/ صفحه 249 /
وأحياناً يكون سبب القتال والخصام، تجارة رؤساء الدين، فيرون أن قوة مركزهم، وبسطة نفوذهم، متوقفة على تعصب عوامهم، فهم يستغلون ضيق نظر أتباعهم، ويبثون فيهم روح التعصب حفظاً لمركزهم، ونفوذهم وسيطرتهم، علماً منهم بأنه إذا ساد التسامح، وكان الناس أخواناً، فقدوا عزتهم الوهمية، ومكاسبهم الفانية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وبعد فإن أوروبا مع تقدمها في فهم الحرية، وجدها المتواصل في بناء حياتها على العلم لا على العواطف، ما زالت بعيدة عن تحقيق التسامح الديني بالمعنى الذي شرحناه في صدر المقال، فبالأمس قرانا كيف فعل هتلر بيهود ألمانيا وقرأنا كيف اضطهد الشيوعيون الدين وحاربوا شعائرة، نقرأ في الصفحات الاخيرة كيف حاربت اوربا المسلمين العرب في فلسطين، ونصرت اليهود عليهم، وعرفنا كيف تخلط أوربا المنفعة السياسية بالعواطف الدينية في معاملتها للمسلمين.
وأخيراً فهل للمسلمين أن يشتد وعيهم القوي، ويفهموا بعد طول هذه التجارب التي ذكرنا بعضها أنه لم يعد هناك وجه للخلاف بين سني وشيعي وزيدي وغير ذلك من المذاهب، لأنهم لو رجعوا إلى أصل دينهم ما وجدوا لهذا الخلاف محلاً ولوجدوا أنه خلاف مصطنع لا خلاف أصيل، وأن الأمم الإسلامية في موقفها الحاضر أحوج ما تكون إلى لم شعثها وإصلاح ذات بينها، وتوحيد كلمتها، وهي ترى كيف تهاجم من كل جانب، وكيف يتخذ إسلامها وسيلة من وسائل الكيد لها، وإذا اتحد أهل الباطل على باطلهم، فأولى أن يتحد اصحاب الحق على حقهم.