/ صفحه 231/
جامعة لهم، فيها يتعلمون، وفيها يتشاورون، وفيها يتحاكمون، وآخى النبي (صلى الله عليه وسلم) في الوقت نفسه بين المهاجرين والانصار، وصاروا جبهة واحدة تؤمن بالله وتدعو إلى الخير والفضيلة، وتحتاج تشريعاً تنظم به شئونها.
ثانيهما: أنه قد صار لهم جوار في المدينة غير جوارهم في مكة: جاوروا أهل الكتاب من اليهود والنصارى بعد جوارهم للمشركين في مكة. وبهذين ا لأمرين نجد السورة تهدف في جملتها إلى غرضين: هما: توجيه الدعوة إلى بني إسرائيل ومناقشتهم فيما كانوا يثيرونه حول الرسالة المحمدية من تشكيكات وشبه، وفي سبيل ذلك أخذت تذكرهم بنعم الله على أسلافهم، وبما انتاب هؤلاء الأسلاف حينما التوت عقولهم عن تلقي دعوة الحق من أنبيائهم السابقين، وارتكبوا ما ارتكبوا من صنوف العناد والتكذيب والمخالفة، واقرأ في ذلك من قوله تعالى في السورة " يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون " إلى آخر اية البر في منتصف السورة تقريباً " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ".
وهذا هو الغرض الأول الذي استدعاه جوار المسلمين لأهل الكتاب، أما الغرض الثاني فهو التشريع الذي اقتضاه تكوُّن المسلمين جماعة متميزة عن غيرها في عباداتها ومعاملاتها وعاداتها.
وقد ذكرت السورة من ذلك القصاص في القتل العمد العدوان، وذكرت الصيام، والوصية، والاعتكاف والتحذير من أكل أموال الناس بالباطل.
وذكرت الأهلة، وأنها جعلت ليعتمد الناس عليها في معرفة أوقات العبادة والزراعة وغيرها، وذكرت الحج والعمرة، وذكرت القتال وسببه الذي يدعو إليه وغايته التي ينتهى اليها، وذكرت الخمر والميسر واليتامى، وحكم مصاهرة المشركين، وذكرت حيض النساء والتطهر منه، والطلاق والعدة والخلع والرضاع وذكرت الإيمان وكفارة الحنث فيها، وذكرت الانفاق في سبيل الله والربا والبيع، وذكرت طرق الاستيثاق في الديون بالكتابة والاستشهاد والرهن.