/ صفحه 114/
التسمية شعار المسلمين:
هذا هو معنى البسملة في أوائل السور، وقد صارت بعد شعاراً للمسلمين يقصد به اظهار التبري من الحول والقوة، وليس معنى هذا أن الإنسان يتجرد من كل حوله وقوته، ويلقى بنفسه في أحضان القضاء المجهول أو المصادفات المباغتة دون تفكير ولا عمل ولا جَهد، كما يطيب لبعض ذوي الاغراض الفاسدة أن يتصوروا أثر الاستعانة واللجوء إلى الله على هذا النحو، ويجعلون ذلك سبيلاً إلى القول بأن الإسلام يربي في متبعيه بمثل هذه الاساليب روح الاستكانة والضعف والاعتماد على القوى الغيبية المجهولة، وقد أخطأوا في ذلك، وضلوا وأضلوا، فما كان الإنسان في نظر الدين الا خليفة في الارض، يعمل ويكدح، وينظم ويتصرف ويُكلَّف ويحاسب، ولا ريب أن كل ذلك ينفي عن الإسلام تهمة إهمال القوى الإنسانية وتعطيلها اعتماداً على اللجوء إلى الله.
على أن التعبير في (بسم الله الرحمن الرحيم) ينفي هذه التهمة، فهو صريح في أن للعبد عملاً اساسياً، وانه انما يعمله بأمر الله ولو لا الله لما فعله ولما قدر عليه. فالله هو الذي خلقه، وهو الذي أودع فيه قوى التفكير والعمل، وهو الذي أمدَّها برحمته، ولو تخلت رحمته عنها طرفة عين، لما كانت، ولما كان الإنسان فأين هذا مما يصوره الظالمون ؟
إن الإنسان في هذه الحياة، وفي كل ما يزاوله من اعمال، لفي حاجة إلى قوتين يباشر بأحداهما عمله، ويقوى بالاخرى روحه المعنوية، فإن للروح المعنوية فيمتها وآثارها في العمل والانتاج، فإذا اتجه الإنسان إلى ربه القوى القاهر، وتمثل عظمته ورحمته، وجبروته وغضبه، كان ذلك أدعى إلى أن يُقدِم على ما يريد قوى النفس، ثابت العزم، غير متزلزل الارادة، ثقة بأنه يأوي إلى ركن شديد، وكان ذلك في الوقت نفسه أدعى أيضاً إلى تحرّي ما يرضي ربّه والبعد عما يغضبه، فهو لا يعنون عمله باسم الله، الا حيث يعلم ان ذلك العمل يرضي الله، والا كان هازئا بربه، ساخراً بمولاه.