/ صفحه 178/
لربه الذي أعطاه وأغناه، وقد جعل الله من حكمة الزكاة أنها توجد بين الغني والفقير صلة مودة وحب شخصي، فالغني يتعرف أحوال الفقير وتأخذه عليه الرحمة والشفقة، والفقير يدرك هذه العاطفة في الغني فيحبه ويطهر نفسه من درن الحقد عليه، ويتمنى له المزيد من الفضل والخير، وبهذا يتطهر المجتمع من كثير من أسباب الشر والعداوات، أما إذا جمعت الزكاة من ذوي الأموال بواسطة الحكومة فإن هذه المعاني تضيع، ويشعر الناس بأنها ضريبة كسائر الضرائب، ويأبى الفقير إلا أن يأخذ من الغني ما تعود أن يأخذه في كل عام، فإما أن يعطيه وهو كاره متبرم، وإما أن يقول له: لا حق لك عندي فقد أعطيت الحكومة زكاة مالي، وكلا الأمرين له مرارته وغضاضته، على أن مشروع الزكاة الذي يراد إصداره سيصطدم بكثير من العقبات في تشريعه وتنفيذه، كجعله على جميع أبناء الوطن دون تفريق بين مسلم وغير مسلم، وجعله على الأرباح دون رؤوس الأموال، وجعله على نصاب غير النصاب الذي تعرفه الشريعة، وسيحمِّل الدولة أموالاً كثيرة لتحصيله وضبطه، والفقراء والمساكين أولى بهذه الأموال، وقد علل الفقهاء المسلمون أفضلية دفع المالك زكاة ماله لمستحقيها بنفسه، بمثل هذه الأسباب التي ذكرتها، وربما كانت أجمع عبارة في ذلك هي عبارة موفق الدين بن قدامة في كتابه " المغني " جزء 2 ص 509 إذ يقول:
" وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه فلإنه إيصال الحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة، وصيانة حقهم عن خطر الخيانة، ومباشرة تفريج كربة مستحقها، وإغنائه بها مع إعطائها للأولى بها من محاويج أقاربه وذوى رحمه، وصلة رحمه بها، فكان أفضل كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل، فان قيل فالكلام في الإمام العادل إذ الخيانة مأمونة في حقه، قلنا الإمام لا يتولى ذلك بنفسه وإنما يفوضه إلى سعادته، ولا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شئ منها وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته ".
لهذا أرجو من أصحاب الشأن في هذا المشروع أن يتريثوا ولا يقدموا على هذه