/ صفحه 180 /
نشأة الرواية وتطورها
في تاريخ الأدب العربي
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ محمد فؤاد السيد
المدرس بالأزهر
حدثنا التاريخ بأنه قد تسنّى للأمة العربية من قوة الحفظ والتحمل ما لم يتسّن لكثير من الأمم القديمة الأخرى، وذلك لأنه قد توافر لديها أمور عدة، جردت من ألسنتهم أقلاماً وجعلت من حوافظهم صحائف، وأوجدت من بدائههم أوعية لأفصل الحجج حداً، وأقواها منطقاً وأنصعها بياناً، وأسرعها انطلاقاً، وألفت من حياة كل فرد أو عشيرة كتاباً أو بعضاً من كتاب، حتى تكوّن لهم من هذا كله ذلك السجل الأدبي العظيم الذي يجمع تاريخهم، ويشمل نسبهم وحوادثهم. وأنهم في ذلك كانوا أصحاب الشأو الأبعد، والغاية التي ليست بعدها غاية بالنسبة لمن شاكلهم من الأمم والشعوب القديمة الأخرى كاليونان.
وإذا حاولنا حصر هذه الأمور ألفيناها أربعة هي: طبيعة بلادهم أو بيئتهم الجغرافية، ونظامهم الاجتماعي، ونظامهم السياسي، وأمّيتهم. فما كانوا يقرأون إلا ما تسطرّه لهم الطبيعة، ولا يكتبون إلا ما تمليه عليهم من معانيها، فينقلون عنها بحسهم ومشاعرهم، ويدّونون بألسنتهم في صحائف أفكارهم، تسعدهم في ذلك طبيعتهم المواتية، وقرائحهم الصافية، وحوافظهم الماضية، واستعدادهم المتوثب المتحفز، وما نعرف شيئاً غير هذا أو لعله لا يوجد شئ غيره نستطيع أن نجعله سبباً في قوة حفظهم التي اشتهروا بها من بين جميع الأمم، كما أننا لا نستطيع أن نجرد واحداً من هذه الأمور الأربعة ونعتبره على انفراده سبباً في هذا، فهي