/ صفحه 368/
فلو عرف الحجاج أحكام الله على هذا الوجه فيما يختص بالدماء فتصدق من لم يطلب منه الذبح، وذبح من طلب منه الذبح، وفرقوا الذبح على الأماكن والايام، ثم تخيروا الذبيحة من غير العجاف والمرضى، وهيئوها بالسلخ والتقطيع لما كان لهذه الشكوى موضع، ولكن جرت سنتنا في التفكير أن نعد الوضع الذي جرت إليه العادات ـ وإن كان فاسدة ـ صورة للتشريع فنحكم عليه بالقبح، ثم نحاول التخلي عنه بالقضاء على أصله، وبذلك ندخل في باب من التغيير والتبديل في أحكام الله، ولا نلبث بعد ذلك أن نترك الشريعة كلها جانباً، باستحساننا الفاسد المبني على واقع جر إليه الجهل وعدم التنظيم.
وبعد: فان الكلام في هذا الموضوع ليس وليد اليوم، بل سبق أن تحدث فيه المرحوم الهلباوي بك مع فضيلة المغفور له استاذنا الأكبر الشيخ المراغي، فأحال فضيلته على بحثه من الوجهة الفقهية الشرعية، فعدت إلى فضيلته بعد البحث الطويل بأن الفقهاء جميعاً يعتبرون التعبد في هذه المسألة بإراقة الدماء، دون أن أرى في كلام واحد منهم ما يشير ـ ولو من بعيد ـ إلى جواز استبدال النقود بها، فاطمأن فضيلته إلى هذا وأقره، وقد عرضت على فضيلته اقتراحا هو:
أنه على فرض تكدس اللحوم ـ كما يقولون بعد مراعاة الأحكام الشرعية في زمان الذبح ومكانه، وطلبه وعدم طلبه ـ يجب على المسلمين ـ وفيهم والحمد لله موسرون كثير: ـ أن يعملوا على استخدام إحدى الوسائل الحديثة لحفظ هذه اللحوم وادخارها طيبة، ثم توزيعها على الفقراء المحتاجين في جميع الاقطار الإسلامية أن ضاق عنها القطر الحجازي، أو بيعها بأثمان تصرف فيما ينفع الفقراء والمساكين، أو في سبيل الله العامة، وإني اعتقد أن هذا المشروع متى كفله العاهلان العظيمان المؤمنان: عاهل مصر، وعاهل الحجاز، رأينا آثاره وانتفع الناس بثمراته في الموسم المقبل إن شاء الله.
هذا ما يجب أن ينزل عليه المسلمون في فهم أحكام دينهم، وفي تنظيم العمل بها والمحافظة عليها، والسلام على من اتبع الهدى.