/ صفحه 252/
ورسم جميل، وتعليقها على حوائط البيوت والمحال، أو كانت عنايتهم به في حدود التمرن البلاغي، والتطبيق الادبي، كما تدرس النصوص الادبية دراسة لفظية، فأهون بهذا كله، وما أبعده عما انزل الله له كتابه العزيز.
وأما غزوة بدر الكبرى فما أعظمها في تاريخ الإسلام فخراً، وما اجدرها بالبقاء والخلود، وأن نحتفل بذكراها كما نحتفل بأعز شئ في هذا الوجود، إن المسلمين قبل بدر كانوا مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس، لم تكن لهم دولة يخشى بأسها ولا يحسب حسابها، كانوا في " يثرب " ضيوفا على الانصار يشاركونهم مساكنهم وأقواتهم ومتاعهم، وكانت تأتيهم الأنباء من مكة بان القوم قد استبدوا بأموالهم وبيوتهم، وآذوا كل من ينتسب اليهم، فكانت قلوبهم تتنزى ألماً، وصدورهم تغلي حقداً على هؤلاء المبطلين الذين لم يرعوا جانب الحق، ولم يبقوا على الرحم، ولم يحسبوا حساباً لاي معنى من المعاني الإنسانية الشريفة حتى إذا واتتهم الفرصة في بدر انتهزوها فضربوا في صدر الكفر، وفلقوا هام المشركين، وأفهموا مكة أنهم قوة تخاف، وان الله سيجعل من هذه الحفنة المشتتة المبعثرة امة قوية تُعلي كلمة الله، وتنشر عدل الله، وتثبت رحمة الله، وتخدم شريعة الله.
فلنذكر برمضان هذه الذكرى بعد ذكرى نزول القرآنن فهي ذكرى التوطيد والتشييد بعد اعتناق شرعة الحق، واستقبال الدستور الالهي الخالد .
وأما " ليلة القدر " التي أنزل الله فيها كتابه، واختارها ظرفا لأعظم حادث يعرفه الناس من صلة الأرض بالسماء، فقد جعل الله ظرفها هو هذا الشهر ايضاً، جعل لها فضلا على سائر الليالي حيث تضاعف فيها الحسنات، وتفاض الرحمات، فهي بما انزل الله فيها من كتابه رمز لأعظم هبة رحمانية وهبها الله للعقول، وهدى بها الانسانية، وأخرجها من الظلمات إلى النور، وهي بما يفيض الله فيها رمز لأكرم معاملة بين الخالق والمخلوق، والرب والمربوب: والا فاي فيض أعظم من هذا الفيض ؟ يقوم العبد لله ليلة خاشعاً خاضعاً متبتلا فيقبل الله عليه بإحسانه، ويضاعف له في جزائه حتى يمنحه على ليلة واحدة ثواب ألف شهر، وحق لهذه الليلة ان تكرّم، فإنها ليلة القرآن وكفى.