/ صفحه 161/
الديمقراطية التي دعا الإسلام إلى اقامتها، وقلبوا منصب الخلافة إلى ملك أتوقراطي وهدموا مبدأ الشورى ومستلزماته).
8 ـ وإذا كان الكثير من مبادئ الفقه السياسي التي وضعها المسلمون قد جاء عاماً ومجملاً، فان لهذا التعميم والاجمال ميزته المقصودة، ذلك أن التعميم الذي لا ينزل إلى التفصيلات الجزئية لا يقيد الاجيال المقبلة بهذه التفصيلات والتطبيقات بل يتركها حرة تقتبس الوضع الحكومي الذي توافرت فيه الملائمة العملية لحاجات كل زمان ومكان مع التقيد بالفكرة الإسلاميّة بوجه عام. وتلك هي المرونة اللازمة في المبادئ التي يراد لها الخلود، لتكون ملائمة لتطور احتياجات البشر.
9 ـ لما عهد إلى بتدريس القانونين الدستوري والاداري بالجامعة الازهرية وجدت من واجبي ـ وأنا أدرّس في جامعة تعتبر الحارس الأول على تراث المتقدمين من علماء المسلمين، والعامل على نشر آرائهم ومذاهبهم ـ وجدت من واجبي أن أعمد على قدر الإمكان إلى البحث المقارن لأضع أمام طلبتي نظريات السياسة الحديثة وبجانبها ما جاء به المسلمون المتقدمون من آراء في هذه الشئون.
ولا اعدو الحق إذا قلت إني وجدت لكل حديث من تلك النظريات تقريباً بحثاً قديماً في نفس الفكرة مما يجوز معه القول بأن أوائلنا لم يتركوا في هذا المضمار للأواخر شيئاً يذكر، وأن حظ العلوم السياسية فيهم كان بالنسبة لغيرها من العلوم أكبر حظ، وأن وجودها بينهم كان أقوى وجود، مما سألتناوله بالتفصيل والإيضاح في مقالاتي المقبلة ان شاء الله اتماماً للبحث وخدمة للغرض الذي من أجله قدمت هذه الكلمة، والله الموفق وهو الهادي إلى خير سبيل.