/ صفحه 284/
أبناؤهم وأحفادهم ولا يحيدون عنها، وليس من الإنصاف أن نقول: إن أمثال هؤلاء العامة أرباب مذاهب بالمعنى العلمي، وإنما هم قوم حادوا عن الطريق في ناحية ما، وهم بحاجة إلى من يبصرهم بالصواب، ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
من هذا كله يتبين أن الأحكام الارتجالية أو الجملية، التي تعود الناس أن يحكموا بها على أرباب المذاهب والطوائف الحاضرة اعتمادا على ما في بعض الكتب القديمة، أو استنادا إلى بعض الآراء الخاصة أو ملاحظة للرأي العام المقلد المتعصب، انما هي أحكام جائرة، يجب ان يتنزه عنها أولو العلم والنظر، ذلك بأن هذه الأحكام لم تستوف خطواتها الصحيحة، ومقدماتها التي يجب أن تسبقها، وقد أغفلت فيها سنة التطور والتغيير والتبديل، والانقلاب الفكري الذي يكون بين عصر وعصر، وبين جيل وجيل.
لو أننا اردنا أن نعرف الحال العلمية والفكرية للجامع الأزهر في عصرنا هذا مثلاً، فاستمددنا معلوماتنا عنه من كتاب ألف في القرن العاشر، يذكر علومه وكتبه ونظمه وأفكار رجاله وطلابه، وقطعنا النظر عن الحاضر الماثل بيننا الآن من شئونة العلمية والفكرية، ونظمه التعليمية والادارية، فلا شك أننا بهذا نحكم حكماً فاسداً لا يمثل الواقع ولا يتحدث عنه، ولعل أهل الأزهر لو سمعوا بباحث عنهم يسلك في تاريخ الأزهر هذا المسلك، وينشر ما ينشر على أنه صورة للأزهر الحاضر لعبجوا ودهشوا، وربما رموا هذا الباحث بأنه عابث أو جاهل أو مخبول.
من الواجب إذن أن ندرس قبل أن نحكم، وأن ندرس الجديد ولا نكتفي بالقديم، وأن نعلم عن يقين ما الذي تحول وما الذي بقي دون أن يتحول، وأن نتابع الأفكار من مصادرها الأصلية، ومن معينها الذي تنبع منه. وأن نفرق بين ما يراه الخاصة الذين لهم حق التحدث باسم العلم والفكر، والرأي والمذهب، وبين العامة الذين ليس لهم الا التقليد والتعصب ووراثة الآراء دون وقوف عند ما يعطيه الدليل أو يهدي إليه البحث.