/ صفحه 292/
الحق أن مرد البلاء كله في اختلاف المسلمين، يرجع إلى غير المسلمين أولاً، والى غفلة المسلمين ثانياً، ويفصح لنا عن ذلك قول الإمام ابن الجوزي في المنتظم: " لما جاء النبي وقهر الاملاك، وقمع الالحاد، اجتمع جماعة من الثنوية والملحدين ومن دان بدين الفلاسفة المتقدمين، لا شك أن جميع فرق المسلمين تبرأ منهم، فأعلموا رأيهم وقالوا: ثبت عندنا أن جميع الانبياء كذبوا ومخرقوا على أممهم وأعظم الكل علينا بليه محمد فانه نبغ بين العرب العظام، وخدعهم بناموسه، فنصروه وبذلوا أموالهم وأنفسهم، وأخذوا مما لِكنا وقد طالت مدتهم، والان فقد تشاغل أتباعه.
ومنهم مقبل على كسب المال، ومنهم على تشييد البنيان ومنهم على الملاهي … وقد ضعفت أبصارهم، ونحن نطمع في إبطال دينهم إلا أننا لا يمكننا محاربتهم لكثرتهم، فليس إلا انشاء دعوة والانتماء إلى فرقة منهم لنستعين بهؤلاء على ابطال دينهم " وإذن فهذا هو السر فيما أحيط به تاريخنا، وهو السر في إظهار خلافات الرأي العادية على أنها اختلاف في الدين.
وهكذا ترون إلى أي حد ساهم التاريخ وكتّابه القدماء في القطيعة بين المسلمين وسيظل هكذا عامل تفرق ما دامت دراسته قائمة على هذا المنهج التعصبي الذي يجافي الحقيقة والواقع، وما سيطرت عليه أهواء ارباب الأهواء البائدة، فاي خير نقدمه للمسلمين لو أننا درسنا التاريخ دراسة تجنح إلى الحق والتقريب بعيدة عن التعصب المذهبي، وزيف الملفقين من ذوى الاهواء الأقدمين والمحدثين ؟ فهل لنا أن نعيد كتابة تاريخنا بعد تخليصه من الشوائب، وتنقيته من أكدار الوقيعة ولوثة العصبية ونتحرى في كتابتة الدقة وفق أصح أو أرجح ما يتفق والحقيقة التي أعتقد انها ستجمعنا على كلمة سواء ؟ وهل آن لنا أن ندرس علوم الشيعة، ويدرس الشيعة علومنا على منهج علمي صحيح لا تحيز فيه ولا محاباة ؟ أرجو أن يهتم المسئولون بذلك فإنهم لو فعلوا ما يوعظون به لكان قاضياً على اسباب الكراهية والنفرة والجفوة بين المسلمين، ولاستطعنا أن نوجد عند الأخوة المتعلمين روحاً من المحبة والألفة، ونظر كل إلى الاخر نظرة اسلامية لا طائفية " والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ".