أفاد الأمر بالقيام بالحق والعدل وذلك موجب على كل أحد إنصاف الناس من نفسه فيما يلزمه لهم وإنصاف المظلوم من ظالمه ومنع الظالم من ظلمه لأن جميع ذلك من القيام بالقسط ثم أكد ذلك بقوله شهداء لله يعني والله أعلم فيما إذا كان الوصول إلى القسط من طريق الشهادة فتضمن ذلك الأمر بإقامة الشهادة على الظالم المانع من الحق للمظلوم صاحب الحق لاستخراج حقه منه وأيضا له إليه وهو مثل قوله تعالى ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه وتضمن أيضا الأمر بالاعتراف والإقرار لصاحب الحق بحقه بقوله تعالى ولو على أنفسكم لأن شهادته على نفسه هو إقراره بما عليه لخصمه فدل ذلك على جواز إقرار المقر على نفسه لغيره وأنه واجب عليه أن يقر إذا طالبه صاحب الحق وقوله تعالى أو الوالدين والأقربين فيه أمر بإقامة الشهادة علىالوالدين والأقربين ودل على جواز شهادة الإنسان على والديه وعلى سائر أقربائه لأنهم والأجنبيين في هذا الموضع بمنزلة وإن كان الوالدان إذا شهد عليهما أولادهما ربما أوجب ذلك حبسهما وأن ذلك ليس بعقوق ولا يجب أن يمتنع من الشهادة عليهما لكراهتهما لذلك لأن ذلك منع لهما من الظلم وهو نصرة لهما كما قال ص - أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقيل يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال ترده عن الظلم فذلك نصر منك إياه وهو مثل قوله ص - لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وهذا يدل على أنه إنما تجب عليه طاعة الأبوين فيما يحل ويجوز وأنه لا يجوز له أن يطيعهما في معصية الله تعالى لأن الله قد أمره بإقامة الشهادة عليهما مع كراهتهما لذلك .
وقوله تعالى إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما أمر لنا بأن لا ننظر إلى فقر المشهود عليه بذلك إشفاقا منا عليه فإن الله أولى بحسن النظر لكل أحد من الأغنياء والفقراء وأعلم بمصالح الجميع فعليكم إقامة الشهادة عليهم بما عندكم .
وقوله تعالى فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا يعني لا تتركوا العدل اتباعا للهوى والميل إلى الأقرباء وهو نظير قوله تعالى إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى وفي ذلك دليل على أن على الشاهد إقامة الشهادة على الذي عليه الحق وإن كان عالما بفقره وأنه لا يجوز له الامتناع من إقامتها خوفا من أن يحبسه القاضي لفقد علمه بعدمه .
وقوله تعالى وإن تلووا أو تعرضوا فإنه يحتمل ما روي عن ابن عباس أنه في القاضي يتقدم إليه الخصمان فيكون