/ صفحه 238/
والحنبلي والشافعي والزيدي والإمامي، وأزال الله في هذا العصر ما كان بينهم من عداوة وبغضاء، فلِمَ لا يجوز بينهم اختلاف هادئ عف فيما هو وراء الأصول المتفق عليها من ألوان المعارف الفكرية التي ليست من العقائد ؟
ولقد ندب الله لهذه الغرض الشريف، والمقصد الأسمى، تلك الجماعة الموقرة: جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، التي تؤذن بتكوينها من جميع الطوائف المؤمنة بالقرآن والرسالة المحمدية، بعهد جديد من التآلف والتآزر بين المسلمين سيكون إن شاء الله خيراً وبركة على العالم الإسلامي أجمع.
وإني أسأل الله جلت قدرته أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشدا، وأن يوفقهم إلى صراطه المستقيم في الحق والعلم والدين، وأن يجمع بين قلوبهم، وينقذهم من نار الخلاف والشقاق، كما انقذ آباءهم الاولين.
من مضار التفرق
التفرق يوزع القوى، فشخص يبني وشخص يهدم، وشخص يهاجم وآخر يدافع. أما الوحدة فتجمع القوى، وتوجد التعاون بين الأفراد لبلوغ الغايات وتسنم أرفع الدرجات. والتفرق أمارة من أمارات عدم النضوج، فإن العقل الناضج يلازمه عادة حب الانصاف، حتى إذا طرح شئ للبحث وكانت هناك عقول ناضجة واتجاه للحق لا تصده الأهواء، لا يلبث الحق أن يظهر مشرقاً أبيض الوجه، ولا يلبث الخلاف أن يزول.
وقد عمل الإسلام على الوحدة في كثير من المظاهر، فخليفة واحد تتجه إليه الانظار ويكون قبلة الجميع، أفضل من خلفاء متعددين، وصلاة الجماعة خلف إمام واحد يضمهم ويوحدهم، أفضل من الصلاة مع التفرق، وقد اُمر المسلمين بالاجتماع في الجمعة والعيدين والحج. كل ذلك تنمية للوحدة وتقوية لها. وقد هدم نظام الجنسيات والعصبيات، وساوى بين الجميع في الأخوة، وجعل الفضل للتقوى.
وهكذا عند التأمل نجده يرمي إلى الوحدة في جميع التكاليف ذلك لأن الوحدة أساس الإصلاح في الحياة الدنيا، وأساس والعزة والسلطان.
[ الشيخ المراغي ]