مشروع وحدة الأمة في مواجهة تحديات التنصير

مشروع وحدة الأمة في مواجهة تحديات التنصير

 

 

مشروع وحدة الأمة في مواجهة تحديات التنصير

 

د. خالد زَهْري - الرباط

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

لا يماري كل من يحمل هَمَّ إنجاز مشروع التقريب والوحدة في أن طريق هذا المشروع ليس معبَّدا بالورود، ولا سهل المنال. فدونه تحديات وعقبات، وأشواكه ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.

 

ومن هذه التحديات ما يتولى كِبْرَه زمرة من الأمة، بل نتأسف لعلماء مسلمين رفعوا شعار الفرقة، وتأجيج فتن الخلافات المذهبية، وإحياء بعض النقط السوداء في تاريخنا الإسلامي، في زمن نحن في أمس الحاجة إلى تناسي الخلافات التاريخية، والنظر إلى هذه الخلافات بعيون الوحدة، لا أن ننظر إلى المواقف المشرقة في تاريخ الوحدة الإسلامية بعيون الفرقة.

 

ولعل هذه الطائفة من علماء المسلمين، ومَن اقتفى أثرهم من مقلديهم، قد يهون أمرهم، ما دام الأمر قابلا للنقاش على مائدة الحوار.

 

بيد أن أخطر ما يواجه الأمة، في إنجاز مشروع الوحدة والتقريب، هو الحملات التنصيرية، التي تعزف على الخلافات المذهبية، وتجند كل طاقاتها، في سبيل تحقيق أغراضها الخبيثة، مما يجعل التأهب لمواجهتهم ضَرْبَةَ لازِبٍ، ويُنبِّه على ضرورة أن تأخذ الخطط الإستراتيجية للأمة الإسلامية حملاتهم التبعيدية والتمزيقية بعين الاعتبار، لاسيما أننا لم نشهد، لحد الآن، دراسة واعية بخطورة المنصِّرين في العزف على وتر الخلافات المذهبية.

 

وهذا ما سيحاول هذا البحث التركيز عليه، الذي لا يدعي صاحبُهُ أنه سيقدم مشروعا نهائيا تستند عليه الأمة في مواجهة حملات المنصِّرين المتآمِرين على وحدة الأمة، ولكن حَسْبُهُ أن يستفز الهمم للتحرك في خط التصدي لتلك الحملات، بأقلامهم، وعلى منابر خطبهم، ومن خلال مواقعهم الإلكترونية.

ثم أقول:  

من أخطر مقاصد المنصِّرين، زرع بذور الفرقة، والشقاق، والفتنة، بين المسلمين، وإثارة النعرات والعصبيات المذهبية بينهم، وهي أيضا من الطرق التي تضمن لهم نجاح هجماتهم التنصيرية.

 

وننقل في هذا السياق كلاما يمثل نموذجا حيا لبث العداوة المذهبية بين أهل السنة والشيعة الإمامية، حيث جاء فيه:

 

"يسمي الوحي؛ حسب القرآن؛ المسيحَ "آية"، لأن الله جعله وأمه آية للعالمين.

 

(فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) ([1]).

 

(ولنجعله آية للناس ورحمة منا) ([2]).

 

ولم يتلق المسيح هذا اللقب الفريد من البشر، بل من الله مباشرة. ولم يحصل على لقب "آية الله"، لأجل دراساته العليا، بل كان؛ منذ الولادة؛ يحمل هذه الصفة البارزة.

 

يعرف الإسلام، وخاصة الشيعة، علماء كثيرين يحملون اللقب "آية الله". وغالى الشيعة في إكرام آية الله خميني، إذ قال البعض منهم: إنه قائدهم، والروح القدس.

 

يظهر أن للمسيحيين؛ حسب القرآن؛ "آية الله" خاص، كما أن الشيعة يدعون أن لهم "آية الله". فما هو الفرق بينهما؟ إنما المسيح شفى المرضى، وبارك الأعداء، وجعل سلاما بين الله والبشر، وخلص الملايين([3])، من عذاب يوم الدين. أما آية الله خميني، فحرض المسلمين لحربين مع العراق، وفي أفغانستان، فمات الملايين. وكان الخميني يوافق على قتل آلاف الأبرياء من أهل إيران، وكان يلعن الغرب والشرق. ما أعظم الفرق بين "آية الله" المسيحي، و"آية الله" الشيعي!

 

لقد اغتاظ علماء السنة من آية الله الخميني، لأنه قبل ألقابا لم يستحقها حتى محمد، فأجمع بعض العلماء، من عدة بلدان عربية، في مؤتمر بالدار البيضاء بقرارهم: إنه يجب على آية الله خميني، أن يمنع أتباعه، من أن يسموه "روح الله"، أو "روح القدس"، وإلا فإنه يُحرَم من الإسلام، لأن شخصا واحدا في الدنيا والآخرة يستحق أن يسمي نفسه "روح القدس"، ألا وهو ابن مريم، المولود من روح الله.

 

إن كان آية الله خميني قائدا خاصا للفرس والشيعة أجمعين، فإن الله عين للمسيح بدعوة أوسع، وسماه "آية" لجميع الناس. فليس ابن مريم "آية الله" للمسيحيين أو لليهود فحسب، بل أيضا للهندوسيين، والبوذيين، والكنفوشيين، وللملحدين، وللمسلمين. فمن يتعمق في المسيح، يدرك أنه "آية الله" الكامل لكل الناس"([4]).

 

ولا يخفى ما في هذا الكتاب من بهتان عن الإمام الخميني - رحمه الله -، حيث إنه لم يدّع أنه "روح القدس"، ولا ادعاها له أحد من الشيعة، ولا اعتبر نفسه أعلا من السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، ولا اعتبر نفسه زعيما للفرس والشيعة، بل إنه من أبرز المعارضين للتعصب المذهبي، ومن أجلّ الداعين للوحدة الإسلامية. كما أنه حُورِب من قِبَل الاستكبار العالمي، وشُنَّت عليه، وعلى الشعب الإيراني، حرب غاشمة، ولم يَشُن هو حربا على أحد. ولم يقتل الإيرانيين، وإنما ابتغى لهم العيش في عزة الإسلام، وكرامة الإنسان.

 

ولست في حاجة إلى الرد على تلك المزاعم والافتراءات. ففي كتب الرجل، ورسائله، وخطبه، ومواقفه، ما يدحضها. وفي العيان ما يغني عن الخبر، والشمس لا تُحْجَب بالغربال.

 

ومهما يكن من أمر، فليس بغريب من المنصِّرين، أن يستحلوا الكذب والبهتان، في سبيل تحقيق مآربهم: أدناها إيقاع الفتنة بين المسلمين، وأعلاها تنصيرهم وإبعادهم عن دينهم.

 

* * *

 

ومن مكائدهم، توظيف بعض الافتراءات، المنسوبة إلى بعض المذاهب الإسلامية، كالتهمة، المنسوبة إلى الشيعة الإمامية، وهي زَعْمُ قولهم بوقوع التحريف في القرآن الكريم ([5])، وذلك من أجل تحقيق ثلاثة أغراض:

 

الأول: إحراج المسلمين لقولهم بتحريف الكتاب المقدس، لعلهم يحجمون عن ذلك، مخافة إثارتهم لدعوى وقوع التحريف في القرآن الكريم؛

 

الثاني: تسويغ الخلاف الحاصل، بين الكاثوليك والبروتستانت، حول الأسفار السبعة الموجودة في العهد القديم، المعتبَرة عند الكاثوليك، والمزوَّرة في نظر البروتستانت، يقول المنصِّر الدكتور فاندر: "ولكن، إن فرضنا أن هذه الأسفار المَزيدة موحى بها، فإنها بجملتها لا تؤثر على أية عقيدة، من عقائد الديانة المسيحية. وأما الفروق المذهبية، بين كنيسة البروتستانت وغيرها، فلم تنتج عن زيادة هذه الأسفار على العهد القديم، ولا عن اختلاف في الكتب، كما أن مذاهب الإسلام، لم تنتج عن اختلاف في القرآن بين مذهب وآخر"([6]).

 

الثالث: إيقاع البلبلة والفتنة بين المسلمين، إذ لا يخفى، أن من ادعى أن القرآن الكريم محرف، أنه خارج عن الملة، ومارق عن الدين، بإجماع المسلمين قاطبة.

 

وممن أثار هذه الدعوى الكاذبة، المنصِّر فاندر، في كتابه التضليلي الخطير "ميزان الحق"، حيث يقول: "ويزعم قوم من المسلمين، أن الإنجيل محرف، لقول بعض النصارى أن الآيات الآتية غير موجودة في النسخ القديمة، وهي (بشارة مرقس 16: 9 إلى 20، وبشارة يوحنا 5: 3 و4 و7: 53 - 8: 11، ورسالة يوحنا الأولى 5: 7). ولو أن هذه الآيات لم تكن موجودة في المتن، في النسخ الأكثر أقدمية، إلا أنها موجودة على الهامش، فظنها الناسخ من الأصل، فإدماجها فيه، بسلامة نية. وسواء أصاب في ظنه، أو أخطأ، فإن هذه الآيات، من أولها إلى آخرها، وجودها وعدمه، لا يؤثران في جوهر الكتاب، ولا في أقل عقيدة من عقائد الكنيسة، لأن الحقائق الأساسية، التي تضمنها، مستوفاة بأكثر تفصيل، في مواضع أخرى من الكتاب.

 

وبالنسبة لهذه المسألة، يوجد فرق عظيم بين الكتاب والقرآن. فإن المطلعين من المسلمين، يعلمون أن فريقا من الشيعة، أثبتوا أن عمر بن الخطاب الخليفة الثاني، وعثمان بن عفان الخليفة الثالث، غيرا جملة آيات من القرآن، بسوء النية والقصد، ليخفيا عن المسلمين حقيقتين، هما من الأهمية بمكان. الأولى هي: يجب أن يكون علي صاحب الخلافة بعد محمد. والحقيقة الثانية: يجب أن تحصر الإمامة في ذريته.

 

ويدعي فريق آخر، أنه أسقط من القرآن سورة بجملتها، يقال لها: "سورة النورين"، للغاية المشار إليها.

 

أما نحن، فلا يهمنا التحري عما إذا كانت هذه الدعوى قرينة الصواب أو مختلقة. ولكن، تهم أهل السنة من المسلمين، لأنه، إن كانت "سورة النورين" من القرآن حقيقة، يكون ما أشقاهم! وأسوأ حظهم! لأنها تنذرهم بسوء العاقبة، كما في قوله: "أن لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون".

 

وكتب ميرزا محسن بكشمير، في مؤلف له سنة 1292 هجرية، يسمى "داستاني مذاهب سورة النورين"، وذكر أن بعض الشيعيين يؤكدون، بأن عثمان، عندما أحرق المصاحف القديمة، وأمن على نفسه مناقشة الحساب، عمد إلى النسخة، التي كانت بين يديه، وشطب منها كل ما كان من مصلحة علي بن أبي طالب وذريته، من السيادة والإمامة. وقال: إن بعضا من العلويين، ينكرون القرآن، المتداول اليوم، ولا يسلمون بأنه هو الذي نزل من الله على محمد، كما يعتقد المسلمون، بل يقولون: إنه اختلقه أبو بكر، وعمر، وعثمان.

 

نعم، إن لدى العلماء المحققين من الأدلة، ما يكفي لدحض هذه الدعاوي الباطلة، غير أنهم لا يسعهم، إلا التسليم بأن هذه التهم الشائنة صوبها نفس المسلمين إلى القرآن.

 

والذي يهمنا من المسألة، أن هذه التهم؛ في اعتبارهم؛ مخلة بجوهر الخلاص لكل فرد من المسلمين، إن كان في الإسلام خلاص، في حين أن الدعاوي المزعومة على كتابنا المقدس، محصورة في آيات قليلة، وهي التي سبقت الإشارة إليها. إن حذفت من الكتاب، أو زيدت عليه، لا تخل بشيء من عقائد الدين والخلاص على الإطلاق، لأنها عرضية لا جوهرية"([7]).

 

بيد أنه، إن كان شكك في هذه الدعوى، في هذا الموضع، من كتابه المذكور، فإنه جزم بها، في موضع آخر([8])، مستدلا، في تقرير زعمه، بأخبار ساقطة، لدى المحققين من علماء الإسلام، أو بأخبار مقبولة، لكنه لم يفهم المراد منها، أو فهمه وتجاهله، إذ المقصود منها النسخ لبعض الآيات، لا التغيير والتبديل، وشتان ما بين القول بالنسخ، والقول بالتحريف.

 

ومن المنصِّرين المَكَرَة، الذين يدعون هذه الدعوى، ويبثون سمومها، كلير تسدل، في كتابه "مصادر الإسلام"([9]).

 

ومن كتبهم، في زرع الفتنة بين المسلمين، كتاب بعنوان: "الشيعة مشاهد وعقائد الصوفية في الإسلام"، للمدعو "ر. توماس".

ولعل عنوانه يغني عن تجشم عناء البحث عنه، من أجل الاطلاع على مطالبه ومقاصده.

الهوامش:

([1]). الأنبياء: 91.

([2]). مريم: 21.

([3]). في المطبوع: ملايين.

([4]). سؤال لا بد من جوابه للمُسمِّي نفسه "عبد المسيح"، منشورات "دار الهداية"، سويسرا، ط. 1، 1991، ص. 28 – 29.

([5]). انظر الرد على هذه التهمة ومناقشتها، في كتابي "تذليل العقبات في طريق التقريب بين أهل السنة والشيعة الإمامية"، مطبعة اكدال المغرب، الرباط، ط. 1، 1418 / 1998، ص. 23 - 34.

([6]). ميزان الحق، دار الهداية، سويسرا، د. ت.، ج. 1، ص. 156.

([7]). ميزان الحق، ج. 1، ص. 153 - 155.

([8]). ميزان الحق، ج. 3، ص. 376 - 378.

([9]). مصادر الإسلام، منشورات "نور الحياة"، د. ت.، ص. 157.