/ صفحه 264/
لم يصوغوها في شكل مواد، ولم يبوبوها ولم يعطوها الشكل القانوني، فنحن نوافقهم. وإن كانوا يعنون أن موضوع السياسة ـ أو كما سماه صديقي شافعي بك: الفقه السياسي ـ لم يدرس عند المسلمين، فذلك ما نقف معهم فيه كل وقفة، ونقعد لمن يريد المناقشة في كل مرصد، فما الذي يعنون بالفقه السياسي ؟ إن كان شكل الحكومة فقد أفاض فيها علماء المسلمين كل إفاضة، وقرروها من الناحية النظرية، بل ومن الناحية العملية، فما كان النزاع بين المهاجرين والانصار، وما كانت الشورى، وقد انتهت بانتخاب عثمان، وما كانت حروب علي ومعاوية، وما تلا ذلك في العصر الاموي من ولاية العهد الافرادية والثنائية في عهد العباسيين، ما كان كل ذلك الا تقريراً لشكل الحكومة وأوضاعها، وممن يكون الخليفة، وكيف ينتخب، وهل الخلافة انتخاب أو وراثة، إلى غير ذلك، حتى إذا جاء عهد الدويلات التي تفرعت من جذع الدولة العباسية بدأ العلماء يقررون مركز الخليفة ومركز السلطان ومركز الأمير وأمير الأمراء، ولعل هذا هو السبب في أنك بدأت ترى كتباً في الفقه السياسي تظهر في ذلك الوقت، أحدها عرض له صديقي الشافعي بك، وهو الماوردي، أما الاخر فهو صنوه القاضي أبو يعلى الحنبلي، ولعل المصادفة المحضة هي التي دعت لتأليف الكتابين في ذلك الوقت، وإن كان من الممكن تعليل ذلك تاريخياً، فعصر الماوردي وعصر أبو يعلى هو العصر الذي بدأ فيه السلطان محمود الغزنوي تكوين امبراطورية، وكان فيه البويهيون سادة الموقف، والخليفة تحت سلطانهم، وذلك بدوره دعا الخليفة القائم بأمر الله وابنه لمحاولة تأسيس الخلافة العباسية على أساس قانوني تدعمه أسانيد قانونية وتحدد مركز الخليفة والسلطان، وتشرح إمارة الاغتصاب أو الاستيلاء كما سماها الماوردي وأبو يعلى، ومن ذلك الوقت بدأت تظهر كتب لا عداد لها في الفقه السياسي سنعرض لشئ منها فيما بعد.
وكان الأمر من قبل ذلك نصوصاً منثورة في كتب الفقه والحديث، وبعبارة أدق في كتب التوحيد، فقد كان كثير من العلماء ولا يزالون حتى اليوم يدرسونها على أنها جزء من التوحيد، فقد دخلت نظرية الخلافة بثورة الخوارج تحت نطاق