/ صفحه 108 /
نستطيع أن ندخل تحت هذا الحكم العام ـ حكم النهضة بعد الرقاد، والصحوة بعد الغفوة ـ كل ناحية من نواحي الأمة الإسلامية إلا ناحية واحدة، لا نحب أن نسرف فنقول إن الأمة رجعت فيها القهقري، ولكننا نقتصد فنقول: إن حظها من النهوض والتقدم فيها جد ضئيل. تلك هي الناحية المتصلة بالدين علماً وعملاً وأخلاقاً وتشريعاً، واقتناعاً وتحمساً.
هؤلاء شبابنا لا يدركون من شئون دينهم ـ إذا استثنينا بعض الخاصة والأزهريين في مصر ومن إليهم في البلاد الإسلامية الأخرى ـ إلا صورة باهتة حائلة عن بعض عقائده وتعالميه ورثوها عن الآباء والأجداد كما يورث المتاع بالانتقال من مالك إلى مالك، ولم يدركوها عن تطلب وتحصيل واكتساب، ولذلك نراها مغمورة أو مطمورة فيما حولها من مذاهب وفلسفات وأفكار، فلا تكاد تبين. على أن النابهين من الخاصة لا يزعمون أنهم قد أوفوا بدارساتهم وتوجيهاتهم وقيادتهم الفكرية على ما ينتظرون ويُنتظر منهم، فما زال بينهم وبين هذه الغاية أشواط وأشواط.
وهذه هي المدارس العامة، والكليات الجامعية المدنية في سائر البلاد الإسلامية تخب في علوم الغرب وتضع، فتقدم إلى الأمة أعلاماً في الطب والصناعة والفنون المختلفة، على حين تهمَل فيها الثقافة الإسلامية العليا إهمالاً واضحاً.
وتلك هي الكتب التي ورثناها عمن سبقنا ما تزال هي المسيطرة على تفكيرنا، الموجهة لعقولنا، لأننا لم نجد خيراً منها، بل لم نستطع أن نجاري أصحابها ونسامتهم فيما نحاول اخراجه للناس من تآليف أو بحوث، دون أن نعتمد عليهم، أو نتقيد بأساليبهم، فكان قصارى المفكر فينا، أو الباحث منا، أن يبسط علمهم، وينشر آراءهم، أو يولِّد من كلامهم وأحكامهم، فاذا اختلفنا في شئ كانت لهم الكلمة العليا، والقول الفصل، وفي ذلك دليل أيُّ دليل على هبوطنا عن مستواهم ـ وإن زعمنا لأنفسنا غير ذلك ـ حيث درنا على محورهم، وجعلنا لمقاييسهم وموازينهم الفكرية سلطان الحكم لنا أو علينا.