/ صفحه 220 /
الأمر بالجبال ولا الحديد، وإنما هم رجال كسائر الرجال إذا تراكمت عليهم الأعمال، واستُنزِفت منهم القوى أكْدَت ملكاتهم، وضعف نتاجهم، وقل غناؤهم، وهذا هو السر فيما نراه من بطء وعقم وتراخٍ في تنفيذ خطط الإصلاح.
والشعوب الراقية تيسّر على الحكومات أمرها، وتعينها على أداء واجبها بما تبثه في نواحي الحياة من نشاط، ولقد نعلم أن فيها لكل فرع من فروع العلوم العلمية أو النظرية مؤسسة تهتم به وتدرسه وتحيط بدقائقه وتفاصيله، ونعلم أن بعض هذه المؤسسات تقوم على ما يجود به رجل واحد ممن آتاهم الله المال، وآتاهم مع المال حب العلم والاصلاح، فكأنما كل واحد منهم بما يقدمه إلى الناس أمة برأسها.
ولقد كنا كذلك حين كانت أمورنا الينا، فكانت المساجد جامعات، والمجالس معاهد، وبيوت العلماء والأدباء نوادي للبحث، وكان فينا من يرحل لتحقيق رواية، وضبط كلمة، وسماح حرف، ومن يتبتل في سبيل العلم كما يتبتل الرهبان في الصوامع والبَيع، ومن يخرج من ماله ما ويملك لعالم أو أديب رفع له كتابا ثم لا يجد ذلك كفاءً لفضله، ولا عدلا لجميلة، فيعتذر إليه، ويُغضى حياء منه، وقد زخرت المكتبة العربية المستقصية في مختلف العلوم والآداب ما بين فقه وتاريخ وأدب وتفسير وحديث ولغة وتجارب وغيرها، وكل كتاب منها ـ لعمري ـ بحر لا يدرك غوره، وكنز لا تفنى أعلاقة ونفائسه، وهذا مجمع الضاد يأتلف فيه عقد الفطاحل من أبناء الشرق والغرب فيدرسون إلى اليوم قرابة عشرين عاما ولمّا يُبرزوا معجمهم الوسيط بَلْه الكبير، وبين أيديهم " لسان العرب " و " الصحاح " و " المخصص " و " النهاية " و " القاموس " وكل واحد منها ثمرة من ثمار رجل واحد.
فياليت قومي يعلمون أن " الحكومات " لن تغني عن الشعوب إذا نامت الشعوب.
رئيس التحرير محمد محمد المدني