/ صفحه 297/
إثما كبيراً، إن كان فعل ما فعل عن غفلة، وإلا إن كان فعله مستحلاً له فقد مرق من الدين، وخرج عن الإيمان باستحلاله حراما بنص الكتاب، وليس لهذا المسلم أن يتعلل بأنه يطيع رئيسه في ديوانه، فإنه كما قال الرسول لا سمع ولا طاعة حين يؤمر المسلم بمعصية، وكما جاء في حديث آخر " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
وهنا بدأ صديقي تنفرج أسارير وجهه، وتزول حدة ثورته، كما أخذت رغبته في الحديث تزيد وتزيد، فقلت له: على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد من المشاركة في منح الاذن لبغيّ أو خمّار أو غير ذلك ما ضربته لك مثلاً، ولكن الأمر أخطر من هذا بكثير.
إن أوربا وإن يكن لها أسرُها وفتنتها وعلوها بما وصلت إليه من علم وصناعة، فلا ينبغي أن يخدعنا ذلك عن سمو ما نعتز به من دين قوىً روحية لا يسعد العالم الا بها، لكن قوما من المسلمين فتنتهم أوربا في هذه النواحي من الحياة، فظنوا أن الغرب له العلو في كل شئ حتى في باب الشرائع والقانون.
من هذا الاعتقاد اُتي هؤلاء القوم. لقد راح بعضهم يقتبس لنا من شرائعهم ويجعل من هذه المِزَق المختلفة التي يأخذها من هنا ومن هناك شريعة تفرض علينا فرضا، كما لم ير بعض آخر أي بأس في أن يدافع بهذا القانون المجلوب ان كان إليه الدفاع، أو يطبقه في أحكامه ان كان إليه القضاء.
إن هؤلاء الاخوان في الدين، بصنيعهم في ناحية التشريع أو الدفاع أو القضاء، قد جعلوا ـ بلا ريب ـ الشرائع الوضعية في مرتبة أعلى من الشريعة الإسلامية التي تستند إلى القرآن والحديث. وأنه لا يستطيع انسان أن يظلم نفسه بأكثر من أن يرى هذا الرأي، وإن هذا لا يمكن أن يتفق ووصف المرء نفسه بالاسلام.
ثم يا أخي هناك مثُل أخرى لا نستطيع أن نعدها ولكن نعد منها، تقع ونحن شهود، ونعرف منها كيف نبتعد عن الإسلام من يوم إلى يوم.
وهنا قال صديقي: على رِسْلك الان، وحسبي اليوم ما سمعت، ولعل الله يجعل لنا من أمرنا رشدا.