/ صفحه 156/
بالمبايعة، أو الانتخاب العام، ثم تقييد هذا الخليفة في تصريف شئون الدولة بالشورى، وجاء في نفس الوقت مقرراً للحريات بكافة مظاهرها من حرية شخصية وحرية مسكن، وحرية عقيدة، وحرية رأي، وحرية ملك، وللمساواة بين الأفراد في التكاليف وأمام القضاء والقوانين، لا فرق في ذلك بين عربي وعجمي ولا بين أمير وصغير، وثم نسج على هذا الأصول والمبادئ ثوباً طهوراً من الأخلاق ليكون وقاية منيعة لهذا البنيان الديمقراطي الرفيع.
وإن المطلع على كتب الفقه الإسلامي ليراها زاخرة بكثير من نظريات الحكم والسياسة بشكل تناول كل أوجه البحث والنظر، عرضوا لذلك عند تفسير الآيات وشرح الأحاديث الخاصة بنظم الحكم وحقوق الأفراد وواجب الوالي نحو الرعية وواجب الرعية نحو الوالي. تلك الآيات والأحاديث التي أقامت المبادئ الأساسية للحريات العامة، ومبادئ المساواة وحكم الشورى، وهي المبادئ التي انفجر في سبيلها بركان الثورة الفرنسية بعد ثلاثة عشر قرنا من تقريرها عند المسلمين.
ظهرت كل هذه الأبحاث في كتب الفقه على وجه تناول الأصول الحكم عند المسلمين، ومصدر السلطات، وشكل الحكومة، وحقوق المسلمين وواجباتهم، وحقوق غير المسلمين، وما عليهم من تكاليف، وضمن الحريات، وأعلن المساواة وأمر بالعدل في الأحكام.
ومن مجموع هذه الدراسات والأحكام المجملة الأصول، تكونت نظرية كاملة عن الحكومة في الإسلام في حدود الأوضاع التي أسلفنا، وهي نظرية نالت عناية الفقهاء في كل العصور، حتى صارت أوضاعها بحق خير نظم الحكم في إجمالها.
4 ـ وكان من أثر هذه العناية أن أفرد بعض الفقهاء لهذه الأوضاع كتباً خاصة بها، فظهر أبو الحسن الماوردي المتوفى سنة 450 هجرية، يتحدث في كتابة الشهير (الأحكام السلطانية) عن الإمامة وشروطها وعن الإمام وصفاته