/ صفحه 254/
الشخصية المحمدية
تحت ضوء المقررات النفسية الحديثة
منزلة العلم في الإسلام
لحضرة صاحب العزة الكاتب الكبير
الأستاذ محمد فريد وجدي بك
مدير مجلة الازهر
أثبتنا في المقال الذي تقدم هذا، ما شرح به النبي (صلى الله عليه وسلم) آية الفطرة الدينية، وبينا الآفاق العالية التي جال فيها فهمه القويم، في تحديد هذا المعنى الخطير الذي أصبح الأساس العلمي الركين للدين في الفلسفة الحديثة.
ولكن الأوهام المتغلبة كثيراً ما تشتبه بالشعورات الفطرية، وتجد لدى مروجيها ما تستند إليه من الأهواء الموروثة، فما الذي يفرق بين ما هو هوى موروث، وما هو ميل فطري في النفس كسائر ميولها الفطرية ؟ لا شئ غير العلم، العلم المستند إلى الحقائق الطبيعية، وهذا هو ما عمد إليه محمد (صلى الله عليه وسلم) فشرع يدعو إليه في ألوان من التعبير، وضروب من التحضيض، لم تؤثر عن غيره إلى عهده في العالم كله، فأما بلاد العرب فإن هذه الدعوة لم تؤثر فيها عن أحد غيره، وكانت غريبة لدى قوم ظلت الأمية صفة مميزة لهم قرونا كثيرة، وأما في أوروبا حيث نشأت الفلسفة اليونانية، والمدنية الرومانية، فان التعصب للدين في ذلك العهد كان آخذا بمخنقها إلى حد عادى معه أهلها العلم، واعتبروا المشتغل به والداعي إليه زنديقاً، وبقيت هذه الحالة قائمة إلى نحو القرن الخامس عشر الميلادي، وما زالت تشتد حتى كانوا يحرقون المشتغلين بالعلم، ويمثلون بأجسادهم وقد أحصى متأخرو المؤرخين ضحاياه فبلغوا اكثر من ثلاثمائة ألف في نحو ثلاثة قرون !.