بقبض المال كان أبعد من أن يدعي ما ليس له وأما الوصي فلأن يبطل دعوى اليتيم بأنه لم يدفعه إليه كما أمر الله تعالى بالإشهاد على البيوع احتياطا للمتبايعين ووجه آخر في الإشهاد وهو أنه يظهر أداء أمانته وبراءة ساحته كما أمر النبي ص - الملتقط بالإشهاد على اللقطة في حديث عياض بن حماد المجاشعي أن النبي ص - قال من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فأمره بالإشهاد لتظهر أمانته وتزول عنه التهمة والله الموفق .
ذكر اختلاف الفقهاء في تصديق الوصي على دفع المال إلى اليتيم .
قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد في الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع المال إليه أنه يصدق وكذلك لو قال أنفقت عليه في صغره صدق في نفقة مثله وكذلك لو قال هلك المال وهو قول سفيان الثوري وقال مالك لا يصدق الوصي أنه دفع المال إلى اليتيم وهو قول الشافعي قال لأن الذي زعم أنه دفعه إليه غير الذي ائتمنه كالوكيل بدفع المال إلى غيره لا يصدق إلا ببينة وقال الله تعالى فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم قال أبو بكر وليس في الأمر بالإشهاد دليل على أنه غير أمين ولا مصدق فيه لأن الإشهاد مندوب إليه في الأمانات كهو في المضمونات ألا ترى أنه يصح الإشهاد على رد الأمانات من الودائع كما يصح في أداء المضمونات من الديون فإذا ليس في الأمر بالإشهاد دلالة على أنه غير مصدق فيه إذا لم يشهد فإن قيل إذا كان مصدقا في الرد فما معنى الإشهاد مع قبول قوله بغير بينة قيل له فيه ما قدمنا ذكره من ظهور أمانته والاحتياط له في زوال التهمة عنه في أن لا يدعى عليه بعد ما قد ظهر رده وفيه الاحتياط لليتيم في أن لا يدعي ما يظهر كذبه فيه وفيه ايضا سقوط اليمين عن الوصي إذا كانت له بينة في دفعه إليه ولو لم يشهد وادعى اليتيم أنه لم يدفعه كان القول قول الوصي مع يمينه وإذا أشهد فلا يمين عليه فهذه المعاني كلها مضمنة بالإشهاد وإن كان أمانة في يده ويدل على أنه مصدق فيه بغير إشهاد اتفاق الجميع على أنه مأمور بحفظه وإمساكه على وجه الأمانة حتى يوصله إلى اليتيم في وقت استحقاقه فهو بمنزلة الودائع والمضاربات وما جرى مجراها من الأمانات فوجب أن يكون مصدقا على الرد كما يصدق على رد الوديعة والدليل على أنه أمانة أن اليتيم لو صدقه على الهلاك لم يضمنه كما أن المودع إذا صدق المودع في هلاك الوديعة لم يضمنه وأما قول الشافعي أنه لم يأتمنهم الأيتام لم يصدقوا