/ صفحه 142 /
وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله. يطيع الله فيما أمر به، وينتهى عما نهى عنه، ويُعمل عقله حيث لا أمر ولا نهي، لأن العقل منحة الله، والله أمر باستخدامه والاستهداء به.
إن كان هذا فما الذي جعل المسلمين في أنحاء العالم في الذيل لا في الصدر، وفي المؤخرة لا في المقدمة، وكان مقتضىس العقل أن تجعلهم هذه العقيدة في طليعة أهل العالم، وحاملي لوائهم وهداتهم، والسابقين إلى الخيرات، والآمرين لا المؤتمرين، والقائدين الأعزة لا المقتادين الأذلة ؟
سؤال صعب. والجواب الصحيح: أن العقيدة الصحيحة تقوَّم بذاتها لا بمعتنقها فقد ينحرف أهلها عنها، أو يحتفظون بشكلها لا بجوهرها، ولو آمن بها أتباعها حق الإيمان لصح أن يكونوا مقياساً كما كان معتنقوها الأولون، ولكن مع الأسف فقد المسلمون روح العقيدة وحرارتها وحياتها، وتمسكوا بظاهرها، والظواهر لا عبرة بها ولا قيمة لها، والحق أن العالم الآن مسلمه ومسيحيه ويهوديه يعيش من غير عقيدة صحيحة، أو من غير توفيق بين العمل والعقيدة، أو بعبارة أخرى هم يعملون من غير أن يكون الباعث على عملهم العقيدة، ومن غير أن ينظروا في أعمالهم هل هي مطابقة لعقيدتهم أولاً، فالعالم صنفان: صنف من الأمم يعيش من غير دين، أو بدين يؤمن بإله، ولكن يجعل إلهه طرفة من الطرف من مكان مغلق يستمتع بالنظر إليه من حين إلى حين، ولكنه لا يُدخله في حياته ولا في تصرفاته، وصنف يعتنق الدين بصفاته الصحيحة التي ذكرنا، ولكنه يعتنقه نظرياً لا عملياً، فالنظم الاجتماعية عند الجميع في العالم والنظم السياسية، قائمة على نظرات آلية ميكانيكية ليس مبعثها الاعتقاد بالله، واتباع أوامره، بدليل أن السياسي المتدين والسياسي الملحد يتفاهمان كل الفهم على التصرف في الأمور، والاجتماعي المتدين والاجتماعي الملحد سواء في النظر إلى الأمور على وفق المصالح من غير نظر إلى روح الدين.
وقد فقد الدين والعقيدة في الله ساحة الحياة العملية، وأصبح المتدينون على