/ صفحه 276/
عندها الصبر عن لقايَ وعندي ******* زفرات يأكلن صبر الجليد
يعني بشارا، قال: وكان يقدمه على جميع الناس. ولما قال بشار:
بني أمية هبوا طال نومكم ******* إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ******* خليفة الله بين الناي والعود
بلغ المهدي ذلك، فوجد عليه وكان سبب قتله
أما بعد:
فهذا لون من ألوان الأدب الرفيع: أدب يفتح الشهية للعلم، ويزجي إلى قارئه كثيرا من الفوائد التي تخرجه وتثقفه، وتزيد في عقله، وتربي ذوقه، وتثير مواهبه، وتنشط ملكاته، أدب دسم كالطعام الجيد الذي يفيد منه الجسم، وليس كهذا الأدب الصحفي الذي بلينا به في حياتنا الحاضرة، فأفسد الأذواق، وقتل المواهب، وتحيف حق اللغة في ألفاظها الرصينة، وأساليبها القومية، وحق الشداة والمتأدبين في أن يجدوا بين أيديهم مثلا تطبيقية عالية، تكون لهم أسوة، وتصلح لهم قدوة.
لقد استطاع السيد المرتضى أن يمنح تلاميذه في مجلس واحد، قسطا من دراسة القرآن، وقسطا من التاريخ الأدبي لجماعة من الأدباء والشعراء، وشيئا عن تاريخ الملوك والخلفاء، وأمثلة من جيد الشعر، واستطاع أن يفتح عيونهم على ما كان يتصف به بعض أهل الرواية من انحلال أو تحلل في النواحي الشخصية والعلمية والدينية، حتى يفتح أمامهم باب الحيطة والنقد الصحيح، ويعوِّدهم أن يقيسوا كل شئ بحساب، واستطاع مع هذا كله أن يظفر بإقبالهم وشغفهم.
أفليس هذا الكتاب جديرا بأن نجول في مغانيه، ونتدبر في معانيه، فنمتع به العقول والقلوب ؟ بلى ورب البيت.