/ صفحه 143/
اختلاف أديانهم لهم دين ميتافيزيقي يعيشون فيه أحياناً بتفكيرهم أو خيالهم، ولهم حياة عملية منفصلة عن الدين بتاتاً تسيّرها الأغراض والمادة، ويخدم كل ذلك العقل، ولا يلاحظ فيها أي ملاحظة، خالق الخلق، وأوامره، وإشاراته، ولا ينبض فيها القلب بأي معنى من معاني العطف والرحمة والطاعة.
والفرق بين المؤمن والكافر اليوم أن المؤمن مؤمن نظريا كافر عملياً، والكافر كافر نظرياً وعملياً، ولذلك سيبقى العالم مضطرباً حائراً فاسداً حتى يجد روحه وقلبه، وقد تفوق العالم المسيحي على العالم الاسلامي اليوم لأنه كان أعرف بوسائل الأعمال ووسائل الحياة، وأكثر استكشافاً لقوانين التقدم المادي، وقوانين القوة المادية لا لأنه أرقى ديناً وأعظم روحاً، فالعالم كله اليوم مخطئ إذا نحن نظرنا إليه نظرة روحية، وهو شقي بتقدمه المادي وتقدمه العقلي من غير أن تسندهما قوة الروح، وليس ينقص المسلمين إصلاح في عقيدتهم، ولا روحانية في دينهم، ولكن ينقصهم أمران: الأول أن يكون الدين روحا لا شكلاً، وقلباً لا جوارح، وحرارة لا مظهراً، ونبضاً لا جموداً، وأن تكون (لا اله إلا الله) و (الحمد لله رب العالمين) معنى لا لفظاً، وصادرة من أعماق القلب لا من طرف اللسان، وأن يكون معنى (لا إله إلا الله) أن ليس عرض من أعراض الدنيا إلهاً فالمال والجاه والسلطان ليست آلهة تعبد، ولا قوة يُخضع لها، وإنما الخضوع للحق وحده لأن الله هو الحق، ومعنى أن الله رب العالمين: أن ليس في العالم رب يطاع وتسمع أوامره ونواهيه إلا هو ـ جل شأنه ـ والثاني: ارتباط عملهم بعقيدتهم، وإيجاد العلاقة الوثيقة بين ما يعملون وما يعتقدون، فليس للعقيدة من قيمة إذا حفظت في خزانة لا تفتح، أو قدست وأهملت. أو لفَّت في ثياب من حرير ثم تركت، فكما ان لا قيمة للمال إلا ما انتفع به ولا لأي عرض من أعراض الحياة إلا إذا استغل للمصلحة، فأهم من ذلك كله العقيدة: إذا لم يُبنَ عليها العمل كانت نجما جميلاً في السماء، أو لوحة جميلة في المعرض أو خيالا بديعاً من أخيلة الشعراء، أو صورة فنية من صور الأدباء، إنما العقيدة الصالحة هي العقيدة يتبعها العمل وتبعث النور في طريق الحياة وتهدي إلى الصراط المستقيم.