فصل في التحدي .
يجب أن تعلم أن من حكم المعجزات إذا ظهرت على الأنبياء أن يدعوا فيها أنها من دلالتهم وآياتهم لأنه لا يصح بعثة النبي من غير أن يؤتى دلالة ويؤيد بآية لان النبي لا يتميز من الكاذب بصورته ولا يقول نفسه ولا بشيء آخر سوى البرهان الذي يظهر عليه فيستدل به على صدقه .
فإذا ذكر لهم أن هذه آيتي وكانوا عاجزين عنها - صح له ما ادعاه .
ولو كانوا غير عاجزين عنها - لم يصح أن يكون برهانا له .
وليس يكون معجزا إلا بان يتحداهم إلى أن يأتوا بمثله فإذا تحداهم وبان عجزهم - صار ذلك معجزا .
وإنما احتيج في باب القرآن إلى التحدي لان من الناس من لا يعرف كونه معجزا فإنما يعرف أولا إعجازه بطريق لان الكلام المعجز لا يتميز من غيره بحروفه وصورته وإنما يحتاج إلى علم وطريق يتوصل به إلى معرفة كونه معجزا .
فان كان لا يعرف بعضهم إعجازه فيجب أن يعرف هذا حتى يمكنه أن يستدل به .
ومتى رأى أهل ذلك اللسان قد عجزوا عنه بأجمعهم مع التحدي إليه والتقريع به والتمكين منه - صار حينئذ بمنزلة من رأى اليد البيضاء وانقلاب العصى ثعبانا تتلقف ما يأفكون .
وأما من كان من أهل صنعة العربية والتقدم في البلاغة ومعرفة فنون القول ووجوه المنطق - فانه يعرف - حين يسمعه - عجزه عن الإتيان بمثله