/ صفحه 377/
ومن الواضح أن مذهب المعتزلة على ما فيه من روعة، ودقة، وجمال، وعلى ما أداه من خدمات جليلة في ميدان المنطق الجدلي، لا يقوم على أساس " معقول ".
العقل قاصر إذا فيما يتعلق بالاخلاق، وعلى الخصوص فيما يتعلق بالالهيات، ومن هنا كانت الحكمة في نزول الاديان، ومن هنا كان السبب في اقتصارها على الأخلاق والالهيات. وإذا كانت قد تحدثت في التشريع، فإن التشريع داخل في نطاق الأخلاق.
بيد أن الأديان إذا كانت قد اخذت موقفا حاسما فيما يتعلق بتحديد الخير والشر، فإنها في المغيبات لم ترهق الإنسان من أمره عسراً، فتوضح له ما ليس في مقدوره إدراكه، أو تبين له ما يسمو عن التبيان.
اما هذا الذي يسموا عن التبيان، فإنه ذلك النوع من المعرفة الذي لا يدخل في نطاق المحسوسات، وبالتالي لا يدخل في نطاق العقليات: أعنى المساتير.
لذلك رسمت الأديان في هذا المحيط إطاراً عاما فقط، وهذا الاطارالعام نفسه مبني بعضه على الحس، وهو داخل في نطاق الآيات المحكمات التي هي أم الكتاب: " لو كان فيهما آلهة الا لله لفسدتا " أما بعضه الاخر فهو المتشابهات " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ".
هناك إذاً إطار عام لا يرضى النفوس الطُّلَّعة، التي أبت ـ خطأ ـ ان تعترف بحدود للعقل، أو بقصور فيه، فبحثت داخل هذا الاطار فكان ما كان من تشعب، وفرقة، واختلاف. بماذا نفسر هذا الافتراق ؟
إننا لا نشك في أن رؤساء الفرق الإسلامية، معتزلة كانوا أم أشاعرة، وشيعة كانوا أم أشاعرة، وشيعة كانوا أم سلفيين، قد تشبعوا بإيمان راسخ، وحرارة دينية فائقة، وعقيدة لا تزعزعها الاعاصير، وقد اعتمدوا جميعاً على نصوص واحدة:كتاب الله، وحديث رسوله.
فلم كان الاختلاف ؟ ولم هذا التشعب الذي لا ينتهى ؟
لسنا ـ في تعليل ذلك ـ أمام مشكلة لا تحل، إذ الشأن في ذلك إنما هو الشأن