مفهوم التقريب بين المذاهب الإسلامية.. التجربة، والتطور، والمعنى

مفهوم التقريب بين المذاهب الإسلامية.. التجربة، والتطور، والمعنى

مفهوم التقريب بين المذاهب الإسلامية..
التجربة، والتطور، والمعنى


 زكي الميلاد
 رئيس تحرير مجلة الكلمة ـ السعودية

 


                               ـ 1 ـ
مفهوم التقريب في دائرة الشك
تشتد اليوم موجة التشكيك حول مفهوم التقريب، بوصفه مفهوماً يتصل بمجال العلاقات بين المذاهب الإسلامية، ولأول مرة ترتفع وتيرة هذه الموجة من التشكيك، وبهذه الصورة التي تكاد تحاصر هذا المفهوم الخلاق، وتضيق الخناق عليه، وتسلب منه فضيلته وقيمته، وتضعه في دائرة الاتهام والمساءلة.
ولا شك أن هذه الموجة من التشكيك، واشتدادها وارتفاع وتيرتها اليوم، جاءت متأثرة بطبيعة الأوضاع والظروف المتأزمة في مجتمعات المسلمين، التي نشهد فيها ما يمكن تسميته بانفجار المشكلة المذهبية أو الفتنة المذهبية، المشكلة التي باتت شديدة الظهور والانكشاف.
ولأول مرة في التاريخ الإسلامي الحديث، وتحديداً منذ بداية القرن العشرين تظهر هذه المشكلة بهذا الانكشاف، وبهذا الاتساع المخيف والمرعب، الذي بات يقلق جميع العقلاء والحكماء في الأمة، وكل المتنورين والمصلحين.
وعند النظر في هذه التشكيكات، يمكن التوقف أمام ثلاثة أنماط منها، تختلف من حيث الدرجة والشدة، ومن حيث البواعث والخلفيات، ومن حيث منظورات الرؤية، وهذه الأنماط هي:
أولاً: هناك من يرى أن مفهوم التقريب كان وما زال مفهوما ملتبساً، منذ الإعلان عنه في أربعينيات القرن العشرين إلى اليوم، بشكل يصعب الإمساك بمضمونه، والاتفاق على هويته وماهيته، ونظراً لهذا الالتباس فإن المقولات الاحترازية هي التي تتقدم عند بيان هذا المفهوم، وشرحه من قبل المنخرطين في عملية التقريب.
وهذا القدر ليس كافياً في تحديد المفهوم وضبط مضمونه، والاتفاق عليه، ولكون هذا المفهوم بقي ملتبساً، فإن التباسه يمثل أحد عوامل عدم تحقق وتحقيق مضمونه فعلياً على الأرض، وفي ساحة المسلمين ([1]).
ثانياً: هناك من يرى أن مفهوم التقريب أصبح مفهوماً يرجع بنا إلى الوراء، ويجعلنا ننظر إلى الخلف، وتحديداً إلى تجربة دار التقريب في أربعينيات القرن العشرين، في حين أن الأوضاع العامة للأمة اليوم اختلفت كلياً وعلى المستويات كافة، وأصبحت أكثر تعقيداً.
وظهرت في ساحة المسلمين مشكلات وأزمات خطيرة للغاية، أدت في بعض الحالات، وفي بعض المجتمعات إلى حالة من الاقتتال، وهددت ولأول مرة بحصول حروب دينية بين المسلمين، وهذا ما لم يحصل في كل التاريخ الإسلامي.
ومن جهة أخرى، تغيرت صورة العالم في ظل عصر العولمة، وثورة المعلومات، وفي ظل التطورات المذهلة في شبكات الإعلام، وتكنولوجيا الاتصال، إلى جانب أننا انتقلنا من القرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين.
الوضع الذي يقتضي عند القائلين بهذا الرأي، البحث عن مفهوم آخر غير مفهوم التقريب، يكون أكثر وفاء واستجابة لهذه التطورات والوضعيات الراهنة في الأمة والعالم، وفي هذا الصدد هناك من يدعو إلى مفهوم التآخي بين المسلمين كبديل لمفهوم التقريب، ولعل هناك من يدعو إلى مفهوم آخر أيضاً.
ثالثاً: هناك من أظهر تحفظاً على مفهوم التقريب، واعتراضاً عليه أحياناً، وتبنى بدلاً منه مفهوم التعايش، وجاء هذا الموقف على خلفية أن مفهوم التقريب لكونه يتصل بالمجال الفكري والمذهبي والكلامي، وهذا من غير الممكن، في حين أن مفهوم التعايش لكونه يتصل بالمجال الاجتماعي وله علاقة بالسلم المجتمعي، فإنه ممكن، ويمثل ضرورة من هذه الناحية.
وقد تبلور هذا الموقف في ساحة أولئك الذين ظلوا بعيدين عن مسلك التقريب، وكانوا يبدون تحفظاً على هذا النمط من العلاقة بين المذاهب الإسلامية، ولا يرغبون في تطوير العلاقة إلى مستويات متقدمة، ويطالبون بالحد الأدنى من هذه العلاقة، والتي تتحدد حسب منظورهم في مفهوم التعايش.
والتغير الذي حصل في هذا الشأن، أن أصحاب هذا الموقف كانوا سابقاً يتحفظون على مفهوم التقريب ويعترضون عليه، ويشككون فيه، من دون تبني مفهوم آخر يكون بديلاً عنه من جهة، ومتناغماً مع مسلكهم الفكري من جهة أخرى، وحديثهم اليوم عن مفهوم التعايش بهذا القدر يمثل تطوراً في موقفهم الفكري.
هذه لعلها أبرز أنماط الشكوك التي يمكن التوقف عندها، وهناك أنماط أخرى جرى النقاش عنها من قبل، وتطرح من خارج ساحة التقريب، ومن البعيدين عنه نفسياً وفكرياً، من قبيل أن التقريب يستدعي تقديم تنازلات، وهذا ما يرفضه هؤلاء حسب منطقهم، ومن الفريقين سنة وشيعة، ومن قبيل أن الاختلاف بين المسلمين السنة والشيعة هو اختلاف أصول وليس اختلاف فروع حتى يجري التقريب بينهم، في حين أن التقريب جاء للبرهنة على أن هذا الاختلاف هو اختلاف فروع، وليس اختلاف أصول، إلى جانب اعتراضات أخرى تطرح بعيداً عن ساحة التقريب.

                             ـ 2 ـ
مفهوم التقريب.. الخبرة والتجربة
لمناقشة هذه الشكوك ومحاججتها، لابد من معرفة أن مفهوم التقريب لم يأت من فراغ، ولم يكن مجرد مفهوم عابر أو ساكن أو جامد أو بلا تاريخ وبلا سياق تاريخي، كما لم يكن مجرد مفهوم لغوي لا أصل له ولا أساس إلا في معاجم اللغة، ولم يكن أيضاً مجرد مفهوم ذهني تجريدي لا أصل له ولا أساس إلا في عالم الذهن، وهذا ما يعرفه كل من تعاطى واقترب من هذا المفهوم، حتى أولئك المشككين فيه، والمتحفظين عليه.
وما هو معروف أن مفهوم التقريب في هذا الشأن الذي نتحدث عنه، إنما جاءنا على خلفية الارتباط بتجربة حية وثرية، امتدت في عمرها الزمني ما يقارب ربع قرن، هي تجربة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، التي أعلنت عن نفسها في النصف الثاني من الأربعينيات، واستمرت فاعلة وحاضرة حتى مطلع سبعينيات القرن العشرين.
وتعد هذه التجربة من جهات عديدة، أهم تجربة ظهرت خلال القرن العشرين في مجال تحسين العلاقات بين المذاهب الإسلامية وإصلاحها وتطويرها، ومثلت في وقتها حدثاً تاريخياً لا يمكن تجاوزه على الإطلاق، أو المرور عليه وعدم الاكتراث به، وإنما حدثا يؤرخ له في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، من جهة تطور العلاقات بين مذاهب المسلمين.
ولم تكن هذه التجربة مجرد حدث شكلي مفرغ من المحتوى والمضمون، ولم تكن مجرد حدث ظهر إلى الوجود وسرعان ما طمس ولفه النسيان، كما لم تكن مجرد حدث عادي ظل وبقي بلا أثر أو تأثير، بل كانت تجربة في غاية الأهمية، كشفت عن عطاء فكري وعلمي وديني وأخلاقي هو من ألمع وأثمن عطاءات الفكر الإسلامي المعاصر في مجال الوحدة والتفاهم والتآلف بين المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلامية.
العطاء الذي تجلى متخلقاً في مجلة (رسالة الإسلام)، لسان حال دار التقريب، التي صدرت سنة 1949م، واستمرت في الصدور أكثر من عقدين، وتوقفت كلياً سنة 1972م، وصدر منها ستون عدداً، وتولى إدارتها ثلاثة من الأسماء المصرية المعروفة التي ارتبطت بدار التقريب، وهم الشيخ عبد العزيز عيسى، والدكتور محمد محمد المدني، والأستاذ علي السيد الجندي.
ومن يمعن النظر في هذه المجلة، التي اتخذت من آية (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ([2])، شعاراً لها، يجد أنها قدمت أصفى وأنقى وأفضل تراث يمكن الرجوع إليه خلال التاريخ الإسلامي الحديث في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية، فهي تدهش بمستوى تخلق خطابها المفعم بروح التقارب والتفاهم والتآلف، ونبذ كل أشكال التباعد والتعصب والتفرق.
التراث والخطاب الذي ما زال الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة إلى العودة إليه، والاستلهام منه، والتواصل معه، والبناء عليه.
هذا من جهة الخطاب، أما من جهة الأشخاص فقد ارتبطت تجربة دار التقريب بمجموعة من الأشخاص هم من صفوة علماء الأمة في عصرهم، أربعة منهم تعاقبوا على مشيخة الأزهر وهم على التوالي: الشيخ محمد مصطفى المراغي، والشيخ مصطفى عبد الرازق، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت.
 وإلى جانب هؤلاء كان أيضاً، الشيخ عبد العزيز عيسى، والشيخ حسن البنا، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ محمد عبد اللطيف دراز، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ علي الخفيف، والشيخ محمد محمد المدني، والأستاذ محمد علي علوبة باشا، والشيخ أمين الحسيني من فلسطين، والشيخ محمد تقي القمي من إيران، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من العراق، والسيد عبد الحسين شرف الدين، والشيخ حبيب آل إبراهيم، والشيخ محمد جواد مغنية من لبنان، إلى جانب آخرين أيضاً.
وكانت بين هؤلاء الأشخاص درجة عالية من التفاهم والتآلف والتوادد قل نظيره، وتجلى ذلك في العديد من المواقف والصور، ومن هذه الصور ما أشار إليه الشيخ محمود شلتوت وهو يتحدث عن الاجتماعات التي جرت في دار التقريب، ويصفها بقوله: كان (يجلس المصري إلى الإيراني، أو اللبناني، أو العراقي، أو الباكستاني، أو غير هؤلاء من مختلف الشعوب الإسلامية، وحيث يجلس الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي بجانب الإمامي والزيدي، حول مائدة واحدة تدوي أصوات فيها علم، وفيها أدب، وفيها تصوف، وفيها فقه، وفيها مع ذلك كله روح الأخوة، وذوق المودة والمحبة، وزمالة التعليم والعرفان) ([3]).
وحين يتذكر الشيخ محمد تقي القمي أول اجتماع بدار التقريب، بعد ثلاثة عشر عاماً على نشأتها، يرى فيه أنه (أول اجتماع من نوعه في الإسلام، جلس فيه علماء من السنة والشيعة حول مائدة واحدة، في هدوء العلماء المتضلعين، وفي وجوههم تصميم المجاهدين، وقلبوا وجوه الرأي لعلاج داء التفرق على هدي رسالة الإسلام، والمبادئ الإسلامية، فكتبوا بعملهم هذا فصلاً من فصول التاريخ الإسلامي المجيد) ([4]).
ومن أبلغ هذه الصور، ما ورد في سيرة الشيخ محمد تقي القمي، حين بلغه تعرض الدكتور محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة (رسالة التقريب)، وعميد كلية الشريعة بالأزهر، إلى حادث سير خطير في دولة الكويت ونقل إلى المستشفى، نقل على لسان الشيخ القمي قوله: (حين بلغني نبأ الحادث تجمعت هموم الدنيا في قلبي، ورحت أتضرع إلى الله سبحانه أن يشفيه، وحين جن الليل فرشت سجادتي، وجلست أتضرع إلى الله أن يقبل مني حياتي فداء لحياة الشيخ المدني، وأن يتوفاني بدله، لأنه أنفع مني إلى الإسلام والتقريب، لكن الله سبحانه شاء أن يتوفى الشيخ المدني وينتقل إلى جوار رحمته) ([5]).
وما نخلص إليه في هذا الجانب، أن مفهوم التقريب هو مفهوم يستند على تراكمات تجربة ثرية وغنية، تلاقحت فيها وتبلورت العديد من الأفكار والمفاهيم، والعديد من المناهج والنظريات، والعديد من الخبرات والممارسات، بحيث يمكن القول إن مفهوم التقريب بات يعبر عن خبرة نظرية وتطبيقية ممتدة في المكان والزمان، وعبرت إلى العديد من البيئات والمجتمعات التي تواصلت مع دار التقريب.

                                                   ـ 3 ـ
من الجامعة الإسلامية إلى التقريب بين المذاهب
ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ظهر في ساحة المسلمين مفهومان أساسيان لهما علاقة بمجال وحدة المسلمين، وهما مفهوم الجامعة الإسلامية الذي كان المفهوم الأبرز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومفهوم التقريب بين المذاهب الذي كان المفهوم الأبرز في النصف الأول من القرن العشرين.
وعند النظر في هذين المفهومين من جهة المعنى والبنية والسياق، يمكن تحديد المفارقات التالية:
أولاً: ارتبط مفهوم الجامعة الإسلامية بمرحلة دولة الخلافة العثمانية، بينما ارتبط مفهوم التقريب بمرحلة ما بعد تلاشي دولة الخلافة العثمانية، وقيام الدولة القطرية الحديثة السائدة اليوم في العالمين العربي والإسلامي.
ثانياً: إن مفهوم الجامعة الإسلامية كان ناظراً إلى الأمة من جهة منظور الدولة، والمقصود بها دولة الخلافة العثمانية، وجاء بقصد حماية هذه الدولة، والحفاظ على وحدة كيانها بوصفها دولة جامعة للمسلمين.
في حين أن مفهوم التقريب كان ناظرا إلى الأمة من جهة منظور المذهب، وجاء بقصد التقريب بين مذاهب المسلمين، وإصلاح العلاقات فيما بين أتباع هذه المذاهب.
ثالثاً: إن مفهوم الجامعة الإسلامية كان ناظراً بشكل أساسي إلى التحدي الخارجي، والمتمثل تحديداً في التحدي الأوروبي الذي كان يهدف إلى تفتيت دولة الخلافة العثمانية، وتمزيق كيان العالم الإسلامي تمهيداً للسيطرة عليه، والتحكم في ثرواته.
في حين أن مفهوم التقريب كان ناظراً بشكل أساسي إلى التحدي الداخلي، والمتمثل تحديداً في تنامي ظواهر التعصب والتفرق والتباعد بين أتباع مذاهب المسلمين.
رابعاً: إن مفهوم التقريب من الناحية التاريخية، حل مكان مفهوم الجامعة الإسلامية في مجال العلاقة بين المسلمين، وذلك بعد تلاشي دولة الخلافة العثمانية، وغياب السيد جمال الدين الأفغاني الذي ارتبط به مفهوم الجامعة الإسلامية، وكان المحرك له، والمتمثل لروحه.
 بمعنى أن التقريب هو المفهوم الذي اكتسب أوسع شهرة بعد مفهوم الجامعة الإسلامية، ومن جانب آخر، فإن مفهوم التقريب جاء امتداداً لمفهوم الجامعة الإسلامية، واستمراراً للنهج الفكري والإصلاحي الذي عبر عنه مفهوم الجامعة الإسلامية.
فالشيخ محمد تقي القمي حينما وصل إلى القاهرة أول مرة سنة 1938م، واتصل بعلماء الأزهر آنذاك، الذين كانوا إما من تلامذة الشيخ محمد عبده، وإما من المتأثرين به والمنتمين لمدرسته الفكرية، كأنه أراد بهذه الخطوة أن يستعيد ويستكمل الدور الذي نهض به الأفغاني من قبل، حين وصل إلى القاهرة أول مرة سنة 1286هـ، واتصل بالشيخ محمد عبده وبعلماء الأزهر آنذاك، ومنها كانت انطلاقة حركته الإصلاحية، التي عرفت فيما بعد بمدرسة الجامعة الإسلامية.
هذه الذاكرة التاريخية لم تكن بعيدة أو غائبة عن إدراك الشيخ القمي، وذلك بناء على خلفية أن معظم أو جميع الذين سلكوا نهج الدفاع عن وحدة الأمة، ونبذ كافة أشكال التعصب والتفرق والتباعد بين المسلمين، كان الأفغاني بصورة من الصور في ذاكرتهم، بوصفهم أحد أكثر المصلحين في تاريخ العالم الإسلامي الحديث دفاعاً عن وحدة الأمة، حيث اتخذ من الجامعة الإسلامية خطاباً ونهجاً ومسلكاً لحركته الإصلاحية.
وأشار إلى هذه الذاكرة التاريخية في إدراك الشيخ القمي، المؤرخ اللبناني الشيخ جعفر المهاجر الذي وجد تشابها ما بين خطوات القمي والأفغاني، فالشيخ القمي وصل إلى لبنان قبل ذهابه إلى مصر ومكثف فيها سنتان من سنة 1936م إلى سنة 1938م، بقصد إتقان اللغة العربية، ومن قبل ذهب الأفغاني إلى مدينة النجف العراقية قبل ذهابه إلى مصر، بقصد الاستزادة في تعلم العلوم العربية والإسلامية ([6]).
وما نخلص إليه في هذا الجانب، أن التقريب مفهوم يستند على خبرة تاريخية وسياق تاريخي يبرز أهميته وقيمته، ويكشف عن أبعاده وجوانبه، ويلفت النظر إلى طبيعة حقله الدلالي، ولم يكن مجرد مفهوم ساكن أو جامد، ولا مفهوم معلق في الهواء بلا تاريخ وبلا سياق تاريخي، الأمر الذي يعني أن تكوين المعرفة بهذا المفهوم، لا ينبغي أن يكون بعيداً عن سياقه التاريخي.

                                ـ 4 ـ
مفهوم التقريب.. بقاء وديمومة
حافظت فكرة التقريب، منذ انبعاثها في أربعينيات القرن العشرين على بقائها وثباتها، ودخلت حيز المجال التداولي ولم تفارقه، وأصبحت واحدة من أبرز المفاهيم في قاموس الوحدة الإسلامية، وتمسك بها المصلحون، وتنادى إليها المتنورون، واعتصم بحبلها المتعقلون، الذين ظلت ألسنتهم تلهج بها، وأفئدتهم تهفوا إليها.
وتجدد انبعاث هذه الفكرة، حين أعلن عن تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران سنة 1990م، الذي مثل أعظم استلهام لروح جماعة التقريب في القاهرة، ويرى نفسه أنه جاء امتداداً لها، وإحياء لفكرتها، واستكمالاً لرسالتها، واستمراراً لنهجها، وتعظيماً لرجالها.
ويذكر في هذا الشأن، أن المؤسسين لهذا المجمع وقبل الإقدام على هذه الخطوة، وجدوا أن الالتزام الأدبي والأخلاقي يدعوهم للعودة إلى الشيخ محمد تقي القمي، وأخذ استشارته بوصفه رائد فكرة التقريب في القرن العشرين، وحسب رواية السيد هادي خسروشاهي الذي كان على تواصل مع الشيخ القمي، فإنه قد رحب بهذا المبادرة وشجع عليها.
ويعقب السيد خسروشاهي أن هذا التكريم للشيخ القمي باستشارته والعودة إليه، قد بعثت فيه حالة من الحيوية والنشاط، دفعته إلى التحرك من جديد على طريق التقريب، حتى أنه فكر في العودة إلى القاهرة مجدداً لاستئناف نشاطات دار التقريب، لكن الحادث المؤسف الذي تعرض له في أحد شوارع باريس سنة 1990م، وأدى إلى وفاته حال دون ذلك ([7]).
والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، يعد اليوم أكبر مؤسسة إسلامية تعنى بشؤون التقريب على مستوى العالم الإسلامي، ولديه العديد من المؤسسات والنشاطات، منها مركز للتحقيقات والدراسات العلمية تأسس في مدينة قم سنة 1991م، نشر العديد من الكتابات والدراسات المحققة، وتتبع له جامعة علمية باسم جامعة المذاهب الإسلامية تأسست في طهران سنة 1992م، وتتكون من ثلاث كليات هي: كلية الفقه والحقوق، وكلية علوم القرآن والحديث، وكلية الكلام والفلسفة والأديان، وتدرس فيها كافة المذاهب الإسلامية المعترف بها في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وتصدر عنه مجلة متخصصة بعنوان (رسالة التقريب) تصدر كل شهرين، وينظم سنوياً مؤتمراً دولياً يقام في طهران، إلى جانب العديد من النشاطات الأخرى.
وما يدعم فكرة التقريب اليوم، أن هناك تياراً واسعاً في الأمة لديه إيمان راسخ بهذه الفكر، ويدافع عنها، ويتمسك بها، ويضم هذا التيار الممتد على مساحة جغرافيا العالم الإسلامي، صفوة من كافة النخب الثقافية والدينية والأكاديمية والاجتماعية والإعلامية والسياسية والاقتصادية، وباقي المجالات الأخرى.
ويعبر هذا التيار عن نفسه من خلال شبكة واسعة من النشاطات والفعاليات، على صورة كتابات وحوارات واجتماعات وندوات ومنتديات، وبوسائل متعددة، وبلغات مختلفة.
وما نخلص إليه في هذا الجانب، أن فكرة التقريب قد حافظت على بقائها وديمومتها، ولم تتوقف وتنقطع، أو تتلاشى وتضمحل، ولم تفقد بريقها وجاذبيتها، ولم تنطفئ جذوتها وشعلتها، رغم ما تعرضت إليه من صعوبات وتحديات ومحن، الأمر الذي يعني أن بقاء هذه الفكرة وثباتها وديمومتها جعل منها فكرة حية لها إرادة البقاء.

                                       ـ 5 ـ
التقريب.. من المفهوم إلى الإستراتيجية
في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، جرت محاولات عدة لتحويل فكرة التقريب إلى أطر إستراتيجية تكون واضحة الأسس والمعالم، وتتحدد فيها المقاصد والغايات، وذلك لدفع فكرة التقريب خطوات إلى الأمام، وإعطائها بعداً استراتيجياً، والتعامل معها وفق هذا المنظور الاستراتيجي، وإخراجها من الحيز النظري الذي كانت عليه، إلى الحيز التطبيقي.
وفي هذا النطاق، جاءت الندوة الدولية التي عقدت بدمشق في أبريل 1999م، وبحثت وضع إستراتيجية مشتركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكانت برعاية مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية في لندن، وبالتعاون مع العديد من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية، ومنها مؤسسة الأزهر في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في السعودية، ودار الحسنية في المغرب، والمنظمة الإسلامية إيسيسكو، وأكاديمية العلوم في إيران، وحضرها جمع كبير من العلماء والمفكرين والباحثين من أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة.
وفي سنة 2002م أعلن المجمع العالمي للتقريب في طهران عن إستراتيجية له في التقريب بين المذاهب الإسلامية، شرح فيها المفاهيم والمبادئ والقيم، وحدد أسس التقريب ومجالاته، وكشف عن الأهداف والتطلعات.
وتتمة لهذه الخطوة، عقد المجمع سنة 2005م مؤتمره السنوي في طهران، تحت عنوان (إستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية).
لكن الخطوة المتقدمة في هذا المجال، هي الخطوة التي أقدمت عليها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، حين وضعت إستراتيجية لها بعنوان (إستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية)، إلى جانب استراتيجياتها الأخرى في التربية والثقافة والعلوم، واعتبرت أن هذه الإستراتيجية تتصل بمجال بالغ الأهمية يرتبط بالوحدة الثقافية في العالم الإسلامي، وبتماسك الأمة الإسلامية وتضامنها.
وجاءت هذه الخطوة، بعد برنامج عملي وضعته المنظمة الإسلامية يعنى بقضية التقريب، وفي إطار تنفيذ هذا البرنامج عقدت المنظمة ندوتان عقدتا في العاصمة المغربية الرباط، الندوة الأولى عقدت سنة 1991م، والندوة الثانية عقدت سنة 1996م.
وهاتان الندوتان كانتا في نظر المدير العام للمنظمة الإسلامية الدكتور عبد العزيز التويجري بمثابة القاعدة لتطوير التفكير في ضرورة بلورة وثيقة تحدد الهدف الرئيس من التقريب، وتوضح المفهوم العملي لهذا التقريب، ووضع الأسس للعمل من أجل تحقيق هذا الهدف عن طريق التعاون والتنسيق بين أتباع المذاهب الإسلامية للتغلب على كل المعوقات التي تحول دون التقريب.
وعلى ضوء نتائج هاتين الندوتين عهدت المنظمة الإسلامية، إلى فريق من العلماء والمفكرين وضع وثيقة مشروع (إستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية).
ويرى الدكتور التويجري أن هذا المشروع جاء مستمدا من روح الشريعة الإسلامية، ومستوحا من مقاصدها الشريفة، وقائما على أسس علمية تمثل خلاصة ما انتهى إليه الفكر الإسلامي في هذا العصر، من ضرورة التأكيد على تجاوز الاختلافات المذهبية، والارتقاء إلى مستوى المعالجة العلمية، تحقيقاً لوحدة الأمة الإسلامية الثقافية والفكرية والوجدانية، ووحدة العمل من أجل تحقيق المصالح العليا ([8]).
وفي سنة 2001م عقدت المنظمة الإسلامية في العاصمة الأردنية عمان، اجتماعاً أطلقت عليه اجتماع للخبراء خصص لمناقشة ومراجعة هذه الإستراتيجية، وذلك قبل إقرارها من الدول الأعضاء في المنظمة، وكنت واحداً من الذين شاركوا في هذا الاجتماع.
وفي مايو 2003م اعتمد المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية هذه الإستراتيجية، في دورته الثلاثين المنعقدة في العاصمة الإيرانية طهران.
وحسب هذه الإستراتيجية، فقد جرى إعدادها على أسس علمية وفكرية، مجردة عن المؤثرات العاطفية، والتحيز المذهبي، وبأسلوب مرن محكم، يجعله ممكن التحقيق، قابلاً للبرمجة والتطبيق.
وفي نظر هذه الإستراتيجية، يعد التقريب عاملاً مهماً في تضييق رقعة الخلافات، والحد من انتشار ظاهرة التعصب المفضية إلى التفرقة والفتن، وجسراً متيناً لترسيخ قيم الائتلاف والتسامح وإتباع صراط الرشاد الهادي إلى تماسك الأمة، وتدعيم عناصر وحدتها.
وترى هذه الإستراتيجية، أن مسؤولية التقريب هي (مسؤولية جماعية يشترك فيها العالم والمثقف والفقيه والأديب والداعية، ورجل الإعلام والصحافة، إلى جانب الأجهزة والمؤسسات الرسمية والشعبية، وتتطلب هذه المسؤولية ما يلي:
1ـ تخطيط عمليات التقريب، والسهر على تنفيذها، مع تبني استراتيجيات محلية منبثقة من أهداف هذه الاستراتيجية الأم ومضامينها.
2ـ إعداد البرامج والأنشطة القابلة للتنفيذ على المستوى الوطني، وربطها بالأنشطة المماثلة في بلدان الدول الأعضاء، وتطوير أنشطتها، وإذكاء حيويتها.
3ـ تنمية علاقات التعاون والتكامل مع الهيئات المماثلة في البلدان الشقيقة، ومع المنظمات والهيئات ذات العلاقة، وطنياً وعربياً وإسلامياً.
4ـ الإسهام في إعداد حملة رسالة التقريب، وتدريبهم على نشر ثقافته، وفق أسس إسلامية وحدوية صحيحة وسليمة)([9]).
وتجزم هذه الإستراتيجية، أنها إذا ما أعطيت حقها من التنفيذ والمتابعة، فإن مسألة التقريب التي جسدتها في كامل بنيتها التنظيمية (مقدمة وأهدافاً وأسساً ومضامين ووسائل) ليست بمستعصية الحل، ولا صعبة المنال ([10]).
وما نخلص إليه في هذا الجانب، أن فكرة التقريب شهدت تطوراً في غاية الأهمية تحدد في تحويل هذه الفكرة إلى استراتيجيات تتكشف فيها المفاهيم والمصطلحات، المقاصد والغايات، الأسس والمرتكزات، الوسائل والأساليب، وتجعل منها فكرة واضحة المعالم، ولا ينبغي النظر لهذه الفكرة بعيداً عن هذا التطور الاستراتيجي.

                       ـ 6 ـ
التقريب.. وتحرير المعنى
بعد كل هذه الأبعاد والتطورات والاستراتيجيات، كيف يتحدد معنى التقريب ضبطا وتحديدا.
بالعودة إلى الاستراتيجيات التي أشرنا إليها من قبل، فإنها حاولت وضع تحديد لضبط معنى التقريب، فاستراتيجية المجمع العالمي، حددت معنى التقريب في الفصل الخاص بالمفاهيم، على النحو التالي:
التقريب يعني: التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية بغية تعرف بعضهم على البعض الآخر، عن طريق تحقيق التآلف والأخوة الدينية، على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة ([11]).
أما إستراتيجية المنظمة الإسلامية، فقد توسعت في تحديد معنى التقريب، وأشارت إليه من جهات عديدة، لغوية واصطلاحية وإستراتيجية وعملية، طلباً على ما يبدو لتكثيف المعاني وتأكيدها، وتحدد المعنى في فصل مفاهيم التقريب ومصادره، على النحو التالي:
(مفهوم التقريب: قرب الشيء قرباً وقرباناً: دنا منه، وقارب: اقتصد وترك المبالغة، وتقارب ضد تباعد، وهو أحد المعاني الاصطلاحية المقصودة في هذه الإستراتيجية.
كما أن المقصود بالتقريب هنا: العمل على تشخيص المسائل والقضايا المشتركة بين المذاهب، والمسائل المتفق عليها في مجال العقيدة والفقه، كما يقصد به السعي لإيجاد طرق وفاق بين المسائل الخلافية، من منظور التقارب وحسن التفاهم، وبما يوضح الفروق بين المسائل الخلافية الفرعية، وبين المسائل الخلافية الأصولية، حتى لا تضيع الأصول في ترجمة الاختلافات الفرعية، مع العمل على التسلح بالدليل القاطع والبرهان الصحيح، المستنبط من مصادر التشريع الإسلامي الصحيحة، دون تسرع في الحكم على أهل القبلة بأي من الأحكام المفرقة، كالتكفير أو التفسيق أو رمي المسلم بالشرك، أو اتهامه بالخروج عن جادة الإسلام، مع الالتزام بمبدأ التجرد عن التعصب المذهبي، والابتعاد عن الطائفية الضيقة، وضرورة تحري الحقيقة الإسلامية، وبناء الأحكام على أسس الأدلة الصحيحة.
وعلى ذلك، فإن المفهوم العملي للتقريب في هذه الإستراتيجية، لا يعني بأي حال إلغاء المذاهب، أو إلغاء الاختلاف، كما لا يعني إدماج بعضها في بعض، أو الترجيح الكلي، وإنما يعني العمل على تكوين جوامع مشتركة، والعمل بالدليل الصحيح بغرض المزيد من التلاحم والتكامل الوثيق، والتفاهم العميق، وترك الغلو، وإزالة اللبس، ومحو الريب.
 وزيادة في الإيضاح فإن التقريب بالمفهوم الاستراتيجي المقصود، وسيلة لجمع الشمل، ورأب الصدع، وتبادل حسن الظن والتقدير بين أبناء الملة الإسلامية الواحدة، من أجل صيانة وحدة الأمة الإسلامية، والحفاظ على مقاصد الشريعة التي تقر وتحفظ مصالح الجميع) ([12]).
وهذه التحديدات لمعنى التقريب، تتطابق وتتناغم تماماً مع جوهر وفلسفة خطاب دار التقريب في القاهرة، وأشارت إلى هذا المعنى في نظامها الأساسي الصادر سنة 1947م، الذي اعتبر أن من أغراض جماعة دار التقريب (العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية، الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان بها).
وحين نظرت في مفهوم التقريب من جهاته اللغوية والاصطلاحية، وجدت أن هذا المفهوم يمكن تحديده على النحو التالي:
أن مفهوم التقريب يتركب من عنصرين متلازمين هما: نفي التباعد، وتحصيل التقارب، فالعنصر الأول له طابع سلبي، ويتصل بإزالة كل أشكال التباعد بين المذاهب الإسلامية وأتباعها، وكل ما يقع في طريق التباعد، كالجهل والتعصب والتطرف والقطيعة والانغلاق، وكل ما يؤدي إلى هذا التباعد وبكافة الصور والأشكال.
والعنصر الثاني له طابع إيجابي، ويتصل بتحصيل كل أشكال التقارب بين المذاهب الإسلامية وأتباعها، وكل ما يقع في طريق التقارب، كالتعارف والتسامح والتواصل والانفتاح والتآلف، وكل ما يؤدي إلى هذا التقارب وبكافة الصور والأشكال.
وذلك تحقيقاً لمبدأ الأخوة الإسلامية، وحماية لوحدة الأمة وتماسكها، وسعياً للنهضة والتمدن والعمران الإنساني.


-------------------------------------------
([1])معتز الخطيب. محنة التقريب بين السنة والشيعة، القاهرة: دار نهضة مصر، 2009م، ص150 .
([2])سورة الأنبياء، آية: 92 .
([3])حسان عبد الله حسان. كشاف مجلة رسالة الإسلام، بيروت: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، 2005م، ص15 .
([4])محمد تقي القمي. قصة التقريب، مجلة رسالة الإسلام، القاهرة، السنة الحادية عشرة، العدد الرابع، أكتوبر ـ ديسمبر 1959م، ص .
([5])محمد علي آذرشب. ملف التقريب، طهران: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، 1421هـ، ص136 .
([6])جعفر المهاجر. محمد تقي القمي في القاهرة، مجلة رسالة التقريب، طهران، العدد 81، رمضان ـ شوال 1431هـ، ص221 .
([7])هادي خسروشاهي. قصته التقريب، طهران: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، 2007م، ص40 .
([8]) المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. إستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، الرباط، 2004م، ص6.
([9])المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. المصدر نفسه، ص17 .
([10])المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. المصدر نفسه، ص15 .
([11])المعاونية الثقافية. المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية أهدافه ومنهجه ومنجزاته، طهران، 2008م، ص16 .
([12])المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. إستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، مصدر سابق، ص 38 .