/ صفحه 131/
من الظلمات إلى النور وقضت على ما كانوا يرزحون فيه من قيود الاستبداد والاستعباد حيث كان الفرد يلقى في غياهب السجون بلا ذنب معين، ولا زمن محدد حتى يكاد ينسى إلى أن يأتيه القضاء المحتوم، وبددت نظام الاقطاعات التي كان يسودها سيد مطاع، لا معقب لأمره، له السيطرة التامة على مسوديه في الأموال والأرواح.
ومن يتأمل ير أنها في ذلك الوقت وهو وقت إعلانها ووقت شيوعها وذيوعها لم ترن هذا الرنين، ولم تطن هذا الطنين، في أهل البلاد الإسلامية، لأنه لم يكن لها من أثر في أنظمتهم ولا في حياتهم العامة أو الخاصة، فلم يعتبر الإسلام الفرد مسلوب الارادة، مهضوم الحق لا يملك لنفسه أمراً. وقد جاءت تعاليم الشريعة السمحة وأوامر القرآن الكريم، بالمساواة وبالحرية بين الناس، ومنعت الفوارق، فلم يكن لعربي فضل على أعجمي الا بالتقوى، وأوحت بالإخاء (انما المؤمنون أخوة) ونظمت أفرادهم جميعاً في عقد واحد، لتجعل منهم أمة واحدة (إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
أما في البلاد الاوربية حيث كان الحال كما صورنا فقد وجب على أهلها أن يهللوا، وأن يستبشروا، بتلك المبادئ وبضرورة احتضانها، ولذلك بادروا بتسجيلها، والعلم على تثبيتها، فشرعوا يضمنونها دساتيرهم، ويبنون على أساسها أنظمته النيابية، واعتبروها حقوقاً مقدسة، لا محيد عنها ولا محيص، وأوجبوا احترامها، وعدم البعث بها، ليتمتع بها بنو البشر جميعاً، ومن لم يسر على هداها كان طاغياً، مستبداً، عابثاً بالحريات وبالكرامة الانسانية، قاضياً على المواهب التي اودعها الله عباده، واختص نفسه بهبتها، فهو الذي يؤتي الحكمة من يشاء، فإذا كممت الافواه، وخفتت الاصوات، وخنقت الحريات، وخرست الالسن ولم يعد يشعر الإنسان بحرية في تفكيره وعقيدته، وقوله وعمله، فلن تبرز له كفاية ولن تنمو مواهبه، ولن يخصب ذهنه، وإذا أحس أنه دون أخيه مرتبة في الإنسانية شعر بالمذلة والهوان، وفترت همته، وقعدت عزيمته، ولم يأت نشاطه