة وتدعو الى البر والخير عند اليسر، (إن الانسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين)، والصيام وقاية من الشح والقسوة والمرض وسوء الأخلاق: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والحج طهارة ورحلة وتعارف وتعاون بين الاخوان الذين يجتمعون من اطراف العالم الإسلامي، قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، وهذه مصالح ضرورية لحياة الجماعات اما الزكاة فهي اظهر من أن نتكلم عن فوائدها الاجتماعية والاخلاقية: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا).

 

فإذا كانت العبادات في الإسلام وهي اركان الإسلام قد روعي فيها تحقيق مصالح الناس ومنفعتهم، كان التشريع الذي ينظم علائق الناس بعضهم ببعض أولى أن تراعى فيها مصالحهم وان لا يتوخى فيه إلا تحقيق حاجاتهم ومنافعهم.

 

وتجد في اثناء نصوص القرآن والسنة حين تعلل كثيراً من الأحكام بما يدل على رعاية المصلحة في تشريعها، وقد اتفق فقهاء التشريع على أن المصلحة هي قطب الرحى في أحكام الإسلام، وان الله لم يشرع أمراً إلا لمصلحة الناس.

 

وخلاصة هذا البحث ان الوحدة والأخوة الإسلامية تبتني على أمور أربعة:

1ـ وحدة العقيدة الإسلامية.

2ـ وحدة العبادات التي هي اركان الإسلام.

3ـ وحدة الآداب والأخلاق المطلوبة من كافة المسلمين.

4ـ وحدة القوانين العامة.

وأخيراً الفت نظر المفكرين والباحثين الذين اشتركوا في هذا المجمع العالمي للوحدة الإسلامية الى أمرين:

 

1ـ يجب علينا في هذا الوقت الخطير أن نؤسس المجال الإسلامي العالمي باشتراك الدول الإسلامية لأن اليهود والنصارى والمشركين تداعى على المسلمين تداعي الأكلة الى قصعتها، وقد قال الله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)، وقال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

 

فعلى الذين يعبدون الله وحده، وهم أمة محمد أمة واحدة، يلزم لبقائهم وحفظهم وأمنهم وسلامتهم تشكيل الهيئة الوحدانية العالمية بلا تأخير وامهال، ولا يعتمدوا على هيئة الاقوام المتحدة لأنها لا تضمن مفاد المسلمين والأمة الإسلامية، وايضاً علينا اخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب المقدسة لأنهم يكيدون دائماً على خلاف الحرمين الشريفين ومركز الإسلام والمسلمين.

 

2ـ لابد لمن يقوم بدعوة الوحدة الإسلامية أن تكون دعوتهم بريئة وخالية عن لون الطائفية والحزبية لأن من يدعو المسلمين للاتحاد والاتفاق وهم يريدون ان يجمّعوا الناس الى عقيدة فرقة خاصة والى الطريقة المسلوكة فيما بينهم فلا تفيد مثل هذه الدعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية والتنظيم للوحدة الإسلامية. ولكن ينبغي لدعاة الاتحاد ان يتركوا الناس على مذاهبهم الخاصة بغير نقد وتنقيص على مسلكهم المألوف، وان يوجهوهم الى اهمية اجتماع الفرق الإسلامية المنتشرة في منصة واحدة، على المقاصد الاساسية المتفقة بين المذاهب، ويكون هذا الاتحاد والاتفاق مع بقاء الاختلاف فيما بينهم من قديم الزمان، ومثل هذه الوحدة تكون اليسر وتحوز حسن القبول لدى الأمة، انشاء الله تعالى، وهذا آخر ما أردنا إلقائه بين أيديكم في هذه الحفلة المباركة.

 

وأرجو الله تعالى العلي القدير أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى وهو على كل شيء قدير.