كلمة رابطة العالم الإسلامي

كلمة رابطة العالم الإسلامي

 

كلمة رابطة العالم الإسلامي

 

 محمد ناصر العبودي                                   

وكيل رابطة العالم الإسلامي ـ المملكة العربية السعودية      

 

 

بسم الله الر حمن الر حيم

 

            أيّها الأخوة المسلمون من علماء ومفكرين فضلاء أغيار على دينهم وملتهم.

            سلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

            أما بعد، فإن الحمد للّه تعالى، والشكر له، ثم للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

            أيها الأخوة المسلمون:

            لقد أحسن الأخوة الإيرانيون الاختيار لموضوع وحدة الأمة الاسلامية في هذه الظروف بالذات، ذلك بأن المسلمين جميعاً لا يختلفون على الاقرار بها والعمل بمقتضاها، وهي:

            1- شهادة أن لا إله إّلا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه.

            2- وإقامة الصلاة.

            3- وايتاء الزكاة.

            4- وصوم رمضان.

            5- وحج البيت الحرام.

            وهذه الأركان الخمسة هي التي وردت في الحديث الصحيح عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (بُني الإسلام على  خمس: شهادة أن لا إله الا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، واقامة الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً).

            ويجب أن يتخذوا من ايمانهم وتسليمهم بهذه الأركان الخمسة منطلقاً إلى الوحدة الإسلامية حتى إذا وقفت بعض الآراء في الفروع في سبيل اتفاقهم نحو البحث فيها جانباً لأن المعول هو على الأصول، وتعاونوا فيما اتفقوا عليه من هذه الأصول العظيمة اركان الإسلام حتى تبرز أمام العالم كله الوحدة الاسلامية، وبذلك ندرأ كيد الكائدين الذين يعملون في الكيد لنا، بل في غزونا في عقر دارنا.

            أيها الأخوة المسلمون:

            إن اختلاف المذهب أو حتى الدين لم يمنع أعداء المسلمين من اليهود وبعض المتعصبين من غيرهم من أن يتفقوا فيما بينهم على معاداة المسلمين وابتغاء الشر لهم، بل حتى توجيه معاول الهدم الثقافي والتخريب المعنوي ضد المسلمين.

            فكانوا يختلفون فيما بينهم في امور جوهرية ولكنهم يتعاونون في العمل ضد الإسلام والمسلمين.

            وهذا يوجب علينا نحن المسلمين ان نتعاون ونتكاتف رغم اختلاف المذهب أو المذاهب الفقهية لاننا مأمورون بالتعاون أمراً إلهياً في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

 

وجوب العمل الإسلامي الموحد:

            أن التعاون بين المسلمين واجب بموجب هذا الأمر الإلهي الصريح (وتعاونوا على البر والتقوى)فكيف به اذا أضاف المسلم اليه ما يعلمه ويعلمه غيره من أن مكانة المسلمين، بل منزلة الإسلام في نفوس الآخرين ستضار جداً إذا لم يتعاون المسلمون ويعملوا معاً مافيه خدمة دينهم.

            إننا نشاهد التكتلات الدولية في هذا العصر تقوم على اساس مصلحي مادي تعضده في كثير من الاحيان مصالح مذهبية (ايدولوجية) ونحن نعلم ان وحدة المسلمين التي يقصد بها تعاون المسلمين على الأمور الاقتصادية وما يترتب عليه من نفع عام للامة على كافة الأصعدة هو ما يرفع مستوى المسلمين اقتصادياً وهو ما ينفعهم سياسياً ومعنوياً.

            وقد حبا الله المسلمين مواقع عالمية غنية بالثروات المعدنية، ومهمة لمواصلات العالم وتحركاته حيث تحتل بلادهم موقعاً وسطاً بين القارات، بل حتى بين أجناس العالم وألوانه مما قد ينطبق عليه قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).

            ومن المفزع الآن ان يرى المسلم ان أمة الإسلام تتأثر بما يقوله، ويفعله المسيطرون على العالم من دون ان تتمكن من أن تكون مؤثرة فيه إلاّ على نطاق فردي أو على نطاق آحادي لدولة من الدول، وذلك يكون في الغالب رداً لفعل أو دفعاً لهجمة من هجمات الآخرين من غير المسلمين.

           

التعاون من أجل ناشئة المسلمين

            أيّها الاخوة في الإسلام!

            إنه لايجوز ان نرى شباب المسلمين وعماد مستقبلهم تنتابهم أو تنتاب بعضهم الشكوك والهواجس حول مستقبل دينهم، بل حول حاضره حينما يشاهدون ويعرفون إن اسهام المسلمين في الحضارة العالمية المعاصرة يكاد ينحصر في التلقي والاستهلاك، اي في إتباع أهل الأديان والمذاهب غير الإسلامية في هذا الصدد وليس في التقدم والاسهام في القيادة والسيادة، بعد أن كان اسلافنا المسلمون هم بناة الحضارة وكان اهل الغرب يتلقفونها منهم، فيشك بعض الشباب في حقيقة كون الاسلام يجب ان يكون النبراس الذي تهتدي به البشرية ويكون المسلمون هم القادة لغيرهم.

            ومن ثم يتعرض الشباب للغزو الفكري الاجنبي وهم غير محصنين ضده، مع اننا نرى ونعرف بل ونلمس أن كثيراً من أهل الغرب والشرق الذين يبحثون عن السعادة الروحية الوجدانية وعن الاستقرار النفسي، والطمأنينة الانسانية لايجدون ذلك إلا في الاسلام، ولذلك نرى الاسلام يدخل في قلوبهم ويعّمر بعض بيوتهم، حتى نشأت جماعات كبيرة في مدن ونواح لم يكن للاسلام فيها وجود قبل ثلاثين أو أربعين سنة.

            واقرب مثال يمكن ان تضربه على ذلك هو في أحد الأحياء من مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا بل عاصمة اوربا حيث مقر الاتحاد الاوروبي، فكان أول مسجد اُسس في ذلك الحي في عام 1974م وكانت أول جلسة اُقيمت في تلك السنة يشترك فيها 12 مصلياً.

            اما الآن فان الحي قد اصبح فيه 19 مسجداً وأحد مساجده صلينا فيه الجمعة فصلاها معنا ما يقرب من الف وثلثمائة مصل .

            أيها الاخوة الكرام.

            إن هذا الزمن هو زمن إقناع غير المسلمين بالحجة والدليل بأن يدخلوا في الإسلام.

            ومن الغريب العجيب أنه رغم تخلي بعض الجماعات والافراد من المسلمين عن الدعوة الإسلامية فان الإسلام يتقدم وينتشر في أنحاء العالم البعيد والقريب حيث قوّض اللّه جماعة وافراداً من المسلمين للسهر على الدعوة الى اللّه وتبيان محاسن الإسلام لغير المسلمين مما قد يدخل في مفهوم قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

 

الإسلام دين عالمي:

            ذلك بأن الإسلام دين سماوي عالمي أرسل اللّه به نبيه ورسوله محمد بن عبد اللّه(صلى الله عليه وآله)إلى الناس كافة.

            وقد دخل فيه وقت التأسيس افراد من غير العرب صاروا من سادات المسلمين وائمتهم مثل سلمان الفارسي الذي قال فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) (سلمان منّا اهل البيت) .

            ومثل بلال الحبشي وصهيب الرومي وغيرهم.

            ثم تأكّد ذلك على مر القرون حيث كان القادة والملوك والسلاطين من غير ذوي الاصول العربية ينذرون انفسهم بل يبذلون أنفسهم وأموالهم لنشر هذا الدين والدفاع عنه.

            ولعل أقرب مثال على ذلك واظهره في السلطان صلاح الدين الايوبي فاتح القدس.

           

مسؤولية الفرد المسلم عن الوحدة الإسلامية:

            إن مسؤولية الحكومات والجماعات المسلمة الكبيرة ظاهرة في وجوب العمل على التعاون بين المسلمين على البر والتقوى والبعد عن كل ما ينافي ذلك.

            ولكن الفرد المسلم عليه مسؤولية ايضاً تتمثل في أن يبتعد كلياً عما يوجب الفرقة والتخاصم بين المسلمين على نطاق فردي.

            ومن البديهي انّ الامة تتألف من مجموعة افراد اذا صلح حال افرادها أو أكثرهم صلحت حالها.

            فلا يجوز للمسلم ان يقدم على عمل يفرّق بين المسلمين سواء بالكتابة أو الخطابة أو حتى البحث في المجالس الخاصة.

            وينبغي لكل مسلم أن يتذكر انه كالذي يكون على ثغر من الثغور يدافع عن الإسلام والمسلمين ويجب أن يحذر أن يؤتي الإسلام من قبله.

            فإذا رأى أن حكومة  أو جماعة كبيرة تعمل خلاف ما أمرها اللّه به من التعاون والتواصل بين المسلمين فإن هذا لايجوز أن يفت في عضده ولا أن يوقفه عما التزم به من عدم الإسهام ولو فردياً فيما يناقض المصلحة الإسلامية ويوجب الفرقة والتنافر بين المسلمين.

           

مجمل القول:

            أيها الاخوة العلماء والمفكرون والقادة

            إن الحديث عن وجوب التعاون بين المسلمين يمكن ان يستغرق مجلداً ولكنه أو أكثره معروف لدينا جميعاً، ولذلك لن اطيل عليكم بذكره وإنّما اقول: إنه في هذا الوقت الذي تقاربت فيه المسافات، وزالت الحواجز بين الثقافات وصار الناس يعرفون عن المذاهب الكفرية الخارجة عن المسلمين الكثير لايجوز لعامة المسلمين ان يجهلوا ما عليه اخوانهم المسلمون ممن لا يتمذهبون بمذهبهم، بل يجب ان يطّلعوا على مالديهم مثلما يجب على اولئك أن يطلعوا العامة على ماعليه جمهور المسلمين في انحاء العالم الواسع.

            ويكون ذلك على اساس الاطلاع الاخوي الذي ينشد الخير واشاعة المعرفة به بين المسلمين.

           

اقتراحات:

            أولاً: نقترح في بادئ الأمر ان تكون هناك خطة لإطلاع عامة المسلمين على ما عند إخوانهم في الدين من مفاهيم لم يعرفوها وكيف يجب أن ينظروا إليها.

            ثانياً: ان يطلعوا على مايقوله العلماء المتقدمون من المنصفين من أئمة الطرفين من اهل السنّة ومن اهل التشيع. ونستطيع أن نضرب مثالاً على ذلك فيما قاله بعض ائمة المسلمين القدماء عن بعض الأئمة من أهل البيت وهو بمثابة الانموذج الذي يحتذى.

            قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عن هؤلاء الطيبيين الطاهرين من العترة: الحسن بن علي الإمام، السيد، ريحانة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وسبطه، وسيد شباب اهل الجنة، أبو محمد، القرشي، المدني، الشهيد([1]).

            الحسين بن علي، الإمام، الشريف، الكامل، سبط رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، ابو عبد اللّه، الحسين ابن أمير المؤمنين (وذكر) عن حذيفة أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله)يقول: هذا ملك لم ينزل قبل هذه الليلة; استأذن ربه ان يسلم عليّ، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (قال) أخرجه الترمذي وهو حديث حسن (قال) وقد كان هذا الإمام سيداً، وسيماً، جميلاً، عاقلاً، رزيناً، جواداً. ممدحاً، خيراً، دينا، ورعاً، محتشماً، كبير الشأن([2]).

            علي بن الحسين، وكان علي بن الحسين ثقة، مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً. روى ابن عيينة عن الزهري قال: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين، وكان على جلالة عجيبة وحق له والله ذلك فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه، وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله([3]).

            محمد الباقر، هو السيد الإمام، ابو جعفر، محمد بن علي وقد كان إماماً مجتهداً، تالياً لكتاب اللّه كبير الشأن ونحبّه في اللّه لما تجمع فيه من صفات الكمال([4]).

            جعفر الصادق، الإمام، الصادق، شيخ بني هاشم، أحد الاعلام([5]).

            ثالثاً: إن ذلك يقتضي منا ان ندرَّس عامة المسلمين وبخاصة طلاب المعاهد الدينية في كافة بلدان المسلمين سير زعماء المسلمين وأئمتهم من الطرفين مثل ان ندرس سير الصحابة ابتداءً بالخلفاء الراشدين الخمسة وهم:

            أبو بكر الصديق.

            عمر بن الخطاب.

            عثمان بن عفان.

            علي بن أبي طالب.

            الحسن بن علي بن أبي طالب.

            رضوان اللّه عليهم أجمعين.

            إلى جانب سير أئمة العلم والدين الآتية اسماؤهم:

            الحسين بن علي (رضي الله عنه)

            علي بن الحسين بن علي

            زيد بن علي بن الحسين.

            محمد الباقر.

            جعفر الصادق.

            الخليفة عمر بن عبد العزيز.

            ابو حنيفة النعمان بن ثابت.

            مالك بن أنس.

            محمد بن أدريس الشافعي.

            أحمد بن حنبل.

            رابعاً: المبادرة إلى حذف كل ما يسيء إلى أحد من الصحابة أو أئمة أهل البيت من جميع مناهج الدراسة في المعاهد الإسلامية في العالم الإسلامي الواسع كله.

            خامساً: أن تتعهد الحكومات الإسلامية ألاّ تسمح بنشر كتاب أو رسالة تخالف هذه المبادئ بأن تكون تشير الى القدح والذم في إمام من ائمة اهل السنّة أو من أئمة أهل البيت وبالتالي تثير النعرات والتعصبات المذهبية.

            سادساً: عدم التطرق لدى عامة المسلمين وصغار الطلبة حول ماجرى بين الصحابة ومن معهم من التابعين من خلافات وصراعات لان ذلك مضى عليه أربعة عشر قرناً ولا يمكن ردّه أو تصحيحه مع العلم بأنّ أهل السنّة وأهل التشيّع متفقون على ان الحق فيها هو مع الإمام علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه وان كان أهل السنّة يترّفعون عن سباب الآخرين. وهذا تصدق عليه المقولة الشائعة تلك دماء طهّر الله منها سيوفنا أفلا نطّهر منها ألسنتنا؟ ولنتأمل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

            إنّ هذه اقتراحات عاجلة قابلة للبحث في مدلولاتها وفي تطبيقاتها نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتّباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه إنّه سميع قريب.

 

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته                

 

محمد بن ناصر العبودي                        

الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي           


 

[1]- سير اعلام النبلاء، للذهبي، ج 2، ص 245 .

[2]- سير اعلام النبلاء، للذهبي، ج 3، ص 280 .

[3]- سير اعلام النبلاء، للذهبي، ج 6، ص 387، 398.

[4]- سير اعلام النبلاء، للذهبي، ج 5، ص 401.

[5]- أعلام النبلاء ج 6، ص 255 .