/ صفحه 356/
ومن أن هذا رأي حادث في الأمة الإسلامية لم يقله أحد قبل ابن الصلاح، وهو رأي خاطئ مبني على خطأ.
كان المسلمون مجمعين على جواز تقليد أي عالم من علماء المسلمين، فجاء الإمام ونقل اجماع المحققين على منع تقليد أعيان الصحابة، لأنه ليس في وسع العامي أن يعرف غرضهم، وأن يفهم مقصودهم، ثم رتب ابن الصلاح على هذا وجوب تقليد الائمة الأربعة دون وسواهم، وبذلك نسخ حكم الاباحة الذي كان مستفاداً من إجماع المسلمين برأي ابن الصلاح المبني على إجماع المحققين.
ابن الصلاح هذا فقيه مقلد فكيف يؤخذ برأي فقيه مقلد ليس واحداً من الائمة الأربعة، وكيف ينسخ الاجماع برأي واحد لا يصح تقليده ولا الأخذ بقوله.
ليس لاجماع المحققين قيمة بين الأدلة الشرعية، فهي محصورة: كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع المجتهدين، والقياس على المنصوص، ولم يعدُّ أحد من الادلة الشرعية إجماع المحققين، فكيف برز هذا الاجماع، وأخذ مكانته بين الأدلة، وأصبح يقوى على نسخ إجماع المسلمين ؟
لم نعرف أحداً من العلماء، تكلم عن إجماع المحققين، وشروطه، وطريقة نقله، وهل هو ممكن أو مستحيلن وهل يمكن نقله، وهل يكفر مخالفه، وغير ذلك من القواعد التي وضعها العلماء لاجماع المجتهدين، فكيف مع هذا نأخذ من إجماع المحققين أحكاما شرعية تحصر الدين الإسلامي جميعة في أشخاص أربعة بعد أن كان الفقهاء لا يمكن عدهم في جميع العصور الماضية ؟
الاجماع الذي هو حجة معروف في كتب الأصول أنه اتفاق جميع مجتهدي عصر من العصور على حكم شرعي ظني، وليس يعنينا الان أن نبين إمكانه واستحالته، وإمكان نقله وعدم إمكانه، فهذا لا يدخل في بحثنا الان، ولكن نذكر شيئا واحداً وهو أن محققي العلماء يرون استحالة الاجماع ونقله بعد القرون الثلاثة الأولى نظرا لتفرق العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، واستحالة الاحاطة بهم وبآرائهم عادة، وهذا رأي واضح كل الوضوح لا يصح لعاقل أن ينازع فيه.