وأن لا يرجوا فعصوا وخلوا مواضعهم حين رأوا هزيمة المشركين وظنوا أنه لم يبق لهم باقية واختلفوا وتنازعوا فحمل عليهم خالد بن الوليد من ورائهم فقتلوا من المسلمين من قتلوا بتركهم أمر رسول الله ص - وعصيانهم وفي ذلك دليل على صحة نبوة النبي ص - لأنهم وجدوا موعود الله كما وعد قبل العصيان فلما عصوا وكلوا إلى أنفسهم وفيه دليل على أن النصر من الله في جهاد العدو مضمون باتباع أمره والاجتهاد في طاعته وعلى هذا جرت عادة الله تعالى للمسلمين في نصرهم على أعدائهم وقد كان المسلمون من الصدر الأول إنما يقاتلون المشركين بالدين ويرجون النصر عليهم وغلبتهم به لا بكثرة العدد ولذلك قال الله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا فأخبر أن هزيمتهم إنما كانت لتركهم أمر رسول الله ص - في الإخلال بمراكزهم التي رتبوا فيها وقال تعالى منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة وإنما أتوا من قبل من كان يريد الدنيا منهم قال عبدالله بن مسعود ما ظننت أن أحدا ممن قاتل مع النبي ص - يريد الدنيا حتى أنزل الله تعالى منكم من يريد الدنيا وعلى هذا المعنى كان الله قد فرض على العشرين أن لا يفروا من مائتين بقوله تعالى إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين لأنه في ابتداء الإسلام كانوا مع النبي ص - مخلصين لنية الجهاد لله تعالى ولم يكن فيهم من يريد الدنيا وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا رجالة قليلي العدة والسلاح وعدوهم ألف فرسان ورجالة بالسلاح الشاك فمنحهم الله أكتافهم ونصرهم عليهم حتى قتلوا كيف شاؤا وأسروا كيف شاؤا ثم لما خالطهم بعد ذلك من لم يكن له مثل بصائرهم وخلوص ضمائرهم خفف الله تعالى عن الجميع فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ومعلوم أنه لم يرد ضعف قوى الأبدان ولا عدم السلاح لأن قوى أبدانهم كانت باقية وعددهم أكثر وسلاحهم أوفر وإنما أراد به أنه خالطهم من ليس له قوة البصيرة مثل ما للأولين فالمراد بالضعف ههنا ضعف النية وأجرى الجميع مجرى واحدا في التخفيف إذا لم يكن من المصلحة تمييز ذوي البصائر منهم بأعيانهم وأسمائهم من أهل ضعف اليقين وقلة البصيرة ولذلك قال أصحاب النبي ص - في يوم اليمامة حين انهزم الناس أخلصونا أخلصونا يعنون المهاجرين والأنصار قوله