/ صفحه 278/
بعد هذا أعود إلى الالقاب الشنيعة وآثارها السيئة في عداء بعض فرق المسلمين لبعض، وتباعد كثير من الناس عن دعاة الحق والهدى بسبب ما رموا به من الألقاب الشنيعة، وما أشيع عنهم من الأعمال التي تخالف ما درج عليه جمهور الناس وألفوه.
فالناس ـ كما يقول المثل ـ أعداء ما جهلوا، وهم لا يملكون الحواس التي يميزون بها بين الحق والباطل، وليس لديهم إلا مقياس واحد هو ما ألفوه ودرج عليه الآباء والأجداد فما وافقه فهو حق، وما خالفه فهو باطل " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " وأغلبية الناس يرون أن الحق مع الكثرة وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وقوله: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).
ونبز دعاة الحق بالالقاب المنفرة طريق مسلوك منذ قديم الزمان، وهو طريق من طرق الدعاية السيئة التي يتبعها غالباً الرؤساء الدينيون والسياسيون الذين يرون في انتصار الحق وانتشاره نقصاً من سلطانهم أو هضما من مراتبهم أو تقليلا من معاشهم فيرسلون تلك الألقاب بين العوام، فتنطلي عليهم وتروج فيما بينهم، وتكون سداً منيعاً بينهم وبين فهم الحقائق، ولذلك ورد في الاثر: (صلاح أمتي بصلاح العلماء والامراء) أو كما قال.
ولما أرسل نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، إلى قومه ودعاهم إلى الدين الحق، وكانوا من قبل يلقبونه بالأمين، فلما دعاهم إلى ما دعاهم إليه، نفروا منه ودعوه مذمما، ولقبوه بأنه ساحر، وبأنه شاعر، وبأنه مفتر، وأن ما جاء به ما هو إلا أساطير الأولى وخرافات السالفين.
وهكذا يمعنون في اختراع الألقاب وإلصاقها به (صلى الله عليه وسلم)، حتى ينفروا عنه سواد الناس، ويحولوا بينهم وبين فهم ما جاء به، فلا يسمعوا دعوته وإن سمعوها، لم يستجيبوا لها، ولم يحاولوا فهمها على وجهها.
ومن هذا القبيل ما يرمي به أهل السنة والجماعة، الذي يثبتون لله ما أثبته