/ صفحه 232/
ويبدأ هذا السياق من قوله تعالى بعد آية البر: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى إلى قبل آخر السورة، وكان يتخلل كل ذلك على طريقة القرآن ما يدعو المؤمنين إلى التزام هذه الأحكام وعدم الاعتداء فيها، من قصص ووعد ووعيد، وارشاد إلى سنن الله في الكون والجماعات، ثم تختم ببيان عقيدة المؤمنين على نحو ما بدأت في بيان اوصاف المتقين " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ".
وبذلك يؤكد آخرها أولها، ويؤسس أولها لآخرها وتصير السورة كتلة واحدة، ينتفع المسلمون الذين يهتدون بالكتاب بأحد غرضيها في معاملة من يخالطون من أهل الملل الأخرى، وينتفعون بالغرض الآخر في تنظيم أحوالهم من عبادة ومعاملة.
ويأتي الغرضان في آية البر مجملين بين " ليس " و " لكن " فتنفي " ليس " أن يكون البر شيئا مما درج عليه هؤلاء الحرفيون أصحاب المظاهر الجوفاء، الذين يتمسكون بمثل تولية الوجوه قِبَل المشرق أو المغرب، وتثبت " لكن " أصول الإيمان الحق والعمل الصالح على أنها هي البر الصحيح، والواقع العملي للتقوى والمتقين " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ".
ثم يكون الختام الاخير تعليم المؤمنين دعاءً من شأنه أن يغرس في نفوسهم سنة الله في التشريع لهم وبناء أحكامه وتكاليفه على اليسر والوسع ودفع الحرج، ومن شأنه متى أخلصوا فيه أن يأخذ بأيديهم إلى حياة سعيدة سهلة ميسرة، وييسر لهم وسائل المغفرة والنصرة " ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربَّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربَّنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ".