/ صفحه 375/
في علم الكلام
وفيما وراء الطبيعة
لحضرة الدكتور عبد الحليم محمود
أستاذ التربية وعلم النفس بكلية اللغة العربية
لا يمكننا أن نحدد بالضبط تاريخ نشأة الأبحاث في المغيبات، ولكننا قد لا نعدو الصواب إذا قلنا انها نشأت منذ نشأة الإنسان على ظهر البسيطة، وقد لانعدو الصواب أيضاً إذا قلنا إنها منذ النشأة الاولى، قد اختلفت فيما يتعلق بمنهاج البحث، واختلفت فيما يتعلق بالنتيجة. وقد كان الاختلاف شاملا لكل المساتير، فمن انكار مطلق للأولوهية وللروح، إلى ايمان مطلق عام يغرق في الوهم ويبعد في الضلال حتى يصل إلى التخريف بأوسع معانية، وبين هذا وذاك مذاهب لا يحصيها العد: فمن تشبيه مطلق، إلى تنزيه مطلق، إلى تشبيه يشوبه التنزيه، أو تنزيه مشرب بالتشبيه، ومن حلول إلى اتحاد، ومن وحدة الوجود، إلى التفرقة بين العابد والمعبود، إلى مذاهب يبعث اختلافها الدوار في الرأس، وتبعث براهينها الشك في جميعها، الا من عصم ربي فوفقه إلى طريق الرشاد.
أجل:الا من عصم ربي، ذلك أن اتباع الطريق السوي توفيق من الله، وليس ذلك من اكتساب العبد، فالحلول ـ مثلا ـ عقيدة راسخة استساغتها البيئات المسيحية ـ وفيها من أساطين المفكرين ما لا يحصى ـ منذ ألفين من السنين، وقد تسابقت العقول في البرهنة عليها، حتى أقامتها على دعائم فلسفية منطقية خلبت عقول الملايين من بني البشر، فآمنوا بها، وضحوا في سبيلها.
والتشبيه قد برهن عليه ذووه ببراهين عقلية، وأخرى نقلية، ووحدة الوجود لها أنصارها المتحمسون لها الذين يرون ان ما عداها لغو أو ضلال.