/ صفحه 222/
تكتمون " وترافع القوم إلى موسى (عليه السلام) ليحكم في هذه الجناية التي خفي مرتكبها، فأمرهم صلوات الله وسلامه عليه عن ربه جل وعلا أن يذبحوا بقرة وأن يضربوا القتيل ببعضها فيحيا بإذن الله ويخبر بقاتله، ولِما طُبع عليه بنو اسرائيل من العناد في تنفيذ الأوامر، وقفوا كالساخرين أو الهازئين من الأمر بذبح البقرة في هذا المقام، حتى لقد قالوا لموسى: أتتخذنا هزوا ؟ وما كان لنبي الله أن يسخر أو يهزأ، ولكنها القلوب الملتوية تنصرف عن الحق وتعاند في قبوله فسألوا عن البقرة: " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا " أكثروا من السؤال وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم جزاء تنطعهم وتلكئهم في تنفيذ الأمر، شأنه في كل متشدد متنطع، وحددها لهم في دائرة ضيقة من السن والأوصاف والعمل: " قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك " " إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ". " إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها " واخيرا وبعد حيرة ومشقة عثروا عليها " فذبحوها وما كادوا يفعلون " ثم ضربوا القتيل بجزء منها فأحياه الله وأنبأهم بالمجرم الجاني " كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ".
انفردت هذه السورة بذكر تلك القصة ومن أجلها سميت " سورة البقرة ".
ويجرد بنا أن نقف هنا وقفة نبين فيها مناهج الناس في شأن هام يتعلق بفهم القصص القرآني. فإن مما قيل في هذا القصص: إن كثيرا مما قصه القرآن لم يكن معروفاً من قبل، لا في الكتب الالهية، ولا في الاثار التاريخية، وقد قيل هذا في تلك القصة بالذات.
وقد خرّج الأستاذ الإمام الشيخ عبده هذه القصة على أنها نوع من التشريع الذي كان موجوداً في زمن بني إسرائيل لغرض الوصول إلى معرفة للقاتل المجهول في مثل هذه الحادثة، وشد ازره في ذلك الأستاذ الشيخ رشيد رضا حيث ساق نصوص التوراة الواردة في هذا التشريع الذي يشير إليه: