/ صفحه 182 /
وأما نظامهم السياسي: فإن طبيعة حياتهم، وما فيها من كثرة الانتقال في طلب العيش والأخذ بالثأر، ورعاية الجوار، والتساند مع الحليف، والعصبية الممتزجه بدمائهم، كل ذلك وما إليه أوجد لهم سياسة خاصة في حربهم وسلمهم، استوجبت لنفوسهم معاني قوية كثيرة لا يغني فيها إلا الخاطر والبديهة المسعفة، أو المفاخرة، أو التعاير بالمثالب، أو التنابز بالألقاب، أو التفاضل بالأحساب والأنساب، كل أولئك لا تفيد فيه الكتابة شيئاً حتى وإن كانت من صفاتهم، ولا ينصرهم فيه إلا الحوافظ القوية، والألسنة الحادة، تدرك الفرصة، وتصيب المحز بأطلق حجة.
وأما أمّيتهم: فقد كانت عونا لهم على توجيه أذهانهم وتنشيطها في تلقي الحوادث والتقاط المعلومات والمعارف من غير تواكل أو اعتماد على شئ آخر غير المحافظة.
هذا ما يتعلق بكل أمر من تلك الامور الأربعة على حدته، ولعلنا بعد في حاجة للكلام عليها مجتمعة تحت ضوء من علم النفس، روما لتحقيق هذا البحث، واستجلاء لهذه الآثار واضحة مؤيدة بما يتسع له المقام، فنجد أن أقوى الوسائل وأهمها لجودة الحفظ هي:
1 ـ الإكثار من الروابط بين المعاني، لان ربط المعاني بعضها ببعض مما يزيدها قراراً وثباتاً في الحافظة.
2 ـ قوة الإحساس ودقة الإدراك الحسي، فإذا كان الإحساس ضعيفاً كرؤية شئ أو سماع صوت من بعد، أو كان إدراكه إدراكا حسياً مبهماً وغير دقيق أصبح من الصعب حفظه وتذكره.
3 ـ استمرار المعنى وتكرر عروضه، لأن الصور العقلية تضعف بمرور الزمن إذا لم تكرر دائماً خواطرنا بها.
4 ـ قوة تأثير المعنى وقت ولوجه في النفس، لأن المعنى إذا اقترن به وقت ولوجه في النفس روعة وقوة تأثير كان ذلك أدعى لتقرره ورسوخه فيها، فإن الحوادث التي تهيج أنواع الوجدان لا تنسى.