كيف نواجه التحديات التي تصطدم بالوحدة الإسلامية

كيف نواجه التحديات التي تصطدم بالوحدة الإسلامية

 

 

كيف نواجه التحديات التي تصطدم بالوحدة الإسلامية

 

الشيخ حسن البغدادي

رئيس جمعية الإمام الصادق (عليه السلام)

للبحوث في تراث علماء جبل عامل ـ لبنان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الوحدة الإسلامية كانت ولا زالت تشغل بال العلماء والمفكرين والباحثين.

حيث عمدوا طوال الوقت إلى البحث والتنقيب في العناوين والمواضيع التي تصلح لتكون الإطار الجامع لوحدة المسلمين فكونوا العديد من الأفكار والرؤى التي تساهم في تحصين كيان الأمة الإسلامية من المخاطر التي قد تنفذ إلى أعماقها فتدمرها..

وهنا لابد من استعراض سريع لبعض المناهج الوحدوية التي أطلقها علماء المذاهب الاسلامية كي نرى ما يصلح منها وينسجم مع المرحلة التي نعيشها.

ـ هناك ثلة من العلماء ذهبوا إلى ان حل المشكلة الفقهية هو الأساس في تعييد طريق الوحدة الاسلامية، وهذا ما اعتمده الشيخ الطوسي رحمه الله قبل ألف عام، باعتماده المنهج الفقهي المقارن، وألف كتابه (الخلاف) من ثلاثة أجزاء مستعرضاً آراء علماء المذاهب الاسلامية([1]).

ـ ومنهم من ذهب إلى ضرورة انطواء الأقطار الإسلامية تحت لواء خليفة واحد كما ذهب إليه الشيخ محمد عبده([2]).

ـ وذهب الشيخ محمد جواد مغنية إلى تحكيم القرآن الكريم والسنة النبوية كونهما الجامع الأفضل للمسلمين السنة والشيعة، فقر آتهم واحد ونبيهم واحد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يجوز لهم أن يختلفوا حول هذه المرجعية، إذ من شأنها أن توجه الفكر وتجمع القلوب وتشيع روح المحبة والإخاء بين المسلمين([3]).

ـ واعتبر السيد قطب بأن مشروع الوحدة الإسلامية يتحقق بوحدة الحدود الجغرافية والجمارك([4]).

ـ أما السيد الأفغاني فاعتبر أن الوحدة تتحقق ضمن إطار الجامعة الإسلامية([5]).

ـ وذهب محمد رشيد رضا إلى تأسيس معهد إسلامي لأجل تعزيز دولة الخلافة كي تكون العنوان الجامع لوحدة المسلمين([6]).

ـ وهناك من ذهب إلى ضرورة قيام وحدة إسلامية مذهبية فقط كالسيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ محمد علي الزعبي وآخرين([7]).

ـ والتزم الشهيدان: الشيخ محمد بن مكي الجزيني والشيخ زين الدين الجبعي مشروع الاندماج واعتماد كل ما يحقق عنوان الوحدة الإسلامية كالتدريس والمباحثة والحضور في المعاهد الفكرية والثقافية والعلاقات مع السلطات.

هذا ما نراه بوضوح في حركة الشهيد الأول بعد عودته من مدينة الحلة وذلك في عهد المماليك([8]).

وزيارته عاصمة الدولة العثمانية في اسطنبول ولقاء السلطان (سليمان)، كما فعل الشهيد الثاني([9]).

وأيضاً أقام الشهيد الأول في مناطق ذات حساسية خاصة، حيث سكن بعلبك وأدار المدرسة النورية فيها([10]).

هنا وان كان القاسم المشترك بين هذه الأفكار والمناهج التقريبية هو إدراك مطلقيها لحجم المخاطر المحدقة بأمتنا الإسلامية، إلا أن قسما منها لا يصلح ليكون إحدى ركائز الوحدة الإسلامية، فالمتغيرات السياسية والجغرافية لها دخالة كبيرة في وحدة الأمة وأساليب جمعها.

وعليه كان لابد من إطلاق عناوين وحدوية أشار إليها وعمل طبقها بعض السلف الصالح.

هذه العناوين تتطلع إلى حجم المخاطر المحدقة بعالمنا الإسلامي، آخذة بالاعتبار المتغيرات التي تحكم العالم ومنطقتنا بالتحديد.

من هذه المخاطر ـ نذكر على سبيل المثال لا الحصر ـ أحادية القطب الواحد، فهي من كبريات المخاطر المباشرة على عالمنا العربي والإسلامي وخصوصا في ظل وجود أنظمة رخيصة لا يملك قادتها الحد الأدنى من الشهامة، فهم حاضرون لتدمير البلاد والعباد لأجل نزواتهم الرخيصة ومصالحهم الضيقة.

وهذا يلزمنا بالبحث الجدي في عناوين جديدة تصلح لمواكبة هذه المرحلة الاستثنانية.

من هنا أدعو إلى الأمور التالية:

ـ أولا : دعم العناوين التي تصلح لتكون عنوان جامعا لمشاعر الأمة ، مثل قضية فلسطين، فهي عنوان جامع ومحرج حتى للذين لا يؤمنون بها.

ولهذا نجد أن مستشاري الرئيس الأميركي السابق جورج بوش اجتمعوا في بداية حكمه كي يقرروا ما يجب فعله في عبد هذا الرئيس القادم، ومن جملة الأمور التي بحثت هي إيجاد بقعة يختلف حولها العرب، وعندما اقترح البعض فلسطين كان الرد أنها قضية جامعة ومحرجة ولا يستطيع أحد أن يتنصل منها ولو ظاهرا.

فكان الخيار هو العراق فقرروا اجتياحه، وبالفعل انقسم العالم العربي والعراقيون أنفسهم حول العراق.

ثانيا : إثارة الحس الجهادي ـ بأبعاده المختلفة من المساهمات الاقتصادية إلى التعبة العامة إلى التدريب على السلاح ـ كي يبقى العرق الأكثر نبضا في جسد الأمة ، فالجهاد في سبيل الله يرفع من مستوى وعي الناس ويجعلهم يبتعدون عن صغائر الأشياء ويعملون طبق نظام الأولويات. فالتزام خيار المقاومة ـ من خلال الاحتذاء بنموذجين كبيرين المقاومة الإسلامية في لبنان والانتفاضة الاسلامية في فلسطين ـ يشكل ضمانة كبرى من عدم انحدار الأمة نحو صغائر الأشياء ويجمع المشاعر على تحقيق الهدف الأكبر، عندما تشيع الثقة وتهدا النفوس وتتجلى وحدة العقيدة، ويصيح عنوان رفاق السلاح هو العنوان الجامع وبهذا نقطع الطريق على المصطادين بالماء العكر ونسد النوافذ أمام الأيدي الخفية التي تعبث بوحدتنا مستخدمة ثارة عناصرها المرتبطين معها، أو المخلصين الحمقى من اتباع المذاهب الذي يظنون أنهم يحسنون صنعا.

ثالثا: العمل على توحيد الفقه وخصوصا في الأعمال التي لها دخالة بتوحيد المظاهر وجمع المشاعر كالأذان والأعياد ولنأخذ نموذجا .

لتوحيد المظاهر (الحج) فلو أتيحت الفرصة للتعبير عن هذا الجو الحميمي الأخوي لكان أكبر قاعدة انطلاق نحو توحيد الجهود المشتركة . لهذا نحن نضم صوتنا لتك الأصوات المنادية والمطالبة بإخراج مناسبة الحج من رعاية السلطة السياسية في الحجاز وإعطائها بعداً إسلامياً ورعاية مختلفة.

أنا لا أتحدث هنا عن الأمن بل عن رعاية المناسك والمشاعر والتوقيت.

رابعا : اعتماد الأصل الرافع لموضوع الكفر وهو الشهادتين.

والعمل الجاد على مواجهة الفكر التكفيري بأشد الأساليب.

فالمنهج التكفيري الذي تعتمده بعض الفصائل السلفية هو من أخطر ما مر على المسلمين حتى من العهدين الصليبي والمملوكي ، وأنا لا أتحدث عن الوضع الشيعي المستهدف من هذه الذهنية بل عن السنة أنفسهم، فكثير من أخواننا السنة في العراق والجزائر وأفغانستان وباكستان ولبنان قتلوا على أيدي التكفيريين السلفيين.

فالمنهج التكفيري مناف لأبسط بديهيات الدعوة الإسلامية، فالمسلم المتلفظ بالشهادتين مشمول بالحديث الشريف المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

خامسا : تشكيل لجان مشتركة بين السنة والشيعة يحملون هم وحدة الناس وجمع كلمتهم على التوحيد، والحضور الدائم في كل المواقع التي يجتمع فيها المسلمون، لممارسة طقوسهم الدينية وبناء العلاقات والتواصل مع أئمة المساجد والمدارس والحوزات العلمية لحثهم على نبذ التفرقة، والعمل على جمع كلمتهم وتذكيرهم بالمخاطر الكبرى المحدقة بهم ، وإرشادهم إلى المصالح المشتركة كي ننمي فيهم روح الممانعة .

سادسا: العمل على متابعة أنشطة العدو ضد المسلمين ورصد حركته وتوثيقها كي يتم توزيعها على الأعيان من المسلمين ليكونوا على مقربة حقيقية مما يخطط له العدو حتى لا يسقطوا في حبائله ومكانه فأي مسلم يعتقد أنه يدافع عن عقيدته وعن مذهبه من خلال توتير الأجواء مع المسلمين فهو واهم وعليه أن يدرك أنه يخدم أعداء الدين من الصهاينة وعملاتهم.

الهوامش:

([1]). دائرة المعارف الإسلامية السيد حسن الأمين.

([2]). مجموعة مقالات العروة الوثقى.

([3]). محمد جواد مغنية ودعوة التقريب منشورات جماعة التقريب 118.

([4]). مهدي فضل الله مع سيد قطب في فكره السياسي والديني.

([5]). عبد الرحمان الرفعي ، جمال الدين الأفغاني باعث نهضة الشرق.

([6]). محمد رشيد رضا رحلاته ص 56.

([7]). النص والاجتهاد : ص 14.

([8]). كما جاء في روضات الجنان وطبقات القراء لابن الجزي ج 2 ص 265 .

([9]). أعيان الشيعة ، ج 7 ص 151.

([10]). الدر المنشور، ج 2 ، ص 158 ـ 170 .