/ صفحه 259/
ذكرني هذا الكلام يومئذ بقصة ذكرها في أحد كتبه عارف الهي عظيم (1)، في سياق أراد به استنتاج بعض المعاني العرفانية السامية، فذكرت لفضيلته هذه القصة، ولا أرى بأساً من أن أعيد ذكرها للقراء لأنها تعبر عما نحن فيه أصدق تعبير، وتوحي بمعالجته من أقرب سبيل:
كان أربعة من الفقراء جالسين في طريق، وكل منهم من بلد: أحدهم رومي، والثاني فارسي، والثالث عربي، والرابع تركي، ومر عليهم محسن فأعطاهم قطعة من النقد غير قابلة للتجزئة، ومن هنا بدأ الخلاف بينهم، يريد كل منهم أن يحمل الاخرين على اتباع رأيه في التصرف في هذا النقد، أما الرومي فقال: نشتري به (رستافيل) وأما الفارسي فقال: أن لا أرى من (الأنكور) بديلاً، وقال العربي: لا والله لا نشتر به الا (عنبا)، وقال التركي متشدداً في لهجة صارمة: ان الشئ الوحيد الذي أرضى به هو (أوزوم)، أما ما سواه فإني لا أوافق عليه أبداً، وجر الكلام بين الأربعة إلى الخصام، وكاد يستفحل الأمر لو لا أن مر عليهم رجل يعرف لغاتهم جميعاً، وتدخل للحكم بينهم، فبعد أن سمع كلامهم جميعاً، وشاهد ما أبداه كل منهم من تشدد في موقفه أخذ منهم النقد واشترى به شيئاً، وما إن عرضه عليهم حتى رأى كل منهم فيه طلبته، قال الرومي: هذا هو (رستافيل) الذي طلبته، وقال الفارسي: هذا هو (الأنكور) وقال العربي: الحمد لله الذي اتاني ما طلبت ! وقال التركي: هذا هو (أوزوم) الذي طلبته، وقد ظهر أن كلا منهم كان يطلب (العنب) من غير أن يعرف كل واحد منهم أنه هو بعينه ما يطلبه أصحابه.
لسنا في هذا المقام بصدد بيان ما دار في هذه الجلسة أو في الجلسات الاخرى الممتعة التي كنت اجتمع فيها بفضيلة الإمام المراغي، ولسنا أيضاً بصدد بيان ما وصلنا إليه في نفس تلك الجلسة من إقرار تدريس بعض اللغات الإسلامية كوسيلة للتفاهم بين البلاد الإسلامية المختلفة، كما أننا لسنا بصدد أن نقول: هل واصلنا السير إلى الامام منذ ذلك الوقت أو رجعنا القهقري ؟ ومهما يكن من
*(هوامش)*
(1) هو مولانا جلال الدين البلخي الشهير بالرومي في كتابه العرفاني الجليل (المثنوي)