عقبات في طريق الوحدة الإسلامية في المجتمع المعاصر

عقبات في طريق الوحدة الإسلامية في المجتمع المعاصر

 

 

عقبات في طريق الوحدة الإسلامية في المجتمع المعاصر

 

الأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقى

الأستاذ بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام دين الوحدة

       من الحقائق التي يكاد يجمع عليها المؤمنون بالإسلام وغير المؤمنين به أن هذا الدين الذى جاء للناس كافة دين الوحدة الجامعة، والأخوة الشاملة، والتكافل والتعاون على الخير والبر.

       والنصوص القرآنية والحديثية التي تبين أن المؤمنين بالإسلام إخوة، وأنهم من ثم أمة واحدة كثيرة لا تخفى عن العامة فضلاً عن الخاصة من أهل الذكر والفقه.

       وبالإضافة إلى هذه النصوص تؤكد التشريعات والفرائض التي كتبها الله على المسلمين أنهم جسد واحد أو بنيان مرصوص.

       وحتى تظل وحدة الأمة حقيقة مادية ملموسة، حرم الإسلام كل ما ينال من هذه الوحدة أو يحول دون قيامها بمهمتها على أحسن وجه كالتنازع والاختلاف والتنابز والتباغض والتحاسد، ونبه إلى ما ينبغى أن يسود بين الناس، وهو الاعتصام بحبل الله، والاجتماع على كلمة الله، وأن يتذكروا أنهم كانوا قبل الإسلام أعداء، فألف الله بين قلوبهم بهذا الدين، وجعلهم به إخوانًا، فعليهم أن يذودوا عن هذه الأخوة، وأن يأخذوا حذرهم من شياطين الإنس والجن، أولئك الذين يريدون لهم العودة إلى دعوى الجاهلية، وتفاخرها بالآباء، وتناحرها على حطام الدنيا وزينتها .

       ووحدة الأمة الإسلامية منطلقها عقيدة التوحيد، فهى التي ربطت بين قلوب المؤمنين برباط متين، وهيأت لهم وحدة المنهج([1]) ووحدة الغاية ووحدة التصور لمهمة الإنسان في الحياة، وغاية الوجود الإنسانى على ظهر هذه الأرض، فهم من ثم بهذه العقيدة خير أمة أخرجت للناس، وخير أمة في قوة وحدتها، وقوة عطائها، وقوة جهادها في سبيل الله، وخير أمة في قيمها ومفاهيمها، خير أمة في كل شيء معنويًا كان أو ماديًا .

       والإسلام الذي ارتضاه الحق تبارك وتعالى لنا دينًا جاء صالحًا للتطبيق الدائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولهذا كان محمد r  خاتم النبيين، وكان رحمة الله للعالمين، وكانت رسالته رسالة النور والهدى إلى الناس أجمعين.

       وكان من شواهد صلاحية الإسلام للتطبيق الدائم قيام تعاليمه على مراعاة الفطرة الإنسانية، ثم احترام العقل ودعوته للنظر والتفكر واستنباط الأحكام، وفقًا لمقاصد الشريعة وقواعدها الكلية وأصولها العامة، ولهذا لم يكن الإسلام رسالة أخرجت الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد فحسب، وإنما أخرجتهم أيضًا من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة، ومن ظلام الضعف والتخلف إلى نور القوة والتقدم، ولذلك بدأت البشرية بعد الإسلام مرحلة جديدة في تاريخها لم يكن لها عهد بها من قبل، وكان كل ما عرفته بعد ظهور هذا الدين من مظاهر الرقى والحضارة، مرده إلى القرآن الكريم([2]) معجزة الإسلام الخالدة، ودستوره الباقى إلى يوم الدين، حتى ما عرفته في العصر الحاضر، وذلك أن المنجزات الحضارية الراهنة ترجع إلى عصر النهضة في أوروبا، وهذا العصر يرجع إلى ثقافة المسلمين في الأندلس وجزر البحر المتوسط، وهذه الثقافة ترجع كلها إلى كتاب الله الذى أحكمت آياته والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

       وإذا كانت دعوة القرآن للنظر والتفكير في الأنفس، وفي خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار تتجه بالعقل الإنسانى للوقوف على طرف من نواميس الكون، ودقائق سننه، وبديع صنعه لتتحقق الخشية الصادقة لله، وليظل الإيمان راسخًا في الأفئدة والمشاعر، لا تنال منه الشدائد والمصائب، فإن دعوة القرآن للاجتهاد لمعرفة أحكام الله في أفعال عباده تدور في نطاق القضايا الفرعية والأحكام الجزئية، والنصوص الظنية، وما سوى تلك القضايا وهذه النصوص والأحكام لا تخضع للاجتهاد، فهى قطعية أو معلومة من الدين بالضرورة، أو تمثل الأسس الكلية للدين والشريعة التي لا مجال للنظر البشرى فيها .

 

عقبات في طريق الوحدة الإسلامية في العصر الحاضر

       وإذا كان الواقع المعاصر للأمة الإسلامية لا يتحقق فيه مفهوم الوحدة بين شعوب هذه الأمة ؛ بل إن الأمر بلغ إلى درجة الاقتتال بين هذه الشعوب، وسواء كان هذا الاقتتال بين شعبين أو بين أفراد الشعب الواحد، وهى ظاهرة خطيرة لم يعرفها المجتمع الإسلامي في تاريخه الطويل، فقد كانت تقع أحيانًا بعض المناوشات والخلافات على الحدود والانفراد بالسلطة الحاكمة، ولكنها كانت تنتهى دون إراقة الدماء وتأريث للعداء وتمزيق للوحدة، التي هى فريضة من فرائض الدين، ولا يكمل إيمان أى مكلف إلا بالإيمان بها والدفاع عنها، وكل من يقصر في ذلك فهو آثم ومعطل . لما جاء في كتاب الله من الأمر بالاعتصام بحبل الله، وتحقيق الوحدة في صورها المتعددة بين أبناء الأمة، فضلاً على أن منّ يقف من هذه الوحدة موقفًا مناوئًا يصدق عليه حديث رسول الله - r - من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم" .

       والسؤال الذى يفرض نفسه، ما أسباب هذا الشقاق والصراع بين أمة اختارها الله لتكون خير أمة أخرجت للناس ولها الشهادة على غيرها من الأمم، وهى بوضعها الحالى لا يمكن أن توصف بهذا الوصف الربانى .

       على أن أسباب الصراع والاقتتال بين الشعوب الإسلامية يرجع إلى أسباب متعددة، أهمها ما يلى :

أولاً : إن الغزو والاستعمار الأجنبى لم يكن في جوهره استعمارًا ماديًا، ولكن كان بالدرجة الأولى استعمارًا فكريًّا، ومن ثم انتشرت المذاهب الإلحادية التي لا ترى في الإسلام وشريعته وسيلة للخلاص من التمزق والتفوق، ونجم عن ذلك أن انقسمت الأمة طوائف، كل طائفة تعتقد أنها على الحق وسواها على الباطل، وساعدت القوى الأجنبية على تغذية المواقف التي لا ترى في الإسلام منهجًا للحياة الكريمة الإنسانية، وذلك من أجل ألا يكون لهذا المنهج في حياة المسلمين وجود وتأثير فاعل لأن القوى الأجنبية تدرك أن الأمة الإسلامية إذا اعتصمت إيمانًا وعملاً، وقولاً وفعلاً بحبل الله فإنها تصبح قوة لا سبيل إلى السيطرة عليها أو سلب إرادتها وحريتها الكاملة ؛ ولذلك تساعد بطرق ملتوية كل القوى المناوئة لإحياء الفكر الإسلامي الوسطى المعتدل، ولكن للأسف الشديد غياب الفهم الصحيح للإسلام وشريعته الخالدة ساعد تلك القوى على تحقيق مآربها في تمزيق الأمة فكريًّا، وظهور تيارات معادية للإسلام عداءً سافرًا بين أبنائهم، كالشيوعية مثلاً .

ثانيًا : وإذا كان الغزو الفكرى قد أثر تأثيرًا خطيرًا في وحدة الأمة، فإن التعصب المذهبى قد ساعد على تمزيق وحدة الأمة وإثارة الخلافات والاختلافات بين علماء هذه الأمة، وانتقل الخلاف من العلماء إلى العامة، مما جعل شعور العداء بين المذاهب كالعداء بين ملل ونحل، مع أن الحقيقة أن المذاهب كلها ليست إلا فهمًا بشريًّا للنصوص الشريعة الظنية في دلالاتها . وكذلك القواعد الكلية والمقاصد العامة للشريعة، ومن ثم لا تعد هذه المذاهب تشريعًا إلاهيًّا، يجب الالتزام به في كل زمان ومكان، فهناك فروق جوهرية بين الحكم الشرعى والرأى الفقهى ؛ ذلك أن الحكم الشرعى ثابت بنصوص شرعية في دلالاتها وثبوتها، ومن ثم لا يقع حول هذا الحكم خلاف بين العلماء جميعًا على تعدد مذاهبهم ومشاربهم .

فهم مجمعون على هذا الحكم الذى لا يتغير بتغير الزمان والمكان ولا مجال فيه لاجتهاد برأى، أما الرأى الفقهى فهو ناجم عن اجتهاد واستنباط نصوص قد تكون ظنية في ثبوتها أو ظنية في دلالاتها، أو تجمع بين ظنية الثبوت، والدلالة، وهنا الرأى ليس ملزمًا كالحكم الشرعى وليس صالحًا للتطبيق الدائم كالحكم الشرعى، وينظر إليه على أنه رأى له احترامه وتقديره لدى جميع الفقهاء، ورحم الله من قال : فقهنا هذا رأى فمن جاءنا بأحسن منه فعلى العين والرأس .

المشكلة تكمن في أن جماهير الأمة الذين تنقصهم الثقافة الاجتهادية المبرأة من التعصب المذهبى لا يفرقون بين الحكم الشرعى والرأى الفقهى، ويكادون ينزلون الرأى الفقهى منزلة الحكم الشرعى، ويحاولون وينافحون عن آراء المذاهب بصورة تجعل للمذاهب منزلة العقائد أو الملل والنحل ؛ ولذلك تصبح المذاهب مصدر شقاق وصراع مذهبى يساعد على تمزيق الأمة وتحويل هذا الصراع الفكرى إلى صراع مادى يقوم على استخدام الأسلحة وإراقة الدماء وتقوية شوكة العداء بين أبناء الأمة الواحدة .

ثالثًا : على أن هناك نزعة طائفية أو عرقية، تظهر بين حين وآخر بين الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية منها، فالمعروف أن هذه الشعوب تضم طوائف متعددة، لها جذور تاريخية عرقية وتحاول أن تجعل لنفسها استقلالاً دون أن تكون جزءًا من أمة أخرى لا تلتقى معها في هذه الجذور، ويتجلى ذلك في نشأة الصراع المسلح بين بعض هذه الطوائف وغيرها من أجل الانفصال أو الاستقلال وهذا يفت في عضد الأمة الإسلامية ويحول دون جمع كلمتها وتحقيق وحدتها.

على أن الأمر تجاوز حدود التفاوت العرقى، ولكنه انتقل أيضًا إلى التفاوت البيئى، بمعنى أنه جدت دعاوى انفصالية بين أمة واحدة في أصولها، ولكن جاءت نزعة الاستقلال عن الدولة الأم، بسبب تباعد البلاد، ومحاولة كل منطقة أن تكون لنفسها وجودًا ذاتيًّا مستقلا، ونسى هؤلاء أن القرآن الكريم حينما جعل الناس شعوبًا وقبائل لم يجعلها من أجل الصراع على قطعة أرض يستقل بها أناس دون غيرهم، وإنما من أجل التعارف والمودة وليس من أجل الصراع والعداء.

رابعًا : ويضاف إلى ما سبق من عقبات تعرقل مسيرة الوحدة أن بين الشعوب الإسلامية خلافات تافهة تتمثل في الصراع حول شريط من الأرض متاخمٍ لدولة مجاورة فتطمع فيه هذه الدولة، وتغير معالم الحدود في ليل وتجعل الأمر أمام الدولة التي سلب منها هذا الشريط، كأنه حقيقة لا يجوز الاعتراض عليها، ويحدث بين الدولتين مفاوضات ويتدخل بعض الأطراف ولا ينتهى الأمر إلى عودة كل شئ لما كان عليه، وتصبح القوة هى التي تخلق الحق وتحميه وتضع حدًّا لكل نزاع، وهذه مقولة تمثل شريعة الغاب ولا تمثل شريعة الإنسان .

إن مثل هذا السلوك في تغيير الحدود يؤرث للعداوة بين الشعوب، ولا يكفل لها وحدة جامعة بالمعنى الصحيح، وهو صراع لا يعبر عن حقائق جهورية يجوز الاختلاف حولها، ولكنه يعبر عن شهوة في التوسع والاستئثار ببعض الأجزاء التي لها مهمة لأمن الدولة وسيادتها .

خامسًا : أصبح الإعلام بصوره المتعددة يمثل في العصر الحاضر قوة لنشر الأفكار والآراء، وكان بوسائله المختلفة قوة تغير الآراء لدى عامة الناس أحيانًا وتجعل منهم طوائف متصارعة أو متخاصمة، ومن ثم تحرص كل دول العالم على أن يكون إعلامها معبرًا عن مصالحها الخاصة دون نظر إلى غيرها من الدول .

ومما يؤسى له أن الإعلام في العالم الإسلامي لا يعرف بوجه عام الموضوعية والدقة في التعبير عن الأخبار والمعلومات، وقد يكون موجهًا وهذا هو الأمر الغالب في كل دولة على الانحياز إلى ما تراه هذه الدولة من أفكار حول القضايا المعاصرة ومن ثم تكثر في ظل هذا الإعلام المتعدد بتعدد الدول الآراء المتناقضة والمتعارضة والتى تجعل العقل الإسلامي في حيرة، ماذا يصدق وماذا يكذب ؟ وهذا السلاح الإعلامى من أخطر الأسلحة التي تعرقل مسيرة الوحدة الإسلامية، كما تعرقل التوجه إلى الاحتكام لشرع الله والتخلى عن القوانين والأفكار الوضعية التي تتعارض مع ما جاء به كتاب الله .

وإذا كانت هناك محاولات لوضع ما يُسمى بميثاق الشرف الإعلامى فإنها حتى الآن مجرد كلام لم يعرف التطبيق العملى اصدار هذا الميثاق في صورة علمية لا تجعل من الإعلام وسيلة لأهداف خاصة ومصالح ذاتية، وإنما تجعله سبيلاً إلى نشر الأفكار والمعلومات التي لا مراء فيها والتى تحرص على مصلحة الشعوب كافة، وتكون بعيدة كل البعد عن الأهواء السياسية والحزبية .

إن الأمة في واقعها تعانى من الهجمة الإعلامية التي تكاد تنأى عن مصالح الشعوب، وإنما تحرص على مصالح الأفراد والحكام، ولكن الأمل في أن يصدر ميثاق شرف الإعلامى، ليكون حقًّا ميثاقًا يكفل للأمة صدق الكلمة وأمانة الدعوة والبعد عن المهاترات والتنابز بالألقاب والحكم أحيانًا للأسف بالكفر ومعصية الله.

تلك أهم العقبات التي تحول دون قيام الوحدة الإسلامية بمفهومها الجامع، أو الوحدة الإسلامية في تبادل الخبرات والمنافع بين الشعوب الإسلامية، فكل شعب يكاد يكون جزيرة منعزلة عن غيرها من الشعوب، على الرغم من تكور وسائل النقل ونقل المعلومات في العصر الحاضر، ويكاد العالم الإسلامي بما قام فيه من ثورات كان الأمل أن تكون وسيلة عملية للوحدة ؛ ولكنها الأهواء والنزعات الإقليمية، لم تحقق تلك الثورات رسالتها كاملة، وإن كانت أيقظت لدى الشعوب الإسلامية روح المقاومة للاستبداد وحرمان الشعوب من الحرية والعدالة الاجتماعية وأن الإسلام دين لا يعرف اليأس أو القنوت من رحمة الله، فإن ما يجرى على أرض الواقع اليوم قد يكون نذيرًا لصبح جديد، يحرر المجتمع الإسلامي كله من ظلمات الأمية الدينية والأهواء السياسية والنزعات الإقليمية، ولكن الأمر مع هذا يحتاج إلى منهج علمى يخلص الأمة من تلك العقبات ويجعلها تسير من جديد في طريق الوحدة التي جعلها الله طريقًا ومنهجًا للأمة الإسلامية في كل عصورها وبلدانها.

 

المؤتمر الجامع :

إن الواقع المعاصر للأمة الإسلامية بمشكلاته المختلفة يحتاج إلى وقفة جادة من أولى الذكر في الأمة وهم العلماء الراسخون في الدين وفي فقه الواقع، هؤلاء تقع عليهم مسئولية السعى لاتخاذ القراءات والتوصيات التي يجب أن يلتزم بها كل حكام العالم الإسلامي وشعوبها ويؤكدون أن من لا يأخذ بهذه القرارات يكون مسيئًا للأمة إن لم يكن مارقا من دينها، فهذا المؤتمر الجامع يجب أن يضم كل علماء الأمة الراسخين، وأن يكون لديهم خطة علمية لتدارس المشكلات بعيدًا عن الأهواء السياسية والمذهبية والعرقية، وأن يتأخذ بشأن مشكلات الأمة ما يجب عليهم من قرارات تحرر الأمية من نزعات الفرقة، لأن كل هذه المنازعات ترجع في جوهرها إلى الأمية الدينية والتعصب المذهبى والنزعات العرقية، وهذان الأمران الأخيران وهما التعصب المذهبى والنزعات العرقية مردها أيضًا إلى الأمية الدينية وعدم فهم الدين فهمًا صحيحًا، وأن كل المؤمنين بهذا الدين بنيان مرصوص يشد بعضه بعضًا .

فإذا وفق هذا المؤتمر وأطمع أن يوفق، إلى اتخاذ القرارات والتوصيات التي تحرر الأمة من تلك العقبات فإنها إن شاء الله ستأخذ طريقها إلى الاعتصام بحبل الله، والسعى الجاد لإعلاء كلمة الله، وتحقيق الوحدة إن لم تكن جامعة فهى على الأقل تمثل ما أمر الله به من التعاون على البر والتقوى، فهذا التعاون إذا تحقق بين الشعوب الإسلامية سيجعل منها قوة دولية يحسب لها العالم كله حسابًا، ويؤمئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم .

 

الخاتمة

نتائج وتوصيات

       بعد هذه الدراسة المجملة عن العقبات التي تحول دون الوحدة الإسلامية، يمكن القول بأن النتائج التي انتهت إليها الدراسة، هى ما يلى :

1- لا اختلاف بين المسلمين قاطبة في الأصول التي لا يكون المسلم مسلمًا إلا بها، والاختلاف في الفروع له أسباب علمية، وهو آية من آيات يسر التشريع ومرونته.

2- فرق التعصب المذهبى بين أبناء الأمة، وكان من وراء ما سجله التاريخ عن أتباع المذاهب من تبادل الآراء الفاسدة، والأحكام الباطلة، والصراعات الدموية المؤسفة .      

3- التقارب بين المذاهب ضرورة دينية وحياتية، والسبيل إليه الالتقاء حول ما اتفقنا عليه، وأن يغذر بعضًا فيما اختلفنا فيه علمًا بأن كل المذاهب ترجع إلى أصول واحدة، ومرد الاختلاف بينها إلى الفهم البشرى، وهذا الفهم ليس معصومًا وليس حجة شرعية .

4- تتعرض الأمة في حاضرها لتحديات كثيرة ومحاولات مدروسة تسعى لتمزيق وحدتها، وإجهاض نهضتها حتى تظل تابعة لغيرها من القوى الدولية، ولا تملك إرادتها وحريتها كاملة .

5- الوحدة الإسلامية واجبة شرعًا، والعمل من أجل هذه الوحدة واجب شرعًا على أهل الذكر وقادة الحكم في العالم الإسلامي، فكل ما يؤدى إلى الواجب واجب .

التوصيات :

1- التوسع في عقد المؤتمرات الجامعة للأمة أو الإقليمية لعرض مشكلات الأمة، والأخطار التي تهدد مستقبلها حتى يفئ الناس إلى كلمة سواء ويكون السعى المخلص للوحدة هو السبيل الصحيح لكفالة الحرية والنهضة للأمة .

2- نظرًا لأن أجهزة الإعلام تمثل وسيلة من وسائل التقريب والتجميع بين أفراد الأمة لأنها أصبحت من القوة بحيث تخاطب كل إنسان مهما بعدت المسافات واختلفت الأقطار وهو في فراشه، وأن تتخلى هذه الوسائل الإعلامية بوسائلها المتعددة عن البعد عن الموضوعية والأمانة الإعلامية، وتحرى ما فيه الخير للأمة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله .

       والحمد لله الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله .

ملخص بحث

عقبات في طريق الوحدة الإسلامية في العصر الحاضر

       مما لا مراء فيه ولا خلاف عليه أن الإسلام الذى بعث به محمدًا (صلى الله عليه وسلم) دين الوحدة الشاملة وأن هذا الدين صالح للتطبيق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأنه جاء رحمه للعالمين ولهذا كان محمد (صلى الله عليه وسلم ) خاتم الأنبياء والمرسلين .

       إن الوحدة الإسلامية فرض وحقيقة لا خلاف عليها بين جميع المسلمين ولكن الواقع العملى لهذه الوحدة يشير إلى أن المجتمع الإسلامي المعاصر يعانى من التمزق والشقاق وأن الوحدة بين شعوبه بمفهومها الإسلامي تكاد تكون مفقودة فالصراع بين هذه الشعوب حقيقة ملموسة وترجع أهم العقبات في طريق الوحدة إلى ضعف الوعى الديني ومفهومه الصحيح وما سببه الغزو الفكرى للأمة من انتشار أفكار تحارب النهضة الإسلامية فضلاً عن التعصب المذهبى الذى تحول إلى صراع بين اتباع المذاهب وكأن هذه المذاهب أصبحت مللاً ونحلاً وليس أراء بشرية في فهم النصوص الشرعية الظنية في دلالاتها وفي ثبوتها ويضاف إلى تلك الأسباب ما يقع من بعض الشعوب الإسلامية من اختلاف حول الحدود والاعتداء لبعض الدول على حدود دولة أخرى .

       ويقوم الإعلام بصوره المتعددة بدور خطير في نشر الأفكار والمفاهيم التي تساعد على تمزيق الوحدة الإسلامية فلكل دولة وسائل إعلامية تتحدث عن مصالح هذه الدولة دون اعتبار غيرها من الدول . والسبيل إلى علاج تلك المشكلات هو اجتماع أهل الذكر من العلماء والمختصين إلى دراسة تلك العقبات دراسة علمية ووضع الحلول العملية لها وإصدار التوصيات بوجوب أن تلتزم كل دولة بما أنتهى إليه هؤلاء من قرارات واقتراحات حتى يمكن أن تتحقق الوحدة الإسلامية في التعاون وتبادل المنافع ولعل ذلك يكون الخطوة الأولى لأن يصبح العالم الإسلامي كله دولة واحدة كما كان من قبل ويؤمنذ يفرح المؤمنون بنصر الله وينصر من يشاء و(صلى الله عليه وسلم ).

 

[1]- انظر خصائص التصور الإسلامي ومقوماته للأستاذ سيد قطب، ص25، ط. القاهرة .

[2]-  انظر أثر العرب في الحضارة الأوروبية للأستاذ عباس محمود العقاد .