تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم قال طلحة وعبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام وقتادة والربيع بن أنس كان ذلك يوم أحد بعد هزيمة من انهزم من المسلمين وتوعدهم المشركون بالرجوع فكان من ثبت من المسلمين تحت الحجف متأهبين للقتال فأنزل الله تعالى الأمنة على المؤمنين فناموا دون المنافقين الذين أرعبهم الخوف لسوء الظن قال أصحاب النبي ص - فنمنا حتى اصطفقت الحجف من النعاس ولم يصب المنافقين ذلك بل أهمتهن أنفسهم فقال بعض أصحاب النبي ص - سمعت وأنا بين النائم واليقظان معتب بن قشير وناسا من المنافقين يقولون هل لنا من الأمر من شيء وهذا من لطف الله تعالى للمؤمنين وإظهار أعلام النبوة في مثل تلك الحال التي العدو فيها مطل عليهم وقد انهزم عنهم كثير من أعوانهم وقد قتلوا من قتلوا من المسلمين فينامون وهم مواجهون العدو في الوقت الذي يطير فيه النعاس عمن شاهده ممن لا يقاتل فكيف بمن حضر القتال والعدو قد أشرعوا فيهم الأسنة وشهروا سيوفهم لقتلهم واستيصالهم وفي ذلك أعظم الدلائل وأكبر الحجج في صحة نبوة النبي ص - من وجوه أحدها وقوع الأمنة مع استعلاء العدو من غير مدد أتاهم ولا نكاية في العدو ولا انصرافهم عنهم ولا قلة عددهم فينزل الله تعالى على قلوبهم الأمنة وذلك في أهل الإيمان واليقين خاصة والثاني وقوع النعاس عليهم في مثل تلك الحال التي يطير في مثلها النعاس عمن شاهدها بعد الإنصراف والرجوع فكيف في حال المشاهدة وقصد العدو نحوهم لاستيصالهم وقتلهم والثالث تمييز المؤمنين من المنافقين حتى خص المؤمنين بتلك الأمنة والنعاس دون المنافقين فكان المؤمنون في غاية الأمن والطمأنينة والمنافقون في غاية الهلع والخوف والقلق والاضطراب فسبحان الله العزيز العليم الذي لا يضيع أجر المحسنين قوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم قيل إن ما ههنا صلة معناه فبرحمة من الله روي ذلك عن قتادة كما قال عما قليل ليصبحن نادمين وقوله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم واتفق أهل اللغة على ذلك وقالوا معناها التأكيد وحسن النظم كما قال الأعشى ... أذهبي ما إليك أدركني الحلم ... عداني عن هيجكم أشفاقي