/ صفحه 251/
وخفضهم للرؤوس إذعاناً واعترافاً، وإنما كان أيضاً لما أودعه الله إياه من علم وإيحاءات وإرشادات، ومن تهذيب للنفوس وتقويم للأخلاق، وأنه لا ينافي علماً ثبتت صحته بالدليل والبرهان، ولا يعارض صلاحاً يمكن البشر ان يعتمدوا عليه في ترقية شئونهم، وإقرار السلام والأمن بينهم، وما تزال مبادئه ومثله وقواعد أحكامه ومناهجه هي النور الذي يهدي الحيران، ويرد الشارد، ويضئ آفاق الحياة ولن يزال كذلك في مستقبل الدهور والأزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
وليس القرآن وسيلة الهدى للعرب فقط ـ وإن بدئ بهم ـ بل اهتدى بأنوار معارفه العالية عامة البشر، كما انه ليست الاستفادة من القرآن مقصورة على إصلاح العقائد والعادات فقط، بل أفاد العالم في توجيههم إلى علوم الطب والطبيعة وأسرار كائنات الأرض وكامنات السماء، وأفاد العرب خصوصاً في تقويم اللسان وتقوية البيان وتوسيع فنون اللغة والبلاغة والادب.
فاذا أهلّ شهر رمضان فانه يذكر المسلمين بهذا، وينبههم إليه تنبيهاً قوياً وكأني بالقرآن الكريم يطل من علياء سمائه على المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض مع هلال رمضان فيناديهم: أنا الهدى فهل من مهتد ؟ أنا النور فهل من مستضئ ؟ أنا شعار مجدكم، وعنوان عزكم، ورمز عظمتكم، أنا هدية الله اليكم، أنا رحمة الله فيكم، انا المنهاج القويم، أنا الصراط المستقيم، بي تعزون، وبمبادئي تسودون، فاعتصموا بي فأنا حبل الله، واستظلوا بلوائي فأنا ظل الله " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ".
فاذا انصت المسلمون إلى هذا النداء، وأجابوا داعي الله فأصلحوا أنفسهم، ورجعوا إلى كتاب ربهم، فأجدر بهم أن ينالوا مجد الدنيا ومسجد الاخرة .
أما إذا استقبلوا القرآن على أنه كتاب يتلى لمجرد التعبد بتلاوته، أو كان تكريمهم اياه مقصوراً على عدم مسه إلا على طهارة، أو على حمله تفاؤلا باستصحابه أو دفعاً لما يتوقع من أخطار، أو كتابة بعض آياته في مصاحف منسقة بخط جميل،